الهرطقة في اليهودية

الزنادقة في اليهودية هم أفراد يهود (تاريخياً كثير منهم فلاسفة) أدينت أعمالهم، جزئياً أو كلياً، ككفر، حسب رأي شخصيات أو مجموعات هامة في المجتمع اليهودي الأكبر بناء على تعاليم الديانة اليهودية التقليدية والمشتقة من هلاخا (القانون اليهودي.)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مشنه توراه

منيم

حلخوت تشوڤا الفصل 3 هلخا 7 [1]

خمسة أشخاص يمكن أن يُطلق عليهم منيم:

  • منكر وجود الله، رب العالمين
  • المشرك بالله، رب العالمين
  • المؤمن بوحدانية الله، رب العالمين، إلا أنه يقبل بتجسيده أو تشكيله
  • منكر أن الله هو الكائن الأول الفرد الصمد وأنه خالق الوجود
  • من يعبد كيانات تعمل كشفعاء بينه وبين الخالق الدائم، مثل النجوم أو المجرات أو أي كائنات أخرى.

الابيقورية

منكر التوراه

التعريف التلمودي للزندقة

طبقات الهراطقة/الزنادقة

يهود اتُهِموا بالهرطقة

كان الأحبار عليمين بأن الدين في المجتمعات اليهودية التي يطوقها أعداء عتاة هو دعامة الحياة، وحياة الشريعة، لذلك زهدوا اليهود في الدراسة العلمانية التي قد تفتح ثغرة للتشكك في الدين. من ذلك أن يوئيل سركيس، الحاخام الأكبر في كركاو، أدان الفلسفة لأنها أم الهرطقة، و "العاهرة" المهلكة التي قال فيها سليمان "كل من دخل إليها لا يؤوب(61)" ورأى حرم أي يهودي في قضائه يدمن الفلسفة. وفزع يوسف سليمان ديلميديجو لخلو منهاج الدراسة والقراءة عند اليهود من العلوم، وكان قد وفد على بولندة (1620) من إيطاليا التي ما زالت تجيش بحرارة النهضة، وكتب يقول "هاهي ذي الظلمة تغشي البلاد والجهلة كثيرون ... وهم يقولون أن الرب لا يبتهج بالسهام المشحوذة في أيدي النحاة والشعراء والمناطقة، ولا بمقاييس الرياضيين ولا بحسابات الفلكيين(62)".

وكان ديلميديجو هذا حفيداً بعيداً لأيليا ديلميديجو، الذي كان يعلم العبرية في أوساط آل مديتشي. وبدأ انحرافاته بتعلم اليونانية كما تعلم التلمود من أبيه، وكان حاخاماً في كريت، وحصل على بعض التربية العلمية في جامعة بادوا التقدمية، حيث كان جليليو معلمه المشرف على دراسته ثم امتهن الطب الذي يسر له الرزق وخلع عليه اسمه الإيطالي، ولكن العلم-لا سيما الرياضة-ظل يفتنه، وفي سبيل طلبه نفض عنه بعض إيمانه الديني، وتغيير الإهاب القديم على هذا النحو يخلف جسداً حساساً، وقد يزعزع الخلق حيناً. لذلك راح يوسف يتنقل من بلد إلى بلد مقتلع الجذور لا يستقر على حال. وانضم مؤقتاً وهو في القاهرة والآستانة إلى شيعة القرائين، وهم يهود رفضوا التقاليد والتنقيحات الكهنوتية (كالبروتستنت) وتمسكوا بالتوراة مصدراً أوحد للاهوتهم. وفي هامبورج وأمستردام وجد معلوماته الطبية أشد تخلفاً من معلومات الأطباء اليهود هناك، حتى لقد تحول في سبيل الرزق سنياً، والتحق بالحاخامية، وأخيراً دافع عن القبلانية ومات طبيباً مغموراً في براغ (1655).

أما ليو بن إسحاق مودينا فكان إنساناً أكثر رهافة وعمقاً. اتخذ اسمه الإيطالي من المدينة التي هاجرت إليها أسرته عند طرد اليهود من فرنسا. وكان أعجوبة بين الأطفال، فقرأ الأنبياء في الثالثة، ووعظ في العاشرة، وألف أول كتبه المنشورة في الثالثة عشرة. والكتاب حوار ضد القمار، الذي كان ليو حجة فيه، لأنه ظل وفياً له إلى نهاية حياته. وكانت أعظم مقامراته زواجه في 1590 وهو في التاسعة عشرة. أما أبناؤهم الثلاثة فقد مات أحدهم في السادسة والعشرين، وقتل الثاني في عراك، انصرف الثالث إلى حياة الفجور ثم اختفى في البرازيل. وماتت إحدى بنتيه وهو حي، أما الأخرى فبعد أن فقدت زوجها أصبحت عالة على أبيها الذي أصيبت زوجته بالجنون. ووسط هذه الصدمات حرم ليو لتماديه في لعب الورق. وكتب رسالة تثبت أن الأحبار تجاوزا الناموس في قرارهم، الذي عدلوا عنه سريعاً.

وكان أثناء ذلك قد ملك ناصية أدب التوراة والتلمود الرباني، ودرس الفيزياء والفلسفة، وكتب بالعبرية والإيطالية شعراً لا بأس به. فلما قبلته الحاجامية في البندقية، ألقى خطباً إيطالية كان فيها من العلم والبلاغة ما اجتذب كثيراً من المسيحيين إلى سماعه. وكلفه أحد أصدقائه المسيحيين، وكان نبيلاً إنجليزياً، بأن يكتب عرضاً للشعائر اليهودية. وقد انتهى ليو في كتابه هذا Historia dei riti ebraici "تاريخ الشعائر العبرية" (1637) إلى أن كثيراً من المراسم التقليدية التي بعدت الآن عن هدفها الأصلي قد فقدت الكثير من دلالتها. وفي كتاب غفل من اسم المؤلف "قول صقل" اقترح تنقيح الصلوات والطقوس العبرية وتبسيطها، وإلغاء قوانين الصوم، وخفض عدد الأيام المقدسة والتخفيف من صرامتها. وفي هذا الكتاب انتقد اليهودية الربانية لأنها مجموعة من التعقيدات التي لا مبرر لها أضيفت إلى الشريعة اليهودية الأصلية، وطالب بالرجوع من التلمود إلى التوراة، ولكنه مد هرطقاته إلى التوراة ذاتها، بل إلى الوحي الموسوي بأكمله. وقد ترك هذا التصريح الثوري دون نشر، فلما عثر عليه بين أوراقه بعد وفاته (1648)، كان مصحوباً برسالة مرافقة تدافع عن اليهودية السنية. ولم ير أحد الكتابين النور حتى عام 1852. ولو أن ليو اجترأ على نشر "قول صقل" في حياته، لبدأت حركة الإصلاح اليهودية نشاطها في القرن السابع عشر، ولكنه كان أشد ذكاء من أن يسبق التاريخ.

أما أشقى المهرطقين اليهود فهو أوريل أكوستا الأمستردامي. كان أبوه ينتمي لأسرة من المارانو أقامت في أوبورتو ولاءمت تماماً بين نفسها وبين المذهب الكاثوليكي. وتلقى جابرييل-وهو اسمه في البرتغال-العلم على يد اليسوعيين الذين روعوه بمواعظهم عن الجحيم، ولكنهم شحذوا ذهنه بالفلسفة الكلامية. فلما درس الكتاب المقدس أثر فيه اعتراف الكنيسة بالعهد القديم كلمة الله، وقبوله المسيح ورسله الاثني عشر لناموس موسى. وانتهى إلى أن اليهودية من الله، وتشكك في حق القديس بولس في سلخ المسيحية عن اليهودية، وصمم أن يعود إلى دين أجداده في أول فرصة. فأقنع أمه وأخوته (وكان أبوه قد مات) بالانضمام إليه في محاولة للزوغان من ديوان التفتيش والهروب من البرتغال. ووصلوا أمستردام بعد أن جازوا مخاطر كثيرة (حوالي 1617) وهناك غير جابرييل اسمه إلى أوريل، وأصبحت الأسرة أعضاء في مجمع اليهود البرتغاليين.

بيد أن هذه الروح ذاتها التي حدت به إلى ترك الكنيسة، روح التقصي والتفكير المستقل، جعلته قلقاً لا يحس بالاطمئنان النفسي داخل عقائد المجمع التي لا تقل صرامة عن عقائد الكنيسة، فقد صدمه إدمان الأحبار، حتى أحبار أمستردام المثقفين، لسخافات القبلانية الفكرية، فوبخ شركاءه الجدد بجرأة على تلك الطقوس والنظم التي ليس لها أساس ظاهر في التوراة، والتي رآها تتعارض أحياناً تمام التعارض مع طرق التوراة. وإذ لم يؤت من الحاسة التاريخية إلا القليل، فقد خيل إليه أنه كان خطأً كبيراً أن تتغير الشعائر والمعتقدات اليهودية على مدى تسعة عشر قرناً. وكما رجع قبل ذلك من العهد الجديد إلى القديم، فكذلك طالب الآن بالرجوع من التلمود إلى التوراة. وكان قد نشر في 1616 بهامبورج نشرة برتغالية عنوانها "حجج ضد التقاليد" التي بني عليها التلمود. فأرسل نسخة منها إلى مجمع اليهود بالبندقية، فأعلن المجمع حرمه (1618)، وطلب إلى ليو مودينا، وهو ذاته مهرطق، بحكم منصبه في الحاخامية، أن يفند دعوى أكوستا بأن أوامر الأحبار في كثير من الحالات ليس لها سند من الأسفار المقدسة. وأنذر أحبار أمستردام أكوستا بأنهم هم أيضاً سيحرمونه ما لم يعدل عن آرائه، وكان قد رماهم بالفريسية. فأبى، وضرب بنظم المجمع عرض الحائط جهاراً، فأعلن حرمه (1623)، وهو حرم يقطع كل صلة له بأخوانه اليهود، فتجنبه الآن حتى أقرباؤه. ولم يكن قد تعلم الهولندية بعد، فوجد نفسه بغير صديق واحد. وراح الأطفال يرجمونه بالحجارة في الشوارع.

وفي مرارة عزلته تقدم (كما تقدم سبينوزا بعده بقرن) إلى هرطقة هاجمت معتقداً أساسياً لكل شخص تقريباً في أوربا. فجاهر بأنه برفض الإيمان بخلود النفس لأنه غريب جداً على العهد القديم، فالنفس في رأيه إنما هي الروح الحية المتدفقة في الدم، وهي تموت مع الجسد(63). وحاول طبيب يهودي يسمى صموئيل داسيلفا الرد على آراء أكوستا. فنشر بالبرتغالية "رسالة في خلود النفس" (1623) وصف فيها أكوستا بأنه جاهل، عاجز، أعمى. ورد أوريل بكتاب سماه "فحص للتقاليد الفريسية... ورد على صموئيل داسيلفا، المفتري الكذاب" (1624). ورغبة في حماية الحرية الدينية للجالية اليهودية، أعلم زعماؤها قضاة أمستردام بأن أكوستا بإنكاره الخلود إنما يقوض المسيحية كما يقوض اليهودية. فقبض عليه القضاة، وغرموه ثلاثمائة جولدن، وأحرقوا كتابه. وما لبث أن أفرج عنه، ويبدو أنه لم يلحق به أذى بدني.

على أن عقابه كان عقاباً اقتصادياً واجتماعيا. ذلك أن أخوته الصغار أصبحوا معتمدين عليه، وإذن فعلى حريته-المحرمة الآن- في الدخول في علاقات اقتصادية مع إخوانه. ولعل هذا السبب، فضلاً عن رغبته في الزواج ثانية، هو ما دعا أوريل إلى أن يقرر الخضوع للمجمع، وإنكار هرطقاته، وأن يصبح "قرداً بين القردة(64)" على حد تعبيره. وقبل إنكاره (1633) وعاش الشكاك المتحمس حيناً في سلام نسبي. ولكن هرطقاته استمرت في الخفاء واتسعت. كتب في فترة لاحقة يقول "لقد خامرني الشك في ناموس موسى، أهو حقاً ناموس الله، ثم انتهيت إلى أنه من مصدر بشري(65)". ونبذ الآن الدين كله، اللهم إلا إيماناً غامضاً بإله هو والطبيعة واحد (كما كان إيمان سبينوزا فيما بعد). وأهمل الممارسات الدينية الثقيلة المفروضة على اليهودي السني. فلما جاءه مسيحيان يعلنان عن رغبتهما في اعتناق اليهودية ثناهما وحذرهما من النير الثقيل الذي سيضعانه فوق عنقيهما. فأنهيا ذلك إلى المجمع. فاستدعاه الأحبار واستجوبوه، ووجدوه غير نادم، فأوقعوا عليه الآن حرماً آخر أشد صرامة من سابقه (1639). وعاد أقرباؤه يقصونه عن حياتهم، وشارك أخوه يوسف في اضطهاده(66).

واحتمل هذه العزلة سبع سنين، ثم عرض الخضوع حين وجدها تؤذيه أذىً بليغاً في رزقه وأمام القانون. وإذ أسخط القادة اليهود طول مقاومته وما جرت عليه من متاعب، فقد حكموا عليه بضرب من الإنكار والتكفير نقلوه عن ديوان التفتيش البرتغالي(67). فأكره، على طرقة احتفالات الديوان بإدانة المهرطقين، على أن يرقى منصة في المجمع، ويتلو أمام جمهور كبير من المصلين اعترافاً بأخطائه وذنوبه، ويتعهد بأغلظ الإيمان أنه منذ الآن سيتمثل لكل نظم الجماعة ويعيش عيشة اليهودي الصالح. ثم خلعت ثيابه إلى خصره، وجلد تسعاً وثلاثين جلدة. وأخيراً أجبر على أن يطرح نفسه على عتبة المجمع، وخطا من فوقه الحاضرون وهم يغادرون المكان وفيهم أخوه الذي كان يناصبه العداء.

وقام من هذه العقوبة المذلة لا مذعناً بل ناقماً ساخطاً. فمضى إلى بيته، وأغلق على نفسه باب مكتبه عدة أيام وليال، وكتب آخر وأمر تنديداته باليهودية التي ضحى بالكثير في سبيل اعتناقها، والتي لم يفهم قط في تعاطف تاريخها الانطوائي، وصرامتها الواقية التي فرضتها عليها قرون من الظلم. وفي كتابه هذا "مثال من حياة البشر" قص سيرته الفكرية مثالاً على ما يصيب الإنسان المفكر. وقد أحس بأن "كل الشرور تنجم عن عدم إتباع العقل الرشيد وقانون الطبيعة(68)" وقابل بين الدين "الطبيعي" والدين الموحي، ورغم أن هذا يعلم الناس البغضاء، أمام ذلك فيعلمهم المحية. فلما فرغ من مخطوطته، حشا طبنجتين، وترصد بجوار نافذته لأخيه يوسف حتى مر، وأطلق عليه النار فأخطأه(69). ثم أطلق على نفسه الرصاص (1647؟).

وحاول المجتمع اليهودي أن يدفن هذه الفاجعة في صمت، ولكن لا بد أن بعض أفراده وجدوا نسيانها عسيراً. وكان سبينوزا غلاماً في الخامسة عشرة حين أوقع على أكوستا طقم الحرم، ولعله كان بين جماعة العابدين الذين رأوه يوقع عليه.ولعله مشي في رهبة وارتياع فوق جسد المهرطق المطروح أرضاً. وعن طريق ذلك الفتى، دخلت رؤيا أكوستا تراث الفلسفة بعد أن تطهرت مما علق بها من سخط(70).

انظر أيضاً

تاريخ:

الهامش

  1. ^ "Hilchot Teshuva". Mishneh Torah. Moznaim Publications.

This article incorporates text from the 1901–1906 Jewish Encyclopedia, a publication now in the public domain. ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

The JE cites the following sources:

  • Krauss, Begriff und Form der Häresic nach Talmud und Midraschim, Hamburg, 1896;
  • Goldfahn, Ueber den Ursprung und die Bedeutung des Ausdruckes, in Monatsschrift, 1870.