نقاش:ثورة 1919

ملخص

كانت ثورة " 19 " أكبر طور طفر بحركة " تحرير المرأة " وقد تمثل ذلك في مشاركة المرأة في ثورة 1919 ومؤازرة " سعد زغلول " للحركة النسائية وكانت المشاركة الفعلية للمرأة بمظاهرة يوم 20مارس سنة 1919 وكانت هذه المشاركة في ذلك اليوم بمثابة جواز المرور الذي تجاوزت به المرأة الحائط القديم الذي قبعت طويلاً خلفه ولم تعد إليه أبداً بعد أن وضعت قدمها موضع قدم الرجل فعندما تشكل الود المصر من الرجال همت المرأة فشكلت لجنة الوفد من السيدات اللاتي اجتمعن برئاسة " هدى شعراوي " بالكنيسة المرقصية ( يوم 8 يناير سنة 1920) ومنذ ذلك التاريخ انتقل التنظيم النسائي إلى مرحلة العمل المنظم على أساس أنه هيئة مستقلة حرة معترف بها لها الحق في أن تشارك في مجريات الأحداث التي تمر بها البلاد

وظلت الصحافة في هذه المرحلة تؤازر المرأة خاصة التي يحررها صحافيون سفوريون ممن كانوا يؤازرونها من قبل وممن انضم إليهم من أمثال الدكتور " محمد حسين هيكل " صاحب جريدة " السياسة " وبعض كتاب مجلة الهلال وغيرهم ورسمت الصحافة صورة المرأة المثالية التي يجب أن تتمثلها المرأة المصرية وهي نفسها صورة المرأة الأوربية في ذلك الوقت يقول أحد الكتاب : ( المرأة الأوربية عندها واجبان مقدسان بيتها ووطنها وبين الواجبين تخص بساعة نفسها فتحضر حفل موسيقي أو تدعو أصحابها لليلة راقصة ولا تنسى أن تقف أمام المرآة لتزين حالها فتتذكر دائماً أنها امرأة إنها في نظري مثال المرأة الأعلى ويحسن بالمرأة الشرقية أن تقتبس عنها كل شيء )

وربط كتاب هذه المرحلة صراحة بين تحرير المرأة وفكرة " المصرية " ونبذ فكرة " الإسلامية " يقول " محمود عزمي " - وكان من أبرز كتاب تلك المرحلة : ( تأثرت بكتب " قاسم أمين " تأثراً عجيباً جعلني أمقت الحجاب مقتاً شديداً يرجع إلى اعتبار خاص هو اعتباره من أصل غير مصري ودخوله إلى العادات المصرية عن طريق تحكم بعض الفاتحين الأجانب فكان حنقي على أولئك الأجانب الفاتحين الإسلاميين يزيد ) اهـ (137) .


جريمة الزعيم :

صحبت " صفية زغلول " زوجها " سعد زغلول " في باريس لحضور مؤتمر الصلح سنة 1920لعرض القضية المصرية وقد مكثت صفية ترتدي الحجاب إلى أن عادت مع سعد زغلول إلى مصر بعد عودته من منفاه وعلى ظهر الباخرة التي نقلتهما إلى الإسكندرية وجد سعد البحر وقد امتلئ بألوف المخدوعين يستقبلونه بالقوارب وقال سعد لصفية " ارفعي الحجاب " وتدخل " علي الشمسي " و " واصف بطرس " ! - من أعضاء الوفد - وعارضا في ذلك فقال سعد زغلول " المرأة خرجت إلى الثورة بالبرقع ومن حقها أن ترفع الحجاب اليوم " ورفعت صفية زغلول الحجاب (138) ثم وقفت إحدى صنائع الاستعمار تخطب في القاهرة في احتفال الشعب المخدوع بقدوم " الزعيم " وطلب منها رفع الحجاب وعندئذ رفعت الحاضرات الحجاب ) اهـ (139)

وجاء في جريدة الجمهورية الصادرة في 20 / 4 / 1978 في الذكرى السبعين لموت قاسم أمين تحت عنوان : " تحليل شخصية قاسم أمين " :

ولما تولى سعد زغلول زعامة الشعب في عام 1919 اشترط على السيدات اللواتي يحضرن سماع خطبه أن يزحن النقاب عما سمح الله به من وجوههن وكانت هذه أول مرحلة عملية للسفور ) اهـ

وفي رواية : ( نفت بريطانيا " صديقها " سعد زغلول وجماعته إلى جزيرة سيسل فترة ثم أعادته إلى مصر لتوليه رئاسة الوزارة وتوقع معه معاهدة فيكون احتلال بريطانيا لمصر شيئاً رسمياً متفقاً عليه ! هيئ الجو في الإسكندرية لاستقبال سعد وأعد سرادق كبير للرجال وآخر للنساء المحجبات وأقيمت الزينات في كل مكان ونزل " سعد " من الباخرة وعلى استقبال حافل وهتافات أخذ طريقها إلى سرادق النساء - دون سرادق الرجال - فلما دخل على النساء المحجبات استقبلته " هدى شعراوي " بحجابها ... فمد يده - يا ويله - فنزع الحجاب عن وجهها تبعاً لخطة معينة وهو يضحك .. فصفقت هدى .... وصفقت النساء لهذا الهتك المشين ... ونزعن الحجاب ومن ذلك اليوم أسفرت المرأة المصرية استجابة لـ " رجل الوطنية " سعد و أصبح الحجاب نشازاً في حياة المسلمة المصرية ... لقد فعل " سعد " بيده ما دعا إليه اليهودي القديم بلسانه فكلفه دمه(140) أما سعد .....؟! (141)

ويستنكر الشيخ " مصطفى صبري " رحمه الله هذه الجريمة التاريخية البشعة قائلاً :

وكأني بعلماء الدين سكتوا عند وقوع تلك الحادثة احتراماً لسعد أو انتقده عليه قليل منهم من غير تصريح باسمه كما هو المعتاد عند علماء مصر في النقد ولكن النهي عن المنكر ليس بجهاد مع الهواء وإن الحق وخاطر الإسلام أكبر من سعد وألف سعد وإني تذكرت هنا سعداً الصحابي رضي الله عنه وقول النبي " فيه (142) : أتعجبون من غيرة سعد ؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني ) (143) اهـ


سعد زغلول المنفذ الفعلي لأفكار قاسم أمين :

في ثورة سنة 1919 استطاع المصريون بقيادة سعد زغلول أن يحققوا الاستقلال عن كل من تركيا وانجلترا وتحقق - وفي الوقت نفسه -بتعضيد من سعد زغلول ومعاونته استقلال المرأة وتحررها العملي وتحققت بذلك نبوءة " قاسم أمين " الذي كان يرى أن آراءه في المرأة لن تأخذ شكلها العملي إلا على يد سعد زغلول ومن ثم فقد أهداه كتاب " المرأة الجديدة " الذي يمثل الثورة الجذرية الفعلية للمرأة المصرية .

والذي لا يعرفه الكثيرون أن " سعد زغلول " كان لا يقل تحمساً لتحرير المرأة عن شيخه الشيخ " محمد عبده " وصديقه " قاسم أمين " إن لم يكن أكثر حماساً وفاعلية منهما فهو الرجل الذي قدر له أن يقرر تاريخ مصر طوال العقد الثالث من هذا القرن .

وكان سعد زغلول من الذين تخرجوا من الأزهر الشريف ودرسوا الحقوق واحترفوا المحاماة واتصل برجال تركيا الفتاة الذين قضوا على الخلافة الإسلامية في تركيا وكانت الأميرة " نازلي فاضل " تؤيد أفكارهم فالتقت فكرياً بسعد زغلول وعهدت إليه بالإشراف على ممتلكاتها وعن طريق منتداها بدأ نجمه يبزغ في ظل نجم الأميرة ونجم الشيخ " محمد عبده " ثم سطع نجمه عندما مثل أول أدواره السياسية بوصفه صهر " مصطفى فهمي " باشا رئيس الوزراء المصري وأحد المقربين إلى اللورد " كرومر " سنة 1907 ثم عندما أسس حزب الأمة الذي بارك اللورد كرومر تكوينه راجياً أن يحد به من نفوذ الحزب الوطني ذي النزعة الإسلامية بقيادة مصطفى كامل - ثم أسند اللورد لسعد زغلول نظارة المعارف مكافأة له على خدماته قبل أن تتغير الاتجاهات السياسية في مصر في نهاية الحرب العالمية الأولى وثورة سنة 1919 ) (144)

وفي هذه الفترة التي قدر لسعد زغلولا أن يقرر فيها تاريخ مصر قطعت مسألة تحرير المرأة شوطاً لم يكن يتحقق لها بدونه ومن ثم فقد بز دوره الشيخ محمد عبده وقاسم أمين معاً وذلك لأن سعد زغلول - كما يقول الشيخ محمد رشيد رضا - في مجلة المنار ( 28 / 711و 712 ) : ( دخل في أطوار التفرنج في معيشته وأفكاره الاجتماعية وغلبت نزعة " المصرية " عنده على فكر " الجامعة الإسلامية " ولم يعد يذهب إلى المساجد " وهو خريج الأزهر الشريف " إلا في مناسبات الاحتفالات الرسمية وبعض صلوات الجمعة في زمن زعامته و أنكر عليه أهل الدين أموراً منها عمله في تجرئة النساء على السفور المتجاوز للحد الشرعي حتى لقد بدا للعيان أنه لو كان الأمر بيد "سعد زغلول " لحول مصر إلى تركيا كمالية ولكن حال دون ذلك نزوع المصريين الفطري إلى التدين والتمسك بعرى الدين وخوف سعد - إذا تمادى في تحدي مشاعر الناس الدينية - من أن يفقد شعبيته واحترام البسطاء له ) (145) اهـ .


" سعد زغلول " : أول وزير مصري في ظل الاحتلال :

لقد بدأ "الزعيم" حياته السياسية صديقاً للإنكليز وختمها كذلك صديقاً للإنكليز (146) وبدأها بمصاهرة أشهر صديق للإنكليز عرفته مصر في تاريخ الاحتلال الإنكليزي من أوله إلى آخره وهو " مصطفى فهمي " باشا أول رئيس وزراء في مصر بعد الاحتلال

وقد اختار اللورد " كرومر " سعداً وزيراً للمعارف فحاول بمجرد تعيينه إحباط مشروع الجامعة المصرية وتصدى للجمعية العمومية حينما طالبت الحكومة في مارس 1907 بجعل التعليم في المدارس الأميرية باللغة العربية وكان وقتئذ بالإنكليزية وكان الاحتلال هو الذي أحل اللغة الإنكليزية محل العربية في التدريس ) (147)

وبعد تعينه وزيراً أراد مجموعة من النساء المصريات في القاهرة أن يجتمعن به لأمر من الأمور فدخل عليهن وبهت إذ فوجئ بأنهن يسدلن الحجاب على وجوههن فرفض الدخول والاجتماع بهن إلا أن يكشفن وجوههن فأبين ذلك ولم يحصل الاجتماع ) وعين سعد زغلول ناظراً للمعارف وقال كرومر في تعليل هذا التعيين : إنه يرجع أساساً إلى الرغبة في ضم رجل قادر ومصري مستنير من تلك الطائفة الخاصة من المجتمع المعنية بالإصلاح في مصر ) ، ( كما أن سعداً من تلاميذ محمد عبده وأتباعه الذين أطلق عليهم " جيرونديي " (153)" الحركة الوطنية المصرية " والذي كان برنامجهم تشجيع التعاون مع الأجانب لإدخال الحضارة الغربية إلى مصر الأمر الذي جعل كرومر يحصر فيهم أمله الوحيد في قيام الوطنية المصرية ) (154) اهـ ومن هنا فلا تعجب إذا رأيت مصطفى كامل يعلق على تصرفات الوزير سعد زغلول قائلاً : ( إن الناس قد فهموا الآن أوضح مما كانوا يفهمون من قبل لماذا اختار اللورد " كرومر " (149) لوزارة المعارف العمومية صهر رئيس الوزراء مصطفى فهمي باشا الأمين على وحيه الخادم لسياسته ........ ألا إن الذين كانوا يحترمون الوزير كقاض ليأسفون على حاضره كل الأسف وليخافون على مستقبله كل الخوف ويفضلون ماضيه كل التفضيل ذلك لأن الوزير قائم الآن على منحدر هائل مخيف) (150) اهـ

ولنختم هذا الفصل بما كتبه سعد زغلول عن اللورد " كرومر " قال : ( كان يجلس معي الساعة والساعتين ويحدثني في مسائل شتى كي أتنور منها في حياتي السياسية ) ، ( وكان يصفه بأن صفاته - أي كرومر- قد اتفق الكل على كمالها ) ويحكي " سعد " في مذكراته وقع خبر استعفاء كرومر من منصبه(11/4/1907)عليه فيقول : ( أما أنا فكنت كمن تقع ضربة شديدة على رأسه أو كمن وخز بآلة حادة فلم يشعر بألمها لشدة هولها ... لقد امتلأت رأسي أوهاماً وقلبي خفقاناً وصدري ضيقاً ) . وكان سعد في مقدمة الداعين إلى إقامة حفل لتوديع اللورد كرومر الذي سب في خطاب وداعه المصريين جميعاً ولم يمدح إلا رجلاً واحداً هو " سعد زغلول " وأعلن أنه يترك مصر مستريحاً لأنه أقام فعلاً القاعدة الأساسية لاستدامة الاحتلال وصدق فقد ألف في ذلك العام "حزب الأمة" (151) وأصبح " لطفي السيد " حامل لواء "الجريدة" (152)