تاريخ الگابون

(تم التحويل من تاريخ الجابون)
الگابون

تاريخ الگابون

الملك دني راپونتشومبو وزوجته

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاحتلال الفرنسي

"الكونگو الفرنسي. الأهالي في الگابون": بطاقة بريدية استعمارية، ح.1905

فينبغي لنا أن نبدأ الحديث عن الجابون باعتبارها من أولى المناطق التي وصل اليها الفرنسيون وقد تشابهت الجابون مع السنغال، حيث لعبت الأخيرة دورا هاما في التغلغل الفرنسي في غرب القارة وكانت بمثابة القاعدة الاساسية للفرنسيين للانطلاق نحو المناطق الداخلية حتى وصلوا الى تشاد، ولعبت الجابون دورا هاما ايضا في التغلغل الفرني في أفريقيا الاستوائية، واتخذت منها فرنسا قاعدة ومركزا رئيسيا لها في المنطقة، بالاضافة الى تمتع الجابون بخاصية هامة وهي غناها بمواردها الطبيعية، اذ تكثر فيها الغابات والمناجم مما أتاح للفرنسيين فرصة كبيرة لاستغلالها (1).

وقع عبء اكتشاف أفريقيا الاستوائية بصفة عامة والجابون بصفة خاصة على عاتق رجال البحرية الفرنسية والمستكشفين الفرنسيين، ومن المعروف أن رجال البحرية الفرنسية لعبوا دورا هاما في أفريقيا الاستوائية، وانما في غرب وشرق القارة الأفريقية ومهدوا لتعميق النفوذ الفرنسي في تلك الجهات (2).

ولا جدال في أن البرتغال كانت من أولى الدول الاوروبية التي وصلت الى ساحل غينيا والى المناطق الواقعة جنوبه (3) فأرسلت البعثات التنصيرية كما حاولت الاتصال بالأفارقة في المناطق الداخلية لخدمة أغراضها التجارية، ونجحت في احتكار وتصدير بعض المنتجات كالمعادن والزجاج واستبدلتها بالذهب والعاج والرقيق (4).

ولكن لم تستفد البرتغال من كشوفها في المنطقة قدر استفادة الفرنسيين الذين أسسوا الشركات التجارية فاحتكروا التجارة من سيراليون حتى رأس لوبيه، كما احتكرت شركة الهند الشرقية الفرنسية وشركة غينيا للتجارة حتى رأس الرجاء الصالح وعلى طول ساحل أنجولا، وفي القرن الثامن عشر كان البحارة الفرنسيون على علم تام بهذه السواحل وبلغ عدد الوكالات الفرنسية العاملة في المنطقة في عام 1785 أكثر من سبعين وكالة أسسها التجار الفرنسيون القادمون من نانت ومرسيليا وبوردو (1).

اعتمدت التجارة الفرنسية على المبادلة فحمل الفرنسيون الأقمشة والمنسوجات والطباق والأغذية من أجل الحصول على المنتجات الأفريقية مثل العاج والذهب والأخشاب وجوز الهند بالاضافة الى الرقيق واستمر التفوق التجاري الفرنسي حاسما في المنطقة الممتدة من الجابون حتى راس الرجاء الصالح حتى أواخر القرن الثامن عشر (2).

وبالاضافة الى اهتمام الفرنسيين بالتجارة اهتموا بنشر ثقافتهم وديانتهم. فقدمت البعثات التنصيرية الى الجابون وساهم رجال الدين في اكتشاف المنطقة والقاء الضوء عليها مثل القس برويار الذي عمل في جنوب الجابون في لوانجو ونشر عام 1776 كتابا هاما عن المنطقة (3). وتركز عمل البعثات التنصيرية في الجابون في المناطق الواقعة جنوبها فتوغلت هذه البعثات في لوانجو وبوانت نوار. بينما تركزت في الجابون في المنطقة التي تأسست فيها مدينة ليبرفيل الحالية (4).

جذبت المنطقة اهتمام رجال البحرية الفرنسية في أوائل القرن التاسع عشر ورأوا أن الجابون تصلح لكي تكون قاعدة للبحرية الفرنسية ، ففي عام 1805 كتب الأدميرال لينوا الى وزير البحرية الفرنسية يدعوه للاهتمام بالجابون وتقوية الصلات معها ومع المناطق الواقعة جنوبها نظرا لأهمية موقعها على الساحل (5).

واذا كانت فرنسا قد انشغلت بالحروب النابوليونية عن الجابون، الا أن منطقة ساحل غينيا جذبت انتباه رجال البحرية الفرنسية منذ الثلاثينات من القرن التاسع عشر فعملوا على انشاء الحصون على ساحل العبيد، ولعب التجار الفرنسيون دورا بارزا في ساحل غينيا حتى تم انشاء حصنين في ساحل العاج في كل من جران بسام واسيني كذكل تم انشاء حصن فرنسي ثالث في الجابون التي أصبحت تمثل قاعدة بحرية هامة للنشاط الفرنسي في المنطقة (1).

وفي الواقع أن الاهتمام بالجابون لم يقتصر على الضباط الفرنسيين فحسب وانما اهتم بالمنطقة رجال البحرية البريطانية فقد أرسلت بعثة مكونة من الكابتن توكي والملازم هوكي الى المنطقة منذ عام 1816 وتجول الكابتن توكي في سواحل الجابون ووصل الى رأس لوبيه وتعرف على أجزاء من نهر الجابون، ولكن البحرية البريطانية خلال هذه الفترة فضلت العمل في ساحل غينيا مما أتاح للفرنسيين الفرصة لتدعيم سيطرتهم في الجابون (2).

يرجع الفضل الى بوييه ويلوميه القائد البحري الفرنسي في تدعيم سيطرة بلاده على ساحل غينيا، فعقد المعاهدات التجارية في ساحل العاج ودعم صلاته بالزعماء المحليين وأطلق على المراكز التجارية في ساحل العاج اسم وكالات الجنوب واستتبع تدعيم السيطرة الفرنسية في ساحل العاج تدعيمها في الجابون أيضا فزار بوييه المنطقة في عام 1837 ثم زارها للمرة الثانية عام 1839 على ظهر السفينة الفرنسية ماليون ونجح بوييه في التفاوض مع زعماء القبائل الشمالية وزعماء القرى في الجابون، وفي 9 فبراير 1839 وقع مع زعيم الضفة الشمالية للجابون الملك دنيس أول معاهدة فرنسية وافق فيها الملك على اقامة المنشآت الفرنسية، وكانت هذه المعاهدة بداية لتكوين أفريقيا الاستوائية الفرنسية وقبل الملك دنيس اعلان الحماية الفرنسية على أراضيه. وقد قدر لهذا الملك أن يلعب دورا هاما في المنطقة فقد عمل كوسيط تجاري بين الفرنسيين وبين سكان المناطق الداخلية في الجابون واعتنق المسيحية وأرسل أولاده الى مدارس البعثات التنصيرية وتوفى في عام 1876 بعد أن ساهم بدور كبير في تركيز النشاط الفرنسي في الجابون (1).

وفي عام 1841 وقع بوييه مع الملك لويس في منطقة بوانت بنجارا معاهدة حماية، وقد حذي بقية الزعماء المحليين حذو الملك لويس فوقعوا معاهدات الحماية في أبريل عام 1843 مع القائد الفرنسي بودان، كذلك قبل ملك منطقة كوابينز الحماية الفرنسية على أراضيه، وفي يوليو 1844 وقع القائد الفرنسي داريكو معاهدات حماية مع زعماء الجزر وشبه الجزر الواقعة عند روافد الجابون، ومنهم الملك جلاس وبناء على أوامر حاكم السنغال تم بناء حصن فرنسي في الجابون وهو حصن دومال وذلك في 11 يونيو 1843 (2).

على أن توقيع هذه المعاهدات أثار غيرة وحسد ضباط البحرية البريطانية العاملين في ساحل غينيا، فبدأوا في اثارة المتاعب للفرنسيين، وحرضوا الملك على رفض المعاهدة التي وقعها من قبل مع الفرنسيين ولكن فرنسا تمسكت بالمعاهدات التي عقدتها مع الزعماء المحليين في الجابون فقد تزايدت أهمية المنطقة خلال هذه الفترة واعتبرتها فرنسا من أهم قواعدها البحرية على أن تمسك فرنسا بالمعاهدات التي وقعتها لم ينه التنافس بينها وبين بريطانيا في المنطقة فسرعان ما أثيرت مشكلة أخرى بين الطرفين بشأن تجارة الرقيق، وصدرت التعليمات الى الضباط الفرنسيين بمحاربة هذه التجارة ابتداء من السنغال حتى الجابون، ففي نوفمبر 1845 صدرت التعليمات من جوريه في السنغال الى قادة الجابون بضرورة اصدار اعلام رسمي الى سكان الجابون تضمن عدة مواد نصت المادة الأولى منه بأنه على السكان الخاضعين للنفوذ والقوانين الفرنسية عليهم الامتناع عن تجارة الرقيق وعن التجاري مع التجار البرازيليين، ونصت المادة الثانية من الاعلام على أن يقوم قائد حصن دومال بتعريف الزعماء المحليين بأخطار هذه التجارة وضرورة منعها في أراضيهم وابلاغهم أنها محرمة قانونا. وأن الفرنسيون سوف يحاولون تعويض هؤلاء الزعماء عن الاسرى من الرقيق عن طريق الاستفادة منهم بدلا من بيعهم، ونصت المادة الثالثة على قائد حصن دومال اعطاء الحرية التامة للتجارة الشرعية، وحرية اقامة المنشآت للاوروبيين ولكن بشرط أن تكون هذه المنشآت خاضعة للحماية الفرنسية وتحت اشراف فرنسا. ونصت المادة الرابعة على معرفة الجهة التي يقصدها تجار الرقيق، ومعرفة المنشآت التي تتاجر في هذه التجارة والعمل على تدميرها، كذلك اكد الاعلام على ضرورة مصادرة السفن التي تصل الى الجابون ولا تحمل أوراق رسمية ونصت المادة الخامسة على ضرورة مراقبة التجار البرازيليين ومنعهم من التجارة اذ شكل هؤلاء التجار خطرا كبيرا لنشاطهم في هذا المجال (1).

وقد تعقب الضباط البريطانيون بدورهم تجار البرازيل لمنعهم من تجارة الرقيق وترتب على ذلك توتر العلاقة بينهم وبين الفرنسيين لأن عملية مطاردة تجار الرقيق تمت في بعض الأحيان بدون الحصول على اذن مسبق من السلطات الفرنسية وتوغل الضباط البريطانيون في أراضي اعتبرتها فرنسا تابعة لها ولذلك أرسل الكونت انولير الى اللورد ابردين في عام 1846 يشكو تصرفات هؤلاء الضباط وذلك منهم القائد البريطاني بوسنكيه قائد السفينة ألرت الذي قام بعدة عمليات عسكرية في الجبون أثناء مطاردته للتجار البرازيليين دون استئذان السلطات الفرنسية، كذلك رفض أوامر التحية للعلم الفرنسي (2).

وقد خشيت الحكومة البريطانية من توتر العلاقة بينها وبين فرنسا ولذلك قامت بمساءلة الكابتن بوسنكيه لتوضيح موقفه أمام الحكومة الفرنسية (3).

وقد دافع بوسكنيه عن موقفه بأنه تلقى معلومات عن وجود تجار رقيق في المنطقة وأكد أن العمليات العسكرية التي قام بها ضدهم كانت على بعد خمسة أميال من منشآت فرنسية في الجابون وعلل تصرفه بأنه علم بوجود شحنة كبيرة من الأرقاء على وشك الابحار من الجابون فحاول منعها (1).

وهكذا نلمس حرص فرنسا على التمسك بالجابون ومنع أي دولة اوروبية اخرى من أن يكون لها نفوذ فيها، واكتسبت المنطقة أهمية جديدة بالاضافة الى كونها قاعدة بحرية وذلك عند انشاء مدينة ليبرفيل عام 1849 على غرار فريتاون وقد بدأ الفرنسيون في انزال العبيد المحررين على الساحل منذ عام 1848 واصبحت ليبرفيل محطة هامة لتموين السفن الفرنسية بما تحتاج اليه وخاصة الفحم (2).

وخلال عهد حكومة الامبراطورية الفرنسية الثانية اتبع الفرنسيون سياسة أكثر نشاطا في المنطقة فتزايدت البعثات العلمية والاستكشافية والتنصيرية وفي 1875-1859 استطاع بول دي شيلو اكتشاف نهر اوجوية والتعرف على روافده ودون ملاحظاته في كتاب قيم، وفي عام 1862 اعلن الأدميرال ضم بنجوار الواقعة على الضفة الشمالية للجابون وتم رفع الاعلام الفرنسية عليها (3).

رغم اهتمام حكومة الامبراطورية الثانية بالجابون الا أنه ظهرت خلال الستينات من القرن التاسع عشر فكرة تدعو الى مبادلة الجابون مع بريطانيا في مقابل حصول فرنسا عل غمبيا وكان من أنصار هذا الرأي فيدهرب حاكم السنغال وكتب مذكرة الى الامبراطور نابوليون الثالث وقد استند في رأيه عن أن من مصلحة فرنسا التوسع جنوبا من السنغال وضم أراضي غمبيا ولكن الحكومة البريطانية رفضت التخلي عن غمبيا واثيرت الفكرة مرة أخرى في الثمانينات من القرن التاسع عشر عندما بدأت بريطانيا تسعى لتكوين حزام من الأراضي يمتد من ساحل غمبيا ويسير جنوبا حتى الجابون ففكر بعض الساسة البريطانيون في امكانية ضم الجابون ولكن كان من الصعب على الفرنسيين في ذلك الوقت التخلي عنها لتزايد أهميتها كذلك لتزايد أهمية ساحل غمبيا (1).

على أن هذا النشاط الفرنسي المكثف في الجابون خلال عهد الامبراطورية الثانية سرعان ما تعرض للتقلص والانهيار بسبب نشوب الحرب السبعينية مما أدى الى هجر فرنسا لمنشآتها في الجابون، وفي ساحل غينيا وساحل العاج والعبيد ولكن سرعان ما بدأت فرنسا تستعيد نشاطها في المنطقة مرة أخرى ولكن بصورة أكثر عمقا عن السنوات السابقة (2).

وجدير بالذكر أن بريطانيا خلال فترة السبعينات من القرن التاسع عشر فكرت في مد نفوذها جنوب ساحل غينيا أي من لاجوس حتى المنشآت الفرنسية في الجابون واستندت على سبب هام وهو انسحاب فرنسا من تلك المنطقة وهجر منشآتها ورغم وجود مشجعين لهذه الفكرة الا أناه لقيت معارضة من قبل بعض الساسة البريطانيين لأنهم رأوا أن تدعيم السيطرة البريطانية على هذه الرقعة الكبيرة الممتدة من لاجوس حتى الجابون سيؤدي الى ارهاق ادارة ساحل الذهب التي تركزت فيها ادارة ساحل العاج (3).

عادت فرنسا الى الجابون أكثر نشاطا ووطدت نفوذها من جديد في ساحل العبيد وساحل العاج واستعادت منشآتها في تلك المناطق منذ عام 1879 (4).

كان نشاط دي برازا في الجابون من أهم العوامل التي ساهمت في تعديم السيطرة الفرنسية عليها ورغم ان اسم دي برازا يقترن بالكونغو الفرنسي الا أنه بدأ عمله في المنطقة في الجابون أولا واستطاع دي برازا الوصول الى نهر اوجويه خلال عشرين شهرا كشف عن 70 كم من النهر وتعرف على المنابع العليا فيه، وذلك في عام 1876، كما نجح دي برازا في تأسيس مدينة فرانسفيل، وعاد الى فرنسا عام 1878 ثم ما لبث أن عاد الى المنطقة موفدا من الشعبة الفرنسية للجمعية الأفريقية عام 1879 ولكن في هذه المرة ركز جهوده صوب الكونغو (1).

ويرجع السبب في تركيز نشاط دي برازا في الكونغو أنه أكد أن نهر الجابون لا يساعد كثيرا على التوغل في داخل القارة للتوسع وأن نهر الكونغو يتيح لفرنسا فرصة أكبر للتوسع في المناطق الداخلية ولكنه أد على أهمية الجابون كقاعدة بحرية هامة (2).

والواقع أن قادة الجمهورية الثانية الفرنسية انتهجو سياسة توسعية في أفريقيا وحرصوا على ربط السنغال بالنيجر واكتشاف الأراضي الداخلية لداهومي وساحل العاج مع تحقيق الاتصال بينهما وبين النيجر والعمل على ربط غرب أفريقيا بكل من شمال أفريقيا وأفريقيا الاستوائية ومد النشاط الفرنسي من البحر المتوسط حتى الكونغو وقد تحققت هذه السياسة بالفعل (3).

كثف الفرنسيون نشاطهم في الجابون باعتبارها مفتاح أفريقيا الاستوائية ونظرا لتزايد أهميتها لم تعد تابعة للسنغال ونما انفصلت عنها عام 1881 وأصبحت هي بدورها قاعدة هامة ومركزا رئيسيا للانطلاق نحو المناطق الداخلية وحلت ليبرفيل محل داكار في ادارة المنطقة (4).

وفي عام 1883 بلغ عدد المراكز الفرنسية الممتدة على طول وادي اوجويه حوالي عشرين مركز ووقعت معاهدات مع القبائل الوطنية في المنطقة (5).

ونجح دي برازا في تحقيق هدفه في الجابون اذ تكونت جمعية اعالي اوجويه كانت مهمتها الأساسية هي التوسع في أعالي هذا النهر ولفتح طريق من مصب الكونغو الى اعالي النيل والافادة من المنطقة من الناحية التجارية (6).

وهكذا حقق الفرنسيون هدفهم في الجابون ودعموا مركزهم فيها لكي يتمكنوا من التوغل في المناطق الداخلية.


انظر أيضاً

الهامش

  • Petringa, Maria (2006), Brazza, A Life for Africa.
  • Schilling, Heinar (1937), Germanisches Leben, Koehler and Amelang, Leipzig, Germany.

وصلات خارجية