قاسم الناصر

اللواء قاسم باشا الناصر

اللواء قاسم باشا الناصر (1925-2007) من رجالات الأردن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولادته و نشأته

ولد اللواء قاسم الناصر في قرية إيدون في محافظة إربد في المملكة الأردنية الهاشمية (إمارة شرق الأردن آنذاك) في رمضان عام 1343 للهجرة الموافق لنيسان عام 1925م. تربى قاسم الناصر في كنف والده المغفور له، بإذن الله، الشيخ محمد المحمود العبدالله الناصر، الذي كان يعمل في مؤسسة الإقراض الزراعي و تدرج في الوظيفة إلى أن وصل لمنصب نائب مدير عام المؤسسة.

تلقى قاسم الناصر علومه الابتدائية و الثانوية في عمان، و من بين أساتذته في تلك المرحلة عبدالمنعم الرفاعي و فوزي الملقي و غيرهم، لكنه أتم تعليمه الثانوي في مدينة إربد العام 1943. بعد ذلك إلتحق بالقوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي الأردني آنذاك) برتبة مرشح، و كان رقمه العسكري 367.


معارك فلسطين

كانت رحلة عمر قاسم الناصر مفعمة الأحداث، فقد كان من بين ضباط الجيش العربي الذين يلمؤهم الحس القومي، و لذلك فقد طغى على قاسم الناصر و رفاقه الضباط الأردنيين الجانب العروبي و القومي. من أهم الأحداث التي واجهها قاسم الناصر كانت مشاركته البطولية في معارك الجيش الأردني على أرض فلسطين العام 1948، و قد شارك بالعديد من المعارك من ضمنها: معارك اللطرون، و باب الواد، و كفار عصيون، و مشيرم و غيرها ...، و خلال هذه المعارك أصيب بشظية مدفعية في رأسه كادت تودي بحياته، لكنه جالد على الألم و قام بلف (الشماغ) الذي كان يرتديه الضباط الأردنيين في تلك الفترة، و تمكن من السير على قدميه إلى المستشفى، و قد تركت هذه الإصابة أثراً على رأسه لازمه حتى وفاته. كذلك قام قاسم الناصر مع عدد من زملائه بتدريب مجموعات من الفلسطينيين على الأعمال الفدائية في اللد و الرملة و غيرهما.[1]

تعريب الجيش

لقد كان للحس العروبي القومي للضباط الأردنيين أثراً كبيراً في سخطهم على التواجد البريطاني الإستعماري في الأردن، و لذلك أسس الضباط الأردنيين في خمسينيات القرن العشرين "حركة الضباط الأحرار الأردنيين"، و قد كان لدى هذه الحركة هدفان يتمثلان بتعريب الجيش الأردني من التواجد البريطاني، و إلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية.[2] إنتخبت هذه الحركة شاهر أبو شحوت رئيساً لها، و قاسم الناصر نائباً للرئيس، و ضمت العديد من الضباط الوطنيين المعروفين بالإنتماء و الإخلاص و الوطنية، من بينهم: علي أبو نوار، محمود المعايطة، تركي الهنداوي، علي الحياري، الشريف زيد بن شاكر (الأمير بعد ذلك)، نذير رشيد، ضافي الجمعاني و غيرهم.[3] قامت هذه الحركة بالإتصال مع جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه من خلال علي أبو نوار الذي كان في ذلك الوقت مرافقاً عسكرياً لجلالة الملك الحسين. قام أبو نوار بإطلاع الملك على غايات و أهداف التنظيم، و رحب الملك و بارك هذا التنظيم و أبدى رغبته بتأييده و المساعدة على تحقيق أهدافه، و قد أثمر هذا الجهد الوطني من قبل كل من الملك و تنظيم الضباط الأحرار الأردنيين إلى إعلان الراحل الملك الحسين في الأول من آذار عام 1956 تعريب الجيش الأردني و طرد كلوب باشا من الأردن.

المنفى و السجن

في ضوء هذا المد القومي بين ضباط الجيش الأردني، و الذين آلت إليهم قيادة الجيش و كافة أركانه بعد مغادرة البريطانيين، فقد شعرت أمريكا و بريطانيا بأن مصالحهما في الأردن مهددة من قبل هذا التوجه القومي. لذلك، فقد قاموا بالوشاية على حركة الضباط الأحرار من خلال عدد من أتباعهم المقربين من الملك، و قاموا بإقناع الملك الحسين بأن الحركة تسعى لعمل إنقلاب على النظام الملكي في الأردن. و على إثر هذه الوشاية فقد صدرت عام 1957 الأوامر بإلقاء القبض على هؤلاء الضباط، و من بينهم قاسم الناصر. و كون ضباط الحركة كانوا يمسكون بمفاصل الجيش فقد تسربت هذه المعلومة إليهم. و لكن هذه الوشاية لم تكن صحيحة على الإطلاق،[4] [5] و لا أدل على ذلك من عدم قيام الحركة بأي تحرك ضد الملك رغم إمساكهم بزمام الأمور في الجيش. و عليه، فقد تم إلقاء القبض على جزء من الضباط مثل شاهر أبو شحوت، أحمد زعرور، محمود المعايطة، تركي الهنداوي، ضافي الجمعاني، شوكت السبول، عبدالله قاعد وجعفر الشامي و غيرهم ، و تم حبسهم في معتقل الجفر.[6] أما الجزء الباقي و منهم قاسم الناصر، محمود الموسى، عصام الجندي، كمال الحياري، و غيرهم فقد تمكنوا من المغادرة فوراً إلى سوريا و قاموا بطلب اللجوء السياسي الذي حصلوا عليه بسهولة بسبب الإنتماءات البعثية التي كانت موجودة لدى بعض ضباط التنظيم. بعد ذلك قام بعض الضباط باللجوء السياسي في مصر، مثل: علي أبو نوار و علي الحياري، حيث تمت معاملتهم معاملة حسنة حيث كان أبناء التنظيم على علاقة شخصية مع الرئيس جمال عبدالناصر، و مع العديد من القيادات المصرية مثل حسين الشافعي، زكريا محي الدين، حسن التهامي، جمال حماد، كمال رفعت و غيرهم. لكن قاسم الناصر آثر البقاء في سوريا لقربها من الأردن، و لإيمانه العميق بأن يوما ما سيأتي و يعود لوطنه. تمت محاكمة أبناء التنظيم، و حكم على قاسم الناصر بالسجن لمدة خمسة عشر سنة، شددت للإعدام كونه غير متواجد على الأرض الأردنية. بقي قاسم الناصر في المنفى لمدة أربع سنوات، و لكن لسان حاله كان قول الشاعر:

بلادي و إن جارت علي عزيزة *** و أهلي و إن ضنوا علي كرام.

خلال هذه المدة منع أقارب قاسم الناصر من مغادرة الأردن لزيارته. لذلك، و رغم حكم الإعدام، فقد كان قاسم الناصر يتسلسل بكل شجاعة وإقدام إلى الأردن لزيارة والديه. و في إحدى هذه الزيارات قام أحد الوشاة بإخبارية عن مكان تواجده. و بالفعل، فقد قامت وحدات كبيرة من الجيش بمحاصرة منزل طيب الذكر هاجم الهنداوي، أحد أقارب قاسم الناصر و من أبناء الأردن الوطنيين، حيث كان يتواجد قاسم الناصر. و تم إلقاء القبض عليه، و فورا تم أخذه إلى مبنى المخابرات بعمان.

لقد كان للواء الناصر جرأة و شجاعة كبيرتين، فقد حدث أن زاره الملك الحسين في الزنزانة، و عرض عليه سيجارة، و قال له: "إلي مثلك بدنا إياهم معانا مش علينا"، فما كان من اللواء الناصر إلا أن أخبر الملك الحسين بأن حركة الضباط الأردنيين لم يكن لديها أية نوايا بالإنقلاب، و قال له: ما الفائدة من الإنقلاب، فقد كنت مطلعا على التنظيم و على غاياته. بقي قاسم الناصر في الزنزانة مدة ستة عشر شهراً و ثلاثة عشر يوماً، و قد كانت ظروف الزنزانة صعبة، شاركه أيامها العجاف المناضل الفلسطيني الكبير بهجت أبو غربية. بعد ذلك، في العام 1962 أصدر الملك الحسين عفواً عاماً شمل قاسم الناصر و رفاقه من أبناء تنظيم الضباط الأحرار الأردنيين.

ما بعد السجن

بعد خروجه من السجن بقي قاسم الناصر بدون جنسية، فقد تم سحب جنسيته منه، و كان لديه وثيقة تفيد بأن جنسيته: "بلا"، و كان لذلك أثرا نفسياً مؤلماً في نفسه، إلى أن تدخل مدير عام دائرة الأحوال المدنية، و قال: إذا إنتوا مش أردنيين، مين أردني؟" و بالفعل، تم اعادة الجنسية الأردنية لهم.

عمل قاسم الناصر بعد ذلك موظفاً في مجلس الإعمار لعدة سنوات، تدخل بعدها المرحوم اللواء الشريف محمد هاشم مدير الأمن العام لدى المرحوم وصفي التل (رئيس الوزراء آنذالك) و قام بإعادة الضباط الأحرار إلى الخدمة العسكرية. عاد اللواء الناصر للعمل في مديرية الأمن العام، و رفض العودة للجيش العربي، و قال لوصفي التل كيف نستطيع العودة للجيش بعد كل الذي حدث، فالكرامة العسكرية تمنع هذه العودة. تدرج قاسم الناصر بالمناصب العسكرية إلى أن عين مساعداً لمدير الأمن العام. بعد ذلك قام الملك الحسين بترفيعه إلى رتبة لواء و عينه مديراً للدفاع المدني.[7] أحيل بعد ذلك إلى التقاعد، و رفض العديد من المناصب التي عرضت عليه، و آثر أن يتفرغ بعدها لعمله الخاص.[8]

وفاته

ثمانون عاماً و نيف عاشها اللواء قاسم الناصر، ترك خلالها بصمات واضحة في تاريخ الأردن الحديث. آمن خلال حياته بقضايا وطنه الأردن، و أثر و تأثر بقضايا أمته العربية التي عمل لأجلها. فقد كان لأحداث فلسطين و العراق وقعاً خاصاً في نفسه.[9] إجتمع أبناء عشيرته و شخصيات الأردن الوطنية و مندوب جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين في جنازة عسكرية رسمية و شعبية مهيبة جابت شوارع مدينة إربد إلى أن ووري جثمانه الطاهر الثرى في مقبرة إيدون إلى جوار قبر والده.[10][11] لدى اللواء الناصر ستة أبناء: سامي، محمود، سامح، كمال، جمال، محمدأمين، و ثلاثة أشقاء: الدكتور عدنان، العميد عادل، الدكتور مروان. توفي اللواء الناصر ليلة الجمعة في ليلة القدر الثاني و العشرين من شهر رمضان عام 1428 للهجرة، الموافق للرابع من تشرِين الأَول عام 2007. قال تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي}