يحيى بن محمود الواسطي

(تم التحويل من الواسطي)
رسم للواسطي مرافق للمقامة الدمشقية من مقامات الحريري، عام 1237 م.

يحيى بن محمود الواسطي ( - ) رسام عراقي ولد في بلدة واسط في جنوب العراق بداية القرن الثالث عشر الميلادي. اختط نسخه عام 1237 م، من مقامات الحريري وزينها بمائة منمنمة من رسومه تعبر عن الخمسين مقامة (قصة). وكان عمله هذا أول عمل في التصوير العربي نعرف اسم مبدعه. وقد عاصر جيل من مفكري العراق وعلمائه كابن الأثير وابن الرزاز الجزري وياقوت الحموي وغيرهم.

كان الواسطي مثقفاً واسع الاطلاع، عمل رساماً لدى الخليفة المستنصر بالله العباسي، وقام بترجمة الصور الذهنية إلى واقع، وقد عرضت أعماله في مكتبات الجامعة المستنصرية ببغداد، وتسابق المقتنون على اقتنائها في الأندلس والمغرب العربي؛ ولاسيما ملوك الموحدين في مراكش.

رسم للواسطي مرافق للمقامة الفراتية من مقامات الحريري، عام 1237 م.

والكتاب محفوظ في المكتبة الأهلية بباريس تحت رقم 5847 عربي. وتوجد نسخة أخرى من مقامات الحريري مزينة برسوم الواسطي في مكتبة سانت بطرسبرگ بروسيا، إلا أنها وقعت فريسة الإهمال وربما كان سبب ذلك حز رقاب المخلوقات الحية فيها بخطوط سود للدلالة على أنها ميتة كى لتتجنب المنع أو التحريم. وزوق اكثر من نسخة من مقامات الحريري وغيرها من أمهات الكتب العربية، ويعتبر مؤسس مدرسة بغداد للمنمنمات ويبرز كاستاذ فن شخصي بدلاً من أن يخضع إلى القواعد والأصول الفنية التقليدية، وكان مثقف واسع الاطلاع وترجم الصور الذهنيةالى واقع، عاصر جيلاً من مفكري بلاد الرافدين أمثال المؤرخ ابن الأثير والعالم ابن الرزاز الجزري والجغرافي ياقوت الحموي وغيرهم. أقام معارض في مكتبات المدرسة المستنصرية ببغداد وأقتنيت لة اعمال فنية (مخطوطات) في الأندلس والمغرب العربي خصوصا من قبل ملوك الموحدين في مراكش

أبو زيد يفارق الحارث خلال رحلة الحج (المقامة 31)- احدى صور الواسطي التي زين بها مقامات الحريري نسخة من الربع الثاني من القرن 13 م. (المكتبة الوطنية بباريس.

وكان الواسطي يستعمل الحبر الأسود ويخلطه ببقايا حرق ألياف الكافور ويمزجها بزيت الخردل وبعض الألوان الأخرى التي كان يقوم بتحضيرها بنفسه.


ويعتبر الواسطي من أوائل فناني مدرسة بغداد للتصوير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

«الواسطي»، وفق المراجع العربية والإسلامية، هو يحيى بن محمود بن يحيى بن الحسن الواسطي من آل «كواريها». وهذا النسب الأخير هو الذي جعل الكثير من الباحثين يستدل على أن الواسطي من أصل أرمني. ولكن، سواء كانت هذه الفرضية صحيحة أم لا، فإن دراسة رسوم المقامات في شكل معمق، تكفي للتشديد، إما على الأصل الأرمني للواسطي، وإما على تأثره الحقيقي بالأيقونات الأرمنية، والفن البيزنطي في شكل عام. وتقول سيرة الواسطي إنه نشأ كما يدل اسمه في مدينة واسط التي تقع في موقع وسط بين الكوفة والبصرة شرق نهر دجلة. وعاش في القرن السابع الهجري، (الثالث عشر الميلادي). وهو تعلم الرسم منذ طفولته، ويبدو أن جوه الأسري كان يشجع على ذلك وأن الرسم كان مهنة بعض الكبار في عائلته. وفي وقت لاحق، ويقيناً بعد نضوج أسلوبه كرسام، توجه الواسطي إلى بغداد وعاش وعمل فيها. وهو أدخل جديداً إلى فن رسم المنمنمات الذي كان سائداً في عاصمة الدولة، تحديداً عبر قدرته على المزج بين شتى التأثيرات التي تحدثنا عنها، والتي كانت ولا سيما في تلك المرحلة جزءاً من العناصر التي بنت الحضارة الإسلامية بفنونها وآدابها وعلومها. اعتبرت رسوم الواسطي صورة تعكس مشاهد الحياة في عصره. لكن المؤسف أننا لا نعرف أعمالاً كثيرة للواسطي خارج تحقيقه لرسوم مقامات الحريري.


معرض الصور

الحياة الاجتماعية كما يعكسها رسمه

إذا كان هناك كثر، من بين المستشرقين، وحتى من بين المفكرين العرب والمسلمين، يعتقدون أن التصوير كان - أو لا يزال حتى الآن - ممنوعاً في الإسلام، فإن رسوم الواسطي لمقامات الحريري، تبدو وحدها كافية لتكذيب هذا الزعم. ومن ناحية ثانية، لئن كان البعض قال إنه من المسموح تصوير الزهور وأشياء الطبيعة وربما الحيوان أيضاً في لوحات وزين جدرانية ولكن ليس الإنسان، فإن الواسطي صوّر في لوحات رائعة ولا تزال تنبض حتى اليوم بالحيوية والبهاء، مشاهد من الحياة اليومية في مدن الإسلام في زمنه وفي الأرياف في بعض الأحيان أيضاً، يدور بعضها في الأسواق والبعض داخل البيوت والقصور، بينما تدور أحداث بعض ثالث، حتى داخل دور العبادة، ونعرف طبعاً أن عدداً كبيراً من تلك الرسوم إنما كان تعبيراً عن حكايات ونصوص أدبية تضمه كتب ومخطوطات من دون أن يخطر في بال أحد في ذلك الحين - بالطبع - إمكانية تحويل المشهد المرسوم إلى لوحة تعلق على الجدران.

المنمنمات العربية

وفي هذا السياق، تظل منمنمات الواسطي بين أعمال أخرى، شاهدة على معرفة المسلمين فن الرسم وممارستهم إياه، حتى وإن كان من الصعب، في هذا الإطار، الحديث عن لوحة عربية، بالمعنى الغربي للكلمة، تنتمي إلى تلك الأزمان. ومهما يكن من أمر فإن الواسطي لم يكن وحيداً، إنما كان هناك عشرات من الفنانين غيره، وكانت هناك أيضاً وفق المؤرخين، مدارس في التصوير، منها «مدرسة بغداد» التي ينتمي الواسطي إليها، وكانت تضم وفق الدراسات المتنوعة، أعداداً كبيرة من الرسامين المحترفين إلى أعداد كبيرة من الفتيان المتمرنين يعملون جنباً إلى جنب مع الوراقين والنسّاخين ممن امتهنوا حرفة تصنيع الكتب ونسخها وتجليدها. وعلى رغم تلك الوفرة في عدد «الفنانين» الذين كانوا يحيطون بالواسطي أو سبقوه زمنياً أو أتوا تالين له، من الواضح أن أهمية هذا الأخير تعود إلى أن عمله على «مقامات الحريري» وصلنا أكثر اكتمالاً، وأنه عرف فيه كيف يجدد ويبدع في فن، كان لا بد له من أن ينهل من مصادر عدة حتى تكتمل لغته. ومما لا شك فيه - في هذا الإطار - أن رسوم الواسطي تنم عن ذلك التمازج الضروري والخلاق، في ذلك المجال، بين عناصر ثلاثة: الحياة اليومية كما تراها عين الفنان في بغداد ذلك الحين، وفي أماكن أخرى أيضاً «زارتها» المقامات وعبرت عنها، والتأثيرات الفارسية في زمن كان الامتزاج قد نما في بغداد، والعراق عموماً، وبالتالي بالنسبة إلى الحضارة الإسلامية كلها، بين الروافد العربية والفارسية والتركية، وأخيراً فن الأيقونات المسيحية، ولا سيما الشرقية الأرمنية، إذ إن علينا هنا أن نأخذ في الاعتبار ما يشير إليه كثيرون من أن الواسطي كان أرمني الأصل ومسيحياً بالتحديد، اعتنق والكثير من أفراد عائلته الإسلام وعاش في أجوائه وأضاف إلى فنه ما حمله معه من تراث أرمني مسيحي بل بيزنطيّ كذلك.

مدرسة بغداد للرسم

ومن البديهيّ القول هنا إن هذا كله كان هو ما خلق ذلك المزيج، الذي يمكننا تأمله اليوم في عشرات المنمنمات التي تصور، خصوصاً مقامات الحريري، والتي - في رأي المفكر المصري الراحل، ثروت عكاشة، الوارد في كتاب كبير من اللافت أنه يتضمن الكثير عن أعمال الواسطي وأساليبه وتأثيره في الفنون الإسلامية ناهيك بتأثره هو نفسه بفنون المناطق المحيطة ببغداد التي كانت مركز الحضارة العربية - الإسلامية في ذلك الحين، لكنه لا يتضمن ما قد يبدو لنا في هذا السياق أساسيا وضرورياً، أي سيرة لصاحب الرسوم نفسه (!) - تنتمي إلى «مدرسة بغداد» التي «يصفونها بأنها مدرسة تغلب عليها الرسوم الآدمية بما فيها من حياة وقوة غير ملقية بالاً بتفاصيل أجزاء الجسم، ولا بتفاصيل التشريح ولا بالتزام النسب بين الأعضاء ولا بمظاهر العواطف والانفعالات، وكما هي الحال في التصوير «القوطي - البيزنطي» تصور الوجوه الآدمية بملامح غفل من التعبير وكأنها أقنعة». وعكاشة الذي يحدد هنا أهم السمات الشكلية التي تسم رسوم الواسطي للمقامات، يجمل موضوعات الرسم على الشكل الآتي: مشاهد طبيعة الحياة اليومية، مشاهد الحياة الدينية وأخيرا مشاهد الحياة القضائية، انطلاقاً من واقع يقول لنا إن العدد الأكبر من مقامات الحريري إنما كان يتضمن أحداثاً وخلافات وضروب احتيال كان لا بد للواحدة منها أن تنتهي في المحاكم أمام القاضي، ما كان يشكل فرصة للرسام تمكنه من تصوير لوحات لعلها الوحيدة التي ترينا نماذج من حياة الإدارة خارج نطاق لوحات رسمية كثيرة أخرى تجعلنا على تماسّ بصري مع حياة القصور واحتفالاتها.

أهمية عمله

ولعل في إمكاننا هنا أن نقول إن الرسوم التي ثمة اتفاق تام على عزوها إلى الواسطي، إنما تنقل أجواء العدد الأكبر من المقامات، باستثناء مقامتين، كما تقول ناهدة النعيمي الباحثة العراقية التي وضعت عن رسوم الواسطي للمقامات دراسة لا تقل أهمية عن دراسة عكاشة. وتقول النعيمي إن المقامات في حد ذاتها «لعبت دوراً كبيراً في حفظ التراث في الفن الإسلامي، لأنها حظيت باهتمام المصورين وعنايتهم (هم الذين شجعتهم شعبية المقامات على) أن يزيدوا من ذلك الاهتمام برسم صور جميلة توضح النصوص (...)، فأقبلوا على رسم حوادث المقامات بوحي مما دار فيها وطبعوها بطابع فني اختلف وفق أسلوب كل فنان وفهمه للنص (...) في ثقافة عالية واطلاع كبير». والحقيقة أن في إمكاننا بصورة عامة أن نستعين برسوم الواسطي وكذلك بمجموعات أخرى من الرسوم المتعلقة بالمقامات في شكل عام إذا ما شئنا اليوم أن ندرس، بصرياً، المجتمعات العربية والإسلامية كما كانت عليه أحوالها في تلك الأحايين، وهو على أية حال ما فعله عدد كبير من المستشرقين في أزمان تالية حين اعتمدوا على الرسوم للعثور على تفاصيل تتعلق بالأزياء والديكورات. علماً أن سيكون من الطريف هنا أن نذكر كيف أن العاملين في ديكورات الأفلام السينمائية ومن بعدها المسلسلات التلفزيونية، حين أرادوا استعادة الأجواء التاريخية في أعمالهم، اعتمدوا نقوش المستشرقين الممتزجة بفانتازيات هجينة، كمصدر لإلهامهم، بدلاً من اعتماد رسوم الواسطي وزملائه في شكل مباشر. غير أن هذه حكاية أخرى بالطبع. إنما حكايتنا هنا فهي الواسطي نفسه الذي نعرف أن رسومه المقامات أضفت على هذه أبعاداً بصرية مدهشة، لم يفت الذين موسقوا المقامات لاحقاً أن يستلهموها في موسيقاهم بطرق فذة.

مراجع

د. ثروت عكاشة "فن الواسطي من خلال مقامات الحريري"، دار الشروق، 1992.