ابن شرف القيرواني

جعفر بن محمد بن أبي سعيد بن شرف، أبو الفضل الجذامي القيرواني (390-460 هـ/999-1067 م)، هو شاعر، وأديب. أصله من القيروان وقد فارقها إلى الأندلس، واستوطن برجة من ناحية المرية. كان شاعر وقته. له تآليف متعددة في الأدب والأخبار.

ولد بالقيروان سنة 388 هـ ونشأ بها. ودرس الفقه على أيدي أبي عمران الفاسي وأبي الحسن القابسي وتعلم على أيدي أبي إسحاق إبراهيم الحصري وسائر أساتذة القيروان في العهد الزيري. قرّبه الأمير الصنهاجي المعز بن باديس فأصبح من أهم شعراء البلاط وأبرز أعلام المدرسة الشعرية القيروانية. قال فيه ابن الدباغ:

Cquote2.png الأديب الفاضل، أحد من نظم قلائد الآداب وجمع أشتات الصواب، وتلاعب بالمنثور والموزون تلاعب الرياح بأطراف الغصون Cquote1.png

غادر ابن شرف القيروان بعد خرابها على اثر الزحفة الهلاليّة فأنتقل إلى المهديّة ثم صقليّة إلاّ أنّه لم يطب له المقام بها فأنتقل إلى الأندلس وكانت وفاته بطليطلة سنة 460 هـ/1067م.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعره

كان أديباً شاعراً من فحول الشعراء في المغرب، وقد شهد له خصمه ابن رشيق القيرواني بالقدرة على إبداع الشعر، وقوة البديهة والارتجال، إذ قال فيه بكتاب الأنموذج:

«لقد شهدته مراتٍ يكتب القصيدة في غير مسوَّدة، كأنما يحفظها، ثم يقوم فينشدها. وأما المقطَّعات فما أحصي ما يصنع منها كلَّ اليوم بحضرتي صاحياً أو سكرانَ، ثم يأتي بها بعد ذلك، وأكثرها مخترع بديع».

فابن شرف يكتب القصيدة بحضور غيره من الشعراء، ولا يقرؤها من كتاب بل يكتبها عند إنشادها، من غير أن تكفه مراقبة الآخرين عن السير في إبداعها، مما جعل ابن رشيق يشبِّهه بمن يحفظ نصاً شعرياً، ثم يمليه على الحاضرين، ولم يكن هذا شأن ابن شرف المقتدر على الإبداع بحضور الآخرين ارتجالاً من غير كتاب، وبديهة من غير تفكير. ولم يكن هذا في القصائد وحدها بل تعدى ذلك إلى المقطعات التي يهون أمرها على الشعراء قياساً بالقصائد، وهو لا يعبأ بها، ذلك أنه يبدعها ويكثر منها، فكأنه شاعر متفرغ للشعر، لا يكف أحدهما عن الآخر.

شهد له بالتفرد والتجديد في إبداعه، مما يجعل شعره تعبيراً حقيقياً عن نفسه وشخصيته، ويلغي فكرة المحاكاة في صميم العملية الإبداعية التي تأتيه عفو الخاطر، وتأتيه بالبديع الجديد، ولا يعني ذلك أنه لم يحتذِ حذو بعض الشعراء، كأبي نواس ومسلم بن الوليد وأبي الطيب المتنبي وقد تناول الصفدي هذه المسألة بقوله:

ومن شعر ابن شرف:

ولقد نَعِمْتُ بليلةٍ جَمـَد الحَــيا      بالأرضِ فيـها والسـماءُ تذوبُ
منِّي إليهِ ومِن يديـهِ إلى يـدي      كالشَّمسِ تطلُـعُ بيننـا وتغيـبُ

قلتُ: «ما وقعتُ على أرشق من هذا المعنى، ولا أتمِّ، وهو عندي أكملُ، وأحسنُ من قول أبي نواس، حيث قال:

طالعاتٌ مِنَ السّقـاةِ عليـنا      فـإذا ما غَرُبْنَ يَغْرُبْنَ فينا»

فالصفدي فضَّلَ ابن شرف في صورة كأس الخمرة بينه وبين محبوبته كالشمس تطلع تارة وتغيب تارة أخرى، متمثلاً صورةَ تداولِها من يدها إلى يد الشاعر بالشمس التي تطلع وتغيب؛ على أبي نواس الذي يصف كؤوس الخمرة في أيدي السقاة مشبهة بالنجوم في حال طلوعها وغروبها، فكانت صورتها عند ابن شرف أحسن منها عند أبي نواس في هذا الموضع، وقد يتقدم الشاعر الوسط على شاعر متقدم في صورة جزئية أو معنى جزئي، فما قولك بابن شرف، وهو معدود من فحول شعراء المغرب؟!.

تقدم ابن شرف على بعض الشعراء في هذه الصورة فقد قصر في احتذائه سواها عن بعض متقدميه أحياناً.


كتاباته

له عدّة مؤلفات، أهمها:

  1. أبكار الأفكار - يقول عنه ابن دحية: " في سفرين، اختراع كلّه في الحكم والأمثال والنظم والنثر" ويقول عنه ياقوت : "جمع فيه ما أختاره من شعره ونثره ". ولم يحدد حجمه
  2. أعلام الكلام: أهداه للمعتضد بن عباد وأجازه عليه، ويقول عنه ابن دحية "مخترع كلّه" ومن جملة ما احتواه هذا الكتاب مجموعة من مقاماته، جلب منها صاحب الذخيرة مقامتين، منها مقامته الشهيرة في الشعراء، كما ساق ابن بسام مجموعة صالحة من نصوص هذا التأليف.
  3. مسائل الانتقاد: ويسميها ياقوت: " رسالة الانتقاد".
  4. ديوان شعره : يذكر ابن دحية أنه في خمسة مجلّدات. وذكره ياقوت في معجم الأدباء ولم يحدد حجمه. وقد احتفظت كتب الأدب والتراجم بمجموعة مهمّة من شعره تبلغ الآن أكثر من ستمائة بيت، وأول من تولّى جمع طائفة منه المرحوم ح.ح عبد الوهاب في مقدّمة نشرته لمسائل الانتقاد من ص 300-311، ثم جمع منه المرحوم عبد العزيز الميمني في " النتف من شعر ابن رشيق وزميله ابن شرف" قطعة صالحة، ثم جمعه حسن ذكرى حسن تحت عنوان ديوان ابن شرف القيرواني"، ونشرته في القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1983
  5. ذيل تاريخ الرقيق.

الهامش