محمد سعيد عبد المقصود خوجة

(تم التحويل من محمد سعيد عبد المقصود)
محمد سعيد عبد المقصود خوجة

محمد سعيد عبد المقصود خوجة، من رواد الأدب وعلم الاجتماع والتأريخ خلال النهضة الفكرية في الحجاز. من مواليد 1324هـ/1906م في مكة المكرمة. اشتغل بالصحافة، وكان من رواد المقال فيها. كتب بإسم مستعار، هو الغربال مخاطباً مجتمعه الحجازي ومعالجا قضاياه الحياتية اليومية بمنظار النقد الاجتماعي الموضوعي لتنقية عادات المجتمع من الشوائب تماماً كما ينقي "الغربال الحَبِّ".

أدار تحرير صحيفة أم القرى أربع سنوات. وكيف تسلم عمله بالمطبعة الحكومية، وفيها آلة طباعة واحدة تُدار باليد، فتركها وهي إدارة يحسبها الناس، دولة في وسط دولة، كما عبَّر أحد كبار الموظفين، شغل بها لا أفكار والناس، ثم كيف أرسل بعثة فنية إلى مصر وألحقها باخرى، وبنى داراً للمطبعة حالت الظروف دون تمامه.

ولد في مكة المكرمة عام 1324هـ، وكان والده عالماً أزهرياً، ومعلماً شارك في تأسيس ((مدرسة النجاح الأهلية)) في جدة 1317 هـ. تلقى ((محمد سعيد))، تعليمه الأولي في إحدى المدارس الابتدائية بمكة المكرمة، ثم في مدرسة الفلاح الشهيرة. والتحق بحلِق المسجد الحرام حيث درس علوم الدين واللغة العربية على أيدي علماء أفاضل شهد لهم لتاريخ بالتفوق العلمي، والعطاء المثمر لكل من لازمهم. وللاستفادة من علوم الحساب، والخط، التحق بكُتَّاب الشيخ ((إبراهيم خلوصي))، ومكث فيه مدة عامين. أُولع منذ صغره بقراءة الكتب الأدبية التاريخية، وخاصة كتب التراث، وكان دائم الاطلاع على الصحف والمجلات الخارجية التي كانت تصل إلى الحجاز بانتظام مثل: ((الرسالة، والهلال، والرواية، والمصورة))، وكذلك الصحف المحلية: ((أم القرى، صوت الحجاز، المدينة، ومجلة ((المنهل)).

وبعد تكامل جوانب البناء المعرفي والاستعداد لخوض غمار الحياة العملية أصبح ((محمد سعيد)) مديراً لجريدة ((أم القرى))، الحكومية سنة 1345هـ.

وتعتبر إدارته لجريدة ((أم القرى))، ومطبعتها نقطة تحول في تاريخها. فمنذ ارتباطه الإداري بالمطبعة، وهبها كل حياته، وسعى إلى تطويرها حتى غدت ميداناً واسعاً يشتعل حركة وعطاءاً خيِّراً في مجال فن الطباعة، رعاها بكل أمانة وإخلاص وضم إليها كل من توسََّم فيه حب العمل والصبر على متاعبه. أمَّا جريدة ((أم القرى)) التي صدرت في 15 جمادي الأولى عام 1343 هـ، الموافق 12 ديسمبر عام 1924م، فقد كانت ـ إبَّان رئاسته لتحريرها، من عام 1350هـ، إلى عام 1355م، ـ ميداناً ومتنفساً للأدباء ((الذين باركت حماستهم ونشرت لهم ما كانوا يكتبون من شعر ونثر))، وازدهرت في أيامه ((المقالات والبحوث التي تتناول الأدب والتاريخ أو تنتقد بعض العيوب الاجتماعية، وطرق التعليلم البالية)).

ويُعد الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود ـ رحمه الله ـ من مخضرمي العهود التركية والهاشمية والسعودية مما أهلَّه ليكون في الطليعة من الروَّاد الذين كان على أيديهم إيقاظ الأدب الحجازي من غفوته التي طال بها الأمد حتى بات أشكالاً بالية تعبث فيها أيدي العاجزين. وفي عام 1355هـ، اضطلع مع زميله عبد الله عمر بلخير بمهمة إعداد وإصدار كتاب ((وحي الصحراء))، الشهير، والذي تناول فيه حياة وأدب عدد من الشعراء والأدباء السعوديين، ليكون ((صفحة صادقة من الادب العصري في الحجاز))، وكتب مقدمته الأديب المعروف الدكتور محمد حسين هيكل واصفاً إياه بأنه ((مجموعة من مختار الأدب الحديث في الحجاز، وهي تضم من الشعر والنثر ما جادت به قرائح طائفة من شباب بلاد كانت مهد الأدب العربي ومتنزل الوحي على النبي العربي صلى الله عليه وسلم، وما تزال مطمح أنظار الأمم التي تتكلم العربية وتدين بالإسلام)). وكانت للأستاذ محمد سعيد نشاطات أدبية في المجتمع منها ((حفل التعارف)) الذي كان يقيمه بمنى في اليوم العاشر من ذي الحجة لكبار شخصيات الحجاج من علماء وأدباء وسياسيين، وكان رجال الفكر من المسلمين العرب وغير العرب يُقبلون على هذه الندوة ويعدُّونها بمثابة احتفال العيد والحج.

وكانت له يد معطاء في طباعة الكثير من كتب التراث مثل كتاب ((تاريخ مكة))، للأرزقي ـ تحقيق رشدي ملحس. وهو أول من فكر في طباعة ((مصحف مكة المكرمة))، وكانت أمنيته أن يرى المصحف الشريف مطبوعاً في مطبعة ((أم القرى))، لكنه رحل إلى جوار ربه الكريم قبل إتمام هذا العمل الجليل.

كما صدر في عهد إدارته للمطبعة ((تقويم أم القرى))، الذي يُعمل به حالياً. وقد كتب مقالات إجتماعية مؤثرة تحت الاسم المستعار ((الغربال))، ليخاطب به مجتمعه، ولما لهذا الاسم من دلالة توحي بمصداقية الطرح، ومعالجة القضايا الحياتية اليومية بمنظار النقد الاجتماعي الموضوعي، لتنقية عادات المجتمع من الشوائب. وكان أول من نادى بضرورة الكشف الصحي قبل الزواج، ودعا إلى بناء مناهج دراسية تتمشى مع متطلبات الحاضر.

ويعتبر بحثه ((الأدب الحجازي والتاريخ))، الذي نُشر على حلقات في جريدة ((أم القرى))، أول محاولة لتتبع الأدب في الحجاز منذ العصر الجاهلي حتى العصر الحاضر، بطريقة منهجية حديثة، تربط الأدب بالتاريخ. وقد ألف عنه ـ بعد سنين طويلة من رحيله ـ الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين، الناقد والأديب المعروف وأستاذ الأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض كتاباً بعنوان ((محمد سعيد عبد المقصود خوجة، حياته وآثاره))، صدر عام 1404هـ، وتحدث الكاتب الأستاذ حسين عاتق الغريبي عن سيرته، وجمع آثاره الأدبية والتاريخية والاجتماعية في مؤلفين الأول بعنوان: ((الغربال))، والثاني: ((المجموعة الكاملة)) لآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجة، الأول صدر في عام 1420هـ، والآخر في عام 1422هـ. ويعمل الأستاذ الغريبي حالياً في مشروع بحثي يضم كافة ما كُتب عن الأديب الراحل في المصادر الصحفية المحلية والعربية، وما تناولته الآراء النقدية حول آثاره الأدبية وفي مقدمتها كتاب ((وحي الصحراء)) الذي صدر عام 1355هـ، بالاشتراك مع زميله معالي الأستاذ عبد الله بلخير ـ رحمهما الله ـ.

تميَّز الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود بالنبوغ المبكر والعبقرية الفذة. يقول عنه الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين: ((عندما تنظر في البحوث الأدبية التي كتبها ابن عبد المقصود، تجد أنها تدل دلالة واضحة على أن الرجل قد بلغ مبلغاً ممتازاً في أسلوب البحث الأدبي، وحين نعرف أنه حين كتب هذه البحوث كان في الخامسة والعشرين ـ تقريباً ـ من عمره، وحين نضم إلى هذا وذاك ما كان عليه أدباء عصره في الحجاز في تلك الأيام من إقبال أكثرهم على التأثر بأدباء المهجر ومصر والشام وتقليدهم لهم، ومجيء أدبهم على نحو من أدب أولئك مع ما كان يعتري نثر ناشيء الحجاز في تلك الأيام من تخلخل في اللفظ والأسلوب.. عندما ننظر إلى هذا كله نجد أننا أمام عبقرية فذة خرجت على معايير زمانها، وأتت بما هو في الذروة من البحث الأدبي، فكراً ولفظاً وأسلوباً وطريقة بحث)). وهذه شهادة جديرة بالتوثيق التاريخي لأنها صادرة من أديب قدير وناقد جهير يدرك الأدباء والنقاد مكانته المرموقة في الساحة الأدبية.

وللأستاذ محمد سعيد عبد المقصود أعماله الخيرية التي يبادر بها في كل مشروع إنساني يعود على مجتمعه بالنفع والصلاح، طمعاً في الأجر والثواب، وتحفيزاً للآخرين على العمل الصالح، ومما ذكره الدكتور محمد بن سعد بن حسين في كتابه عن الأديب محمد سعيد ((إنه في عام 1350هـ، التحق بالحسبة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وهو أول من التحق بها من أهل مكة، وكان الناس يعجبون من أمر هذا الشاب الطويل، الأبيض الوسيم العصري الأديب، الذي يدور على أرباب المحلات ويلزمهم بالقيام إلى الصلاة، وذلك لأنه ما كان يلتحق بهذا العمل إلا من جاوزوا مرحلة الشباب، وكان هو إذ ذاك في السادسة والعشرين)).

ولا تكفي هذه العجالة لاستعراض إنجازات هذا العَلم، ويمكننا تلمس بعضها فيما ذكره بعض معاصريه ومنهم:

1 ـ الأستاذ: عبد الله عريف، الذي قال عنه: ((كان رحمه الله حياة في الحياة، وكان نسيج وحده في الشباب، وما أريد بهذا ـ والله ـ أن أذم الأحياء لحساب الأموات، ولكن محمد سعيد ـ كما يعرفه كل أحد ـ كان أمة وحده في هذه البلاد)). كالبدر من حيث التفت رأيته يهدي إلى عينيك نوراً ثاقباً

2 ـ وقال عنه الأستاذ فؤاد شاكر أحد رؤساء تحرير جريدة أم القرى: ((كان كاتباً اجتماعياً وسياسياً قوي التفكير، فكان يُغذي الصحافة في أوقات كثيرة بمقالات طريفة شائقة في شتى المواضيع، كانت موضع إعجاب القراء والأدباء ومحل اهتمامهم واستفادتهم، وقد شارك مشاركة كبيرة في الحركة الأدبية الحديثة)). 3 ـ كما قال عنه الأستاذ عبد القدوس الأنصاري: ((كان شعلة من الذكاء، وكان طريقه إلى السمو فيما يقوم به من عمل هو الانكباب على الدراسة والعمل المتواصل إشباعاً لرغبات نفسه الطموح)). 4 ـ وقال فيه الأديب عزيز ضياء: ((كان إنساناً، يملأ علينا حياتنا في تلك الفترة التي عشناها قبل الحرب العالمية الثانية، وعلى التحديد بعد أن أسس الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ المملكة العربية السعودية)). 5 ـ ويقول عنه الأستاذ محمد حسين زيدان: ((كان حظياً في جريدة أم القرى ومن العجيب أن تكون الحظوة من يوسف ياسين رشدي ملحس، فقد سدَّ المكان الذي سدَّه حيث استمرت ((أم القرى))، جريدة رسمية وفاتنة الخطوة من الجرأة والصراحة)).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتبه

من مؤلفاته:

  • كتاب (المسائل الحاروية) وهو من أشهر الكتابات الاجتماعية المكيّة.
  • كتاب (وحي الصحراء) وهو تأريخ غني للحجاز ومكة المكرمة.


من مقدمة كتاب المسائل الحاروية

إن مُدوِّني التاريخ الحجازي اهملوا المسائل الحاروية اهمالاً ضاع عليه بسببه كثير من الحوادث التي نعتقد انها لو دونت لاستطعنا ان نعرف بها كثيراً عن حالة الحجاز الاجتماعية.. إلا ان بعض مؤرخي الحجاز تطرق لذكر نتف يسيرة من هذه الاخبار، فقد ذكر الفاسي في تاريخه شفاء الغرام وابن فهد في اتحاف الورى، والسنجاري في منائح الكرم، والغازي في افادة الانام، وغير هؤلاء ممن لا يحضرني ذكرهم بعض الحوادث الحاروية التي كانت تقوم فتن عظيمة بسببها والتي كان لها اتصال بالسلطة الحاكمة اما المنازعات التي كانت تنشب بين الحارويين أنفسهم فقلما تعرضوا اليها بخبر اللهم إلا النزر الحجازي اليسير.. اما العوائد -العادات- والقوانين الحاروية فقد بقي أمرها مجهولاً في التاريخ، اقول هذا لاني لم اطلع على شيء من ذلك.