نقاش:تاريخ مالي



== ممالك إفريقية

اعلم أن أرض السودان المغرب تشتمل على ممالك منها مملكة غانة ومنها مملكة مالي ومنها مملكة غاوو ومنها مملكة برنو ومملكة فوت تورو وغير ذلك وكان ملك مالي وهو السلطان منسى موسى بن أبي بكر من أعظم ملوك السودان ولأن مالي كانت لها دولة عظيمة وقوة فائقة في عصره ولما استولى السلطان أبو الحسن على المغرب الأوسط وغلب بني زيان على ملكهم عظم قدره وطال ذكره وشاعت أخباره في الآفاق فسما هذا السلطان وهو منسى موسى إلى مخاطبة السلطان أبي الحسن وكان مجاورا لمملكة المغرب على نحو مائة مرحلة في الفقر فأوفد عليها جماعة من أهل مملكته مع ترجمان من الملثمين المجاورين لبلادهم من صنهاجة فوفدوا على السلطان أبي الحسن في سبيل التهنئة بالظفر فأكرم وفادتهم وأحسن مثواهم ومنقلبهم ونزع إلى مذهبه في الفخر فانتخب طرفا من متاع المغرب وماعونه وشيئا من ذخيرة داره وأسنى الهدية وعين رجالا من أهل دولته كان فيهم كاتب الديوان أبو طالب بن محمد بن أبي مدين ومولاه عنبر الخصي فأوفدهم بها على ملك مالي منسى سليمان لمهلك أخيه موسى قبل مرجع وفده وأوعز إلى أعراب الفلاة من بني معقل بالسير معهم ذاهبين وجاءين فشمر لذلك علي غانم أمير أولاد جرار من معقل وصحبهم في طريقهم امتثالا لأمر لسلطان وتوغل ذلك الركب في القفر إلى بلد مالي بعد الجهد وطول الشقة فأحسن منسى سليمان مبرتهم وأعظم موصلهم وأكرم وفادتهم ومنقلبهم وعادوا إلى مرسلهم في وفد من كبار مالي يعظمون السلطان أبا الحسن ويوجبون حقه ويؤدون طاعته ويذكرون من خضوع مرسلهم وقيامه بحق السلطان أبي الحسن واعتماله في مرضاته ما استوصاهم به.

واعلم أن منسى موسى الذي ذكرناه كان من كبار الملوك كما قلنا وهو الذي صحبه أبو إسحاق الساحلي المعروف بالطويجي من شعراء الأندلس كان قد لقيه في موسم بعرفة فحلى بعينه وحظيت منزلته عنده فصحبه إلى بلاده وأقام عنده مصحوبا بالبر والكرامة وبنى للسلطان المذكور قبة رائعة فازدادت حظوته عنده.

قال ابن خلدون أطرف أبو إسحاق الطويجن السلطان منسى موسى ببناء قبة مربعة الشكل استفرغ فيها إجادته وكان صناع اليدين وأضفى عليها من الكلس ووالى عليها بالأصباغ المشبعة فجاءت من أتقن المباني ووقعت من السلطان منسى موسى موقع الاستغراب لفقدان صنعة البناء بأرضهم ووصله باثني عشر ألفا من مثاقيل التبر مثوبة عليها وكانت وفاة أبي إسحاق بتنبتكوا يوم الاثنين السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة يبع وأربعين وسبعمائة


من ملوك إفريقية وعاداتهم


(عادة الأفارقة وحسن خلقهم) عادتهم أن يستجيروا هنالك بالمسجد وإن لم يتمكن فبدار الخطيب وكان السودان يكرهون منسى سليمان لبخله وكان قبله منسى مغا وقبل منسى مغا منسى موسى وكان كريما فاضلا يحب البيضان ويحسن إليهم,

ما كان هنالك اي فرق بين البيض والسود بل الإنسانية كانت وافرة و متبادلة بين الجنسين!


وهو الذي أعطى لأبي إسحاق الساحلي في يوم واحد أربعة آلاف مثقال وأخبرني بعض الثقات أنه أعطى لمدرك بن فقوص ثلاثة آلاف مثقال في يوم واحد وكان جده سارق جاطه أسلم على يدي مدرك هذا وأخبرني الفقيه مدرك هذا أن رجلا من أهل تلمسان يعرف بابن شيخ اللبن كان قد أحسن إلى السلطان منسى موسى في صغره بسبعة مثاقيل وثلث وهو يومئذ صبي غير معتبر ثم اتفق أن جاء إليه في خصومة وهو سلطان فعرفه وادعاه وأدناه منه حتى جلس معه على البنبي ثم قرره على فعله معه وقال للأمراء ما جزاء من فعل ما فعله من الخير فقالوا له الحسنة بعشر أمثالها فاعطه سبعين مثقالا فأعطاه عند ذلك سبعمائة مثقال وكسوة وعبيدا وخدما وأمره أن لا ينقطع عنه وأخبرني بهذه الحكاية أيضا ولد ابن شيخ اللبن المذكور وهو من الطلبة يعلم القرآن بمالي.



من أفعالهم الحسنة

فمن أفعال السودان الحسنة قلة الظلم فهم أبعد الناس عنه وسلطانهم لا يسامح أحدا في شيء منه ومنها شمول الأمن في بلادهم فلا يخاف المسافر فيها ولا المقيم من سارق ولا غاضب ومنها عدم تعرضهم لمال من يموت ببلادهم من البيضان ولو كان القناطير المقنطرة إنما يتركونه بيد ثقة من البيضان حتى يأخذه مستحقة ومنها مواظبتهم للصلوات والتزامهم لها في الجماعات وضربهم أولادهم عليها وإذا كان يوم الجمعة ولم يبكر الإنسان إلى المسجد لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام ومن عادتهم أن يبعث كل إنسان غلامه بسجادته فيبسطها له بموضع يستحقه بها حتى يذهب إلى المسجد وسجاداتهم من سعف شجر يشبه النخل ولا ثمر له ومنها لباسهم الثياب البيض الحسان يوم الجمعة ولو لم يكن لأحدهم إلى قميص خلق غسله ونظفه وشهد به الجمعة ومنها عنايتهم بحفظ القرآن العظيم وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقهم التقصير في حفظه فلا تفك عنهم حتى يحفظون ولقد دخلت على القاضي يوم العيد وأولاده مقيدون فقلت له ألا تسرحهم فقال لا أفعل حتى يحفظوا القرآن ومررت يوما بشاب منهم حسن الصورة عليه ثياب فاخرة وفي رجله قيد تثقيل فقلت لمن كان معي ما فعل هذا أقتل ففهم عني الشاب وضحك وقيل لي إنما قيد حتى يحفظ القرآن ولقد كنت أرى في رمضان كثيرا من نسائهم على تلك الصورة فإن عادة الفرارية أن يفطروا بدار السلطان ويأتي كل واحد منهم بطعامه تحمله العشرون فما فوقهن من جواريه ولقد رأيت في ليلة سبع وعشرين من رمضان نحو مائة جارية خرجن بالطعام من قصره ومعهن بنتان له ناهدان ومنها ما ذكرته من الاضحوكة في إنشاد الشعراء وكان دخولي إلى مالي في الرابع عشر لجمادى الأولى سنة ثلاثة وخمسين وخروجي عنها في الثاني والعشرين لمحرم سنة أربع وخمسين من مالي إلى ميمة,

هذا من عادة الأفارقة ولم يذل هذا الأمر إلا يومنا هذا,حيث نجد في أكثر الأسر ضربهم لاولادهم على حفظ القران الكريم وتشجيعم على ذلك


ورافقني تاجر يعرف بأبي بكر بن يعقوب وقصدنا طريق ميمة وكان لي جمل أركبه لأن الخيل غالية الأثمان يساوي أحدها مائة مثقال فوصلنا إلى خليج كبير يخرج من النيل لا يجاز إلا في المراكب ووصلنا الخليج ثلث الليل والليل مقمر ولما وصلنا الخليج رأيت على ضفته ست عشرة دابة ضخمة الخلقة فعجبت منها وظننتها فيلة لكثرتها هنالك ثم أني رأيتها دخلت في النهر فقلت لأبي بكر بن يعقوب ما هذه الدواب فقال هي خيل البحر خرجت ترعى في البر وهي أغلظ من الخيل ولها أعراف وأذناب ورؤوسها كرؤوس الخيل وأرجلها كأرجل الفيلة ورأيت هذه الخيل مرة أخرى لما ركبنا النيل من تنبكتو إلى كوكو وهي تعوم في الماء وترفع رؤوسها وتنفخ وخاف منها أهل المركب فقربوا من البر لئلا تغرقهم ولهم حيلة في صيدها حسنة وذلك أن لهم رماحا مثقوبة قد جعل في ثقبها شرائط وثيقة فيضربون الفرس منها فإن صادفت الضربة رجله أو عنقه أنفذته وجذبوه بالحبل حتى يصل إلى الساحل فيقتلونه ويأكلون لحمه ومن عظامها بالساحل كثير وكان نزولنا عند هذا الخليج بقرية كبيرة عليها حاكم من السودان حاج فاضل يسمى فربامغا وهو ممن حج مع السلطان منسى موسى لما حج أخبرني فربامغا أن منسى موسى لما وصل إلى هذا الخليج كان معه قاض من البيضان يكنى بأبي العباس ويعرف بالدكالي فأحسن إليه بأربعة آلاف مثقال لنفقته فلما وصلوا إلى ميمة شكا إلى السلطان بأن الأربعة آلاف مثقال سرقت له من داره فاستحضر السلطان أمير ميمة وتوعده بالقتل إن لم يحضر من سرقها وطلب الأمير السارق فلم يجد أحدا ولا سارق يكون بتلك البلاد فدخل دار القاضي واشتد على خدامه وهددهم فقالت له إحدى جواريه ما ضاع له شيء وإنما دفنها بيده في ذلك الموضع وأشارت له إلى الموضع فأخرجها الأمير وأتى بها السلطان وعرفه الخبر فغضب على القاضي ونفاه إلى بلاد الكفار فأقام عندهم أربع سنين ثم رده إلى بلده قدمت على السلطان منسى سليمان جماعة من هؤلاء السودان الكفار معهم أمير لهم وعادتهم أن يجعلوا في آذانهم أقراطا كبارا وتكون فتحة القرط نصف شبر ويلتحفون في ملاحف الحرير وفي بلادهم يكون معدن الذهب فاكرمهم السلطان واعطاهم في الضيافة خادما وأتوا السلطان شاكرين وأخبرت أن عادتهم متى ما وفدوا عليه أن يفعلوا ذلك ثم رحلنا من هذه القرية التي عند الخليج فوصلنا إلى بلدة قري منسا ومات لي بها الجمل الذي كنت أركبه فأخبرني راعيه بذلك وأصحاب أبي بكر بن يعقوب وتوجه هو لينتظرنا بميمة فأقمت سبعة أيام أضافني فيها بعض الحجاج بهذه البلدة حتى وصل الغلامان بالجمل وفي أيام إقامتي بهذه البلدة رأيت ليلة فيما يرى النائم كأن إنسانا يقول لي يا محمد بن بطوطة لماذا لا تقرأ سورة يس في كل يوم فمن يومئذ ما تركت قراءتها كل يوم في سفر ولا حضر ثم رحلت إلى بلدة ميمة فنزلنا على آبار بخارجها من تنبكتو إلى برادمة ثم سافرنا منها إلى مدينة تنبكتو وبينها وبين النيل أربعة أميال وأكثر سكانها مسوفة أهل اللثام وحاكمها يسمى فربا موسى حضرت عنده يوما وقد قدم أحد مسوفة أميرا على جماعة فجعل عليه ثوبا وعمامة وسروالا كلها مصبوغة وأجلسه على درقة ورفعه كبراء قبيلته على رؤوسهم وبهذه البلدة قبر الشاعر المفلق أبي إسحاق الساحلي الغرناطي المعروف ببلدة بالطويجن وبها قبر سراج الدين بن الكويك أحد كبار التجار من أهل الاسكندرية كان السلطان منسى موسى لما حج نزل بروض لسراج الدين هذا ببركة الحبش خارج مصر وبها ينزل السلطان واحتاج إلى مال فتسلفه من سراج الدين وتسلف منه أمراؤه أيضا وبعث معهم سراج الدين وكيله يقتضي المال فأقام بمالي فتوجه سراج الدين بنفسه لاقتضاء ماله ومعه ابن له فلما وصل تنبكتو أضافة أبو إسحاق الساحلي فكان من القدر موته تلك الليلة فتكلم الناس في ذلك واتهموا أنه سم فقال لهم ولده إني أكلت معه ذلك الطعام بعينه فلو كان فيه سم لقتلنا جميعا لكنه انقضى أجله ووصل الولد إلى مالي واقتضى ماله وانصرف إلى ديار مصر ومن تنبكتو ركبت النيل في مركب صغير منحوت من خشبة واحدة وكنا ننزل كل ليلة بالقرى فنشتري ما نحتاج إليه من الطعام والسمن بالملح وبالعطريات و بحلي الزجاج ثم وصلت إلى بلد انسيت اسمه له أمير فاضل حاج يسمى فربا سليمان مشهور بالشجاعة والشدة لا يتعاطى أحد النزع في قوسه ولم أر في السودان أطول منه ولا أضخم جسما واحتجت بهذه لبلدة إلى شيء من الذرة فجئت إليه وذلك يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وسألني عن مقدمي وكان معه فقيه يكتب له فأخذت لوحا كان بين يديه وكتبت فيه يا فقيه قل لهذا الأمير إنا نحتاج إلى شيء من الذرة للزاد والسلام وناولت الفقيه اللوح يقرأ ما فيه سرا ويكلم الأمير في ذلك بلسانه فقرأه جهرا وفهمه الأمير فأخذ بيدي وأدخلني إلى مشوره وبه سلاح كثير من الدرق والقسي والرماح ووجدت عنده كتاب المدهش لابن الجوزي فجعلت أقرأ فيه ثم أتي بمشروب لهم يسمى الدقنو لأنهم إن شربوا الماء خالصا اضر بهم وإن لم يجدوا الذرة خلطوه بالعسل أو اللبن ثم أتي ببطيخ أخضر فأكلنا منه ودخل غلام خماسي فدعاه وقال لي هذا ضيافتك واحفظه لئلا يفر فأخذته واردت الانصراف فقال اقم حتى يأتي الطعام وجاءت إلينا جارية له دمشقية عربية فكلمتني بالعربي فبينما نحن في ذلك سمعنا صراخا بداره فوجه الجارية لتعرف خبر ذلك فعادت إليه فأعلمته أن بنتا له قد توفيت فقال إني لا أحب البكاء فتعال نمش إلى البحر يعني النيل وله على ساحله ديار فأتى بالفرس فقال لي اركب فقلت لا اركبه وأنت ماش فمشينا جميعا ووصلنا إلى دياره على النيل وأتي الطعام فأكلنا وودعته وانصرفت ولم أر في السودان أكرم منه ولا أفضل والغلام الذي أعطانيه باق عندي إلى الآن ثم سرت إلى مدينة كوكو وهي مدينة كبيرة على النيل من أحسن مدن السودان وأكبرها وأخصبها فيها الأرز الكثير واللبن والدجاج والسمك وبها الفقوص العناني الذي لا نظير له وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع وكذلك أهل مالي وأقمت بها نحو شهر وأضافني بها محمد بن عمر من أهل مكناسة وكان ظريفا مزاحا فاضلا وتوفي بها بعد خروجي عنها وأضافني بها الحاج محمد الوجدي التازي وهو ممن دخل اليمن والفقيه محمد الفيلالي إمام مسجد البيضان ثم سافرت منها برسم تكدا في البر مع قافلة كبيرة للغدامسين دليلهم ومقدمهم الحاج وجين ومعناه الذئب بلسان السودان وكان لي جمل لركوبي وناقة لحمل الزاد فلما رحلنا أول مرحلة وقفت الناقة فأخذ الحاج وجين ما كان عليها وقسمه على أصحابه فتوزعوا حمله وكان في الرفقة مغربي من أهل تادلي فأبى أن يرفع من ذلك شيئا كما فعل غيره وعطش غلامي يوما فطلبت منه الماء فلم يسمح به من برادمة و إلى فاس ثم وصلنا إلى بلاد بردامة وهي قبيلة من البربر ولا تسير القوافل إلا في خفارتهم والمرأة عندهم في ذلك شأنا أعظم من الرجل وهم رحالة لا يقيمون وبيوتهم غريبة الشكل ويقيمون أعوادا من الخشب ويضعون عليها الحصر وفوق ذلك أعوادا مشتبكة وفوقها الجلود أو ثياب القطن ونساؤهم أتم النساء جمالا وابدعهن صوران مع البياض الناصع والسمن ولم أر في البلاد من يبلغ مبلغهن في السمن وطعامهن حليب البقر وجريش الذرة يشربنه مخلوطا بالماء غير مطبوخ عند السماء والصباح ومن أراد التزوج منهن سكن بهن في أقرب البلاد إليهن ولا يتجاوز بهن كوكو ولا إيوالاتن وأصابني المرض في هذه البلاد لاشتداد الحر وغلبة الصفراء واجتهدنا في السير إلى أن وصلنا إلى مدينة تكدا ونزلت بها في جوار شيخ المغاربة سعيد بن علي الجزولي وأضافني قاضيها أبو إبراهيم اسحاق الجاناتي وهو من الأفاضل وأضافني جعفر بن محمد المسوفي وديار تكدا مبنية بالحجارة الحمر وماؤها يجري على معادن النحاس فيتغير لونه وطمعه بذلك ولا زرع بها إلا يسير من القمح يأكله التجار والغرباء ويباع بحساب عشرين مدا من امداداهم بمثقال ذهب ومدهم ثلث المد ببلادنا وتباع الذرة عندهم بحساب تسعين مدا بمثقال ذهب وهي كثيرة العقارب وعقاربها تقتل من كان صبيا لم يبلغ و أما الرجال فقلما تقتلهم ولقد لدغت يوما وأنا بها ولد للشيخ سعيد بن علي عند الصبح فمات لحينه وحضرت جنازته ولا شغل لأهل تكدا غير التجارة يسافرون كل عام إلى مصر ويجلبون كل ما بها من حسان الثياب وسواها ولأهلها رفاهية وسعة حال ويتفاخرون بكثرة العبيد والخدم وكذلك أهل مالي وإيوالاتن ولا يبيعون المعلمات منهن إلانادرا وبالثمن الكثير أردت لما دخلت تكدا شراء خادم معلمة فلم أجدها ثم بعث إلي القاضي أبو إبراهيم بخادم لبعض أصحابه فاشتريتها بخمسة وعشرين مثقالا ثم أن صاحبها ندم ورغب في الإقالة فقلت له إن دللتني على سواها أقلتك فدلني على خادم لعلي اغيول وهو المغربي التادلي الذي أبى أن يرفع شيئا من أسبابي حين وقعت ناقتي وأبى أن يستقي غلامي الماء حين عطش فاشتريتها منه وكانت خيرا من الأولى وأقلت صاحبي الأول ثم ندم هذا المغربي على بيع الخادم ورغب في الإقامة والح في ذلك فأبيت إلا أن أجازيه بسوء فعله فكاد أن يجن أو يهلك أسفا أقلته بعد ومعدن النحاس بخارج تكدا يحفرون عليه في الارض وياتون به الي البلد فيسكبونه في دورهم يفعل ذلك عبيدهم وخدمهم فاذا سكبوه نحاسا احمر صنعوا منه قضبانا في طول شبر ونصف بعضها رقاق وبعضها غلاظ فتباع القلاظ منها بحساب اربعمائه قضيب بمثقال ذهب وتباع الرقاق بحساب ستمائة وسبعمائة بمثقال ذهب وهي صرفهم يشترون برقاقها اللحم والحطب ويشترون بغلاظها العبيد والخدم والذره والسمن والقمح ويحمل النحاس منها إلى مدينة كوبر من بلاد الكفار وإلى زغاري وإلى بلاد برنو وهي على مسيرة اربعين يوما من تكدا وأهلها مسلمون لهم ملك اسمه ادريس لا يظهر للناس ولا يكلمهم إلا من وراء حجاب ومن هذه البلاد يؤتى بالجواري الحسان والفتيان والثياب المسجسدة ويحمل النحاس أيضا منها إلى جوجرة وبلاد المورتبين وسواها وفي أيام إقامتي بها توجه القاضي أبو إبراهيم والخطيب محمد والمدرس أبو حفص والشيخ سعيد بن علي إلى سلطان تكدا وهو بربري يسمى إزار وكان على مسيرة يوم منها ووقعت بينه وبين التكركري وهو من سلاطين البربر أيضا منازعة فذهبوا إلى الإصلاح بينهما فأردت أن ألقاه فاكتريت دليلا وتوجهت إليه وأعلمه المذكورون بقدومي فجاء إلى راكبا فرسا دون سرج وتلك عادتهم وقد جعل عوض السرج طنفسة حمراء بديعة وعليه ملحفة وسراويل وعمامة كلها زرق ومعه أولاد أخته وهم الذين يرثون ملكه فقمنا إليه وصافحناه وسأل عن حالي ومقدمي فأعلم بذلك وأنزلني ببيت من بيوت اليناطبين وهم كالوصفاء عندنا وبعث برأس غنم مشوي في السفود وقعب من حليب البقر وكان في جوارنا بيت أمه وأخته فجاءتا إلينا وسلمتا علينا وكانت أمه تبعث لنا الحليب بعدالعتمة وهو وقت حلتهم ويشربونه ذلك الوقت بالغدو وأما الطعام فلا يأكلونه ولا يعرفونه وأقمت عندهم ستة أيام وفي كل يوم يبعث بكبشين مشويين عند الصباح والمساء وأحسن إلي بناقة وعشرة مثاقيل من الذهب وانصرفت عنه وعدت إلى تكدا ولما عدت إلى تكدا وصل غلام الحاج محمد بن سعيد السجلماسي بأمر مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين المتوكل على رب العالمين آمرا لي الوصول إلى حضرته العلية فقبلته وامتثلته على الفور واشتريت جملين لركوبي بسبعة وثلاثين مثقالا وثلث وقصدت السفر إلى توات ورفعت زاد سبعين ليلة إذ لا يوجد الطعام فيما بين تكدا وتوات إنما يوجد اللحم واللبن والسمن يشترى بالأثواب وخرجت من تكدا يوم الخميس الحادي عشر لشعبان سنة أربع وخمسين في رفقة كبيرة فيهم جعفر التواتي وهو من الفضلاء ومعنا الفقيه محمد بن عبدالله قاضي تكدا وفي الرفقة نحو ستمائة خادم فوصلنا إلى كاهر من بلاد السلطان الكركري وهي كثيرة الأعشاب يشتري بها الناس من برابرها الغنم ويقددون لحمها ويحمله أهل توات إلى بلادهم ودخلنا منها إلى برية لا عمارة بها ولا ماء وهي مسيرة ثلاثة أيام ثم سرنا بعد ذلك خمسة عشر يوما برية لا عمارة بها إلا أن بها الماء ووصلنا إلى الموضع الذي يفترق به طريق غات الآخذ إلى ديار مصر وطريق توات وهنالك احساء ماء يجري على الحديد فإذا غسل به الثوب الأبيض اسود لونه وسرنا من هنالك عشرة أيام ووصلنا إلى بلاد هكار وهم طائفة من البربر ملثمون لا خير عندهم ولقينا أحد كبرائهم فحبس القافلة حتى غرموا له أثوابا وسواها وكان وصولنا إلى بلادهم في شهر رمضان وهم لا يغيرون فيه ولا يعترضون القوافل وإذا وجد سراقها المتاع بالطريق في رمضان لم يعرضوا له وكذلك جميع من بهذه الطريق من البرابر وسرنا في بلاد هكار شهرا وهي قليلة النبات كثيرة الحجارة طريقها وعر ووصلنا يوم عيد الفطر إلى بلاد برابر أهل لثام كهؤلاء فأخبرونا بأخبار بلادنا واعلمونا أن أولاد خراج وابن يغمور خالفوا وسكنوا تسابيت من توات فخاف أهل القافلة من ذلك ثم وصلنا إلى بودا وهي من أكبر قرى توات وأرضها رمال وسباخ وتمرها كثير ليس بطيب لكن أهلها يفضلونه على تمر سجلماسة ولا زرع بها ولا سمن ولا زيت وإنما يجلب لها ذلك من بلاد المغرب وأكل أهلها.

من بوكم' ==