محمد فليفل (موسيقي)
محمد فليفل | |
---|---|
معلومات عن الخلفية | |
اسم الميلاد | محمد سليم فليفل |
وُلـِد | 1899 (العمر 124–125) بيروت ، لبنان |
الأصل | لبناني |
توفي | 1986 (aged 86–87) |
الأصناف | موسيقى عربية |
المهن | ملحن ، موسيقي |
محمد فليفل (1899-1985) ملحن لبناني ولد في بيروت ودرس فيها. ظهرت ميوله الفنية منذ الصغر متأثراً بأبيه الذي كان مؤذناً في مساجد بيروت. ذهب إلى إسطنبول 1915 ليشارك في الحرب العالمية الأولى كضابط احتياط.
عين بعد انتهاء الحرب ضابطاً في الدرك اللبناني، لكنه لم يجد نفسه في هذا المجال فاستقال ليوجه اهتمامه إلى الموسيقى، وسرعان ما استطاع إثبات وجوده كملحن من خلال عدة أعمال ناجحة. اشترك 1938 في مسابقة تلحين النشيد الوطني السوري التي دعا إليها الرئيس محمد علي العابد، ورفضت لجنة التحكيم في البداية الاستماع إلى لحنه؛ لكن عندما انتشر النشيد في أنحاء سوريا، رأت الحكومة أن تتبناه، وكافأت فليفل بمنحه وسام الاستحقاق.
استدعي إلى العراق لتدريس الأناشيد الوطنية، ثم إلى السعودية 1950. فاز في مباراة اختيار النشيد الوطني المصري 1959 كما لحّن النشيد الوطني اليمني السابق، إضافة إلى الكثير من الأناشيد الوطنية التي لا زالت تردد في المدارس العربية، منها "نحن الشباب" و«في سبيل المجد» وموطني (نشيد) الذي يغنيه الفلسطينيون كالنشيد الوطني والذي أصبح النشيد الوطني العراقي لاحقاً وقد شاركه أخوه أحمد فليفل في هذا المجال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحياة المبكرة
ولد الأخوان فليفل في حي الأشرفية في بيروت. الشقيق الأكبر محمد في عام 1899 وأخوه أحمد عام 1903 (في مرجع آخر، ولد محمد عام 1902 وأحمد عام 1906)، في بيت تنسما فيه، منذ الطفولة، عبق الفن وتشربا فيه روح النغم الشرقي الأصيل. فقد كان والدهما يتمتع بحس موسيقي فطري، ووالدتهما كانت ذات صوت حسن تحفظ التواشيح والإبتهالات الدينية والمدائح النبوية عن والدها الشيخ ديب، شيخ مؤذّني الجامع العمري الكبير في بيروت، وتترنم بها على مسامع أولادها قبل المنام ولا سيما في المناسبات الدينية.[1]
وسط هذه الألحان التراثية الأصيلة ترعرع الولدان وتفتحت موهبتهما الموسيقية التي فطرا عليها، وتجلى ولعهما المبكر بالموسيقى بتعلقهما بالفرق الموسيقية العسكرية التي كانت تجوب شوارع بيروت فينتظران مرورها من أمام منزلهما الأبوي بشغف
وفرح. واذا كانت عامة الناس اكتفت، يومذاك، بالوقوف الى جنبات الشوارع للفرجة، فإن الأخوين فليفل لم يكتفيا بهذه المتعة العابرة بل كانا يرافقان هذه الفرق في الذهاب والإياب الى منطقة السيوفي حيث كانت تعزف المقطوعات الموسيقية والمارشات العسكرية التركية. وبلغ من تعلقهما بهذه الفرق أن أخذا يلحّان على والديهما لاصطحابهما الى الحدائق العامة في ضواحي بيروت، ليتمتعا بما كانت تعزفه من الحان، في مواعيد ثابتة، كل يوم جمعة ويوم أحد، في منشية فرن الشباك وجنينة جسر الباشا في حضور المتصرف العثماني شخصيا.
هذه الاجواء الموسيقية العسكرية، إضافة إلى ما كانت تقدمه فرق موسيقية أخرى تعرّفا إليها، في ما بعد، وأعجبا بجمال عزفها، كانت الحافز لتحديد مسارهما، إذ وجدا نفسيهما مسوقين نحو دراسة الموسيقى وتعلم العزف على الآلاتها، فالتحق محمد بموسيقى دار المعلمين التركية، وأحمد بفرقة موسيقى دير المخلص حيث تعلم فيها العزف على البيانو وآلات النفخ.
ثم عمّق الاخوان فليفل دراستهما الموسيقية على أيدي أساتذة مشهود لهم بالعلم والكفاءة مثل الأب مارون غصن، والأستاذ بشارة فرزين، والإيطالي فريدريك ريتلي، كما تعلما دروس الهارموني على يد الأستاذ وديع صبرا. ولما كانت الحرب العالمية الاولى مستعرة الأوار والتجنيد الاجباري مفروضاً على رعايا الدولة العثمانية، استُدعي محمد فليفل الى الجندية سنة 1915 وأُلحق بمدرسة الضباط الاحتياط في اسطنبول، فاغتنم فرصة وجوده في عاصمة الدولة العثمانية ليتابع دروسه الموسيقية في دار الفنون وليتعلم العزف على بعض الآلات الموسيقية على يد الفنان التركي يوسف افندي.
فرقة الأفراح الوطنية
خلال هذه المرحلة كان أحمد فليفل يكمل دراسته الموسيقية في بيروت ويتابع تعلم العزف على البيانو وآلات النفخ، فلما انتهت الحرب عاد أخوه محمد الى بيروت وقد تخرج برتبة ملازم. فلما التقيا كانت اختمرت في ذهنهما فكرة تكوين فرقة موسيقية، فعملا بتصميم وثبات حتى تمكنا عام 1923 من تأسيس فرقة شبيهة بالفرق الموسيقية العسكرية التركية التي جذبتهما في طفولتهما، قوامها ستة وعشرون عازفا، اشتريا لها آلات النفخ والإيقاع من جيبهما الخاص وسمياها "فرقة الأفراح الوطنية".
باشرت الفرقة نشاطها في حديقة آل فليفل حيث أخذت تعزف الأناشيد والألحان الشائعة التي كانت في معظمها تركية، ثم صارت تشارك في احتفالات المدارس والجمعيات الأهلية الى أن توصلت الى العزف في بعض المناسبات الرسمية والوطنية. عن هذه الفرقة ودورها كتبت جريدة "المعرض" حينذاك: "هي الموسيقى الوحيدة في سوريا ولبنان المؤلفة من ستة وعشرين موسيقيا فنانا والتي نسمعها تصدح بحفلاتنا الوطنية وبأفراحنا الأهلية والمدرسية، برئاسة السادة فليفل أخوان الموسيقيين الشهيرين، فلا تقام حفلة من الحفلات إلا وللأساتذة فليفل أخوان يد فيها. وقد سمعناهم يشتركون بوقت واحد وبليلة واحدة بحفلتين عظيمتين: الأولى في الكلية الإسلامية والثانية في مدرسة الثلاثة أقمار، وبهذه الحفلات كانوا يجيدون أحسن إجادة ويطربون السامعين. ندعو للأخوين فليفل بالنجاح والتوفيق معترفين بتضحياتهم مقدرين جهودهم وأتعابهم على صفحات "المعرض" الزاهر، آملين مساعدتهم ومناصرتهم من كل وطني غيور مخلص لأمته ووطنه ليتمكنوا من اتحافنا بأكثر من ذلك، وليس ذلك على همتهم بعزيز، فحياهم الله وحيا جهادهم الشريف" (عدد 3 تموز 1929).
مرحلة الاناشيد الوطنية
حتى نهاية الحرب العالمية الأولى كانت البلدان العربية واقعة تحت الحكم العثماني، ثم بعد هذا التاريخ تحت سيطرة الانتداب الفرنسي والاستعمار البريطاني ، وكان من الطبيعي أن يكون الشباب العربي رافضا هذا الانتداب بل متألما أشد الألم من وطأته ويحس بالذل والهوان، وبخاصة بعد وصول رياح مبادئ الحرية التي كانت تهب من الضفة الاخرى لحوض المتوسط فتنعش الآمال بمستقبل سعيد وعيش رغيد. وأحس الأخوان فليفل بواجب المساهمة في تأجيج المشاعر الوطنية فاختارا بعض قصائد الشاعر عبد الرحيم قليلات، مدير البوليس في ذلك العهد، فلحنّاها ولقّناها لتلامذة المدارس الرسمية والخاصة في بيروت منها:
- يا حياةَ المجدِ عودي.. للحِمى طالَ المطال
- ارحمي الشرق وجودي.. لبَنيهِ بالوِصال
وفي منزل الشاعر قليلات كُتبت أجمل الأناشيد الوطنية والقومية، إذ تم التعارف بين الأخوين فليفل والطالب في الجامعة الأميركية الشاعر ابرهيم طوقان الذي كتب كلمات نشيدين خالدين هما "موطني" الذي أبدع الأخوان فليفل في تلحينه أيما ابداع، وما عتم ان صار على كل شفة ولسان. أما الثاني فكان نشيد "وطني أنت لي والخصم راغم" وهو موجه للوطن الفلسطيني. في مطلع النشيد الاول يقول الشاعر:
- موطني الجلالُ، والجمالُ، والسناءُ، والبهاءُ.. في رُباكْ
- والحياةُ، والنجاةُ، والهناءُ، والرجاءُ في هَوَاكْ
- يا رعاك
- سالما منعّما وغانما مكرّما.
- يا رعاك في عُلاك.. تبلُغُ السِماك.. موطني
بعد مؤتمر سايكس – بيكو الذي تم فيه اقتسام النفوذ في البلدان العربية ازداد تململ اللبنانيين وسائر العرب من ضغط الاحتلال ومساوئه وراح رجال البلاد وزعماؤها يؤمّون المحافل الدولية يطالبون بالاستقلال وبخروج الجيوش الاجنبية من البلاد. وامام مماطلة المستعمر ارتفعت وتيرة الضغط الشعبي وخرجت الجماهير الى الشوارع تعبر عن استنكارها ، وصارت التظاهرات الوطنية تجوب الشوارع في اكثر من عاصمة عربية تدعو المستعمر للرحيل وتطالب بالاستقلال الناجز.
في هذا الجو السياسي المشحون بالغضب والتمرد وامام حالة الغليان هذه، وجد الأخوان فليفل نفسيهما مطالبين بضخ المزيد من أناشيدهما التي تزكّي الروح الوطنية للوقوف في وجه الانتداب، فعكفا على تلحين العديد من الأناشيد الوطنية لشعراء كبار أمثال الأخطل الصغير، ابرهيم طوقان، سعيد عقل، عمر أبو ريشة، معروف الرصافي، أمين تقي الدين، شبلي الملاط، سابا زريق، عبد الحليم الحجار وفخري البارودي.
وفي مرحلة لاحقة لجورج غريب ونسيم نصر ومحمد يوسف حمود وسلام فاخوري وشفيق جدايل ووديع عقل وآخرين. كان الأخوان فليفل بارعين في اختيار أشعار أناشيدهما وتوقيع معانيها بحيث تأتي لتهز المشاعر، وتميزت هذه الأناشيد بالالحان الحماسية المعبرة عن المعاني والقيم الوطنية: "فالسادةُ الأحرار لا يُطيقون أطواق الحديد"، و"إن عيش الذُلّ والإرهاق أولى بالعبيد"، كما جاء في نشيد "في سبيل المجد" لعمر أبو ريشة، والشباب لن يكلّ همه أن يستقل أو يبيد... ونستقي من الردى ولن نكون للعدى كالعبيد، كما في نشيد "موطني" لطوقان. والشباب قد باع أرواحه للوطن دون ثمن، كما جاء في نشيد "نحن الشباب لنا الغدُ" لبشارة الخوري. هذه المعاني والكلمات ومثلها الكثير حفلت بها أناشيد فليفل أخوان وكلها تثير في النفوس الشابة الحمية والحماسة وتحرك الروح الوطنية التواقة للحرية والإنطلاق:
- فاذا دقّ النفير.. نملأ الدنيا زئير
- وحديدا ودخان (الأخطل الصغير)
وفي لبنان كان نشيد "الفخر في بلادنا" الذي كتب كلماته الشاعر عبد الحليم الحجار بمثابة النشيد الوطني الجامع لكل التيارات السياسية ولكل التظاهرات الوطنية حيث كان المتظاهرون ينشدون بحماسة :
- الموتُ في جهادنا.. خيرُ من استعبادنا
- نمشي على اكبادنا.. في الحادث الجَلَلْ
بدأت السلطات الفرنسية المنتدبة تبدي انزعاجها مما يقدمه الأخوان فليفل من أناشيد أحدثت تياراً متمرداً ثائراً أخذت دائرته تتسع يوما بعد يوم. الشرارة الأولى التي اشعلت غضب السلطات بدأت في العام 1940 عندما أطلقا من كلية المقاصد نشيد "العلى للعرب" من نظم عبد الحميد زيدان، الاستاذ المنتدب من مصر لتدريس اللغة العربية في الكلية. تقول كلمات النشيد:
- العُلى للعربِ.. الأُباةِ النُجُبِ
فلتكن خطوتنا.. فوق هامِ الشُهُبِ
- من يثربٍ أو جِلّقِ.. طاف الهدى في فَيْلَقِ
- بالغرب بعد المشرق.. فلنُحيي عهدَ العرب
- باتّحادِ الكَلِمِ.. وائتلافِ الهِمَمِ
- فاعتلاءُ القمم.. من سجايا العرب
- الدهرُ دارت دورتُهْ.. والمجدُ حانتْ عودتُهْ
- قد اسمعتنا دعوتُه..لبيكَ مجدَ العربِ
وصار صوت الطلاب المتقد بالحماسة يهدر كل صباح بهذا النشيد مما لفت انتباه المفوض السامي الفرنسي، لقرب مقره في قصر الصنوبر من مبنى الكلية، فطلب ترجمة كلماته. فلما اطّلع على مضمونه ومراميه استشاط غضباً وطلب من مدير الأمن العام الفرنسي طرد الأستاذ زيدان من لبنان وإرجاعه الى بلده، وهدد الأخوين فليفل بالسجن أو النفي اذا لم يتوقفا عن تلحين مثل هذه الأناشيد، لكنهما لم يتوقفا عن تأدية واجبهما الوطني، فما كان من المفوض السامي الفرنسي الا أن طلب من المشرف على وزارة المعارف الاستغناء عن خدماتهما فصُرفا من العمل. لكن سقوط الوزارة وتأليف وزارة جديدة جاء فيها جبران تويني وزيراً للمعارف ردّ للأخوين فليفل اعتبارهما وأعادهما الى وظيفتهما.
انتشرت أناشيد فليفل اخوان الوطنية ولاقت كل ترحيب من المجتمع الأهلي وأصبحت على كل شفة ولسان، وأقبلت المدارس على تعليم طلابها بما تجود به قرائح الأخوين الفنانَين. وقرّظت الصحف الصادرة في بيروت هذه الأناشيد ودبجت المقالات مشيدة بدورها الوطني والتربوي وبلونها الحديث والفريد.
وفي هذا المقام كتبت جريدة "لسان الحال" (22 أكتوبر، 1925): "ليس كالأناشيد الوطنية من مهذب لعواطف الناشئة ومثير للروح القومية. ويسعدنا أن ينشط بعض شعرائنا ورجال الموسيقى فينا الى نظم الأناشيد الوطنية وتلحينها ونشرها بين الناس لتحل محل تلك الأغاني السقيمة بمبناها ومعناها التي يتلهى فتياننا بإنشادها دون أن تؤثر في نفوسهم تأثيرا حسنا. وقد تلقينا من الأديبين فليفل أخوان الموسيقيين المعروفَين في الثغر أناشيد جميلة بكلماتها وألحانها. مجموعة جدير بطلبة المدارس أن يحفظوها فهي ترمي الى غايات سامية من توثيق على التآخي الوطني وترقية العواطف". وتوالت الأناشيد الوطنية يطلقها فليفل أخوان ويعممانها في المدارس والمعاهد فيسير الطلاب على وقعها في تظاهرات التحدي، حتى اذا تحقق الاستقلال وانزاحت الغمة عن الصدور هتفوا مهللين مع الشاعر شبلي الملاط:
- هلّلي يا بلادْ.. بالجَناحِ الطليقْ
- عيّدي باتحادْ.. وائتلافٍ وثيق
- إن من يَستقلّْ.. بالوغى واليراعْ
- معشرٌ لا يُذَلّْ.. وأبيٌّ شجاع
وفي عام 1944، وقبل العيد الأول للاستقلال، طلب رئيس الوزراء رياض الصلح من الأخوين فليفل نشيداً لافتتاح العرض العسكري، فلحّنا نشيد تشرين الذي كتب كلماته الشاعر نسيم نصر كأجمل هدية للبنان واللبنانيين في هذا العيد الكبير. ولا يزال الجيش اللبناني وسائر قوى الأمن تسير حتى اليوم على وقع لحنه خلال الاستعراض الوطني في عيد الاستقلال الذي يحتفل به لبنان في الثاني والعشرين من تشرين الثاني من كل عام:
- عيدُ البلاد وفجرُ العلم.. بِكْرُ الجهادِ وبَعْثُ الهِممْ
- تشرينُنا وحيُ الزمان.. سيفُ الإبا مُرْهَفٌ للمدى
- تشريننا غضبةُ الباتر.. وصيحةُ الحقِّ بالغادر
- في حَوْمَةِ الموطن الثائر.. مُرَوِّعاً جَحْفَلَ العِدى...
لحّن الاخوان فليفل مئات الأناشيد الوطنية والتربوية فضلا عن أناشيد معظم الاحزاب اللبنانية مثل النجادة، الكتائب، الطلائع، الفتوة، المرابطون والكشاف، وغيرها كثير. وفي أواخر الثلاثينات كلفهما رئيس جمعية "العروة الوثقى" في الجامعة الأميركية الدكتور قسطنطين زريق تلحين نشيد الجمعية الذي كتب كلماته الشاعر سعيد عقل وأحدث ضجة كبرى في المنتديات الثقافية والسياسية العربية. يقول مطلع النشيد:
- للنسورْ... ولنا الملعبُ والجناحان الخضيبان بنورْ... العُلا والعَرَبُ
- ولنا القولُ الأبي والسماحُ اليعرُبي... والسِّلاحْ
- ولنا هزُّ الرماحْ.. في الغضوب المشمسِ
- ولنا هزُّ الدُّنى.. قُبباً زُرقَ السّنا
- ولنا صَهْلَةُ الخيلِ.. من الهندِ الى الأندَلُسِ
وقد أقرّت يومها وزارة المعارف العراقية هذا النشيد رسميا في مدارسها وجامعاتها، وردده الشعب العراقي مع سائر الشعوب العربية في جميع المناسبات. وعندما تأسست الجامعة العربية أعلنت عن عزمها على وضع نشيد رسمي لها، فوقع اختيار اللجنة على قصيدة الشاعر المصري محمد المجذوب، وفي مباراة اللحن فاز الأخوان فليفل بالمرتبة الاولى. تقول كلمات النشيد:
- أشرق الفجرُ فسيروا في الضياء.. ودعا الحقُ فهبّوا للنداء
- إنه وحيُ السماء..إنه صوت الإباء
- بوركَ النورُ سرى في الغَيْهَبِ/مُعْلِناً مطلع شمسِ العربِ
- فاسكبوا البشرى بسمع الحِقَبِ
لم يقتصر عطاء الاخوين فليفل على الاناشيد الوطنية فحسب بل أوليا اهتمامهما الناحية التربوية بعدما شعرا بالحاجة الى توجيه الناشئة وحضهم على العلم والخلق الحسن فلحّنا العديد من الاناشيد ذات المضمون التربوي والاخلاقي والاجتماعي لكبار الشعراء وألّفا فرقة مختارة من طلابهما قدّمت مئات الحلقات التوجيهية التمثيلية الغنائية من الاذاعة اللبنانية.
فرقـة موسيقـى الـدرك
قبل العام 1942 لم يكن أنشئ بعد، في لبنان، فرقة موسيقية عسكرية رسمية، ففي العهد العثماني كانت الفرق العسكرية التركية هي التي تقوم بالمهمة ومن ثمّ فرقة المتصرفية، أما زمن الانتداب فكان لبنان يستعين بموسيقى "جيش الشرق" في المناسبات والاستقبالات الرسمية، فلما تولى الكولونيل سليمان نوفل قيادة الدرك عام 1940 وضع نصب عينيه ومن ضمن الترتيبات التنظيمية للسلك الوطني إنشاء فرقة موسيقية خاصة بالدرك اللبناني.
وفي إحدى المناسبات الرسمية في عهد الرئيس الفرد نقاش عام 1942 دعيت فرقة "جيش الشرق" للمشاركة في استقبال إحدى الشخصيات الأجنبية فاعتذرت لأسباب خاصة، كما ادّعت يومها، مما حدا بالحكومة اللبنانية، وإنقاذاً للموقف، الإستعانة بفرقة "الأفراح الوطنية" للقيام بالمهمة. ولما كانت هذه الفرقة مجهزة تجهيزاً كاملاً بالمعدات الحديثة ومدربة تدريباً فنياً ممتازاً، فقد أدّت دورها بشكل أثار إعجاب الجميع، مما شجع الكولونيل نوفل على الطلب من حكومة الرئيس سامي الصلح تأسيس فرقة موسيقية خاصة بالدرك يتولى أحمد ومحمد فليفل شؤونها وتنظيمها وتدريب أفرادها طبقاً للقوانين والنظم العسكرية.
في 16 يونيو 1942 تمت الموافقة على إنشاء هذه الفرقة فتألفت من خمسة وأربعين ضابطاً ورتيباً دركياً يتقاضى كل من اعضائها خمسا واربعين ليرة لبنانية شهريا على ان تقدّم الفرقة الآلات الموسيقية من دون اي تعويض للاستهلاك. ويصف المؤرخ النقيب جوزف نعمة تفاصيل ولادة هذه الفرقة فيقول: "ودخلت "فرقة الأفراح الوطنية" لأول مرة ثكنة ابرهيم الخوري، مقر القيادة العامة، وهي تعزف أناشيدها الشجية فاستقبلها القائد وضباطه بالترحاب وتأثر الضباط القدماء المخضرمون اذ تذكروا عند سماعهم أنغام موسيقاهم القديمة في زمن المتصرفية، وفسحوا لها مجالا في مقرها الجديد. وكان هناك فريق من الشبان الهواة فانضموا اليها بعد اكتسابها الصفة العسكرية. وأخذ الأخوان فليفل يدربان أفرادها على المارشات العسكرية، وألغي اسمها القديم فاصبح "فرقة موسيقى الدرك" (صفحات من لبنان، جوزف نعمة).
أدت فرقة موسيقى الدرك دورها على أفضل وجه وكانت مثار إعجاب الشخصيات الرسمية والسفراء المعتمدين. وهي عندما عزفت النشيد الوطني الأميركي لدى استقبال السفير الأميركي في إحدى المناسبات، أدته بكل دقة واتقان ما دعا السفير للإشادة بهذه الفرقة وقال لمرافقيه: "إنني أعجب لهذه الفرقة كيف استطاعت، على حداثة عهدها، عزف نشيد بلادي الصعب الإيقاع بهذا الاتقان". أما النشيد الوطني السوفياتي فله قصة أخرى. يروي أحمد فليفل أن الرئيس رياض الصلح استدعى الأخوين فليفل في أحد الأيام وأبلغ اليهما أن السفير السوفياتي سيقدم أوراق اعتماده بعد مدة لا تتجاوز الأسبوع.
ولما كان النشيد الرسمي السوفياتي السابق قد أُلغي والنشيد الجديد لم ينتشر بعد خارج البلاد فقد طلب منهما تدبر الأمر. وكان أن رصد الأخوان فليفل النشيد الجديد، من راديو موسكو، فدونّا نوطته ووزّعاه على الآلات الموسيقية توزيعا هرمونيا وأجريا التدريبات اللازمة عليه حتى أتقن الجنود عزفه. وفي اليوم المحدّد حضر السفير لتقديم أوراق اعتماده للرئيس ابشارة الخوري في حضور الرئيس رياض الصلح والزعيم سليمان نوفل، فعزفت موسيقى الدرك النشيد الروسي الرسمي باتقان بالغ الى درجة أن السفير لم يتمالك نفسه عند انتهاء العزف فتقدم، من فرط غبطته، وصافح الأخوين فليفل مهنئاً ومبديا شكره للرؤساء الحاضرين وسجّل إعجابه في سجل التشريفات. وبلغت فرقة موسيقى الدرك من العلم والتدريب والاتقان ما أتاح لها عزف مقطوعات من الموسيقى الكلاسيكية لسوبيه وشتراوس وتشايكوفسكي وباخ وشوبان وبوالديو، سواء في الاذاعة اللبنانية او في بعض الاحتفالات الرسمية. وكانت في كل مرة تنال الاستحسان والتقدير.
تكريم الأخوين فليفل
كرمت الفرقة العربية للأناشيد الوطنية الأخوين فليفل خلال احتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010 كما كرمهما نادي الجسرة الثقافي وأمين عام الاحتفالية وقدم الجميع جوائز تقديرية لممثل الأخوين فليفل المهندس جمال فليفل على مسرح قطر الوطني. كما دعتهما وزارة الثقافة الجزائرية في عدة مناسبات وطنية.
مصادر
مرئيات
الأخوان أحمد ومحمد فليفل ـ مارش نشيد الجيش. |