الإسلام والرق

موقف الإسلام من الرِّق

جاء الإسلام ـ في القرن السابع الميلادي ـ والرق منتشر في العالم، متفشٍ بين العرب، وكان الرقيق يعرفون بموالي العتق، أو موالي العتاقة وهم الرقيق الذين تفك رقابهم بعتقهم مقابل عمل يعينه لهم من يشتريهم من الرجال. ويجوز للرقيق أن يختار غير سيّده مولى له بعد عتقه وهناك موالي المكاتبة وهو أن يكاتب الرَّقيق على نفسه بثمنه، فإذا سعى وأداه عتق. وهناك شكل آخر للمكاتبة هو أن يكاتب الرّجل رقيقه أو أمته على حال يؤديه إليه عند بداية أي شهر. والأصل عن ولاء المكاتبة، أنّ من أعتق رقيقًا كان ولاؤه له، فينسب إليه. والموالي كانوا أقل شأنًا في مجتمعهم من غيرهم. إذ نظر إليهم على أنهم دون العرب الأحرار في المكانة. ولهذا قلما زوج الأحرار بناتهم للموالي أي الرَّقيق. حتى ضرب بهم المثل في القلة والذلة. وعندما جاء الإسلام عمل على إبطال الرِّق بأساليبه التشريعية الهادئة المتدرجة، نظرًا لأن الرق أمر متعارف عليه عند جميع الأمم وقتئذٍ، بل هو متمكن في حياتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث كان الرقيق يقومون بالدور الذي تقوم به أدوات الإنتاج وآلات التصنيع المعاصرة. وأراد الإسلام من التدرج في تحريم الرق ترويض الناس على نظام إنساني إسلامي كان غريبًا على تصوراتهم القديمة، فمثلهم مثل من يخرج من الظلام إلى النور، إذ لابد أن يفرك عينيه قبل أن يسترد بصره تمامًا.

ومما يدل على هذا أن الإسلام قام في وقت مبكر جدًا من تاريخه بالدعوة إلى تحرير الرَّقيق، قال الله تعالي: ﴿ فلا اقتحم العقبة ¦ وما أدراك ما العقبة ¦ فكّ رقبة . ﴾ البلد : 11-13. ومن المعلوم أن هذه الآيات نزلت في مكة مع بداية دعوة الإسلام، قبل أن يُصبح له دولة وكيان سياسي. ولما صار للإسلام دولة وكيان، وقام يدافع عن حقه في الوجود والاستمرار كان الأعداء يعمدون في حروبهم معه، إلى أسر بعض المسلمين واسترقاقهم، وليس من المنطق ـ والحال هكذا ـ أن يحرم الإسلام الرِّق من جانب واحد، فتكون النتيجة أن يصبح المسلمون مهددين بالاسترقاق من قبل أعدائهم المخالفين لهم في الدين، دون أن يتمكنوا من تطبيق نظام الرِّق عليهم من باب المعاملة بالمثل.

ولمجموع ما تقدم، أقر الإسلام مبدأ الرِّق على سبيل الجواز ـ لا الاستحباب والوجوب ـ للحاجة إليه، من غير حضّ على تنفيذه ولا استحسان لفعله، واعتبره عجزًا حكميًا مؤقتًا، نتيجة حرب مشروعة اتباعًا لمبدأ المعاملة بالمثل إذا استرق العدو أسرى المسلمين، جاز للمسلمين أن يسترقوا أسراهم. وطبَّق الإسلام هذا المبدأ وأحاطه بأحكام وتوصيات إنسانية وأخلاقية، يقصد بها في النهاية تصحيح المسيرة الخاطئة ـ التي سلكتها الأمم والشعوب في تعاملها مع موضوع الرقيق ـ تصحيحًا لم يمارسه واضعوا القوانين السوداء، الذين جاءوا بعد الإسلام بأكثر من ألف عام.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

منهج الإسلام في معاملة الرقيق

لم تفعل شريعة ولا نظام ولا قانون ما فعله الإسلام في رد الاعتبار الإنساني والاجتماعي إلى الرقيق، بل لقد انفرد الإسلام قبل عدة قرون ـ من بين كل النظم السابقة والمعاصرة له ـ في الارتقاء بالتعامل مع الرقيق، والدعوة إلى تحريرهم، ليمارسوا حياتهم الخاصة والعامة بحسب ما يشاءون.

ويمكن تلخيص منهج الإسلام في تعامله مع الرقيق في ثلاثة أمور: الأمر الأول حصر مصادر الرِّق وتضييقها. الأمر الثاني فرض أنماط من العلاقات الإنسانية المهذبة في التعامل مع الرقيق، ومنحهم حقوقًا لم تكن لهم من قبل. الأمر الثالث فتح أبواب تحرير الرقيق على مصاريعها، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الندب والحفز.


أولا: تضييق مصادر الرِّق. حصر الإسلام مصادر الرِّق في أسر وسبي الأعداء الكافرين الذين يحاربون المسلمين، معاملة لهم بالمثل، إن رأى الحاكم في ذلك مصلحة. وهو بهذا الحصر يكون قد أبطل مشروعية أي مصدر آخر للرِّق مما كان شائعًا وقتئذ،كاستعباد الأشخاص المذنبين، وسرقة الأطفال، وخطف النساء والرجال في النزاعات والحروب المحلية وحوادث قطع الطرق ونحوها.

وقد حرّم الإسلام استرقاق الأحرار بغير طريق الحرب المشروعة، وحذّر من فعل ذلك وعدّه من أشنع وأفظع التصرفات الخاطئة، قال النبي ³: ( قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ـ يعني عهدًا ـ ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ).


ثانيا: حقوق الأرقَّاء في الإسلام. منح الإسلام الأرقاء حقوقًا لم تكن لهم من قبل. حيث دعا إلى تحسين وضع الرقيق والارتفاع بمعاملتهم إلى المستوى الإنساني الكريم، وألزم المسلمين عامة ـ بمن فيهم مالكو الرقيق ـ بأنماط من العلاقات الإنسانية والاجتماعية المهذبة في معاملتهم مع الرقيق.

فقد أعلنت تعاليم الإسلام في صراحة متناهية: أن النَّاس جميعًا خُلقوا من أصل واحد وهم إخوة في الإنسانية، ليس لأحد فضل على الآخر إلا بمقدار ما يرضي الخالق وينفع الناس، قال الله تعالي: ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ﴾ الحجرات : 13.

وحينما تنازع أبو ذر ـ وكان عربيًا ـ مع بلال ـ وكان حبشيًا أسود ـ احتدّ أبو ذر وعيّر بلالاً بأمه، وقال له: يا ابن السوداء، فغضب النبي ³ لذلك لما بلغه الخبر، واستدعى أبا ذر، وقال له: (إنك امرؤ فيك جاهلية ـ أي فيك صفات أهل الجاهلية في التمييز العنصري والعرقي ـ وتابع يقول: هم ـ أي العبيد ـ إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم ـ أي لخدمتكم ـ فمن كان أخوه تحت يده فليُطعمه من طعامه، وليُلبسه من لباسه) (متفق عليه). فتأثر أبو ذر بكلام النبي ³ وقصد بلالاً يعتذر إليه، وألقى بجسمه على الأرض، ووضع خدّه ـ ردّ اعتبار له ـ لكن بلالاً أبى هذا، وأخذ بيد أخيه أبي ذر وتصافحا وتعانقا وتسامحا.

وقد حض الإسلام المالكين والأحرار على دعوة الرَّقيق إلى مجالستهم والأكل معهم، قال النبي ³ : ( إذا أتى أحدكم خادمُه ـ أي رقيقه ـ بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه فليجلسه معه، فإن لم يُجلسه معه، فليناوله أكلة أو أكلتين ) (متفق عليه) . وإلى هذا المعنى ونحوه أرشد النبي ³ أبا ذر وقال له ـ في الحديث السابق: فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه ).

كما حرص الإسلام على انتزاع فكرة الاستعلاء والتجبّر نهائيًا من نفوس ومشاعر المالكين، ولو كانت غير مقصودة، فنهاهم عن مناداة ومخاطبة الرَّقيق ببعض الألقاب والألفاظ، وأمرهم بضبط ألفاظهم ومراقبتها ومناداة الأرقّاء بألقاب مهذّبة ترشح بمعاني الإنسانية والرحمة وحسن الصلة، قال النبي ³ :( لا يقولنّ أحدُكم عبدي ولا أمتي، ولكن ليقل: فتاي وفتاتي) . بل إنه صلى ليه وسلّم زاد على هذا فقال: ( ألينوا القول لهم ).

وتتوالى تعاليم الإسلام وأحكامه التي تمنع تعذيب الرقيق والإساءة إليهم والقسوة عليهم وضربهم ظلمًا. وعن أبي مسعود البدري قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: (اعلم أبا مسعود)، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله ³، فإذا هو يقول: ( اعلم أبا مسعود أن الله عزّ وجل أقدر عليك منك على هذا الغلام ). فقلت: ¸لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا·.

هذا، وقد حثّ الإسلام على العفو عن الرقيق حين إساءتهم، والتجاوز عن ذنوبهم، وأخطائهم، وأرشد المالكين الذين يضنّون ببذل الخير ويبخلون بعتق رقيقهم، إلى بيع رقيقهم الذين لا يوائمونهم، استبعادًا لظلمهم إياهم وتجنيهم عليهم.

أما المسؤولية الجنائية الملقاة على الرقيق فقد تسامح بها الإسلام بعكس الذي تقدم في معاملة الرقيق عند غير المسلمين ـ حيث شرع معاقبة الأرقّاء الذكور والإناث بنصف العقوبة المقررة على الأحرار، قال الله تعالى: ﴿ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ﴾ النساء : 25.

كما دعا الإسلام المالكين إلى تعليم الرقيق وتأديبهم والسعي في تزويجهم والارتقاء بمستواهم الثقافي والاجتماعي، بل سمح للأحرار وللمالكين بالزواج من إمائهم، قال الله تعالى: ﴿ ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض ﴾ النساء : 25. كما حث الإسلام على تزويج الرقيق، قال تعالى: ﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾ النور : 32. وحث أيضًا على تحرير الإماء والزواج بهنّ، قال النبي ³: ( ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد ³، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت له أمة فأدّبها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران ) (متفق عليه).

سار المسلمون في ضوء هذه التوجيهات النبوية، فعلّموا أرقاءهم وأدّبوهم، ومكنوهم من أسباب الثقافة والمعرفة، وتبوأ كثير منهم مكانة عالية، بل بلغ كثير منهم أعلى المراتب العلمية والاجتماعية، وغدوا مشاعل نور وهداية وتوجيه للناس، مثل بلال بن رباح مؤذن الإسلام الأول، وسلمان الفارسي الذي روى مسلم في صحيحه ـ بشأنه ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند النبي ³ إذ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ: ﴿ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ﴾ . قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله! فلم يراجعه النبي ³ حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثًا، قال: وفينا سلمان الفارسي قال: فوضع النبي ³ يده على سلمان ثم قال: (لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء) . ونافع ـ مولى عبدالله بن عمر بن الخطاب ـ أحد فقهاء الإسلام وعلمائه، وطارق بن زياد فاتح الأندلس، ومكحول الهُذلي المتوفى سنة 112هـ الذي قال: ¸كنت عبدًا لسعيد بن العاص، فوهبني لامرأة من هذيل بمصر، فلم أدع بمصر علمًا إلاحويته فيما أرى، ثم أعتقت فأتيت العراق، فلم أدع بها علمًا إلا حويته، ثم أتيت المدينة فكذلك، ثم أتيت الشام فغربلتها، وما سمعت شيئا إلا استودعته في صدري..·، حتى صار مكحول هذا إمام أهل الشام وعالمهم المقدّم.

ولعل من أروع ما وصل إليه حال الرقيق في الإسلام ما ذُكر من أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يتبادل ركوب الناقة بالتساوي بينه وبين عبده، أثناء سفره من المدينة إلى بيت المقدس، ليعقد مع صاحبها معاهدة الصلح، فلما وصل كان العبد هو الراكب، وأمير المؤمنين هو الماشي، فخشي أبو عبيدة ـ قائد الجيش في الشام ـ أن يحتقر المستقبلون أمير المؤمنين عمر، فكشف له عما في نفسه، مما يأنف منه أهل هذه البلاد، ورغب إليه أن يُنزل العبد ليجر الناقة وهو راكب عليها، فأبى الخليفة هذا وقال: ليت غيرك قالها يا أبا عبيدة! نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. وعمر بن الخطاب هو الذي قال لعامله على مصر، عمرو بن العاص ¸متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا·.

وتجدر المقارنة والموازنة بين الحقوق والأساليب الإنسانية التي شرعها الإسلام في قضية الرقيق، وبين ما كان مقررًا ومعمولاً به في المجتمعات القديمة، بل الحديثة في عصور النهضة، حيث كان الرقيق يعيشون حالة مزرية منحطة، حتى إن فرنسا كانت تمنع الملونين ـ فضلاً عن الرَّقيق ـ من القدوم إلى أراضيها لطلب العلم والثقافة والمعرفة، ومثل ذلك في التمييز العنصري الذي عجزت بعض دول العالم اليوم عن تخطّي حواجزه بين أفراد شعبها الذين يعيشون معًا. قال غوستاف لوبون في كتابه: تمدّن العرب: ¸إن لفظة الرق إذا ذكرت أمام الأوروبي ... وَرَدَ على خاطره استعمال أولئك المساكين المثقلين بالسلاسل، المكبلين بالأغلال، المسوقين بضرب السياط، الذين لا يكاد غذاؤهم يكفي لسد رمقهم، وليس لهم من المساكن إلا حبس مظلم... أما الحق اليقين فهو: أن الرق عند المسلمين يخالف ما كان عليه النصارى تمام المخالفة·.


ثالثًا: تحرير الرقيق هدف إسلامي. حرص الإسلام على فتح أبواب تحرير الرقيق على مصاريعها، بطريقة تشريعية هادئة ومتدرجة: إما على سبيل الفرض والوجوب الذي لا خيار للمكلف في تنفيذه، وإما على سبيل الحضّ والندب، والوعد الصادق من الخالق لمن يعتق عبدًا، بعظيم المنزلة وكريم التعويض في الدنيا والآخرة.

وقد حوّل الإسلام بعض أنواع العتق الذي كان اختياريًا إلى فرض لازم، يجب الوفاء به، مادام صاحبه قد باشر أسبابه.

ومن النوع الأول الذي هو تحرير الرقيق على سبيل الوجوب: ما تعلّق بسبب صادر عن المكلف نفسه، كالحنث في اليمين والقتل الخطأ وظهار الزوجة ـ أي تشبيه الزوج لها بأمه في الحرمة ـ قال تعالى: ﴿ ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبه مؤمنة ﴾ النساء : 92. وجاء نحو هذا في اليمين والظهار.

ومن هذا النوع أيضًا: نذر الإنسان أن يعتق عبدًا تقربًا إلى الله تعالى، إذ يجب عليه الوفاء بالنذر التزامًا بما صدر منه مع أن أصل النذر مباح واختياري.

ومن ذلك أيضًا: المكاتبة، وهي: قبول السيد من رقيقه تحرير نفسه مقابل مبلغ من المال يدفعه إليه على أقساط فيجـب على المـالك الالتزام بـها وعتـق رقيقـه بموجبـها، مع أنهـا في الأصـل مباحة واختيـــارية، قــال الله تعــالى: ﴿ فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا ﴾ النور : 33.

ومن ذلك أيضًا: التدبير، وهو: وعد السيد رقيقه بأن يُمنح الحرية بعد وفاته، فإذا مات السيد صار الرَّقيق حرًا على سبيل الوجوب الشرعي الذي ليس له ردّ، مع أن الأصل في التدبير الإباحة والاختيار.

ومنه أيضًا: ما كان سببه احتراما لحكم الشرع المراعي للفطرة البشرية السوية، من مثل ما يعرف بالاستيلاد، وهو: ولادة الأَمة ولدًا من سيدها، حيث تصبح حرة بعد موت سيدها، ومن مثل: ما يعرف بملك المحارم، وهو: تحرر الرقيق بمجرد أن يملكه محرمه، كمن ملك خالته أو عمته، فإنهما تُصبحان حرتين بمجرد تملكه لهما.

ومن هذا النوع الأول أيضًا: العتق بإساءة المعاملة، حيث يحق للمحاكم إجبار السيد على تحرير رقيقه إذا جوّعه أو عذّبه أو أضرّ به.

أما النوع الثاني الذي تبناه الإسلام للتخلّص من الرق، فهو: دعوته المسلمين إلى التقرب إلى الله تعالى بعتق الرقيق استحبابًا وإنسانية ورفقًا بهم، وتمكينًا لهم من التصرف بأنفسهم كما يشاؤون ليعيشوا أحرارًا كبقية الناس، قال النبي ³: ( أيّما رجل أعتق امرأً مسلمًا، استنقذ الله بكل عضو منه، عضوًا منه من النار ). و( أيما امرئ مسلم، أعتق امرأتين مسلمتين، كانتا فِكاكه من النار ). قال سعيد بن مرجانة: فسمع بهذا الحديث علي بن الحسين، وكان له عبد أُعطي فيه ـ أي دفع له فيه ـ ألف دينار ـ وكانت الدنانير من ذهب ـ فأعتقه ولم يبعه.

كما دعا الإسلام إلى بذل أموال الزكاة في عتق الرقيق وتحريرهم ومنحهم حق الحياة الكريمة، قال الله تعالى: ﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ﴾ التوبة :60.

وفي مواقف أخرى دعا النبي ³ إلى تحرير الرَّقيق اعتذارًا لهم عما يقع عليهم من سوء معاملة، قال النبي ³:( من لطم مملوكًا له أو ضربه، فكفارته أن يُعتقه ).

هذا منهج الإسلام وهذه تعاليمه في احترام حياة الرقيق ومنحهم حقوق الإنسان والسعي في تحريرهم، وقد اهتم الرسول محمد ³ بحال الأرقّاء وهو في غمرات الموت، فقد كان آخر كلامه وهو يودّْع الدنيا في مرضه الذي توفي فيه: ( الصلاة، وما ملكت أيمانكم ). فمازال يقولها حتى ما يفيض لسانه، أي توقف لسانه عن الحركة. انظر: حقوق الإنسان في الإسلام.