محمد دفتردار

رجالي المدينة الأديب محمد دفتردار(1322-1392هـ)

محمد بن محمد سعيد بن يحي بن محمد سعيد بن عمر بن علي بن عبدالرحمن دفتردار (10 ذوالقعدة 1322هـ/1905 - 29 ربيع الأول 1392هـ/1972) كاتب ومربي ومؤسس مدارس في المدينة المنورة. وكان من رواد الربيع الحجازي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسرة الدفتردار

تعد اسرة الدفتردار أوعلى لفظ المدنيين الدفتدار من الأسر العريقة من حيث العلم والفضل وهي ثابتة القدم في المدينة . قال الأنصاري عنهم في التحفة: بيت الدفتردار " ي " . أصلهم العلامة الفاضل علي أفندي بن عبد الرحمان الرومي المجاور الصالح الفالح , قدم المدينة المنورة في حدود سنة 1140 . وكان شريكنا في طلب العلوم وبرع في المنطوق منها والمفهوم . وكان صاحب ثروة وحسن الخط والحظ , وله أخلاق رضية وكمالات مرضية وهمة علية . توفي سنة 1184 . وأعقب من الأولاد : محمدا وأبا بكر وعمر . وقال المرادي في السلك :علي بن عبدالرحمن الإسلامبولي الأصل والمولد الحنفي , الشهير بالدفترداري , الشيخ الفاضل العالم الكامل البارع .

والدفترداري : نسبة فارسية بتركيب تركي يشبه رئيس الديوان وهو من أعلى مناصب الدولة . وذكر المترجم له في ترجمة جده يحي أن جد الاسرة (حسن باشا الدفتردار قانة باق ) من أصل بلقاني هاجر إلى حماة ومنها إلى المدينة المنورة في عام 1100هـ.

اقول : إلا أني وجدت في كتاب ذكريات طيبة للأديب المدني هاشم محمدسعيد دفتردار وهو أخو المترجم له ما ينص على أن أسرة الدفتردار يعود نسبها إلى الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه. وهذا أمر ليس بغريب فأهل البيت وابناء الصحابة قد تفرقوا في البلاد لحكمة إلهيه كي ينشروا هذا الدين الحنيف . ولقد ترجم المرادي والجبرتي والحموي لبعض آل الدفتردار المدنيين ونعتوهم بالعلم والفضل والأدب وكمال الدين وسعة الثروة والفضل .

اقول : وقد نص الأنصاري على تعقيب جميع أولاد علي أفندي الدفترداري, وهم : أبو بكر , ومحمد , وعمر , إلا أنه لانعرف اليوم إلا عقب ابنه عمر المتوفي سنة 1194هـ , وجميع آل الدفترار الموجودن بالمدينة اليوم من عقبه .

و كنت قد كتبت في كتابي أعلام من أرض النبوة الجزء الأول ترجمة عن الشيخ يحي جد المترجم له , وترجم له أيضاً حفيده الشيخ محمد , وسبقنا من قبل الداغستاني في مخطوطة تحفة الدهر فمن اراد الاستزاده فليراجع.


لفتة تاريخية

أقول : يظن الكثير من الناس أن محمد سعيد هو اسم مركب لعلمنا لكن الصحيح ان اسمه محمد واسم ابيه محمدسعيد.

مولده

ولد الدفتردار بالمدينة المنورة في 10 ذوالقعدة سنة 1322هـ وعندما بلغ الثامنة إلتحق بكتاب السنبلية الشهير وحفظ القرآن الكريم وبه أتمه وجوّده بالجزرية سنة 1332هـ , وصلى به التراويح بالمسجد النبوي سنة 1333هـ , أي وعمره عشر سنوات وهذه كانت عادة أهل وأسر الحجاز بعد إتمام ختم القرآن يصلي الحافظ التراويح ويحتفل به ذويه والعلماء ويوزعون في يوم التختيم الحلوى والهدايا بتلك المناسبة فرحمة الله على تلك الايام .


نشأته وحياته

وعندما نشبت الحرب العالمية الاولى وحاصر فخري باشا المدينة وأجلى أهلها إلى الشام والأناضول كانت أسرة المترجم له ضمن من هاجر إلى دمشق , فالتحق الشيخ محمد بمدرسة الصنائع ثم أنتقلت أسرته إلى لبنان واستقرت في بيروت , فدرس هناك بعض العلوم العربية والدينية , ثم أن أخاه هاشم قرر الرحيل إلى مصر والإلتحاق بجامعة الأزهر. وبالفعل إلتحق وتخرج وعاد إلى لبنان وعمل مدرساً بمدارسها وواعظاً في جوامع بيروت , فقرر المترجم له السفر إلى القاهرة والتحق بجامعة الأزهر سنة 1348هـ. ومكث هنالك قرابة العشر سنوات ودرس على الطريقة النظامية إبتدائي وثانوي وقسم عالي في كلية اللغة العربية وتخرج حاصلاً على الشهادة العالمية سنة 1359هـ وحصل على أجازة التدريس العام .

الدفتردار معتمد المعارف

عاد الشيخ الدفتردار إلى المدينة بعد غياب دام أكثر من ربع قرن , فعمل مدرسا في كثير من المدارس وكان له دور كبير في إثراء الحركة التعليمية بالمدينة المنورة , فقد أسس في المدينة المنورة وضواحيها وملحقاتها ما يقرب من 30 مدرسة , وعندما راى المسؤلين همته وإخلاصه في العمل صدر أمر بتعيينه معتمداً للمعارف نظراً لجهوده المبذولة , كما اسند إليه إدارة المدرسة الثانوية التى كان تأسيسها على يديه , ثم أسس المعهد السعودي بالمدينة والقسم الداخلي وكل هذه المدارس والمعاهد والاقسام كانت تحت إدارته وتوجيهه فأصبح رائد الحركة التعلمية الحديثة بالمدينة


الدفتردار من رواد الأدب الحجازي

لقد عج الحجاز في تلك الفترة بالأدباء وجيل المدرسة الحديثة الجامعة بين التقليد والعصر الحديث فالدفتردار من أدباء الحجاز وشعرائه المخضرمين , فقد اهتم بتاريخ الأدب العربي , وأعاد كتابته بلغة عصره حيث أنه تميز بمنهجه القويم الذي سار على نهجه الكثير من الأدباء المدنيين من بعده , جمع بين مدرسة الحجاز القديمة وعصر التجديد الحديث ضمن التيارات الأدبية المتنوعة والتى تستقر في منطقة الحجاز فكل الأدباء والشعراء باختلاف منهجهم يتأثرون بعوامل الأدب الحجازي حيث العراقة واختلاف الحضارات مع مرور الدول على مدى الأزمنه فالدفتردار أديب حجازي أصيل عاش طفولته بالحجاز وشاعرمخضرم تاثر بهجرته إلى عدة مناطق مما جعل له إجادة نثريه فهو من أوائل القصصين , ولا شك أن لهذا الرجل وجيل الرواد المدنيين من جيله كان لهم الدور الكبير في تأسيس أسرة الوادي المبارك , والتي كانت لنادي المدينة الادبي فيما بعد .

والحقيقة أن الرجل لم يكرم من بين أولئك الجيل فقد كان بسيطاً في مسلكه وملبسه ونجد أن النوادي الأدبية وكثير من الجهات المتخصصة وبالأخص وزراة الإعلام قد تجاهلت ابناء المدينة المنورة رغم بروز المدنيين عن غيرهم فسبحان الله ما الحكمة من ذلك.


الدفتردار رِجالي المدينة

لقد تميز الدفتردار بكتابة التراجم بأسلوب رائع , وقل في ذلك الزمان أن تجد رجل يكتب مثل ما كان يكتب الدفتردار , لقد تميز بمصادقية ما كتب فهو يصور لك حياة المترجم له بواقعية فيجعلك تعيش معه وكأنك عشت معه فلا يدخل في أساطير الرجال أو الزعماء ولا يبالغ في مدح الرجال بل إنه يعطي كل ذي حق حقه , اضف إلى سلاسة الأسلوب وعدم استخدام الألفاظ المعقدة فلا تجد التعقيد أو الالتواء , وقد أعتنى عناية خاصه بكل من كتب عنهم ولم يكن يهتم بمشاهير الرجال فحسب ,بل إنه يكتب عن أولئك المغمورين ويكشف لنا عن سيرهم وقد انقطع باب التراجم من حيث التأليف من القرن الثاني عشر الهجري , وإن كان هناك من كتب فإما من بين مخطوط لم يرى النور أو مسودات موروثه في ايدي المدنيين في مكتباتهم الخاصة , إلا أن الدفتردار الرجالي المميز قد استحضر الكثير من التراجم ولم يختص بوقت معين , وكأنه على حسب اطلاعي اختار من القرن العاشر حتى الرابع عشر فكانت تراجمه لعلماء وأدباء وأعيان المدينة المنورة لم يذكر غير محاسنهم وسكت عن أخطائهم أو هفواتهم .


رجالي مكة عمر عبد الجبار

الأديب المكي عمر عبد الجبار (1320-1391هـ

فلم نجد في الحجاز من كتب مثل ما كتب الدفتردار غير ان المكيين قد اهتموا بثراث رجالهم فنجد الرجالي المكي عمر عبد الجبار كتب بمدرسة مخالفه عن الدفتردار وكانت تراجمه بشكل تقليدي وهذا ليس عيب، إلا أن فن كتابة السير والتراجم يكون حافزاً للأجيال القادمة كلما كتب بأسلوب شيق وقد نشر عبد الجبار ما كتب باسم سير وتراجم بمسمى جميل في كتابه (دروس من ماضي التعليم وحاضره بالمسجد الحرام ) ثم أصدر الكتاب بعدة طبعات منقحه بأسم (سير وتراجم من رجال القرن الرابع عشرالهجري) ولعل الكتاب يعد موسوعة للقاصي والداني بالرغم من صغره إلا أنه استوفي الكثير من العلماء المكيين لاسيما أنه راى النور فلم يكن في طي المخطوط أو الموروث, وهذا من باب الشيء بالشيء يذكر. ومما لاشك فيه أن الدفتردار هو موسوعة رجالية مدنية لتراجم الراحلين وقد استكتب من لحق بهم في حياته , وقد كشفت رساله كتبها الدفتردار إلى السيد الأديب علي حافظ يطلب منه ترجمته ورسالة أخري من رفيق دربه الاستاذ عبد الحق نقشبندي تعنى نفس الامر , إلا أن الرسالة الدفتردارية كما ذكرها الاستاذ عبد القدوس الأنصاري تنص على ما يلي: إن المدة التي أستغرقت تأليف كتابي أعلام المدينة المنورة "هي 30 عاماً" ثم عدد اسماء المترجم لهم فيه , وقد أحصيتهم فكان مجموعهم نحو 320 أديبا وعالماً وشاعرا ومرجعا.

أقول : وقد نُشر بعض هذه التراجم في جريدة المدينة ومجلة المنهل وعدد ما نشر تقريباً نيف وخمسين ترجمة. والحقيقة أني عندما أردت الكتابة عن علماء وأعلام المدينة , بعد انقطاع هذا الباب بوفاة الدفتردار لم يكن أمامي إلا ثلاثة مراجع هامة : وهي إدراك المعمرين , واخذ المعلومات الشفهية من ذوي المترجم لهم , ومقالات الدفتردار، فكم من بيت ذهبت إليهم وقالوا لا نعلم إلا ماكتبه الدفتردار فينا , وهذا يدل على أن الرجل عني بالأمر خير عناية , فكنت عيال عليه , والأمر الذي حيرني طوال هذه السنوات هو عدم ظهور تلك الموسوعة واستغرابي لماذا لم يهتم ابناء الاسرة الدفتردارية بنشر تراث والدهم رحمه الله. وقد حدثني الاستاذ عبد الرحمن بن محمد دفتردار في زيارتي له منذ زمن بعيد ان الموسوعة موجوده وستطبع وعلمت قبل ذلك اجتهاد الحافظين على وعثمان والأنصاري والنقشبندي وسعيهما لأظهارها. ولكن لم يحالفهم التوفيق.

أقول لم أجد مبرراً مقناعاً لاخفائها في الدولايب أو الخزائن طيلة أكثر من ثلاثين عاما! , فالله أسال إن يسخر أبنائه الكرام ويقيضهم لنشر هذا التراث كي يكون في القريب العاجل بين أيدي الناس .

مؤلفاته

لقد أصدر الدفتردار عدة كتب حال حياته وسوف أذكر بعضها فيما

(تاريخ الادب العربي)

(قصة الافندي)روايه

(ذخائر (المدينة المنورة في اسمائها وفضائلها واعية زيارة اثارها الشريفة)مخطوط

(قصة المجيدي الضائع)روايه

(الحاجة فلحه)روايه

(محاضرات دينية)

(مذكرات من تاريخ العرب قبل الاسلام)

(نصوص مختارة)

وفاته

لقد عاش الدفتردار حياة كريمة يحب العلم والأدب وكانت اسهامته في مجالي التعليم والفكر ظاهرة , وهو على حاله في منزله البسيط بمحلة باب المجيدي من بين كتابة التاريخ والتأليف والعبادة وأداء الصلوات , حتى وافته المنية في يوم 29 ربيع الأول 1392هـ ودفن في بقيع الغرقد في موكب حافل اشترك فيه العلماء والوجهاء والأعيان ورثاه الأدباء والشعراء فكان فقيداً للعلم والأدب

المصادر

  • ترجمة مخطوطة زودني بها نسابة المدينة الشريف أنس الكتبي.
  • بن سلم : موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين, 1/ 361.
  • الأنصاري : تحفة المحبين , ص52
  • هاشم دفتردار:ذكريات طيبة ,
  • الزركلي :الاعلام ,145/6.
  • علي حافظ :فصول من تاريخ المدينة , ص49
  • عمر عبد الجبار، جريدة البلاد ,15 / 8 / 1379 ه
  • مجلة المنهل 33: 473, السنة 38 ص 583، في المنهل 33: 786 .