فن التصوير الصيني

ملفوفة جدارية Wall scroll بريشة ما لين في 1246. حبر على حرير, 110.5 سم عرض, Palastsammlung, فرموزا.

يحتل فن الرسم المكانة الأهم بين جميع الفنون في الصين ويذهب كثير من المؤرخين إلى أن الصينيين يعدون فن الرسم الفن الحقيقي الوحيد ونظروا إلى هذا الفن بوصفه من أرفع تمظهرات عبقرية الإنسان المبدعة. وما فن الرسم لديهم الا محصلة لمفهومهم حول الحياة كذلك يعده المؤلف فرانسوا شينغ (موضوعاً صوفياً حقيقياً والإنسان الصيني مؤمن تماما بأن فن التصوير هو الذي يظهر سر الكون بامتياز) ويبدو هذا الفن بالإضافة إلى الشعر تلك القمة الأخرى من قمم الثقافة الصينية من خلال الفضاء الاصلي الذي يجسده ومن خلال النفحات الحيوية التي يثيرها يبدو أنه لا يزال الاجدر ليس على وصف مشاهد الخلق بل على المشاركة في (أفعال) الخلق نفسها ويعد فن الرسم نفسه ممارسة مقدسة خارج التيار الديني ذي التراث البوذي قبل كل شيء ثمة فلسفة أساسية هي أساس فن التصوير تطرح مفاهيم دقيقة لعلم الكون وللمصير البشري وللعلاقة بين الإنسان والكون ويمثل الرسم طريقة خاصة للحياة بوصفه تطبيقا لهذه الفلسفة ليس هذا الفن مجرد اطار للتمثيل بل هو يهدف إلى خلق مكان وسط تكون الحياة فيه ممكنة ففي الصين الفن وفن الحياة يشكلان كلا واحدا.‏

من خلال هذه الرؤية يرى الفكر الجمالي الصيني الجميل متواشجا دوما مع الحقيقي لذا من أجل الحكم على قيمة عمل ما تميز التقاليد ثلاث درجات من الجودة وهي: العمل الذي هو نتاج الموهبة الكاملة والعمل الذي هو نتاج الجوهر الرائع وكدرجة اسمى هناك العمل الذي هو نتاج الروح الالهية.‏

لأن المثل الأعلى الذي يحرك الفنان الصيني هو أن يحقق الكون الأصغر الحيوي الذي يعمل فيه العالم الأكبر.‏

عرف الفن الصيني تطورا مستمرا على مدى التاريخ وعلى الرغم من ارتهان هذا الفن بالأحداث فقد تبع قوانين تغيره الخاصة لم تكن هذه الفترات من التفتت والفوضى وعلى الرغم من الانحطاطات والتساؤلات التي نجمت عنها أقل ملاءمة للإبداع الفني ثمة تياران نهضا بفن الرسم الصيني وقد تغذى احدهما من الآخر وهما:

1- التيار الديني الذي وسمه فن التصوير المتأثرة بالتأوية ثم البوذية.

2- التيار الدنيوي الذي لم يكن أقل روحية من التيار الأول على الرغم من كونه ( دنيويا) وهذا التيار الأخير هو موضوع دراسة فرانسوا شينغ لكونه ممارسة عملية للفكر الجمالي الصيني.‏


وعموماً هناك طريقتان للرسم في "guo hua" (國畫) أو الرسم الصيني, وهما:

  • Meticulous - Gong-bi (工筆) often referred to as "court-style" painting
  • Freehand - Shui-mo (水墨) loosely termed watercolour or brush painting. The Chinese character "mo" means ink and "shui" means water. This style is also referred to as "xie yi" (寫意) or freehand style.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أنواع الحبر في التصوير الصيني

يمكن التمييز بين ستة أنواع مختلفة من الحبر ( تعد ألوانا مستقلة) وهي الجاف, المخفف, الأبيض, والمبلل, والمركز, والأسود, وهي تنقسم وفق هذا التعبير الشهير المستوحى من البوذية:(اللون هو الفراغ, الفراغ هو اللون) يدل اللون هنا على التجلي المدغدغ للعالم الظاهراتي وهذا التجلي معبر عنه بطريقة جيدة بحيث إن الفراغ الذي يحييه يكشف سره غير المكتنه تقنيا يترجم الفراغ بتشكيلة من التدرجات اللونية يقول فرانسوا شينغ:(عندما تعمل القوة الإلهية تبلغ الريشة - الحبر -الفراغ, إذا هناك ريشة ما وراء الريشة وحبر ماوراء الحبر ما على المرء إلا أن يتصرف بحسب ايقاع قلبه وما من شيء يرسمه إلا ويكون رائعا لأنه من عمل السماء فن الحبر ساحر وخارق للطبيعة تقريبا) ويورد لنا قاعدة جميلة تحكم فن الحبر:(من أجل الحصول على أثر رائع يجب اللعب بالحبر بحيث إنه في المكان الذي تقفافيه الريشة يولد شيء آخر).‏

الصينيون مولعون بعبارات من عيار (الإنسان المتفوق) , (الإنسان النبيل) لأن داخل الإنسان يتحول إلى تعابير الإنسان نفسها وكأن الصينيين يقسمون البشر إلى جبال وبحار البعض منا (جبل) والبعض الآخر بحر) يورد لنا فرانسوا شينغ اعترافات فنية لرسام صيني:‏

اضحك لك والريشة (معراة) في يدي فجأة أبدأ الرقص وأنا أطلق صرخات غريبة وعندما تسمع السماء هذه الصرخات تنفتح شاسعة وفي كبد القبة السماوية يتلألأ القمر براقا بعيدا وصغيرا أنا أتكلم بيدي وأنت تصغي بعينيك وهذا غير متاح للرعاع بأن يعرفوه?!‏

عندما كنت ارسم هذه اللوحة أصبحت كنهر ربيعي كلما رسمتها, ازهار النهر تفتحت انسجاما مع يدي وكانت مياه النهر تتماوج مع ايقاع كياني في الجناح الاعلى المشرف على النهر كانت اللوحة بيدي وأنا أصرخ باسم تزو-مي وعند سماع صرخاتي الممتزجة بضحكاتي اجتمعت الأمواج والغيوم فجأة).‏

عموما في الفن الصيني الإنسان هو المقصود في النهاية الإنسان يبحث عن وحدته عبر ممارسة فن التصوير وفي الوقت نفسه يهتم بالواقع لإن الإنسان لايستطيع أن يكتمل إلا باكمال فضائل السماءوالأرض التي وهبت له.‏

كتاب ممتع قدمه فرانسوا شينغ الاستاذ في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية وهو مؤلف كتب هامة حول الفن والشعر في الصين منها (الكتابة الشعرية الصينية 1977) و(النفحة - الروح عام 1989).‏


تاريخ فن التصوير الصيني

التطور التاريخي حتى 221 ق.م.

Long Feng Shi Nu Tu, رسم على حرير من فترة الممالك المتحاربة

لقد أبطأ الغرب في دراسة فن التصوير الصيني ، وليس عليهم في ذلك لوم ، لأن مناحي الفن وأساليبه في الشرق تكاد كلها أن تكون مغايرة لمناحيه وأساليبه في الغرب ؛ وأول ما نذكره من هذا الخلاف أن المصورين في بلاد الشرق الأقصى لم يكونوا يصورون على القماش ، وقد نجد من حين إلى حين مظلمات على الجدران ، وأكثر ما يوجد من هذا أثر من آثار النفوذ البوذي ؛ ونجد في بعض الأحيان رسوماً على الورق وهذه من آثار ما بعد العهد البوذي ؛ كل هذا نجده ولكنه قليل ، أما معظم الرسوم الصينية فهي على الحرير ؛ ولقد كان ضعف هذه المادة وقصر أجلها سبباً في تلف الروائع الفنية جميعها حتى لم يبق من تاريخ هذا الفن إلا ذكريات له وسجلات تصف جهود الفنانين ؛ يضاف إلى هذا أن الصور نفسها كانت رقيقة خفيفة ، وأن كثرتها قد استخدمت فيها الألوان المائية وينقصها ما نراه في الصور الزيتية الأوربية من تلوين يظهرها للعين كأنها صور مجسمة نكاد نلمسها باليد. ولقد حاول الصينيون التصوير الزيتي ولكن يلوح أنهم تركوه لأنهم حسبوا هذه الطريقة من طرق التصوير خشنة ثقيلة لا تتفق وأغراضهم الدقيقة الرفيعة ؛ كذلك كان تصويرهم في أشكاله الأولى على الأقل ، فرعاً من فروع الكتابة أو الخط الجميل يستعملون فيه الفرشاة التي كانوا يستعملونها في الخط ، وكانوا يقتصرون في كثير من روائعهم الفنية على الفرشاة والحبر. وآخر ما نذكره من أوجه الخلاف أن أعظم ما أخرجوه من الصور الملونة قد أخفى من غير قصد عن أعين الرحالة الغربيين ، ذلك أن الصينيين لا يتباهون بعرض صورهم على الجدران العامة والخاصة بل يطوونها ويخبئونها بمنتهى العناية ، فإذا أرادوا أن يستمتعوا برؤيتها أخرجوها من مخبئها كما نخرج نحن كتاباً ونقرأه. وكانت هذه الصور المطوية تلف متتابعة في ملفات من الورق أو الحرير ثم (تُقرأ) كما تقرأ المخطوطات. أما الصور الصغيرة فكانت تعلق على الجدران وقلما كانت توضع في إطارات. وكانت عدة صور ترسم أحياناً على شاشة كبيرة ، وفي العهد الأخير من عهود أسرة سونج كان فن التصوير قد تفرع إلى ثلاثة عشر فرعاً واتخذ أشكالاً لا حصر لها. وقد ورد ذكر الفن الصيني بوصفه فناً ثابت الأساس، قبل ميلاد المسيح بعدة قرون، ولا يزال هذا الفن موطد الدعائم في بلاد الصين إلى يومنا هذا رغم ما عاناه بسبب الحروب الكثيرة.


الصين الامبراطورية المبكرة (221 ق.م.– 220 م)

An Eastern Han Dynasty lacquered wooden box with 3-inch tall painted figures, 2nd century AD.

وتقول الأقاصيص الصينية إن أول من صور بالألوان في الصين امرأة تسمى لي وهي أخت الإمبراطور الصالح شوين. وقد ساء ذلك أحد الناقدين فقال: "مما يؤسف له أشد الأسف أن يكون هذا الفن القدسي من اختراع امرأة". ولم يبق شيء من الصور التي رسمت في عهد أسرة جو. لكن الذي لا شك فيه أن الفن في عهد هذه الأسرة كان قد تقادم عهده ، ويدلنا على ذلك تقرير كتبه كونفوشيوس يقول فيه إنه: أعجب أشد الإعجاب بالمظلمات التي رآها في الهيكل العظيم المقام في لو - يانج. أما في أيام أسرة هان فحسبنا دليلاً على انتشار التصوير أن كاتباً من الكتاب قد شكا من أن بطلاً يعجب به لم يُرسم له عدد كافٍ من الصور فقال: "إن الفنانين كثيرون فلم إذن لا يصوره أحداً منهم؟ "ومن القصص التي تروى عن واحد من مهرة الفنانين في عهد الإمبراطور لي - يه - إي الأول أنه كان في استطاعته أن يرسم خطاً مستقيماً لا ميل فيه طوله ألف قدم ؛ وأن يرسم خريطة مفصلة للصين على السطح لا يزيد على بوصة مربعة ، وأن في مقدوره أن يملأ فاه ماء ملوناً ثم يبصقه فيكون صورة ، وأن الصور التي كان يرسمها للعنقاء قد بلغت من الإتقان حداً جعل الناس إذا نظروا إليها يتساءلون قائلين لم لا تطير من أمامهم؟. ولدينا ما يشير إلى أن فن التصوير الصيني بلغ إحدى درجاته القصوى من الكمال في بداية التاريخ الميلادي ، ولكن الحروب محت كل دليل قاطع على هذا. ولقد تناوبت على الصين غلبة الفن والحرب في نزاعهما الأبدي القديم ، منذ العهد الذي نهب فيه لويانج المحاربون من إقليم تشين (حوالي عام 249 ق.م) وأخذوا يحرقون كل ما لم يستطيعوا الانتفاع به ، إلى أيام ثورة الملاكمين (1900م) حين كان جنود تونج جو يستخدمون الصور المرسومة على الحرير في المجموعة الإمبراطورية لحزم ما يريدون حزمه من الأمتعة. فكانت روائع الفن يحل بها الدمار ولكن الفنانين لم يكونوا يتوانون عن الخلق والابتداع.


عصر الانقسام (220–581)

لوشنفو Luoshenfu بريشة گو كايجي Gu Kaizhi (و.344-406 م)


ولقد أحدثت البوذية انقلاباً في شئون الدين والفن في بلاد الصين لا يقل في عمقه ومداه عن الانقلاب الذي أحدثته المسيحية في ثقافة البحر الأبيض المتوسط وفنونه. نعم إن الكونفوشية احتفظت بسلطانها السياسي في البلاد ، ولكن البوذية امتزجت بالدّوية فأصبحت السلطة المهيمنة على الفن ، وأنشأت بين الصينيين وبين البواعث والرموز والأساليب والأنماط الهندية صلات ذات أثر قوي. وكان أعظم العباقرة من رجال مدرسة التصوير الصينية البوذية گو كايجي Gu Kaizhi ، وهو رجل بلغ من قوة شخصيته وصفاته الفذة أن اجتمعت حوله أقاصيص وأساطير كثيرة. منها أنه أحب فتاة تسكن منزلاً يجاور منزله ، فلما عرض عليها أن تتزوج به أبت لجهلها بما كانت تخبئه له الأيام من شهرة عظيمة، فما كان منه إلا أن رسم صورة لها على أحد الجدران وأنفذ شوكة في قلبها، فأشرفت الفتاة على الموت. ثم تقدم إليها مرة أخري فرضيت به، فرفع الشوكة عن صورتها فشفيت الفتاة من مرضها. ولما أراد البوذيون أن يجمعوا المال لتشييد هيكل في نانكنج وعد أن يمدهم بمليون كاش ، وسخرت الصين كلها من هذا الوعد ، لأن گو قد بلغ من الفقر ما يبلغه الفنان. فقال لهم: "اسمحوا لي أن استخدم أحد الجدران" ، فلما وجد الجدار واستطاع أن ينفرد بنفسه عنده رسم عليه صورة القديس البوذي أو إيمالا-كيرتي. ولما أتم الصورة دعا الكهنة ، وأخذ يصف لهم طريقة جمع المال المطلوب فقال: "عليكم أن تطلبوا في اليوم الأول مائة ألف كاش" ممن يريد أن يدخل ليرى الصورة ، "وأن تطلبوا في اليوم الثاني خمسين ألفاً. أما في اليوم الثالث فدعوا الزائرين أحراراً يتبرعون بما يشاءون". ففعلوا ما أمرهم به وجمعوا بهذه الطريقة مليون كاش. ورسم جو سلسلة طويلة من الصور البوذية كما رسم صوراً أخرى غير بوذية ، ولكننا لم يصلنا شيء من رسومه الموثوق بنسبتها إليه . وكتب ثلاث رسائل في التصوير بقيت بعض أجزائها إلى اليوم. ومن أقواله: أن أصعب التصوير تصوير الرجال ، ويلي الرجال في الصعوبة تصوير المناظر الطبيعية ثم تأتي بعدهما الخيل والآلهة. وكان يصر على أنه فنان وفيلسوف معاً. ولما رسم صورة للإمبراطور كتب تحتها: "ليس في الطبيعة شيء عال لا ينحط بعد قليل. فالشمس إذا بلغت كبد السماء أخذت في الانحدار ، والقمر إذا كمل وصار بدراً بدأ يتناقص. وتسنم المجد لا يقل صعوبة عن بناء جبل من حبات التراب ؛ أما التردي في الهلاك فسهل كانسياب اللولب المشدود" ، وكان معاصروه يعدونه أعظم رجال زمانه في ثلاث نواح: في التصوير وفي الفكاهة وفي البلاهة.

المبادئ الستة

"المبادئ الستة للرسم الصيني" وضعهم شيـِ هـِ Xie He, كاتب ومؤرخ فني وناقد من صين القرن الخامس. He is most famous for his "Six points to consider when judging a painting" (绘画六法, Pinyin:Huìhuà Liùfǎ), taken from the preface to his book "The Record of the Classification of Old Painters" (古画品录; Pinyin: Gǔhuà Pǐnlù). Keep in mind that this was written circa 550 A.D. and refers to "old" and "ancient" practices. The six elements that define a painting are:

The Sakyamuni Buddha, by Zhang Shengwen, 1173-1176 AD, Song Dynasty.
  1. "Spirit Resonance", or vitality, and seems to translate to the nervous energy transmitted from the artist into the work. The overall energy of a work of art. Xie He said that without Spirit Resonance, there was no need to look further.
  2. "Bone Method", or the way of using the brush. This refers not only to texture and brush stroke, but to the close link between handwriting and personality. In his day, the art of calligraphy was inseparable from painting.
  3. "Correspondence to the Object", or the depicting of form, which would include shape and line.
  4. "Suitability to Type", or the application of color, including layers, value and tone.
  5. "Division and Planning", or placing and arrangement, corresponding to composition, space and depth.
  6. "Transmission by Copying", or the copying of models, not only from life but also the works of antiquity.

أسرتا سويْ وتانگ (581–960)

See Tang Dynasty painting

Sun Wei was a noted painter in Sichuan area at the end of the Tang Dynasty. This piece is his only authentic works extant and the painting depicts a well-known story called "Zhu Lin Qi Xian" (seven hermits with superb talent enjoying their life in bamboo forest during the Weijin period (A.D. 220~420).

وازدهر التصوير في بلاط الأباطرة من أسرة تانج ، ومن الأقوال المؤيدة لهذا قول دوفو: "إن المصورين ليبلغون من الكثرة عدد نجوم الصباح ، ولكن الفنانين منهم قليلون". وكتب جانج ين - يوان في القرن التاسع عشر كتاباً سماه: عظماء المصورين في جميع العصور وصف فيه أعمال ثلاثمائة وسبعين فناناً ، ويقول فيه: إن الصورة التي يرسمها أحد أساتذة التصوير كانت تدر عليه وقتئذ نحو عشرين ألف أوقية من الفضة ، ولكنه يحذرنا فيما بعد من أن نقدر الفن بالمال ويقول: "إن الصور الجميلة أعظم قيمة من الذهب و اليشب ، أما الصور الرديئة فلا تساوي الواحدة منها شقفة".

ولا نزال نعرف من المصورين في عهد أسرة تانج أسماء مائتين وعشرين ، أما أعمالهم فلا يكاد يبقى منها شيء ، لأن ثوار التتار الذين نهبوا شانج آن في عام 756م لم يكونوا يعنون بهذا الفن ؛ وفي وسعنا أن نلمح الجو الفني الذي كان يمتزج بشعر ذلك الوقت في قصة هان يو "أمير الأدب" الذائع الصيت. وخلاصة هذه القصة أن هذا الأمير كسب من زميل له يقيم معه في منزل رقعة صغيرة اشتملت في أصغر مساحة مستطاعة على ثلاث وعشرين ومائة صورة من صور الآدميين ، وثلاث وثمانين من صور الجياد ، وثلاثين من صور الحيوانات الأخرى ، وصور لثلاث عربات ، وإحدى وخمسين ومائتي صورة لأشياء أخرى ، ويقول هو عنها: "لقد فكرت كثيراً في أمر هذه الصورة لأني لم اكن أصدق أنها من عمل رجل واحد ، فقد جمعت عدداً من المزايا المختلفة الأنواع ، ولم يكن في وسعي أن أتخلى عنها مهما عرض عليّ من المال ثمناً لها. وفي العام الثاني غادرت المدينة وسافرت إلى هو - يانج ، وحدث أن كنت في أحد الأيام أتحدث عن الفن إلى بعض الغرباء ، وأخرجت لهم الصورة ليروها ؛ وكان من بينهم رجل يدعى جو ، يشغل وظيفة رقيب وكان ذا ثقافة عالية ؛ فلما وقعت عينه على الصورة دهش أيما دهشة لرؤيتها ثم قال بعد تفكير طويل: "إن هذه الصورة من عمل يدي رسمتها في أيام شبابي ، وهي منقولة عن صورة في معرض الفن الإمبراطوري ، ولقد فقدتها منذ عشرين عاماً، وأنا مسافر في مقاطعة فوفين"، فما كان من هان يو إلا أن أهدى الصورة الصغيرة إلى جو.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسرتا سونگ ويوان (960–1368)

Buddhist Temple in the Mountains, 11th century, ink on silk, Nelson-Atkins Museum of Art, Kansas City (Missouri).
جاو منگفو Zhao Mengfu (Zi'ang), an خطاط بارع ورسام, advocated the mixture of old tradition into calligraphy and painting to create the Yuan style.
گو شي Guo Xi, a representative painter of landscape painting in the Northern Song dynasty, has been well known for depicting mountains, rivers and forests in winter. This piece shows a scene of deep and serene mountain valley covered with snow and several old trees struggling to survive on precipitous cliffs. It is a masterpiece of Guo Xi by using light ink and magnificent composition to express his open and high artistic conception.


ولقد نشأت في فن التصوير الصيني مدرستان مختلفتان إحداهما في الشمال والثانية في الجنوب، كما نشأت في الديانة الصينية مدرستان هي المدرسة الكنفوشية والمدرسة الدوِّية - البوذية ، وكما نشأت في الفلسفة مدرستان إحداهما بزعامة گو شي والثانية بزعامة وانج يانج منج ، تمثل الأولى ما يطلق عليه الغربيون العقلية الاتباعية ، وتمثل الثانية العقلية الابتداعية ، فكان الفنانون الشماليون يتمسكون بالتقاليد الصارمة ويتقيدون في رسومهم بقيود العفة والوقار ؛ أما أهل الجنوب فكانوا يعنون في تصويرهم بإبراز المشاعر والخيال.

العصر الامبراطوري المتأخر (1368–1895)

شن جو من مدرسة وو depicted the scene when the painter was making his farewell to Wu Kuan, a good friend of him, at Jingkou.

المدرسة الشمالية

ومؤسها هو گو شي وعنيت المدرسة الشمالية أشد عناية بإبراز نماذج صحيحة متقنة من الأشكال التي تصورها وجعلها واضحة الخطوط والمعالم ، أما المدرسة الجنوبية فقد ثارت كما ثار مونمارتر Montmarter على هذه القيود ، فكانت تحتقر هذه الواقعية البسيطة ولا تستخدم الأشياء إلا عناصر في تجارب روحية ، أو نغمات في مزاج موسيقي. ولقد وجد لي سو شون وهو يصور في بلاط منج هوانج بين زعازع السلطة السياسية وعُزلة النفي ما يكفي من الوقت لتوطيد دعائم المدرسة الشمالية. وصور هو نفسه بعض المناظر الصينية الطبيعية وبلغ فيها درجة من الواقعية تناقلتها فيما بعد كثير من الأقاصيص. من ذلك قول الإمبراطور أنه يستطيع أن يستمع في الليل إلى خرير الماء الذي صوره لي على شاشة في قصره ، وإن سمكة في صورة أخرى له دبت فيها الحياة ووجدت بعد في بركة - وليس لنا أن نلوم الصينيين على هذه الأقوال ، فإن لكل أمة أقوالاً مثلها في مدح مصوريها.

المدرسة الجنوبية

ومؤسسها هو وانج يانج منج ونشأت المدرسة الجنوبية مما أدخل على الفن من تجديد ومن عبقرية وانج واي ، فلم يكن المنظر الطبيعي في طرازه التأثيري من طرز الفن أكثر من رمز لمزاج معين ، وكان وانج شاعراً ومصوراً معاً ، ولذلك عمل على ربط الفنين بعضهما ببعض ، وذلك يجعل الصورة تعبر عن قصيدة. وفيه قال الناس لأول مرة العبارة التي طالما لاكتها الألسن حتى ابتذلت ، والتي تنطبق كل الانطباق على الشعر والتصوير الصينيين كليهما وهي: "كل قصيدة صورة وكل صورة قصيدة" (وكان يحدث في كثير من الأحيان أن تنقش القصيدة على الصورة وأن تكون القصيدة نفسها مخطوطاً فنياً جميلاً).

ويروى المؤرخون أن تونج جي-جانج قضى حياته كلها يبحث عن صورة أصلية من عمل وانج ويه. وأعظم المصورين في عهدة أسرة تانج ، وأعظم المصورين في الشرق الأقصى كله بإجماع الآراء ، رجل علاً فوق فروق مدرستي التصوير السالفتي الذكر ، وكان من الذين حافظوا على التقاليد البوذية في الفن الصيني ، واسم هذا المصور وو دَوْ - دزه ؛ ولقد كان في الحق خليقاً باسمه فإن معنى هذا الاسم هو وو أستاذ الدو أو الطريقة ، ذلك أن جميع التأثرات والأفكار المجردة ، التي وجدها لو دزه وجوانج دزه أدق من أن تعبر عنها الألفاظ ، وقد بدت وكأنها تنساب انسياباً طبيعياً في صورة خطوط وألوان يجري بها قلمه ، ويصفه أحد المؤرخين الصينيين بقوله: "إنه كان شخصاً معدماً يتيماً ، ولكنه وهب فطرة إلهية، فلم يكد يلبس قلنسوة البلوغ حتى كان من أساتذة الفن ، وحتى غمر لو - يانج بأعماله".

وتقول الروايات الصينية إنه كان مغرماً بالخمر وبأعمال القوة ، وإنه كان يعتقد - كما يعتقد الشاعر الإنكليزي بو Poe - أن الروح تخرج أحسن ثمارها تحت تأثير قليل من السكر. وقد برز في كل موضوع صوره ؛ في الرجال والأرباب والشياطين وفي تصوير بوذا بأشكال مختلفة ، وفي رسم الطيور والوحوش والمباني والمناظر الطبيعية - وكانت كلها تأتيه طائعة لفنه الخصيب ؛ وبرع في الرسم على الحرير والورق والجدران الحديثة الطلاء فكانت هذه كلها عنده سواء. وقد أنشأ ثلاثمائة مظلم للهياكل البوذية منها مظلم يحتوي على صورة ألف شخص لا تقل شهرته في الصين عن شهرة "يوم الحساب" أو صورة "العشاء الأخير" في أوربا. وكانت ثلاث وتسعون صورة من صوره في معرض الصور الإمبراطوري في القرن الثاني عشر بعد أربعمائة سنة من وفاته ، ولكنها لم يبق منها شيء في مكان ما في الوقت الحاضر. ويحدثنا الرواة أن الصور التي رسمها لبوذا "قد كشفت عن أسرار الحياةوالموت من تأثير صوره التي تمثل الحشر أن ارتاع من رؤيتها بعض القصابين والسماكين فنبذوا حرفتيهم المشينتين غير البوذيتين. ولما رسم صورة تمثل رؤيا منج هوانج أيقن الإمبراطور أن وو قد رأى هو أيضاً رؤيا مثلها. ولما أرسل الملك وو ليرسم منظراً على ضفة نهر جيالنج في ولاية سشوان هاله أن لا يعود الفنان دون أن يرسم خطاً واحداً ، فقال له وو: "لقد وعيته كله في قلبي". ثم انفرد بنفسه في حجرة من حجر القصر وأخرج ، كما يؤكد لنا المؤرخون ، مناظر تمثل ألف ميل. ولما أراد القائد باي أن ترسم له صورة طلب إليه وو ألا يقف أمامه ليرسمه ، بل أن يلعب بالسيف ، فلما فعل أخرج المصور له صورة لم يسع معاصريه إلا أن يقولوا أنها قد أوحي إليه بها ولم تكن من عنده. وقد بلغ من شهرته أن أقبلت "شانج آن" على بكرة أبيها لتشاهده وهو يختتم رسم بعض الصور البوذية في هيكل شنج شان. ويقول مؤرخ صيني من مؤرخي القرن التاسع إنه لما أحاط به هذا الجمع الحاشد "رسم الهالات بسرعة عجيبة عنيفة بدا للناس معها كأن يده يحركها إعصار ، وصاح كل من رآه أن إلهاً من الآلهة كان يساعده": ذلك أن الكسالى لا يفتئون يعزون العبقرية "لوحي" يوحى لمن ينتظر هذا الإيحاء.

وتقول إحدى القصص الطريفة إنه لما طال الأجل بو رسم منظراً طبيعياً كبيراً ، ودخل في فم كهف مصور في هذا المنظر ، ولم يره أحد بعد دخوله فيه. ولا جدال في أن الفن لم يصل قط إلى ما أوصله إليه هو من إتقان وإبداع. وأصبح الفن في عهد أسرة سونج شهوة عارمة عند الصينيين ، ذلك أنه بعد أن تحرر من سيطرة الموضوعات البوذية عليه غمر البلاد بما لا يحصى من الصور المختلفة.

ولم يكن الإمبراطور هواي دزونج نفسه أقل الثمانمائة الرسامين المشهورين في أيامه. ومن الكنوز المحفوظة بمتحف الآثار الجميلة ببوسطن ملف صوّر فيه هذا الإمبراطور في بساطة عجيبة ووضوح أعجب المراحل المختلفة التي تسير فيها عملية إعداد الحرير على يد النساء الصينيات. ومن أعماله أنه أنشأ متحفاً للفن جمع فيه أكبر مجموعة من الروائع الفنية عرفتها الصين من بعده ؛ وأنه رفع المجمع الفني من فرع تابع للكلية الأدبية لا غير إلى معهد مستقبل من الدرجة الأولى ، واستبدل الاختبار في الفن ببعض الاختبارات الأدبية التي جرت العادة بأن يمتحن فيها طلاب المناصب السياسية ، ورفع رجالاً إلى مناصب الوزراء لأنهم برعوا في الفن بقدر ما رفع إليها غيرهم لأنهم برعوا في السياسة. وسمع التتار بهذا كله فغزوا الصين وأنزلوا الإمبراطور عن عرشه ، ونهبوا المدينة وعاثوا فيها فساداً ، ودمروا كل الصور المحفوظة في المتحف الإمبراطوري إلا القليل ، وكانت سجلات هذه الصور تملأ عشرين مجلداً. وساق الغزاة الإمبراطور الفنان أمامهم ومات في ذل الأسر.

وكان أجل من هذا الإمبراطور الفنان شأناً رجلان من غير الأسر المالكة هما جوو شي ، ولي لونج - مين. "ويقول الناقدون والفنانون إن جوو شي بز جميع معاصريه في تصوير أشجار الصنوبر الباسقة ، والدوحات الضخمة ، والمياه الدوامة ، والصخور الناتئة ، والجروف الوعرة ، وقلل الجبال السامقة التي لا يحصى عديدها" . وكان لي لونج مين فناناً وعالماً وموظفاً ناجحاً ورجلاً سميذعاً يجله الصينيون ويرون فيه مثلاً أعلى لما يجب أن يكون عليه الصيني المثقف. وقد بدأ أولاً بالخط ثم انتقل منه إلى الرسم بالخطوط ثم بالألوان ، وقلما كان يستخدم في هذا كله شيئاً غير المداد ؛ وكان يفخر بمحافظته الشديدة على تقاليد المدرسة الشمالية بزعامة جوشي ، ويبذل جهوده كلها في ضبط الخطوط ودقتها. وقد برع في رسم الخيل براعة بلغ منها أن اتهمه الناس حين ماتت ستة منها بأن الصورة التي رسمها لها قد سلبتها أرواحها ؛ وإن حذره كاهن بوذي من أنه سيصبح هو نفسه جواداً إذا دأب على العناية برسم الجياد بدقته المعهودة ، فما كان منه إلا أن قبل نصيحة الكاهن وصور خمسمائة لوهان. وفي وسعنا أن ندرك شهرته إذا عرفنا أن معرض هواي دزونج الإمبراطوري حين نُهب كان يحتوي على مائة صورة وسبع صور من عمل لي لونج - مين وحده.

ونبغ في عهد أسرة سونج عدد كبير من أساتذة الفن ، نذكر منهم مي فاي وهو عبقري غريب الأطوار ، كان لا يُرى إلا وهو يغسل يديه أو يغير ملابسه إذا لم يكن يشتغل بجمع أعمال رجال الفن القدماء ، أو يرسم صوراً لمناظر طبيعية "بطريقة التنقيط" أي بنقط من المداد يضعها دون أن يستعين بالخطوط الخارجية. ومنهم أيضا شيه جواي وقد رسم ملفاً طويلاً يحتوي على مناظر متفرقة بنهر يانج - دزه من منابعه الصغيرة ، ومجراه ، مخترقاً اللويس والخوانق إلى مصبه الواسع الخاص بالسفن التجارية وبالقوارب الصغيرة (السمبان) ؛ وهذا الملف قد جعل بعض الفنانين يضعون صاحبه على رأس مصوري المناظر الطبيعية في الشرق والغرب على السواء.

ومن مشهوري المصورين في هذا العهد مايوان ، ويزدان متحف الفن الجميل في بوسطن بمناظر طبيعية أنيقة ، ومناظر مصورة عن بعد%=@ومن أروع الصور صورة "السيدة لنج - جاو واقفة بين الثلوج". والصورة تمثل السيدة (وهي صوفية بوذية من نساء القرن الثامن) ساكنة غارقة في التفكير كأنها سقراط واقف وسط الثلوج في بلاتيه. ويخيل إلينا أن الفنان يقول "إن العالم لا وجود له إلا إذا أدرك العقل وجوده ، وإن في وسع العقل أن يتجاهله إلى حين".@ .

ومنهم ليانج كاي الذي رسم صورة فخمة للشاعر الصيني لي بو ؛ و موتشي صاحب صورة النمر الرهيب ، والزرزور ، وصورة كوان ين الظريف المكتئب ؛ وفي وسعنا أن نذكر غير هؤلاء كثيرين من المصورين الصينيين الذين لم يألف الغرب سماع أسمائهم أو يعيها إذا سمعها لغرابتها ، ولكنهم في واقع الأمر نماذج من تراث الشرق العقلي العظيم. وما أصدق ما قاله عنهم فنلوزا Fenollosa: "لقد كانت ثقافة أسرة سونج أنضج تعبير عن العبقرية الصينية". وإذا شئنا أن نقدر فن التصوير الصيني في أيام مجد أسرتي تانج و سونج ، كنا كمن يحاولون من مؤرخي المستقبل أن يكتبوا عن عصر النهضة الإيطالية بعد أن فقدت جميع أعمال رفائيل و ليوناردو دافنشي و مايكل إنجلو.

ويبدو أن فن التصوير الصيني قد كسر في ذرعه وهدر دمه لما توالى عليه من غارات جحافل البرابرة الذين دمروا روائعه وعاقوا تقدمه قروناً عدة. ومع أنه قد نبغ في عهد الأسر التي تربعت على عرش الصين بعد أسرتي تانج وسونج ، الصينية منها والأجنبية ، فنانون لهم رسوم بلغت مستوى عظيماً من الظرف أو القوة ، فليس من هؤلاء الفنانين من يرقى إلى مستوى أولئك الرجال الذين عاشوا في جنان بلاط منج هوانج أو هواي دزونج. وخليق بنا إذا فكرنا في الصينيين ألا نفكر فيهم على أنهم مجرد شعب سلطت عليه الفاقة ، وأضعفه فساد الحكم ، وفرقته التحزبات والانقسامات السياسية ، وأذلته الهزائم الحربية ، بل يجب أن نفكر فيهم أيضاً على أنهم أمة شهدت في تاريخها الطويل عصوراً لا تقل في مجدها عن عصور بركليز وأغسطس وآل مديشي ، وأنها قد تشهد عصوراً أخرى مثلها في مستقبل الأيام.


خصائص فن التصوير الصيني

ترى ما هي الخصائص التي تميز فن التصوير الصيني فتجعله يختلف كل الاختلاف عما أنتجته أية مدرسة أخرى من مدارس التصوير في التاريخ كله عدا تلاميذه في اليابان؟ إن أول ما نذكره من هذه الخصائص أن الصور الصينية ترسم على ملفات أو شاشات كبيرة ، ولكن هذه مسألة تتعلق بالشكل الخارجي ، وأهم منها وأعمق وأكثر صلة بالصفات الذاتية احتقار الصينيين للمنظور والظلال. فلما أن قبل مصوران أوربيان دعوة وجهها إليهم الإمبراطور كانج شي ليزينوا له قصوره رفض الإمبراطور ما عرضوه عليه من زينات لأنهم رسموا العمد البعيدة في صورهم أقصر من القريبة. وقال لهم الصينيون في هذا أن لا شيء يمكن أن يكون أكذب وأبعد عن الطبيعة من تمثيل المسافات حيث لا توجد مسافات مطلقاً. ولم تستطع إحدى الفئتين أن تفهم آراء أخرى ومبادئها لأن الأوربيين اعتادوا أن ينظروا إلى المنظر وهم في مستواه ، على حين أن الفنانين الصينيين قد اعتادوا أن ينظروا إليه من أعلاه.

كذلك كان يخيل إلى الصينيين أن الظلال لا محل لها في نمط من أنماط الفن لا يهدف في زعمهم إلى محاكاة الحقيقة بل يهدف إلى إدخال السرور على النفس ، وتمثيل الأمزجة ، والإيحاء بالأفكار عن طريق الأشكال التامة الكاملة. وكان الشكل كل شيء في هذه الصور ، ولم تكن السبيل إلى إجادته غزارة اللون أو بهجته ، بل كانت في انسجامه ودقة خطوطه. وكانت الألوان محرمة تحريماً باتاً في الرسوم الأولى ، وظلت نادرة في رسوم أساتذة الفن ؛ فقد كان هؤلاء يكتفون بالمداد والفرشاة ؛ ذلك أن اللون لم يكن في رأيهم ذا صلة ما بالشكل ، بل كان الشكل على حد قول شياه - هُو هو الانسجام ؛ وأول معاني الانسجام عند الصينيين هو أن يكون الرسم الصيني السجل المرئي لحركة منسجمة أو رقصة تمثلها اليد ؛ ومعناه كذلك أن الشكل البديع يكشف عن "انسجام الروح" وعن جوهر الحقيقة وحركتها الهادئة. ومظهر الانسجام في آخر الأمر هو الخط - غير مستخدم في بيان حدود الأشياء ومحيطها الخارجي ، بل مستخدم في بناء الأشكال التي تعبر عن النفس بطريق الإيحاء أو الرمز. وتكاد دقة الخطوط وجمالها أن يكونا وحدهما في فن التصوير الصيني السبب الوحيد في براعة التنفيذ المستقلة عن قوة الإدراك والشعور والخيال. ومن أجل هذا كان من واجب المصور أن يلاحظ ما يريد تصويره بصبر وعناية ، وإن يكون ذا شعور قوي مرهف ، وأن يضبط أحاسيسه أدق الضبط وأحكمه ، وأن يتبين غرضه واضحاً ، ثم ينقل بعد هذا على الحرير ما تمثله في خياله ، نقلا لا يترك فيه مجالاً للإصلاح أو التعديل ، وذلك بعدد قليل من الضربات المتواصلة السهلة. وقد وصل فن التصوير بالخطوط ذروة مجده في الصين واليابان ، كما اقترب فن التلوين من ذروة مجده في البندقية وفي الأراضي الوطيئة. ولم يُعن فن التصوير الصيني بالواقعية في يوم من الأيام ، بل كان يهدف إلى الإيحاء أكثر مما يهدف إلى الوصف. أما "الحقيقة" فقد تركها للعلم ووهب نفسه للجمال.

ولقد كان هذا النوع من التصوير فرعاً لم ينبت في غير بلاد الصين ، ثم ترعرع وازدهر بعض الازدهار تحت سماء صافية ، فأصبح كافياً لأن يستهوي نفوس أعظم أساتذة الفن ويملك عليهم تفكيرهم ، وأن يكون تناولهم لرقعة التصوير الفارغة وتقسيمها تقسيماً يتناسب مع ما يريدون تصويره ، أن يكون هذا وذاك محكاً تختبر به قدرتهم ومهارتهم. ومن الموضوعات التي كانت تعرض على طالبي الالتحاق بمجمع هواي دزونج للتصوير موضوع يوضح لنا مقدار توكيد الصينيين للإيحاء غير المباشر وعنايتهم به لا بالتصوير الصريح. ذلك أن المتسابقين كان يعرض عليهم أن يشرحوا بالرسم بيتاً من أبيات الشعر هو: "وعاد حافر جواده مثقلاً بعبير ما وطئه من الأزهار". وكان المتسابق الذي أحرز قصب السبق في هذا المضمار فناناً رسم صورة فارس ومن حول كعوب جواده سرب من الفرش. ولما كان الشكل كل شيء فإن من الممكن أن يكون الموضوع أي شيء. وقلما كان الرجال مركز الصورة أو جوهرها ؛ وإذا ما ظهروا فيها كانوا في كل الأحوال تقريباً شيوخاً وكانوا كلهم متقاربين في الشبه. وقلما كان المصور الصيني ينظر إلى العالم بعيني الشاب وإن لم يكن قط واضح التشاؤم في تصويره. ولقد رسم المصورون صوراً لبعض الأفراد ولكنها كلها صور لم تبلغ ما بلغه غيرها من الجودة والإتقان ؛ ذلك أن الفنان الصيني لم يكن يعنى بالأفراد ، وما من شك في أنه كان يحب الأزهار والحيوانات أكثر مما يحب الرجال ، ولذلك أطلق لنفسه العنان في تصويرها؛ فترى هواي دزونج وهو الذي كانت تأتمر بأمره إمبراطورية متسعة الأرجاء يهب نصف حياته لتصوير الطيور والأزهار. وكانت الأزهار والحيوانات كالأزورد والتنين تتخذ رموزاً غير مقصودة لذاتها في بعض الأحيان ؛ لكنها في الأغلب الأعم كانت ترسم لأن سر الحياة وسحرها يتمثلان فيها كاملين كما يتمثلان في الإنسان نفسه ، وكان الحصان محبباً للفنانين الصينيين بنوع خاص ، ومن أجل هذا ترى فنانين كباراً مثل هان كان لا يكادون يعملون شيئاً غير رسم شكل في أثر شكل لهذا المخلوق الذي هو جسم حي للتخطيط الفني.

ولسنا ننكر أن التصوير في الصين قد لاقى الأمرّين من جراء التقاليد الدينية أولاً ومن القيود التي وضعها العلماء بعدئذ ، وأن تقليد الأساتذة القدامى والنسج على منوالهم كانا من العوامل المعوقة في تدريب طلاب الفن ، وأن الفنان كان في كثير من الأحوال يقيد بعدد من المسائل لا يسمح له أن يلجأ إلى غيرها في تشكيل مادته. وفي وسعنا أن ندرك قوة العرف والتقاليد من قول أحد كبار النقاد الفنيين في عهد آل سونج: "لقد كنت في أيام شبابي أثني على الأستاذ الذي أحب صوره ؛ فلما أن نضج عقلي أصبحت اثني على نفسي لأني أحببت ما اختاره الأساتذة لي لكي أحبه" ، وإنا ليدهشنا ما بقى في هذا الفن من حيوية بالرغم من قيود العرف والقواعد التي وضعت له. وفي وسعنا أن نقول في هؤلاء ما قاله هيوم عن كتاب عهد الاستنارة وهم الذين علا شأنهم رغم الرقابة المفروضة عليهم: "إن القيود التي عانى الفنانون ما عانوه منها قد أرغمتهم هي نفسها على أن يكونوا عظماء ممتازين". وما من شك في أن الذي أنقذ المصورين الصينيين من وهدة الركود هو إخلاصهم في إحساسهم بالطبيعة. وقد استمدوا هذا الإحساس من مبادئ الدوية ، وقوتها في نفوسهم البوذية إذ علمتهم أن الإنسان والطبيعة شيء واحد في مجرى الحياة وتغيرها ووحدتها. وكما أن الشعراء قد وجدوا في الطبيعة ملجأ يهرعون إليه من صخب المدن وكفاحها ، وكما أن الفلاسفة كانوا يبحثون فيها عن نماذج للأخلاق وهادياً للحياة ، كذلك كان المصورون يطيلون التأمل بجوار المجاري المائية المنعزلة ويوغلون في شعاب الجبال الشجراء ، لأنهم يشعرون أن الروح الأعلى الذي لا يعرفون له اسماً قد عبر عن نفسه في هذه الأشياء الصامتة الخالدة تعبيراً أوضح مما عبر عنها في حياة الناس وأفكارهم المضطربة الهائجة.

ولقد اتخذ الصينيون الطبيعة الشديدة القسوة عليهم ، والتي تنفث الموت ببردها وفيضان أنهارها ، اتخذوها إلههم الأعلى ، ورضوا بذلك في قوة وطمأنينة ، ولم يقبلوا أن يقدموا لها القرابين الدينية ، بل رضوا بأن تكون فوق هذا معبود فلسفتهم وأدبهم وفنهم. وحسبنا شاهداً على قدم عهد الثقافة الصينية وعمقها أن الصينيين قد هاموا بحب الطبيعة قبل أن يهيم بها كلود لورين ، و روسو ، و ورد سورث ، و شاتو بريان بألف عام كاملة ؛ وأنهم أنشئوا مدرسة من مصوري المناظر الطبيعية أضحت صورها في جميع بلاد الشرق الأقصى أسمى ما عبرت به الإنسانية عن مشاعرها.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً


المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  • http://thawra.alwehda.gov.sy/_print_veiw.asp?FileName=27619199220070516232222

وصلات خارجية