الوليد بن طريف الشيباني

الوليد بن طَرِيف بن الصَّلْت، التَّغلبي الشَّيباني (توفي 179هـ/795م)، أحد زعماء الخوارج، الثائرين الشجعان والمقاتلين الأبطال.

لم تذكر كتب التراجم سنة ميلاده، ولم تتحدث عن نشأته وتفاصيل حياته سوى أنه كان في زمنه زعيماً من زعماء الخوارج الشُّراة، ومن أشدهم بأساً وأعظمهم صولة، وهم الذين كانوا قد خرجوا على علي بن أبي طالبt بعد حادثة التحكيم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، وباعوا أنفسهم في سبيل الله، فقاتلهم الإمام علي في «موقعة النهروان» سنة 38هـ وشردهم في البلاد، فانقسموا بعد ذلك فرقاً وجماعات، لكل فرقة رأي ولكل جماعة زعيم، فالتف حولهم عدد من الناقمين على الحكم الأموي ثم العباسي، وأصبحوا مصدر قلق للسلطات الحاكمة.

ففي سنة 178هـ رجع الخليفة هارون الرشيد من مكة المكرمة بعد أن أدى فريضة الحج، وكان الوليد بن طريف الشيباني مقيماً في مناطق الخابور، فخرج على الرشيد ثائراً، وخرجـت معه جموع كثيرة، فلما دخـل بلدة «نَصِيْبِين» قَتل عاملَها إبراهيم بن خازم، ثم قويت شوكته، فدخل «أرمينيا» وحاصر عاصمتها «خِلاط» التي تقع على «بحيرة وان» عشرين يوماً، ثم عبر دجلة وسار بجيشه إلى «أذربيجان» ورجع فعاث في بلاد الجزيرة وما حولها. فلما سمع الخليفة الرشيد بأنباء الوليد انتدب قائدَه يزيدَ بن مَزْيَد الشيباني ـ وهو ابن أخي معن بن زائدة ـ لقتال الوليد بن طريف وإخماد ثورته. وكان يزيد بن مزيد آنذاك والياً على أرمينيا وأذربيجان، فتوجه بجيش كثيف إلى بلاد الجزيرة لملاقاته، ولكن الوليد أخذ يستخف بيزيد ويتهدده ويقول لـه:

ستعلم يا يزيدُ إذا التقينا بشطِّ الزابِ أيَّ فتًى يكونُ

فجعل يزيد حين التقى الوليد يخاتله ويماكره ولا يجدُّ في الحملة عليه. وكان البرامكة ـ وهم يومئذ أعوان الرشيد والمقربون إليه ـ منحرفين عن يزيد ناقمين عليه، فأغروا به الرشيد وقالوا لـه: «إنما يتجافى يزيد بن مزيد عن الوليد ويتباطأ عنه لما بينهما من الرَّحِم، فكلاهما من بني شيبان». وهوَّنوا أمر الوليد بن طريف، إذ لا يستحق أن يتردد يزيد في القضاء عليه. فاستجاب الخليفة الرشيد لرأي البرامكة، وكتب إلى يزيد كتاب مُغْضَب، وقال لـه فيه: «لو وجَّهْتُ أحد الخدم لقتال الوليد لقام بأكثر مما تقوم به! ولكنك مداهن متعصب. وأقسمُ بالله إن أخَّرتَ مناجزته لأوجهنَّ إليك من يحمل رأسك». فصمم يزيد عندئذٍ على مواجهة الوليد والقضاء عليه، وكان ذلك في شهر رمضان من سنة 179هـ، ولكنه وهـو في أول المعركة أصابه الوهن وأجهده العطش، حتى رمى بخاتمه في فيه وجعل يلوكه ويقـول: «اللهم إنها شِدَّة شديدة فاسترها». وقـال لأصحابه: «فِداكم أبي وأمي، إنما هم الخوارج، ولهم حملة، فاثبتوا لهم تحت التِّراس، فإذا انقضت حملتهم فاحملوا عليهم، فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا». فكان الأمر كما قال يزيد، فإنه لما رأى جنودَه يكرون على جيش الوليد ثبت هو ومن معه من عشيرته وأصحابه.

وكان الوليد يخطر بفرسه في أرض المعركة ويحمِّس جنده ويقول:

أنا الوليدُ بنُ طريفِ الشَّاري
قَسْوَرَةٌ لا يُصْطلى بناري
جَوْرُكـمُ أخرجنـي مـن داري

ولكن يزيد بن مزيد حمل عليهم حملة شعواء، فانكشفوا وتفرقت صفوفهم، فأخذ يطارد الوليد بن طريف، حتى التقاه على غِرَّة بقرب «هِيْت»، وهي بلدة على نهر الفرات قرب الحبانية كانت من محطات القوافل التجارية على الطريق بين العراق والشام، فظفر به واحتزَّ رأسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اخته، الفارعة الشيبانية

وكانت للوليد أخت اسمها ليلى وتُعرف بـ«الفارعة الشيبانية»، فلما سمعت بمقتل أخيها لبست رداء الحرب، وخرجت لتنتقم لـه، وأخذت تجول بين الصفوف. فعرفها يزيد بن مَزْيَد، فقال لأصحابه: دعوها. ثم اقترب منها وضرب بالرمح عَجُزَ فرسها، وقال لها: «اغرُبي، غرَّب الله عليك، فقد فضحتِ العشيرة!» فاستحيت وانصرفت حزينة على أخيها الوليد وهي تنشد في رثائه قصيدتها المشهورة التي منها:

أيا شجرَ الخابورِ مالَكَ مُوْرِقاً فإنْ يَكُ أرْداهُ يَزيدُ بنُ مَزْيَدٍ
فتًى لا يُحبُّ الزادَ إلا مِنَ التُّقى فَقَدْناكَ فِقدانَ الربيعِ وَليْتَنا
كأنَّك لم تَجْزَعْ على ابنِ طَريفِ فيا رُبَّ خَيْلٍ فَضَّها وصُفوفِ
ولا المالَ إلا من قنًا وسُيوفِ فَدَيْناكَ مِنْ دَهْمائنا بأُلوفِ

ويقال: إن هارون الرشيد بعد أن كان ساخطاً على يزيد فرح بانتصاره فأدخله إلى مجلسه وعرف بلاءه ونقاء صدره.


المصادر

  • محمّد كمال. "الوليد بن طَرِيف الشيباني". الموسوعة العربية.

للاستزادة