لوكرشس

(تم التحويل من لكريشيوس)
لوكرشس
الفلسفة الغربية
الفلسفة الإغريقية
Lucretius (artist's impression)
الاسم الكاملتيتوس لوكرشس كاروس
Titus Lucretius Carus
ولدح. 99 ق.م.
توفيح. 55 ق.م.
المدرسة/التقليدالإپيقورية
الاهتمامات الرئيسيةالأخلاق، الميتافيزيقا
أفكار مميزةفي طبيعة الأشياء De rerum natura

تيتوس لوكرشس كاروس Titus Lucretius Carus (ح. 99 ق.م.- ح. 55 ق.م.) كان شاعراً رومانياً وفيلسوفاً. وقال إن العمل الوحيد المعروف له هو ملحمة قصيدة فلسفية عن المذهب الأبيقوري De rerum natura, ترجمت إلى الإنجليزية بإسم حول طبيعة الأشياء. لوكريشَسْ (حوالي 99- 55 ق.م). شاعر وفيلسوف روماني نظم قصيدة فلسفية علمية اشتهرت على مر الأجيال عنوانها: حول طبيعة الأشياء. وقد كتب الشاعر القصيدة لتخليص البشرية من الخرافات ومخافة الموت، أو هكذا زعم. ولقد ساعد أسلوبه المُفعم بالحيوية، الزاخر بالعاطفة على جعل القصيدة إحدى روائع الأدب اللاتيني.

استلهم لوكريشيس موضوع القصيدة من مبادئ وتعاليم الفيلسوف اليوناني إپيقور. وتعكس القصيدة الغايات الأبيقورية في أن يكون للإنسان عقل رزين متحرر من الخوف اللامعقول. كذلك تقدم القصيدة تفسيرًا منطقيًا لبعض الظواهر الطبيعية كالزلزال، والرعد وغيرهما حتى لا يُعتقد أنها ظواهر خارقة للطبيعة. الاسم الكامل للشاعر هو: تيتوس لوكريشيس كاروس. هناك رواية تزعم أن الشاعر فقد عقله بعد تجربة عاطفية. وأنه كتب أشعاره في الأوقات القصيرة التي كان عقله يستعيد فيها سلامته وصحته، وانتهت به الحال إلى الانتحار. ولم يؤكد الدارسون صحة هذه القصة، إلا أن أشعاره تشجب بمرارة عاطفة الحب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياة لوكريشيس

And now, good Memmius, receptive ears
And keen intelligence detached from cares
I pray you bring to true philosophy

في طبيعة الأشياء (tr. Melville) 1.50

If I must speak, my noble Memmius,
As nature's majesty now known demands

في طبيعة الأشياء (tr. Melville) 5.6

لايعرف الكثير عن حياة لوكريشيس ; الحقيقة الوحيدة المعروفة هو أنه إما يكون صديقا أو عميلاً (رومانى قديم) Gaius Memmius, الذى كرس له أو أهدى إليه في طبيعة الأشياء. آخر يند من المعلومات موجود في رسالة شيشرون كتب إلى أخيه كوينتوس في فبراير 54 ق.م. كتب شيشرون: "قصائد لوكريشيس هي كا تكتب: إنها تظهر ومضات من العبقرية والبذل كسيت بثوب من الريادة والتميز." وبوضوح في فبراير 54 ق.م. كلا من شيشرون وشقيقه قرآ حول طبيعة الأشياء . إلا أن الأدلة الداخلية من القصيدة تشير إلى أنها نشرت بدون مراجعة نهائية، وربما يعود ذلك الى وفاة صاحبها المبكرة . اذا كان هذا صحيحا ، يجب أن يكون وكريتيوس قد توفى في فبراير54 ق م.

Virgil writes in the second book of his Georgics, clearly referencing Lucretius,[1] "Happy is he who has discovered the causes of things and has cast beneath his feet [subiecit pedibus; cf. Lucretius 1.78, religio pedibus subiecta, "religion lies cast beneath our feet"] all fears, unavoidable fate, and the din of the devouring Underworld."

لم يغفل الناس الأدب وسط هذا الانقلاب العنيف في أحوال البلاد الاقتصادية ونظم حكمها وأخلاقها، كما أنه لم يكن بمنجاة من حمى ذلك العهد وما فيه من دوافع قوية. من ذلك أن ڤارو Varro ونپوس Nepos قد وجدا السلامة في دراسة الآثار القديمة وفي البحوث التاريخية. وعاد سلست من حروبه ليدافع عن حزبه ويغشى أخلاقه بستار من المقالات الأدبية الرائعة. ونزل قيصر من عليائه على رأس الإمبراطورية ليكتب في النحو ويواصل حروبه في شروحه Commentaries، وحاول كاتلس وكالڤس Calvus أن يجدا في الحب وفي الغزل ملجأ يعصمهما من أعاصير السياسة، وفر لكريشيوس وأمثاله من ذوي القلوب الضعيفة والنفوس المرهفة الحس إلى حدائق الفلسفة، وغادر شيشرون من آن إلى آن حرارة السوق العامة ليهدئ أعصابه ويروح عن نفسه بين صفحات الكتب. ولكن أحداً من هؤلاء لم يجد ما ينشده من السلام لأن الحروب والثورات كانت تطغى عليهم جميعاً. وما من شك في أن لكريشيوس نفسه قد أحس بالقلق الذي يصفه في الفقرة الآتية:

"إن عبئاً يثقل عقولهم وجبلاً من الشقاء يرسو فوق قلوبهم... ذلك أن كلاً من لا يعرف ما يريد فيعمل دائباً لتبديل مكانه ظناً منه أن في استطاعته أن يلقى حمله عن عاتقه. فهاك رجلاً قد مل الحياة في منزله، فتراه يخرج من قصره بين الفينة والفينة، ولكنه لا يجد نفسه في خارج الدار أحسن منه حالاً في داخلها فيعود إليها فجأة، فتراه مسرعاً يسوق جياده إلى بيته الريفي لا يلوي على شيء.. ولكنه لا يكاد يجتاز عتبة الدار حتى يتثاءب أو يحاول نسيان متاعبه في النوم العميق. وقد بلغ به الأمر أن يعود من فوره إلى المدينة. وهكذا يفر كل امرئ من نفسه، ولكن نفسه التي لا يستطيع الفرار منها تزيد التصاقاً به رغم إرادته كما هو المنتظر منها، وهو يكره نفسه لأنه وهو إنسان مريض لا يعرف سبب شكواه. وكل من يستطيع أن يرى هذا بوضوح يطرح عمله من ورائه ظهرياً، ويسعى قبل كل شيء لفهم طبيعة الأشياء.

وكل ما نعرفه عن حياة تيتس لكريشيوس كارس Titus Lucretius carus هو قصيدته. ولم يشأ أن يذكر في هذه القصيدة شيئاً عن نفسه؛ أما فيما عداها فإن الأدب الروماني يغفل إغفالاً عجيباً شأن رجل من أعظم رجاله إذا استثنينا إشارات قليلة في مواضع منه مختلفة. وتحدد الرواية المأثورة تاريخ مولده بعام 99 أو 95، وتاريخ وفاته بعام 55أو 51 ق.م، أي أنه عاش نحو خمسين سنة من سني الثورة الرومانية: سني الحرب الاجتماعية، ومذابح ماريوس، وإرهاب صلا، ومؤامرة كاتلين، وقنصلية قيصر. وكانت الأرستقراطية التي ينتمي إليها في الأغلب الأعم آخذة في الانحلال البادي للعيان؛ وكان العالم الذي يعيش فيه يتصدع ويتردى في الفوضى التي لا يأمن فيها أحد على حياته أو ماله. وقصيدته حنين منه إلى الراحة الجسمية والسلامة العقلية.

ولجأ لكريشيوس من متاعب العالم إلى الطبيعة والفلسفة والشعر. ولعله أيضاً قد عرج على الحب، فإذا كان قد وقع له شيء منه فما من شك في أنه لم يوفق فيه، لأنه يقسو في كتابته على النساء، ويشهر بفتنة الجمال، وينصح الشباب المتعطش لإشباع شهواته بأن يسد مطالب الجسد بالاختلاط الجنسي الهادئ الطليق(2). وكان يجد في الغابات والحقول، وفي النبات والحيوان، وفي الجبال والأنهار والبحار، كان يجد في هذه كلها بهجة لا يعادلها إلا شغفه بالفلسفة. وكان مرهف الحس سريع التأثر كوردسورث Wordsworth، قوي الإدراك مثل كيتس Keats، توحي إليه المدرة أو ورقة الشجرة، كما توحي لشلي Shelley، علم ما وراء الطبيعة. وكان لجمال الطبيعة ورهبتها وكل ما يتصل بهما أثره فيه، فكانت تحرك عواطفه صور الأشياء وأصواتها، ورائحتها ومذاقها؛ وكان يحس بصمت المرابض الخفية، وسدول الليل الهادئ، وطلوع النهار المتثاقل. وكان كل شيء طبيعي أعجوبة الأعاجيب في نظره- ماء ينساب على مهل، ونبات يخرج من البذور، وتغير دائم في الجو، ونجوم في السماء ثابتة لا تحول، وكان يرقب الحيوانات في شغف وعطف، ويحب ما فيها من صور القوة والجمال، ويحس بآلامها، ويعجب من فلسفتها التي لا تعبر عنها الألفاظ. ولم ير قبله شاعر عبر عن جلال العالم وما حواه من تباين دقيق وقوة متناسقة ملتئمة، بمثل ما عبر عنه هو. فهنا كسبت الطبيعة في آخر الأمر معاقل الأدب، وأفاضت على شاعرها قدرة على الوصف لم يفقه فيهما إلا هومروس وشكسبير.

وما من شك في أن هذه الروح الحساسة التي تستجيب إلى ما حولها من المؤثرات قد تأثرت تأثراً عميقاً بخفايا الدين ومظاهره الخلابة، ولكن الدين القديم الذي كان فيما مضى دعامة قوية لكيان الأسرة والنظام الاجتماعي قد فقد ما كان له من سيطرة على الطبقات المتعلمة في رومه، فقد كان قيصر مثلاً يبتسم في لطف وهو يمثل دور الكاهن الأكبر، كما كانت مآدب الكهنة متعة الأبيقوريين الرومان. وكان من الأهلين أقلية صغيرة تكفر بالآلهة الرومانية جهرة، وكان بعض الساسة الرومان يقوم بالليل ويحطم أصنام الآلهة، كما كان يفعل ألقبيادس Alcibiades في أثينا(3). أما الطبقات الدنيا فإن الطقوس الرسمية لم تعد تلهم الكثيرين من أفرادها أو تخفف عنهم أحزانهم، فأخذوا يهرعون إلى الهياكل الملطخة بالدماء والتي كانت تعبد فيها "الأم الكبرى" الفريجية، أو الإلهية ما الكبدوكية، أو بعض الآلهة الشرقية التي جاء بها الجنود أو الأسرى من بلاد الشرق إلى إيطاليا. وتطورت الفكرة الرومانية القديمة عن "أوركوس" Orcus، وهي التي كانت تمثلها في صورة مكان تحت الأرض يأوي إليه الموتى بلا تمييز بينهم، فصاروا يعتقدون بوجود جحيم حقيقي "ثرتاروس Tartarus" أو أكيرون Acheron يعذب فيه الناس جميعاً عذاباً أبدياً إلا طائفة قليلة تولد من جديد وتبدأ حياة جديدة في مجتمع جديد(4). وقد نظر الشمس والقمر على أنهما إلهين، وكان كل كسوف وخسوف يحدث لهما يبعث الرعب في القرى المنعزلة وفي قلوب الكثيرين من الأهلين، وأقبل العرافون والمتنبئون الكلدان على إيطاليا يجوسون خلالها ويستطلعون طلع المعدمين والأثرياء على السواء، ويكشفون عن الكنوز المخبأة وعما يخبئه المستقبل، ويفسرون الأحلام والفؤول تفسيراً ماؤه الحذر والغموض، أو الملق النافع. وكانوا يبحثون كل ظاهرة طبيعية غير مألوفة، ويدعون أنها نذير تنذرهم به الآلهة. وكان الدين الذي يعرفه لكريشيوس هو هذا الحسد العظيم من الخرافات والطقوس والنفاق.

فلا عجب والحالة هذه إذا اشمأزت نفسه منها، وثارت عليه، وهاجمه بكل ما في قلب المصلح الديني من جرأة وحماسة.

وفي وسعنا أن نحكم على مقدار ما كان يعمر قلبه أيام شبابه من تقي وإيمان، وما أصابه بعدئذ من خيبة رجاء، إذا عرفنا مقدار ألمه الشديد من حال الدين وقتئذ. فقد أخذ يبحث لنفسه عن دين يعوضه عما فقده من إيمانه بالدين القديم، فتنقل من تشكك إنيوس Ennius إلى قصيدة أنبادقليس الرائعة التي شرح فيها مبدأ التطور وتنازع الأضداد. ولما عرف آراء أبيقور خيل إليه أنه عثر على جواب المسائل التي كانت تحير عقله، وبدا له أن الرجل الحر يجد في ذلك الخليط العجيب من المادية وحرية الإدارة، ومن الآلهة المرحة والعالم الذي لا يؤمن بالآلهة، جواباً عما ينتابه من شكوك ومخاوف. ولاح أن نسمة من نسمات التحرر من المخاوف السماوية تنبعث من حدائق أبيقور، وتكشف عن سلطة القانون العليا واستقلال الطبيعة بشؤونها وسلطانها على مصائرها، ومن أن الموت أمر طبيعي لا تلام عليه. ولذلك اعتزم لكريشيوس أن ينتزع هذه الفلسفة من النثر القبيح الذي صاغها فيه لكريشيوس ويصهرها فيخرجها شعراً، ثم يقدمها لمعاصريه على أنها هي الطريقة المثلى، وهي الحقيقة، بل هي الحياة نفسها. وكان يحس أن في نفسه قوة نادرة مزدوجة- فيها إدراك العالِم الموضوعي، وعاطفة الشاعر الذاتية؛ ويرى في نظام الطبيعة بأكمله سمواً، وفي عناصرها جمالاً، بشجعان ويبرران هذا التزاوج بين الفلسفة والشعر. وقد أبرز هذا الهدف العظيم الذي كان يعلم له جميع قواه الكامنة وسما به إلى مستوى رفيع فذ من الرقي الفعلي، ثم تركه قبل أن يبلغ هذا الهدف منهوكاً خائر القوى، أو لعله تركه ناقص العقل مخبولاً. غير أن كدحه الطويل المبهج المطرب قد حباه بسعادة استحوذت عليه فصب فيها كل ما كان كامناً في روحه الدينية من إخلاص عميق.

ولم يختر لكريشيوس لقصيدته عنواناً شعرياً بل اختار لها عنواناً فلسفياً هو: De Rerum Natura "في طبيعة الأشياء"، وهي ترجمة بسيطة لعبارة Peri Physeos (عن الطبيعة) التي اختارها الفلاسفة قبل سقراط اسماً عاماً لرسالاتهم. وبعد أن كتبها قدمها لأبناء كيوس مميوس Caius Memmius في عام 58 ق.م لتكون لهم سبيلاً هادياً يخرجهم من الخوف إلى الإدراك. وقد حذا في طريقة عرضه لما احتوته من الآراء طريقة أنبادقليس في ملحمته، كما احتذى في تعبيره لغة إثيوس العجبية الخالية من الزخرف والتجميل، واختار لها الوزن السهل الصالح للتعبير عن مختلف الأغراض، وهو الوزن السداسي الأوتاد. ثم نسي إلى حين إهمال الآلهة شؤون الناس وتباعدها عنهم فبدأ بدعوة حارة موجهة إلى فينوس إذ خالها رمزاً للرغبة المبدعة، ولطرائق السلم كما كانت محبوبة أنبادقليس فقال:

يا أم شعب إنياس، يا بهجة الخلق والآلهة، أي فينوس المغذية المربية!.. إن جميع الأحياء تحمل بها أمهاتها وتلدها، ثم تنظر إلى الشمس عن طريقك أنت. وإذا أقبلت فرت الرياح أمامك، وتبددت سحب السماء؛ إليك ترفع الأرض ذات المعجزات أزهارها الجميلة، وإليك تضحك أمواج البحر وتتلألأ السماء الصافية بالضياء الشامل. ذلك أنه إذا ما بدت تباشير النهار في فصل الربيع وهبت ريح الجنوب المخصبة فأكسبت كل الأشياء نضارة وخضرة، هللت لك طيور الهواء أولاً ورحبت بقدومك، أيتها الإلهة المقدسة، لأن قوتك قد نفذت في قلبها، ثم أخذت القطعان البرية تقفز فوق المراعي التي تفرح بقفزها، وتعبر الجداول السريعة الجريان، وهكذا يصبح كل واحد منها أسير جمالك ويسير في ركابك أينما سرت، ثم تبعثين بالحب الجميل في صدور كل المخلوقات من خلال البحار والجبال والأنهار الجارية، وأوكار الطير بين أوراق الشجر والحقول الخضراء؛ وتوحين إليها بأن تتناسل وتخلد أنواعها. وإذ كنت أنت وحدك تتحكمين في طبيعة الأشياء، وبغيرك لا يرتفع شيء إلى شواطئ الضوء اللامعة، ولا يوجد شيء بهيج أو جميل؛ فإن نفسي تتوق إليك لتكوني شريكتي في كتابة هذه الأبيات.. ألا فامنحي أيتها الإلهة ألفاظي جمالاً لا يدركها الفناء، واجعلي في خلال ذلك الوقت أعمال الحرب الوحشية تنام وتسكن... وإذا ما استند المريخ إلى جسمك المقدس فانحني حوله من عليائك، وصُبِّي الألفاظ الحلوة من فمك، واطلبي نعمة السلام إلى الرومان(5).


وفاة لكريشس

وكيف مات لكريشيوس؟ يقول القديس جيروم Saint Jerome إن "لكريشيوس قد جن على أثر تجرعه دواء يولد الحب، بعد أن كتب عدة كتب. مات منتحراً في الرابعة والأربعين من عمره"(28). وليس لهذه القصيدة ما يؤيدها، ويشك الكثيرون في صحتها، ولسنا نعتقد أن قديساً يستطيع أن يروي رواية عن حياة لكريشيوس منزهة عن الهوى. وقد وجد بعضهم ما يؤيد هذه القصة في قصيدته نفسها؛ ذلك أن منها شواهد على الذهن المكدود غير الطبيعي، فضلاً عن أن موضوعاتها مهوشة غير منظمة، وأنها مقتضبة تنتهي انتهاء فجائياً غير متوقع(29). ولكن الإنسان ليس في حاجة إلى أن يكون لكريشيوس- ولكريشيوس دون غيره- لكي يكون حاد المزاج سريع التهيج، مهوشاً، ولكي يموت.

نهجه

لقد كان لكريشيوس كما كان يوربديز رجلاً من الطراز الحديث، وكان تفكيره وإحساسه يوائمان عصرنا الحاضر أكثر مما يوائمان القرن الأول قبل ميلاد المسيح. وقد تأثر به هوارس وفرجيل في أيام شبابهما، وهما يذكرانه من غير أن يبوحا باسمه في كثير من عباراتهما الجزلة، ولكن الجهود التي كان يبذلها أغسطس لإعادة الدين القديم قد جعلت هذين الشاعرين وهما صنيعتا أغسطس يريان أن ليس من الحكمة أن يعبرا في صراحة عن إعجابهما بلكريشيوس ويعترفا بما في عنقهما له من دين يضاف إلى هذا أن الفلسفة الأبيقورية لن تكن توائم العقل الروماني، كما كانت أعمال الأبيقوريين توائم الذوق الروماني في عصر لكريشيوس ، فقد كانت رومه في حاجة إلى رجل ذي فلسفة ميتافيزيقية يمجد القوى الصوفية الباطنية لا القوانين الطبيعية، والى عالم أخلاقي ينشئ شعباً حربياً كامل الرجولة لا شعباً من أصحاب النزعة الإنسانية المحبين للسلم والهدوء؛ وكانت في حاجة إلى فلسفة سياسية شبيهة بفلسفتي فرجيل وهوراس، تبرر سيطرة رومه الإمبراطورية. ولما بعث الدين من جديد بعد سنكا كاد الناس ينسون لكريشيوس، ولم يبدأ يظهر أثره في الفكر الأوربي إلا بعد أن كشفه بجيو Poggio من جديد في عام 1418 ب.م. وقد أخذ طبيب من مدينة فيرونا Varona يدعى جيرولامو فراكستورو Girolamo Fracastoro (1483-1553) عن الشاعر نظريته التي يقول فيها إن المريض ينشأ من "بذور" Semina خبيثة تسبح في الهواء، وفي عام 1647 أحيا جاسندي Gassndi الفلسفة الذرية. وكان فلتير يقرأ في طبيعة الأشياء في خشوع ويقول كما قال أوفد Ovid إن ما فيها من أبيات ثورية سيبقى ما بقيت الأرض(30).

وقد خاض لكريشيوس بمفرده أقسى الوقائع في زمانه ونعني بها إحدى وقائع الحرب الأبدية بين الشرق والغرب، بين "القلب الحنون" والإيمان الباعث للسلوى المخفف للأحزان من جهة، والعقل العنيد الجاسي والعلم المادي من جهة أخرى. ولسنا في حاجة إلى القول بأنه أعظم الشعراء الفلاسفة، وأنه هو الذي سما بالأدب اللاتيني ما سما به كاتلس وشيشرون إلى ذروة مجده؛ وبه انتقلت زعامة الأدب نهائياً من بلاد اليونان إلى روما.

انظر أيضاً

المصادر والملاحظات

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  1. ^ M.F. Smith, "Introduction", De rerum natura, Loeb Classical Library

مراجع

  • Lucretius. De Rerum Natura. (3 vols. Latin text Books I-VI. Comprehensive commentary by Cyril Bailey), Oxford University Press 1947.
  • On the Nature of Things, (1951 prose translation by R. E. Latham), introduction and notes by John Godwin, Penguin revised edition 1994, ISBN 0-14-044610-9
  • Lucretius (1971). De Rerum Natura Book III. (Latin version of Book III only- 37 pp., with extensive commentary by E. J. Kenney- 171 pp.), Cambridge University Press corrected reprint 1984. ISBN 0-521-29177-1

الروابط الخارجية

Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بلوكرشس، في معرفة الاقتباس.