ليبانيوس

ليبانيوس كما تُخـُيـِّل في نحت خشبي في القرن الثامن عشر.

ليبانيوس Libanius (باليونانية: Λιβάνιος, Libanios؛ ح. 314-ح. 394) كان معلم خطابة ناطق باليونانية في أواخر الامبراطورية الرومانية، وكان وثنياً متعلماً من المدرسة السوفسطائية في امبراطورية تحولت إلى المسيحية. وصلنا منه ستّ وخمسين خطابًا، ومعظم هذه الخِطَب خيالي وبعضها الآخر أخلاقيّ. ومعظم الخطب كان قد ألقاها خلال فترة تعليمه وترتبط بحياته كمعلّم. ومن بينها أيضًا خطب تتكلّم عن المدن العظيمة مثل: مديح أنطاكية. ومن بين خطبه أيضًا: مديح رثاء يوليانوس. ولدينا من أيضًا 1607 رسالة موجّه بعض منها إلى الأباطرة والبعض الآخر إلى أساتذة البلاغة أو الفلاسفة أو إلى بعض الأساقفة. وتُعتبر هذه المؤلّفات مراجع هامّة لمعرفة حياة الأساتذة والطلاّب في تلك الحقبة، ولمشاكل ومعاناة ذلك العصر ولفساد القضاء.

ليبانيوس Libanius كان حامل لواء السوفسطائيين في القرن الرابع وكان مولده في أنطاكية عام 314؛ ولكنه انتزع نفسه من أمه المولعة به، ووفد إلى أثينة للتعلم والدرس، ولما عرض عليه في بلده أن يتزوج من وارثة غنية إذا بقي فيها قال إنه يرفض الزواج من إلهة إذا حال بينه وبين رؤية دخان أثينة(15). ولم يكن يرى أن معلميه في هذه المدينة أنبياء ملهمون بل كان يراهم مجرد منبهين إياه للتأمل والتفكير، ولهذا فقد علم هو نفسه وسط متاهة من الأساتذة والمدارس. وبعد أن ظل يحاضر وقتاً في القسطنطينية ونقوميديا عاد إلى أنطاكية (354)، وأقام فيها مدرسة ظلت مدى أربعين عاماً أشهر مدارس الإمبراطورية وأكثرها طلاباً. وقد بلغ من الشهرة (كما يؤكد لنا هو نفسه) حداً جعل الناس يتغنون بالفقرات الأولى من تعاليمه(16). وكان من بين تلاميذه أميانوس مرسلينس والقديس يوحنا كريسستوم والقديس باسيلي St. Basil. وكان يستمتع برضاء الأمراء المسيحيين، وإن كان يخطب ويكتب في الدفاع عن الوثنية، ويقرب القرابين في الهياكل. ولما أضرب خبازو أنطاكية عن العمل اختاره الطرفان المتنازعان حكماً بينهما؛ ولما ثارت أنطاكية على ثيودوسيوس الأول اختارته المدينة المعذبة ليدافع عن قضيتها أمام الإمبراطور(17). وقد طالت حياته ما يقرب من جيل كامل بعد أن اغتيل صديقه يوليان المرتد، وبعد أن انهارت دعائم النهضة الوثنية.

وتشكلت وثنية القرن الرابع بأشكال مختلفة: فكان منها المثراسية، والأفلاطونية الجديدة، والرواقية، والكلبية، وكان منها الطقوس المحلية التي تقام لآلهة المدن أو الريف، ثم فقدت المثراسية مكانتها، ولكن الأفلاطونية الجديدة ظلت ذات قوة وأثر في الدين والفلسفة. وكان للعقائد التي كساها أفلوطين ظلاً من الحقيقة -كالقول بوجود نفس ثلاثية تؤلف بين الحقائق كلها وتربطها برباط واحد؛ وبالعقل أو الإله الوسيط الذي قام بعملية الخلق، والروح وهي بوصفها الجزء القدسي، والمادة وهي الجسم ومبعث الشر، وبمناطق الوجود التي هبطت على درجاتها غير المنظورة النفس البشرية من الله إلى الإنسان، والتي تستطيع أن ترقي عليها من الإنسان إلى الله- كان لهذه العقائد والأفكار الصوفية الخفية أثرها في آراء الرسولين بولس ويوحنا وفي كثير ممن حذا حذوهما من المسيحيين، وفي تشكيل كثير من العقائد المسيحية الخارجية على الدين القويم. وقد ضم إيامبليخوس Iamblichus من أهل خلقيس Chalcis السورية المعجزات إلى الشعائر الخفية في الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، فقال أن الرجل المتصوف لا يكتفي بإدراك الأشياء التي لا تدركها الحواس بل أنه -بفضل اتصاله بالله في أثناء نشوته- قد أصبحت له مواهب ربانية من السحر والإطلاع على الغيب. ثم جمع مكسموس الصوري تلميذ أيمبلقوس بين دعوى المواهب الصوفية والوثنية المؤمنة المخلصة الفصيحة التي انتصرت على يوليان وأخضعته لسلطانها. وإلى القاريء فقرة من أقوال مكسموس يدافع فيها عن استخدام الأوثان في العبادات الوثنية ويرد على استهزاء المسيحيين بها:

«

"الله الأب الذي صور كل ما هو كائن أقدم من الشمس ومن السماء، وأعظم من الزمان، ومن الخلود ومن مجرى الكينونة، لا يستطيع أن يسميه مشترع أو أن ينطق به صوت، أو أن تراه عين، لكننا نحن لعجزنا عن إدراك جوهره نستعين بالأصوات، والأسماء، والصور، وبالذهب المطروق، والعاج، والفضة، وبالنبات، والأنهار، وبالسيول، وقلل الجبال في إشباع حنينا إلى معرفته؛ ونداري عجزنا بأن ننحت من الطبيعة أسماء لكل ما هو جميل في هذا العالم... فإذا ما تاق يوناني لأن يتذكر الله حين يبصر تحفة فنية من عمل فدياس أو تاقت نفس مصري لهذه الذكرى فعبد الحيوان، أو مجد غيرهما ذكراه بعبادة نهر أو نار، فإن اختلافهم عني لا يغضبني؛ وكل ما أطلبه منهم أن يلاحظوا وأن يذكروا، وأن يحبوا.

- مكسموس الصوري»

وكانت فصاحة ليبانيوس ومكسموس من الأسباب التي جعلت يوليان يرفد من المسيحية إلى الوثنية، ولما أن اعتلى تلميذهما عرش الإمبراطورية، هرع مكسموس إلى القسطنطينية، وأنشد ليبانيوس في أنطاكية نشيد النصر والفرح:

«

"ها نحن أولاء قد عدنا حقاً إلى الحياة، وهب على الأرض كلها نسيم السعادة عندما حكم العالم إله حق في صورة إنسان".

- ليبانيوس»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.