نظرية التضامر

نظرية التضامر هي رؤية فلسفية معاصرة تذهب الى القول بامكانية الوصول الى الاجوبة النهائية في قضايا ومباحث الدين والفلسفة والعلم. وهي نظرة تسعى لتأسيس نمط تفكيري جديد؛ نمط لا يحجبه تمظهر الثنائيات ولا المتنازعات ولا المتخالفات ولا المتناقضات ولا بشكل عام جميع المتكثرات والمتنوعات والمختلفات.. عن رؤية التشارك فيما بينها، ذلك التشارك الذي ينتهي في قمة نقطة التوحد الكلية.
فالتضامر نظرة لا تنطلق من الكثرة لترى الوحدة فحسب، بل هي تشرف من الوحدة على الكثرة، لترى التتام والتكامل في كل شيء، دون أن يحجبها ذلك عن واقع التميز التام فيما بينها. كما أنه نظرة لا تنحجب برؤية المسلمات والمألوفات عمّا سواها، فلا تلغيها او تتنكر لها، ولا تقدسها بالتوقف عندها وكفى.. انها تشق طريقها من خلالها الى ما وراءها، لأنها ترى ان كل شيء معبر لما وراءه من احتمالات لا متناهية. فالتضامر نظرة لا ترى الحقيقة بوجه وحيد بل تراها في جميع الوجوه، وفي الوقت نفسه ترى الوجوه جميعا فيها.


كتاب الأجوبة النهائية (الحقيقة واحتمالاتها المضمرة)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لمحة موجزة

اذا كانت الفلسفة كما يعرفها الفيلسوف االفرنسي "جيل دولوز" هي: "ابداع المفاهيم"[1]، فإن الدكتور نضال البغدادي هو من ابدع مفهوم هذه النظرية، وذلك في سياق اطروحته في الفلسفة والتي تناول خلالها طبيعة العلاقة بين العلوم اللامتماثلة (الدين والفلسفة والعلم)، حيث انتهى الى القول بوجود علاقة مضمرة بين تلك العلوم، ومنه عممّ فقال: بوجود علاقة مضمرة في كل شيء، وتلك العلاقة تنبئ عن التتام والتكامل في كل شيء اكثر مما تنبئ المُظهرات فيه عن التخالف والاختلاف.

نظرية التضامر: هي محاولة لاستشفاف الاحتمالات الممكنة الخفية (المضمرة) في المسلمات بوصفها أوليات تفسر نفسها بنفسها، وفي المألوفات بوصفها مركبات يفسر بعضها بعضا.

تسعى هذه النظرية ومن خلال مفاهيمها والقوانين التي تتضمنها، للمساعدة في استنباط المضمر في كل ما هو مظهر وذلك لدراستها واكتشاف ما تتضمنه من معلومات كائنة أو يمكن ان تتكون مستقبلا.



أهداف النظرية

  • اثبات ان الدين والفلسفة والعلم اوجه متتامة لحقيقة واحدة.
  • اثبات ان الخلاف والاختلاف ضرورات - وجودية ومعرفية وقيمية - تضمر بذاتها عدد غير محدد من الاحتمالات الممكنة التي لا تماثلها.
  • الارتقاء بالتفكير من الثبات على مستوى البحث عن حلول للمشاكل او الاشكاليات، الى مستوى البحث عن حلول للحلول نفسها.
  • الارتقاء من مستوى فهم المسلمات على انها ثابتة او جدلية الى مستوى فهمها على انها متضامرة.
  • اثبات ان ثنائية (صح - خطأ) تضمر وجود ثنائية ( صح - واصح)، وان الاخذ باحدهما دون اعتبار الاخرى يخلق التطرف والتطرف والمضاد.
  • اثبات ان التكامل ليس بالتقريب او التوافق او التوحد او التجمع او التعولم او التضامن او التعاون .. بل باكتشاف التضامر في ذلك كله.. وكل شيء.
  • اثبات امكانية الوصول الى الاجوبة النهائية في كل من الدين والعلم والفلسفة وكل شيء.


د.نضال البغدادي

افتراضات النظرية

تقوم نظرية التضامر على الافتراضات الآتية:

  • أولا: كل شيء عبارة عن مُظهر ومضمر بالضرورة.

"لا يشترط ان تكون هناك علاقة جدلية بين المظهر والمضمر".

  • ثانيا: المضمر هو الاحتمالات الممكنة التي لا تماثل المظهر.

" اذا كان المضمر لا يماثل المظهر فهذا لا يعني بالضرورة ان يكون حالة النفي للمُظهر اذ اللاتماثل اشمل من النفي، فقد يكون تباين او تناظر أو تشابه.. الخ".

  • ثالثا: الأسبقية للمظهر دائما.

" المُظهر هو الأساس في صياغة علاقة التضامر سواء أكان ذلك المظهر شيئا موجودا او فكرة نظرية او اعتقاد ديني او غير ذلك".

  • رابعا: كل احتمال مضمر يضمر بدوره احتمالات لا تماثله.
  • خامسا: المضمر هو ضِعف المظهر ، لكونه أكثر من احتمال ممكن دائما.

" أنّ شقّي علاقة التّضامر وهما: المُظهر والمضمر، غير متساويين كيفاً وكما".

  • سادسا: المضمر اما محتوى في المظهر او متعلق به أو متعالق معه.

"اذا كان المضمر محتوى في المظهر فالتضامر ذاتي. واذا كان المضمر متعلق بالمظهر او متعالق معه فالتضامر موضوعي"

  • سابعا: علاقة التضامر غير متناظرة ولهذا فهي لا تنعكس.


مبدأ التضامر:

تأسيسا على ما تضمنه التضامر بوصفه مفهوما مطلقا وكليا يستوعب المفارق وغير المفارق، المثالي والتجريبي، الحسي والحدسي، الجدلي والسكوني، الميتافيزيقي والوضعي، العلائقي والتعالقي... وجميع الاحتمالات الممكنة. فأن الصيغة الجامعة المانعة له تنص على أن :[2]

" كل شيء يضمر لا مثيله بدلالة محددة "

وهذا المبدأ يتم التعبير عنه بالرموز في الشكل:

أ ı| لا أ ← د = أ ı| (ح +1) ← د

حيث أنّ  : " أ " ، "A": متغير يرمز للشطر المُظهر من العلاقة.
" ı|" ، "|ı" : رمز التضامر، حيثُ يدلّ الخطّ القصير على المَظهر الذي يضمر لا مثيله، ولا مثيله أكبر منه ولهذا يرمز له بالخط الطويل.
" ح " ، " P": متغير يرمز الى الاحتمال الممكن المظُهر المذكور في العلاقة.
"+1": ثابت التضامر، وهو يرمز الى وجود احتمال اضافي مضمر دائما .
" ←" : رمز الدلالة .
" د " ، " S": متغير يرمز الدلالة المحددة.
ومن نص النظرية، يتبيّن أنّها تشمل الأبعاد الفيزيائية والميتافيزيقيا والدينية.


مفاهيم النظرية:

تقوم هذه النظرية على ثلاثة مفاهيم رئيسية وهي:

  • مفهوم اللاتماثل.
  • مفهوم الدلالة المحددة.
  • مفهوم الاضمار.

وإن دراسة هذه المفاهيم دراسة معمقة وفق ما نذهب اليه فيها، من شأنه أن يُسهل والى حد بعيد فهم النظرية، وايضا هو يُمهد للتعامل مع قوانين التضامر المشتقة من مبدئها الاساسي.

مقالة عن نظرية التضامر- جريدة بابليون


قوانين النظرية:

اشتق البغدادي من مبدأ التضامر ثلاث قوانين رئيسية وهي:

  • قانون تضامر الوجود :وهو [ إذا وجد شيء في احد مرتبتين لا متماثلتين بدلالة محددة، فإنه يضمر وجود نظيره في المرتبة الأخرى ].
  • قانون تضامر المعرفة : وهو [ إذا وجد شيئين لا متماثلين بينهما دلالة محددة فإن معلوم احدهما يكشف تضامريا مجهول الآخر ].
  • قانون تضامر الأجوبة : وهو [ اذا وجد سؤال فيوجد له عدد مفتوح من الأجوبة النهائية المتضامرة ].

يرى البغدادي ان أهمية معرفة هذه القوانين وفق مفاهيم التضامر يترتب عليها احداث تغييرات جذرية في وجهة النظر نحو الحياة بشكل عام، ونحو بعضنا البعض بشكل خاص، لا تقل عن اهمية اكتشاف القوانين الطبيعة والتي غيرت مجرى الحياة الإنسانية برمتها.
كما ويرى ان اصل هذه القوانين يرجع الى سبب الاختلاف في وجهات النظر، اذ هذه الاختلاف يتجاوز قضية الحرية الذاتية للافراد. ان الحرية في التفكير والاختيار ليست شخصية بحته -كما يرى- او بمعزل عن تأثير ثلاثة أبعاد خارجية وهي: البعد المفارق ممثلا بالدين، والبعد العقلاني ممثلا بالفلسفة، والبعد الحسي ممثلا بالعلم.
وواقع ما يحصل ان هناك تفاعلا تشاركيا بين هذه الابعاد الثلاثة من جهة وبين ذات الفرد الانساني من جهة أخرى. ما يؤدي الى ظهور الاختلاف في وجهات النظر في كل شيء وحول اي شيء، حتى ان الفرد الواحد يختلف مع نفسه هو بين فترة أخرى.
ان قراءة هذه التشاركية التفاعلية بمنظار التضامر، يكشف عن ضرورة وجود قوانين معينة تتحرك خلالها مجريات الاحداث والافكار، ومعرفة تلك القوانين، يُمَكِن من: 1.التفسير 2. الاختبار والتجربة 3. السيطرة والاستفادة.

مراجع

  1. ^ جيل دولوز و فليكس غتّاري، ما هي الفلسفة، ترجمة وتقديم: مطاع صفدي، مركز النماء القومي، بيروت، ط1، 1997، ص5.
  2. ^ د. نضال البغدادي، الاجوبة النهائية - الحقيقة واحتمالاتها المضمرة، دار ازمنة، مطابع الدار العربية للعلوم، بيروت، 2013، ص300.

المصادر

الكلمات الدالة: