لامية العرب

لامية العرب، قصيدة طويلة من عيون الشعر العربي، ومن أشهر قصائده قديماً وحديثاً، للشاعر الشنفري، أحد الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، ومطلعها:[1]

أقيموا بني أمي صدور مطيكم     فإني إلى قوم سواكـم لأميلُ
فقد حُمّتِ الحاجاتُ والليلُ مقمرٌ وشُدّتْ لِطِيّاتٍ مطايا وأرحل


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شرح القصيدة

وتقع في ثمانية وستين بيتاً، وتأتي شهرة هذه القصيدة من المعاني التي تضمنتها، فكثير منها مما يفخر به العربي، لأنها حملت معظم القيم والأخلاق الحميدة التي يحبّ العربي أن يتجمّل بها وأن تُذكر على أنها من صفاته، كما أنها «تصور تصويراً حياً حياة الصعلوك الجاهلي وروحه البدوية الوحشية»، وتُعَدّ أحد المتون اللغوية المهمة.

ويزعم بعض الرواة والباحثين أن هذه القصيدة ليست للشنفرى، وإنما نظمها خلف الأحمر، ونسبها إليه، واستدلوا على ذلك ببعض الآراء التي لا ترتقي إلى درجة القطع واليقين، مما يُبقي على نسبتها إلى الشنفرى.

وقد حظيت هذه القصيدة باهتمام الرواة والعلماء قديماً وحديثاً، واستشهدوا بكثير من أبياتها في كتب اللغة والأدب، واختاروا أبياتاً منها في بعض المجاميع الشعرية وكتُب الاختيارات، كما أنهم أفردوا شروحاً مستقلة لها زادت على خمسة عشر شرحاً، وممن شـرح هذه القصيدة: المبرّد (ت. 285هـوثعلـب (ت. 291هـوابن دريـد321هـوالتبريزي (ت. 502هـوالزمخْشري (ت. 538هـوالعُكبَري (ت. 616هـوابن زاكور المغربي (ت. 1121هـ). وقد طبع عدد من هذه الشروح، منها: «أعجب العجب في شرح لامية العرب» للزمخشري، وشرح «لامية العرب» للعكبري، و«نهاية الأرب في شرح لامية العرب» لعطاء الله بن أحمد المصري الأزهري (ت بعد 1188هـ)، و«تفريج الكُرب عن قلوب أهل الأدب في معرفة لامية العرب» لابن زاكور.

«وتناولها المستشرقون فدرسها بتوسع گيورگ ياكوب Georg Jakob ونُشرت دراسته في ميونخ سنة 1914-1915، كما طُبع نص اللامية في هانوڤر سنة 1923، إضافة إلى دراسة دي ساسي de Sacy ودراسة المستشرق الألماني نولدِكه Nöldeke لها… كما ترجمت إلى لغات عدة كالبولندية والألمانية والفرنسية والإنگليزية».


الأبيات

تبدأ القصيدة بالحديث عن نيّة الشاعر الارتحال عن قومه الذين لم تعجبه حياتهم، ليلتحق بالوحوش التي يرى أن الحياة بينها أفضل، ثم يتحدث عن بعض أخلاقه فيقول:


وإن مُدّتِ الأيدي إلى الزاد لـم أكن     بأعجلهم إذ أجشعُ القـوم أعجـل


ويتحدث عن عُدّته التي أغنته عن قومه، وهي قلبه الشديد وسيفه وقوسه، ويستمر في تعداد صفاته وأخلاقه وقوته ورباطة جأشه، ومن ذلك قوله:

أُديم مطـال الجـوع حتـى أميتـه     وأضرب عنه الذكر صفحاً فأذهل
وأستفُّ تُرْبَ الأرض كي لا يَرى له عليَّ من الطَّولِ امـرؤٌ متطـوِّل


ومن أبياتها:

وفي الأرض منأًى للكريم عن الأذى     وفيهـا لمن خـاف القِلى مُتعزّل


ويلحظ الدارس أن لغة الشنفرى في هذه القصيدة تنتمي برمتها إلى محيطه البدوي بحيوانه وصحرائه، ولذا كثرت فيه الألفاظ الغريبة، كقوله:

دعست على غطشٍ وبطشٍ وصحبتي     سعـار وإرزيزٌ ووجـرٌ وأفكل


القصيدة كاملة

أقيموا بني أمي صدور مطيكم      فإني إلى قوم سواكم لأميل
فقد حمت الحاجاتُ ، والليلُ مقمرٌ وشُدت ، لِطياتٍ ، مطايا وأرحُلُ؛
وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ
لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ
ولي ، دونكم ، أهلونَ : سِيْدٌ عَمَلَّسٌ وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جيألُ
هم الأهلُ . لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ لديهم ، ولا الجاني بما جَرَّ ، يُخْذَلُ
وكلٌّ أبيٌّ ، باسلٌ . غير أنني إذا عرضت أولى الطرائدِ أبسلُ
وإن مدتْ الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم ، إذ أجْشَعُ القومِ أعجل
وماذاك إلا بَسْطَةٌ عن تفضلٍ عَلَيهِم ، وكان الأفضلَ المتفضِّلُ
وإني كفاني فَقْدُ من ليس جازياً بِحُسنى ، ولا في قربه مُتَعَلَّلُ
ثلاثةُ أصحابٍ : فؤادٌ مشيعٌ ، وأبيضُ إصليتٌ ، وصفراءُ عيطلُ
هَتوفٌ ، من المُلْسِ المُتُونِ ، يزينها رصائعُ قد نيطت إليها ، ومِحْمَلُ
إذا زلّ عنها السهمُ ، حَنَّتْ كأنها مُرَزَّأةٌ ، ثكلى ، ترِنُ وتُعْوِلُ
ولستُ بمهيافِ ، يُعَشِّى سَوامهُ مُجَدَعَةً سُقبانها ، وهي بُهَّلُ
ولا جبأ أكهى مُرِبِّ بعرسِهِ يُطالعها في شأنه كيف يفعلُ
ولا خَرِقٍ هَيْقٍ ، كأن فُؤَادهُ يَظَلُّ به المكَّاءُ يعلو ويَسْفُلُ ،
ولا خالفِ داريَّةٍ ، مُتغَزِّلٍ ، يروحُ ويغدو ، داهناً ، يتكحلُ
ولستُ بِعَلٍّ شَرُّهُ دُونَ خَيرهِ ألفَّ ، إذا ما رُعَته اهتاجَ ، أعزلُ
ولستُ بمحيار الظَّلامِ ، إذا انتحت هدى الهوجلِ العسيفِ يهماءُ هوجَلُ
إذا الأمعزُ الصَّوَّان لاقى مناسمي تطاير منه قادحٌ ومُفَلَّلُ
أُدِيمُ مِطالَ الجوعِ حتى أُمِيتهُ ، وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحاً ، فأذهَلُ
وأستفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى لهُ عَليَّ ، من الطَّوْلِ ، امرُؤ مُتطوِّلُ
ولولا اجتناب الذأم ، لم يُلْفَ مَشربٌ يُعاش به ، إلا لديِّ ، ومأكلُ
ولكنَّ نفساً مُرةً لا تقيمُ بي على الضيم ، إلا ريثما أتحولُ
وأطوِي على الخُمص الحوايا ، كما انطوتْ خُيُوطَةُ ماريّ تُغارُ وتفتلُ
وأغدو على القوتِ الزهيدِ كما غدا أزلُّ تهاداه التَّنائِفُ ، أطحلُ
غدا طَاوياً ، يعارضُ الرِّيحَ ، هافياً يخُوتُ بأذناب الشِّعَاب ، ويعْسِلُ
فلمَّا لواهُ القُوتُ من حيث أمَّهُ دعا ؛ فأجابته نظائرُ نُحَّلُ
مُهَلْهَلَةٌ ، شِيبُ الوجوهِ ، كأنها قِداحٌ بكفيَّ ياسِرٍ ، تتَقَلْقَلُ
أو الخَشْرَمُ المبعوثُ حثحَثَ دَبْرَهُ مَحَابيضُ أرداهُنَّ سَامٍ مُعَسِّلُ ؛
مُهَرَّتَةٌ ، فُوهٌ ، كأن شُدُوقها شُقُوقُ العِصِيِّ ، كالحاتٌ وَبُسَّلُ
فَضَجَّ ، وضَجَّتْ ، بِالبَرَاحِ ، كأنَّها وإياهُ ، نوْحٌ فوقَ علياء ، ثُكَّلُ ؛
وأغضى وأغضتْ ، واتسى واتَّستْ بهِ مَرَاميلُ عَزَّاها ، وعَزَّتهُ مُرْمِلُ
شَكا وشكَتْ ، ثم ارعوى بعدُ وارعوت ولَلصَّبرُ ، إن لم ينفع الشكوُ أجملُ!
وَفَاءَ وفاءتْ بادِراتٍ ، وكُلُّها ، على نَكَظٍ مِمَّا يُكاتِمُ ، مُجْمِلُ
وتشربُ أسآرِي القطا الكُدْرُ ؛ بعدما سرت قرباً ، أحناؤها تتصلصلُ
هَمَمْتُ وَهَمَّتْ ، وابتدرنا ، وأسْدَلَتْ وَشَمَّرَ مِني فَارِطٌ مُتَمَهِّلُ
فَوَلَّيْتُ عنها ، وهي تكبو لِعَقْرهِ يُباشرُهُ منها ذُقونٌ وحَوْصَلُ
كأن وغاها ، حجرتيهِ وحولهُ أضاميمُ من سَفْرِ القبائلِ ، نُزَّلُ ،
توافينَ مِن شَتَّى إليهِ ، فضَمَّها كما ضَمَّ أذواد الأصاريم مَنْهَل
فَعَبَّتْ غشاشاً ، ثُمَّ مَرَّتْ كأنها ، مع الصُّبْحِ ، ركبٌ ، من أُحَاظة مُجْفِلُ
وآلف وجه الأرض عند افتراشها بأهْدَأ تُنبيه سَناسِنُ قُحَّلُ ؛
وأعدلُ مَنحوضاً كأن فصُوصَهُ كِعَابٌ دحاها لاعبٌ ، فهي مُثَّلُ
فإن تبتئس بالشنفرى أم قسطلِ لما اغتبطتْ بالشنفرى قبلُ ، أطولُ !
طَرِيدُ جِناياتٍ تياسرنَ لَحْمَهُ ، عَقِيرَتُهُ في أيِّها حُمَّ أولُ ،
تنامُ إذا ما نام ، يقظى عُيُونُها ، حِثاثاً إلى مكروههِ تَتَغَلْغَلُ
وإلفُ همومٍ ما تزال تَعُودهُ عِياداً ، كحمى الرَّبعِ ، أوهي أثقلُ
إذا وردتْ أصدرتُها ، ثُمَّ إنها تثوبُ ، فتأتي مِن تُحَيْتُ ومن عَلُ
فإما تريني كابنة الرَّمْلِ ، ضاحياً على رقةٍ ، أحفى ، ولا أتنعلُ
فإني لمولى الصبر ، أجتابُ بَزَّه على مِثل قلب السِّمْع ، والحزم أنعلُ
وأُعدمُ أحْياناً ، وأُغنى ، وإنما ينالُ الغِنى ذو البُعْدَةِ المتبَذِّلُ
فلا جَزَعٌ من خِلةٍ مُتكشِّفٌ ولا مَرِحٌ تحت الغِنى أتخيلُ
ولا تزدهي الأجهال حِلمي ، ولا أُرى سؤولاً بأعقاب الأقاويلِ أُنمِلُ
وليلةِ نحسٍ ، يصطلي القوس ربها وأقطعهُ اللاتي بها يتنبلُ
دعستُ على غطْشٍ وبغشٍ ، وصحبتي سُعارٌ ، وإرزيزٌ ، وَوَجْرٌ ، وأفكُلُ
فأيَّمتُ نِسواناً ، وأيتمتُ وِلْدَةً وعُدْتُ كما أبْدَأتُ ، والليل أليَلُ
وأصبح ، عني ، بالغُميصاءِ ، جالساً فريقان : مسؤولٌ ، وآخرُ يسألُ
فقالوا : لقد هَرَّتْ بِليلٍ كِلابُنا فقلنا : أذِئبٌ عسَّ ؟ أم عسَّ فُرعُلُ
فلمْ تَكُ إلا نبأةٌ ، ثم هوَّمَتْ فقلنا قطاةٌ رِيعَ ، أم ريعَ أجْدَلُ
فإن يَكُ من جنٍّ ، لأبرحَ طَارقاً وإن يَكُ إنساً ، مَاكها الإنسُ تَفعَلُ
ويومٍ من الشِّعرى ، يذوبُ لُعابهُ ، أفاعيه ، في رمضائهِ ، تتملْمَلُ
نَصَبْتُ له وجهي ، ولاكنَّ دُونَهُ ولا ستر إلا الأتحميُّ المُرَعْبَلُ
وضافٍ ، إذا هبتْ له الريحُ ، طيَّرتْ لبائدَ عن أعطافهِ ما ترجَّلُ
بعيدٍ بمسِّ الدِّهنِ والفَلْى عُهْدُهُ له عَبَسٌ ، عافٍ من الغسْل مُحْوَلُ
وخَرقٍ كظهر الترسِ ، قَفْرٍ قطعتهُ بِعَامِلتين ، ظهرهُ ليس يعملُ
وألحقتُ أولاهُ بأخراه ، مُوفياً على قُنَّةٍ ، أُقعي مِراراً وأمثُلُ
تَرُودُ الأرَاوِي الصُّحْـمُ حَوْلي كأنّـها عَـذَارَى عَلَيْهِـنَّ المُلاَءُ المُذَيَّـلُ
ويَرْكُـدْنَ بالآصَـالِ حَوْلِي كأنّنـي مِنَ العُصْمِ أدْفى يَنْتَحي الكِيحَ أعْقَلُ


انظر أيضا

الشنفرى الأزدي

المصادر

  1. ^ علي أبوزيد. "لاميّة العرب". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-01-01.

مراجع للإستزادة

  • عطاء الله بن أحمد، نهاية الأرب في شرح لامية العرب، تحقيق عبد الله الغزالي (حوليات كلية الآداب، جامعة الكويت، 1991- 1992م).
  • يوسف خليف، الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي (دار المعارف، القاهرة، د.ت).
  • الزمخشري، أعجب العجب في شرح لامية العرب، تحقيق محمد حور (دار سعد الدين، دمشق 1987).
الكلمات الدالة: