نظريات التغير الاجتماعية

حول المؤلف

مساهمات حديثة أخرى

اجعل هذه الصفحة أفضل بتحريرها.
ShafeiTaghreedفاطمة بالحمر
0

نظريات التغير الاجتماعي : theories of social change هناك العديد من النظريات التي حاولت أن تفسر التغير الاجتماعي ، و تأثر العلماء المؤسسون لهذه النظريات باتجاهاتهم الاجتماعية وخلفياتهم العلمية . فالبعض فسر التغير من منظور تطوري والبعض نظره بالنظرية الوظيفية ، والبعض فسر التغير من منظور الصراع . وسنستعرض هنا أهم نظريات التغير والتطور :

أولاً : النظرية التطورية Evolution theory

من أقدم النظريات الاجتماعية التي حاولت أن تفسر التغير الاجتماعي هي النظرية التطورية. وقد تأثر العلماء المؤسسون لهذه النظرية وعلى رأسهم هربرت سپنسر، بنظرية داروين في التطور وحاولوا تطبيقها في علم الاجتماع. وأهم القوانين الثلاث التي تأثر بها علماء الاجتماع هي: قانون التطور الذي يرى أن الكائنات الحية تطور من البسيط للمعقد، ومن المتجانس للامتجانس . وقانون الاختيار الطبيعي الذي يرى أن الطبيعة تختار الأفضل للاستمرار. وقانون البقاء للأقوى الذي يؤكد أن الكائنات التي لديها القدرة على التكيف والصمود تستمر في حين أن الكائنات التي لا تستطيع التكيف تفنى وتزول.

ويرى علماء التطورية أن المجتمعات الإنسانية تنافس فيما بينها من أجل البقاء، وأن المجتمعات التي تستطيع التكيف والسيطرة على البيئة هي أقوى المجتمعات وتقدم هذه النظرية تصوراً لمراحل تطور المجتمعات ، وتعتبر المجتمعات الصناعية أفضلها وأقواها، لأنها أكثر المجتمعات سيطرة على البيئة ( Sztompka 1999).

ويؤمن أنصار النظرية التطورية أن المجتمعات الإنسانية في تطورها تسير في خط تطوري واحد يسير من البسيط إلى المعقد ومن المتجانس إلى اللا متجانس . وهم يؤكدون أن التغير الاجتماعي يسير في اتجاه تقدمي دائما بمعنى أن المجتمعات تسير دائما نحو الأفضل ، و أن الدول الغربية هي أفضل المجتمعات لأنها أقوى المجتمعات. والحقيقة أن هذه النظرية عندما ظهرت حاولت أن تخدم أغراض الدول الغربية الاستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا؛ فهي تؤكد أن الشعوب البيضاء هي أفضل الأجناس البشرية لذا فهي تستحق أن تحكم العالم. وأكدوا أن الدول الغربية عليها مسؤولية تعليم وتطوير الدول الأخرى ، أن على الدول الأخرى أن تن الثقافة الغربية أفضل الثقافات ( Zstompka 1999 )

ثانيا : النظرية الوظيفية Functionalism theory

لم يهتم علماء الوظيفية كثيرا بالتغير ، بل حاولوا تفسير التوازن والاستقرار في المجتمع والعوامل التي تؤدي إلى ذلك. ولما كان التغير جزءا لا يتجزأ من طبيعة المجتمع، فقد واجه الوظيفيون صعوبات جمة في محاولة تفسير أسباب التغير. وللتعلب على هذه الصعوبات استعان علماء الوظيفية ببعض مفاهيم النظرية التطورية وتفسيرها لتغير المجتمعات. فأكد علماء الوظيفية أن المجتمعات تسير من البسيط إلى المعقد، ومن المتجانس إلى اللا متجانس وأن وظيفة علماء الاجتماع هي تفسير كيفية حدوث هذا التغير في المجتمع.

ويؤكد علمائ الوظيفية على أن المجتمع نسق اجتماعي مترابط الأجزاء وأن أي تغيير في جزء يصاحبه تغير في الأجزاء الأخرى. فالمجتمع دائما يحاول استعادة توازنه واستقراره، واحتواء التغيير الذي يحدث فيه؛ فهو ينتقل من حالة توازن إلى أخرى. ويقدم علماء الوظيفية العديد من الأمثلة التي تؤكد أن أي تغيير يحدث في أي جزء، لابد وأن تتأثر به بقية الأجزاء، مثل الجسد لو اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. ولتوضيح ذلك يمكننا ذكر المثال التالي: عندما ترتفع أسعار الترول في العالم ماذا يحدث؟ . ترتفع أسعار البنزين ، فترتفع أسعار الوقود والمواد الغذائية والأثاث وجميع السلع نتيجة لزيادة تكلفة الإنتاج، وترتفع أسعار سيارات الأجرة والفنادق وجميع الخدمات المتصلة بالمواصلات ، وهكذا نجد أن أي تغير في جزء لابد أن بنعكي على الأجزاء الأخرى ( Zstompka 1999 )

ولكن يرى علماء الاجتماع أن المجتمع قادر على استيعاب هذه التغيرات ؛ فإذا ماكانت هذه التغيرات بسيطة فالمجتمع سيتكيف معها و سيستمر المجتمع في أداء وظائفه ، ولكن إذا ماكانت الزيادة أكثر من إمكانيات الغالبية العظمى من السكان ، فإن الأفراد سيقللون من استهلاكهم قدر الإمكان وتقل قدرتهم الشرائية ، ومن ثم يحدث كساد في السلع ، مما يضطر التجار إلى تخفيض الأسعار من جديد ، وهذا يؤدي إلى انتعاش الاقتصاد من جديد ، وبذلك يستعيد المجتمع توازنه مرة أخرى .

وعلى الرغم من التشابه الظاهر بين آراء النظرية الوظيفية والنظرية التطورية إلا أن هناك بعض الاختلافات بين مبادئ النظريتين .

  • أولاً: يرى علماء التطورية أن المجتمعات تسير في خط تطوري واحد في حين يرى علماء الوظيفية أن التطور يمكن أن يتم في عدة أشكال و في عدة طرق ، فليس من الضروري أن تسير جميع المجتمعات بنفس الخطوات والمراحل التي مرت بها المجتمعات الغربية .
  • ثانياً: يرى علماء التطور أن التطور يعني التقدم دائما و قدموا مثالا لذلك المجتمعات الغربية ، في حين يرى علماء الوظيفية أن التطور لا يعني التقدم دائما فالمجتمعات قد تسير نحو التقهقهر وقد لا تتجه نحو الأفضل .
  • ثالثاً: يرى علماء التطورية أن المجتمعات الغربية و التي خلت مرحلة التصنيع هي أفضل المجتمعات البشرية و من ثم يجب على جميع الدول الاقتداء بها والسير على هداها . إلا أن علماء الوظيفية لا يشاركون التطوريين هذا الرأي ، فهم لا يرون أن المجتمعات الغربية أفضل المجتمعات وأن على جميع الدول الاقتداء بها ، بل هم يرون أن لكل مجتمع بنائه الخاص وقيمه الخاصة به ، ولا يمكننا أن نفرض على جميع الدول أن تسير بنفس الخطى.
  • رابعاً: يرى علماء التطورية أن المجتمعات لابد و أن تتغير، في حين يرى علماء الوظيفية أن التغيير ليس حتميا في جميع المجتمعات ، فقد تثبت و تستقر لبعض الوقت فالتغير غير أساسي في المجتمع.

أخيرا هناك فارق هام بين النظريتين ، ففي حين يؤمن التطوريين أن التغير يحدث بشكل تلقائي لا إرادي في المجتمع ، يرى الوظيفيون أن الإنسان يتميز عن الكائن الحي بالعقل والمنطق والقدرة على اتخاذ القرار فالتغير الاجتماعي لا يحدث بشكل عفوي لا إرادي ولكن يحدث عن اختيار الانسان ، فالإنسان يختار حياته ويخطط لها وهذا أهم اختلاف بين الإنسان والكائن الحي ( curry . 1999)

ثالثا : نظرية التحضر modernizations theory

معنى كلمة modernization باللغة العربية يعني التحديث أو التجديد ، لكنها بالنسبة لعلماء هذه النظرية تعني التصنيع؛ فيرى علماء هذه النظرية أن المجتمعات التقليدية لا بد و أن تتجه نحو التصنيع ؛ فهم يربطون التحضر بالتصنيع . ويرى هؤلاء أن المجتمعات التقليدية تسير لا محالة نحو التصنيع . لذا سيهاجر سكان المناطق الريفية من الري إلى المدن والمناطق الحضرية للعمل في المصانع . ونتيجة لذلك ستتعقد أعمال الحكومات و ستسير نحو البيروقراطية . وعلى الرغم من زيادة الثروة نتيجة التصنيع ، فإن ذلك لا يعني ارتفاع مستوى معيشة جميع المواطنين . ذلك أن الهوة بين الأغنياء والفقراء ستزداد مع زيادة الثروة ؛ فالغني سيزداد غناء ، والفقير سيزداد فقرا . ويرى علماء التحديث أن الكثير من الدول النامية في آسيا و أفريقيا و أمريكا الجنوبية لم تتقدم لأنها تفتقر لمقومات التصنيع ؛ فهذه المجتمعات لا تعرف قيمة المنافسة ، واحترام العمل واحترام الوقت ، و الكفاءة ، والمنطق ، و أهمية الإبداع ، كما أن هذه المجتمعات تفتقر لمقومات التصنيع ، ألا وهي وجود قوى عاملة متعلمة ونظام سياسي مستقر . فإذا ما توفرت القيم والمقومات الرئيسية للتصنيع سارت المجتمعات النامية نحو التحديث ، وسارت على نهج الدول الغربية (curry . 1999)

ويؤكد علماء التحضر أن التحضر يمكن أن يحدث بفعل عوامل داخلية أو عوامل خارجية . فالوسائل التكنولوجية يمكن أن تكون عاملا خارجيا يساععد على التحديث ، فاستيراد الدول النامية للوسائل التكنولوجية الحديثة من الدول الغربية يمكن أن يساعد في تحديث هذه المجتمعات ، و إحداث العديد من التغيرات بها. كذلك يمكن أن يتم التحديث من داخل المجتمع نتيجة لتبني الحكومة لسياسة مخططة تهدف إلى تحديث المجتمع بنشر التعليم وتدريب الأيي العاملة على الوسائل التكنولوجية الحديثة إلى جنب اسيتراد التكنولوجيا من الخارج . وهذا مايفقعله الكثير من الدول النامية .

وهناك فرضيات رئيسية ترتكز إليها نظرية التحضر أهمها : أن منافع التصنيع تفوق مساوئه ؛ لذلك فإن المجتمعات التقليدية تستفيد كثيرا من التصنيع . و إن كان بعض علماء الاجتماع لديهم بعض التحفظات على هذه النظرية ، فهم يرون أن المنفعة كلمة نسبية ، فما يراه البعض منفعة قد يراه الآخرون ضررا ، كما أن كثيرا من العلما مثل دوركايم وماركس وڤيبر أكدوا على حالة الاغتراب والوحدة التي يعاني منها العامل في الدول الرأسمالية . كذلك يترض علماء هذه النظرية أن تاريخ المجتمعات التقليدية سيكون مثل تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ولكن التاريخ يؤكد لنا أنه ليس هناك دولة في العالم توفرت أو تتوفر لها العناصر التي توفرت لأمريكا مثل توفر الموارد المادية والبشرية والاستقرار السياسي ، والاستقلال الاقتصادي ، والعزلة الجغرافية فليس هناك تهديدات خارجية تحيط بها . لذلك لا نتوقع أن تسير جميع الدول على نهج أمريكا ، وتصل لنفس النتيجة التي توصل لها .

رابعا : نظرية الصراع conflict theory

يؤكد علماء هذه النظرية على أن التغير ظاهرة عامة في جميع المجتمعات ، و أن القوة هي العامل الأساسي المؤدي للتغير في المجتمع . فالقوة تتفاوت داخل المجتمع الواحد ، وتنافس أبناء المجتمع الواحد وصراعهم على المصالح يؤدي إلى التغير . و يرى علماء نظرية الصراع أن العالم يتكون من العديد من الدول الذين يشكلون نسقا واحدا. وهذا النسق يتكون من دول النواة core nations ، وهي الدول المتفوقة تكنولوجيا وعسكريا وسياسيا ، ودول هامشية periphery nations ، وهي الدول الفقيرة التابعة اقتصاديا وسياسيا للدول المتقدمة . ودول نصف هاشية semi periphery nations وهي الدول التي كانت دولا هامشية ولكنها استطاعت الاستفادة من النظام العالمي والمقصود به ( الاستعمار ) واستطاعت تحسين أوضاعها عن الدول الهامشية . ويرى علماء هذه النظرية أن النظام العالمي world system أو الاستعمار قد ظهر منذ 200 عام تقريبا، عندما أحست الدول الغربية بحاجتها لتوسيع حدودها للحصول على المواد الخام ، وعلى أيدي عاملة رخيصة و لفتح أسواق خارجية لترويج بضائعها. فاتجهت الدول الغربية لآسيا و أفريقيا وكونت مستعمرات فيها ، واستغلت ثروات هذه الدول النامية ونهبت خيراتها، واستخدمت أبنائها للعمل في بلادهم بأجور زهيدة ( curry 1999 )

وعلى الرغم من حصول كثير من الدول على استقلالها السياسي ، إلا أنه مازال إلى الآن الكثير من الدول النامية تابعة اقتصاديا للدول المتقدمة. وسبب تبعية الدول النامية اقتصاديا يرجع إلى أن الشركات العالمية العملاقة في الولايات المتحدة و أولاوبا واليابان تصنع بضائعها في الدول النامية لرخص الأيدي العاملة فيها وبالتالي نقص تكاليف الإنتاج ، وعادة ماترحب الدول النامية بمثل هذه الشركات لأنها تفتح مجالات للعمل لأبناء هذه الشعوب، لكن في الحقيقة ان معظم أرباح هذه الشركات لا يستفيد منها العمال الذين يؤدون العمل ولكن تستفيد منها الطبقة الغنية في هذه المجتمعات ، والتي غالبا ماتلعب دور الوسيط بين الشركات العالمية والمجتمع المحلي. ويرى الكثير من المحللين الاجتماعيين أن تبعية الدول النامية ستزداد أكثر مع نظام العولمة globalization الذي أخذ يغزو العالم ، فالعولمة تعني الحرية التجارية والاقتصادية بين الدول. لكن واقعيا ستتضرر الدول النامية كثيرا من جراء ذلك ، بل يرى كثيرون أن العمولمة شكل آخر من أشكال الاستعمار المقنع.

ذلك لأن المنافسة غير متكافئة بين الطرفين ؛ فكيف للدول النامية أن تتنافس مع الدول العملاقة اقتصاديا (جارودي، 1999 ) لذا يؤكد علماء نظرية الصراع أنه نتيجة للنظم التجارية الحديثة وسيطرة الدول المتقدمة فإن الدول الغنية ستزداد غنى، والدول الفقيرة ستزداد فقرا . وهذا ما سيؤدي إلى الصراع بين الدول من أجل المحافظة على بقائها. وأفضل مثال تطبيقي يفسر لنا العلاقة بين الدول المتقدمة والدول النامية ، وكيف أن الدول الغنية تحاول إحكام سيطرتها على العالم ، وتحاول تعميق التبعية الاقتصادية للدول النامية هو فشل مؤتمر التجارة العالمي الذي عقد في سياتل في الفترة من 1-5 /12 / 1999 . فقد فشل هذا المؤتمر فشلا ذريعا رغم جهود الولايات المتحدة الأمريكية الجبارة لإنجاحه . وكان سبب فشله محاولة أمريكا فرض القوانين التي تخدم مصالحها على االعالم أجمع بحيث تستطيع هي تصدير بضائعها إلى معظم دول العالم في الوقت الذي وضعت فيه القيود أمام الدول الأخرى خاصة النامية لتصدير بضائعها إليها . فكانت من أهم شروطها أن يجب أ ن تكون البضائع المصدرة من دول ليس بها تلوث بيئي، وبالطبع ذلك يعني حرمان معظم الدول النامية من تصدير سلعها. كذلك يشترط عدم عمل الأطفال في المصانع في الدول التي تصدر السلع وفي حالة اكتشاف أن الأطفال يعملون في سن مبكر في المصانع تحرم الدولة من تصدير بضائعها . حقا لا يؤيد أي إنسان عاقل ظاهرة تشغيل الأطفال في المصانع ولكن الحل لا يكون بمعاقبة المجتمع كله نتيجة عدم احترام العض للقانون لأن ذلك سيعمق مشكلة الفقر أكثر وسيخلق مشاكل أكبر ولا يعتقد الكثيرون أن أمريكا تضع جميع هذه العراقيل أمام الدول النامية خوفا على الأطفال بقدر ما هو حماية لمصالحها. ويمكننا تفهم أبعاد المشكلة أكثر من خلال ممثلي الدول النامية في المؤتمر.


<comments />