يعيش المالقي

يعيش المالقي (من علماء القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي) صمتت المصادر والمراجع عن حياة الحاج يعيش المالقي، الذي كان حياً في سنة 567هـ/1172م، ويعود أصله إلى مدينة مالقة (مدينة بحرية جنوب غرناطة باسبانيا)، وسطع نجم المهندس الحاج يعيش المالقي في عهد الموحدين، وخاصة في زمن الخليفة عبد المؤمن بن علي (مؤسس الدولة الموحدية ت 558هـ)، ويشير المؤرخون إلى اسمه عند ذكر المنجزات الهندسية في عصر الموحدين فقط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إبداعاته الهندسية

جامع الكتبية، بناه يعيش المالقي في عهد الخليفة عبد المؤمن الموحد.

بُني جامع الكتبية بعد فتح مراكش مباشرة في سنة 541هـ، ويُعد جامع الكتبية الأول المسجد الثاني بين منشآت الخليفة عبد المؤمن، وكان المسجد يتصل بقصر عبد المؤمن فكان الخليفة يتردد بين المسجد والقصر، حيث أمر الخليفة بصنع منبر المسجد ومقصورته بالأندلس، وتولى صنعهما المهندس الحاج يعيش المالقي، فكان المنبر قطعة فنية إذ صنع من العود والصندل الأحمر والأصفر وصفائحه من الذهب والفضة.

وما تزال آثار جامع الكتبية الأول ماثلة، ولاسيما زخارف محرابه، ويصف المراكشي في كتابه «الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام» عمل المقصورة بقوله: «وكان تولى صنعتها رجل من أهل مالقة يقال له الحاج يعيش الذي تولى النظر في بناء جبل الفتح على حسب ما ذكره وكيفية هذه المقصورة أنه وضعها على حركات هندسية ترفع بها لخروجه وتنخفض لدخوله، وذلك أنه صنع عن يمين المحراب باباً داخله المنبر، وعن يساره باب داخله دار بها حركات المقصورة والمنبر وكان دخول عبد المؤمن وخروجه منها، فكان إذا قرب وقت الرواح إلى الجامع يوم الجمعة دارت الحركات بعد رفع البسط عن موضع المقصورة فتطلع الأضلاع في زمان واحد ولا يفوت بعضها بعضاً بدقيقة، وكان باب المنبر مسدوداً فإذا قام الخطيب ليطلع عليه انفتح الباب وخرج المنبر في دفعة واحدة لا يسمع لها حس ولا يرى تدبير».

يُعبر هذا الإنجاز عن معرفة الحاج يعيش بالهندسة الميكانيكية معرفة عميقة وأصيلة.

وشارك المهندس يعيش في بناء القصور والمنازل والحصون والجامع في منطقة جبل طارق، وكان تحفة هندسية، إذ يقول ابن أبي صاحب الصلاة في كتابه «تأريخ المن بالإمامة على المستضعفين بأن جعلهم الله أئمة وجعلهم الوارثين» ما يلي: «وأحكم البناؤون فيه بناء من القصور والديار، واخترعوا في أسسها طيقاناً وحنايا لتعتدل بها الأرض مبنية بالحجر المنجور والجيار، مما هو عجيب في الآثار، وكما قيل: «الملوك تبني على قدرها من الأقدار» وبما لو عاينها المتقدمون من آل عاد بن شداد لأقروا لهم بالعجز وفضولهم على الذين بنوا القصر من سنداد».

ويشير ابن أبي صاحب الصلاة إلى أن المهندس يعيش كان مقيماً خلال فترة بناء جبل طارق، وأنه صنع رحى تطحن الأقوات بالريح، وقد يُعد المصدر الوحيد الذي يشير إلى الرحى الهوائية في تلك العصور، ويذكر المقطع أيضاً بناء باقي مباني الجبل وباب الفتوح إذ يقول:

Cquote2.png «وكان الحاج يعيش المهندس مدة إقامته للبناء على ما ذكرته فيه قد صنع في أعلاه رحى تطحن الأقوات بالريح عاينها الثقات مدة البناء المذكور، فلما رجع إلى مراكش عند إكمال ما أمر به فسدت الرحى لعدم الاهتمام بها. واتصل بهذا العمل من بناء الدور والقصور بناء السور والباب المسمى بباب الفتوح في الفرجة التي كانت يدخل منها إلى الجبل بين البحر المحدق به من كلا جانبيه فجاء فرداً في المعاقل التي لا يتمكن لطامع فيه طمع، ولا يخطر على خاطر ساكنه جزع من بر ولا بحر، إذ هو معقل أشِب، ومنزلٌ للسماك منتسب». Cquote1.png

ابن أبي صاحب الصلاة

وقد تم بناء المدينة الجديدة في جبل طارق في شهر ذي القعدة سنة 555هـ الموافق لكانون الأول/ديسمبر 1160م.

لما انتهى أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن من بناء قصوره وحدائقه في إشبيلية فكر بجلب الماء لسقي ما غرسه، وقد وصف ابن صاحب الصلاة عملية جر الماء بأنه كان خارج باب قرمونة على الطريق المؤدية إليها، أثر ساقية قد علت الأرض عليها وصارت خيطاً في الأرض لا يفهم أثره، فخرج إليها الحاج المهندس يعيش وحفر حول الأثر المذكور فإذا به أثر سرب قد جلب فيه الماء قديماً إلى إشبيلية ويعود إلى قرون خالية إلى عهد سيطرة الرومان على إسبانيا، فما زال المهندس يعيش يتتبع سير هذا السرب حتى وصل إلى العين المسماة عند أهل إشبيلية بعين الغبار، وإذا بالماء في تلك العين ليس بعين، وإنما كانت موضع فتق في طريق السرب القديم، فتمادى في العمل حتى وصل إلى البحيرة المذكورة، فأمر يوسف بن عبد المؤمن بإجراء الماء وجلبه إلى داخل إشبيلية إلى القصور. ولشرب الناس ومرافقهم أمر ببناء محبس للماء بداخل إشبيلية في حارة بها وجلب إليها الماء المذكور في يوم السبت الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وستين وخمسمئة».

تـُعد منجزات الحاج يعيش المالقي في مراكش والأندلس من المنجزات المتميزة في مجال الهندسة المدنية والمعمارية والميكانيكية في ذلك العصر، وتُعبر عن المقدرة الهندسية المتقدمة للمهندس العربي.


المصادر

  • مصطفى موالدي. "يعيش المالقي". الموسوعة العربية.

للاستزادة

  • زهير حميدان، أعلام الحضارة العربية الإســلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية في الأندلس والمغرب والجزائر وتونس وليبية (منشورات وزارة الثقافة، دمشق ـ سورية 1996م).
  • عبد الله علي علام، الدولة الموحدية بالمغرب في عهد عبد المؤمن بن علي (دار المعارف بمصر، القاهرة 1968).