الشدة المستنصرية

الشدة المستنصرية، هو مصطلح يطلق على مجاعة حدثت بمصر نتيجة غياب مياه النيل في مصر لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف نهاية عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في مستهل النصف الثاني من القرن الخامس الهجري من تاريخ الدولة الفاطمية في مصر 1036 - 1094.[1]

روى المؤرخون حوادث قاسية، فلقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع ما على مقابر أبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياع صوب بغداد.

وذكر ابن إلياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب؛ لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها.

ويذكر أن الخليفة المستنصر قد امتدت فترة حكمه للستين عاما. ويذكر أن الحسن بن الهيثم قد زار مصر في عصر الدولة الفاطمية وأشار عليهم ببناء سد عالي على النيل إلا أن مشروعه رفض من الخلافة فكانت النتيجة ما حدث من شدة وظلت الفكرة حتى كتب لها التنفيذ في ستينات القرن العشرين ببناء السد العالي الذي وقى مصر خطر السنين العجاف التي غالبا ما كانت تستمر بالسبع سنين ويذكر أن محمد علي بعد خروج الحملة الفرنسية كانت مصر أمامه ليحكمها منذ 1803م إلا أنه رفض الولاية ومنسوب الفيضان منخفض ولم يقبل إلا بعد انتهاء الأزمة التي حسبت على خورشيد باشا الوالي العثماني.

نعود للشدة المستنصرية وما جاء بكتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء تأييدا لما سبق نسوق ظهر الغلاء بمصر واشتد جوع الناس لقلة الأقوات في الأعمال وكثرة الفساد وأكل الناس الجيفة والميتات ووقفوا في الطرقات فقتلوا من ظفروا به وبيعت البيضة من بيض الدجاج بعشرة قراريط وبلغت رواية الماء دينارا وبيع دار ثمنها تسعمائة دينار بتسعين دينارا اشترى بها دون تليس دقيق وعمّ مع الغلاء وباء شديد وشمل الخوف من العسكرية وفساد العبيد فانقطعت الطرقات براً وبحراً إلا بالخفارة الكبيرة مع ركوب الغرر وبيع رغيف من الخبز زنته رطل في زقاق القناديل كما تباع التحف والطرق في النداء: خراج! خراج! فبلغ أربعة عشر درهما وبيع أردب قمح بثمانين ديناراً. ثم عدم ذلك كله، وأكلت الكلاب والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسباب

الشدة المستنصرية الثانية حدثت في عام 457 هجرياً، ولكنها كانت اشد فتكاً بالمصريين من اي كوارث أخرى، وكان من ضمن اسباب تلك الكارثة التي حلت على مصر هو التحكم الكامل لأم الخليفة في مقاليد الحكم، حتى بعد ان اصبح الخليفة الفاطمي ناضج ولكنها أستمرت في إدارة شئون البلاد نيابة عنه في أغلب أمور الدولة، فكانت تقدم على تعين وزير الدولة على اهوائها الشخصية فكان الوزير يتم تغيره كل شهر وكل اسبوع وكل يوم، وزير الدولة وقتها كان بمثابة رئيس الوزراء حالياً، وهو ما اضعف الدولة أكثر وأكثر وجعلها عرضة للكوارث.

السبب الثاني والأهم لحدوث الشدة المستنصرية هو نشوب خلافات طاحنة بين الجنود الأتراك والبربر من جهه والجنود السودانين من جهه أخرى، وجميعهم تابعين للدولة الفاطمية، ولكن إثبات النفس جعلتهم يدخلوا في معارك داخلية أدت الى هروب الجنود السودانين الى جنوب مصر، بينما طاردهم الحنود الأتراك المدعومين بالبربر، وهو ما جعل الجنود السودانين يخربوا كل مصادر الري وادواته كما قاموا بتخريب طرق نقل البضائع من والى القاهرة، لم يتوقف الأمر عند هذا ولكن نشبت مشاكل أخرى ما بين الجنود الأتراك والبربر، نتج عنه هروب البربر الى الوجه البحري، ومع كثرة المشاكل الداخلية ومحاولة المستنصر السيطرة عليه، حدث جفاف لنهر النيل مره أخرى ولكن هذه المره أستمر الجفاف 7 سنوات، تزامناً مع إمتناع الخليفة تخزين الغلة مما جعل الأسواق تمر بأزمة طاحنة عصفت بالأخضر واليابس.[2]


تسلسل الأحداث

شاءت الأقدار أن لا تقتصر معاناة البلاد على اختلال الإدارة والفوضى السياسية، فجاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية، وتكرر هذا النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة من (457هـ = 1065م) إلى سنة (464=1071م)، وعُرفت هذه المجاعة ب الشدة المستنصرية أو الشدة العظمى.[3][4]

وقد أفاض المؤرخون فيما أصاب الناس من جراء هذه المجاعة من تعذر وجود الأقوات وغلاء الأسعار، حتى ليباع الرغيف بخمسة عشر دينارًا، واضطرار الناس إلى أكل الميتة من الكلاب والقطط، والبحث عنها لشرائها، بل إن بعض المؤرخين ذكروا أكل الناس جثث من مات منهم، وصاحب هذه المجاعة انتشار الأوبئة والأمراض التي فتكت بالناس حتى قيل: إنه كان يموت بمصر عشرة آلاف نفس، ولم يعد يرى في الأسواق أحد، ولم تجد الأرض من يزرعها، وباع الخليفة المستنصر ممتلكاته، ونزحت أمه وبناته إلى بغداد، وساء به الحال حتى أن بعضهم ممن كانوا في بعض اليسر كان يتصدّق عليه بما يأكل في يومه.

وروى المؤرخين حوادث يشيب لها الولدان فلقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب لتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع ما على مقابر أبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياع صوب بغداد وذكر ابن إياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب لإصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها ويذكر أن الخليفة المستنصر قد امتدت فترة حكمه للستين عاماً.

ويقول المقريزي في كتاب إتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا:

ظهر الغلاء بمصر واشتد جوع الناس لقلة الأقوات في الأعمال وكثرة الفسادوأكل الناس الجيفة والميتات ووقفوا في الطرقات فقتلوا من ظفروا به وبيعت البيضة من بيض الدجاج بعشرة قراريط وبلغت رواية الماء دينارا وبيع دار ثمنها تسعمائة دينار بتسعين ديناراً اشترى بها دون تليس دقيق وعم مع الغلاء وباء شديد وشمل الخوف من العسكرية وفساد العبيد فانقطعت الطرقات براً وبحراً إلا بالخفارة الكبيرة مع ركوب الغرر وبيع رغيف من الخبز زنته رطل في زقاق القناديل كما تباع التحف والطرق في النداء: خراج ! خراج ! فبلغ أربعة عشر درهما وبيع أردب قمح بثمانين ديناراً. ثم عدم ذلك كله، وأكلت الكلاب والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير.

وفيها تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسة حتى أنه باع ماعلى مقابر أبائه من رخام وتصدقت عليه أبنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياع يتظاهرن.

نشرت مجلة تايم الأمريكية عام 1947 تحقيقا صحفيا جاء فيه أن أول مظاهرة نسائية في العالم قامت بها سيدات مصريات في عهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله حين جفت مياه النيل ، وأن قائدة المظاهرة كانت أرملة الأمير جعفر إبن هشام ، وبالبحث عن ما ذكرته الـ تايم وجدت الواقعة المذكورة في كتاب المقريزى وفيها كتب يقول ..

ومن غريب ما وقع ، أن إمراءة من أرباب البيوتات أخذت عقدا لها قيمته ألف دينار، وعرضته على جماعة في أن يعطوها به دقيقا ، وكل يعتذر إليها ويدفعها عن نفسه إلى أن يرفعها بعض الناس ، وباعها تليس " شوال " دقيق ، وكانت تسكن بالقاهرة ، فلما أخذته أعطته لمن يحميه من النهابة " اللصوص " في الطريق ، فلما وصلت إلى باب زويلة تسلمته من الحماه له ومشت به قليلا ، فتكاثر الناس عليها وإنتهبوه نهبا ، فأخذت هى أيضا مع الناس ملء يديها لم ينبها غيره ، ثم عجنته وشوته ، فلما صار قرصة أخذتها معها ، وتوصلت إلى أحد أبواب القصر ، ووقفت على مكان مرتفع ، رفعت القرصة على يديها بحيث يراه الناس ، ونادت بأعلى صوتها : يا أهل القاهرة .. إدعوا لمولانا المستنصر الذى أسعد الله الناس بأيامه ، وأعاد عليهم بركات حسن نظره حتى تقومت " حصلت " على هذه القرصة بألف دينار " فلما إتصل به " وصل الخبر للحاكم " ذلك إمتعض ، وقدح فيه " عابه " ، وأحضر الوالى وتهدده وتوعده ، وأقسم له بالله جلت قدرته أنه إن لم يظهر الخبز في الأسواق، وينحل "يرخص" السعر ضرب رقبته.[5]

التبعات

وكان من نتيجة هذه الأزمة العاتية أن أخذت دولة المستنصر بالله في التداعي والسقوط، وخرجت كثير من البلاد عن سلطانه، فقُتل البساسيري في العراق سنة (451هـ =1059م) وعادت بغداد إلى الخلافة العباسية، وقُطعت الخطبة للمستنصر في مكة والمدينة، وخُطب للخليفة العباسي في سنة (462هـ = 1070م)، ودخل النورمان صقلية واستولوا عليها، فخرجت عن حكم الفاطميين سنة (463هـ = 1071م) بعد أن ظلت جزءًا من أملاكهم منذ أن قامت دولتهم.

وتداعى حكم المستنصر في بلاد الشام، فاستقل قاضي صور بمدينته سنة (462هـ = 1070م) وخرجت طرابلس من سلطان الفاطميين، وتتابع ضياع المدن والقلاع من أيديهم، فاستقلت حلب وبيت المقدس والرملة عن سلطانهم في سنة (463هـ = 1071م) ثم تبعتهم دمشق في العام التالي.

المصادر

  1. ^ المستنصر بالله والشدة المستنصرية
  2. ^ "حدثت في مصر.. الشدة المستنصرية وظهور أول زومبي في التاريخ". إشراقة المثقفاتي. 2022-06-20. Retrieved 2022-06-25.
  3. ^ ابن تغري بردي. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة.
  4. ^ ابن إياس. إغاثة الأمة بكشف الغمة.
  5. ^ إغاثة الأمة بكشف الغمة ص 99 : 100 .. تقي الدين المقريزي. تحقيق د. كرم حلمي فرحات. مجلة الإثنين والدنيا 15 ديسمبر 1947