نائلة بنت الفرافصة

نائلة بنت الفُرافصة بن الأحوص بن عمرو الكلبية، زوج أمير المؤمنين عثمان بن عفان. كانت خطيبة وشاعرة من أصحاب الرأي والشجاعة، ويقال لم يكن في النساء أحسن منها مضحكاً. أسلمت بعد أن أسلم أخوها ضبّ، وبقي أبوها على النصرانية. أختها هند زوج سعيد بن العاص الذي بعث إلى أبيها الفرافصة أن أمير المؤمنين عثمان يخطب ابنتك نائلة فزوجها إياه، فقال الفرافصة لابنه ضبّ: «زوجها أمير المؤمنين فإنك على دينه»، فزوجها أخوها، ومهرها عثمانt عشرة آلاف درهم، فقال الأب لابنته لمّا زفّها إلى أمير المؤمنين: «إنك تقدمين على نساء من قريش هنّ أقدر على العطر منك، فلا تُغلبي على الكحل والماء». ولمّا حُملت نائلة من بادية السماوة إلى المدينة إلى أمير المؤمنين حزنت لفراق أهلها فقالت:

أبى الله إلا أن تكوني غريبةً      بيثرب لا تلقين أمّاً ولا أبا
ألستَ ترى يا ضبّ بالله أنني مصاحبةٌ نحو المدينة أركُبا
أريدُ أميرَ المؤمنين أخا التقى وخير قريشٍ منصباً ثمّ مركبا


أقامت نائلة في المدينة مع عثمان وأنجبت له مريم الصغرى تزوجها عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وقيل ولدت لعثمان أولاداً عدة هم: عنبسة، أروى، أم خالد، أم أبان الصغرى، أم البنين وتزوجها عبد الله ابن يزيد بن أبي سفيان.

شهدت نائلة مقتل عثمانt ودافعت عنه، وكانت تأتي له بالماء العذب في أثناء حصاره، ولمّا دخل قتلة عثمان عليه أكبت نائلة على عثمان تحميه بنفسها واتّقت سيف أحدهم بيدها فقطع أصابعها، فلم يثنِ هذا القتلة عن هدفهم فما زالوا حتى استشهد عثمانt، فشاركت نائلة في دفن زوجها فخرجت ومعها السراج، وقالت ترثيه:

ألا إنّ خيرَ الناسِ بعد ثلاثـةٍ      قتيلُ التجيبي الذي جاءَ من مصر
وما لي لا أبكي وتبكي قرابتي وقد غُيّبت عنّا فضولُ أبي عمرو
إذا جئتَه يوماً تـرجي نوالَـه بدتْ لك سيماهُ بأبيـضَ كالبـدرِ


وقد نسب بعضهم هذه الأبيات إلى الوليد بن عقبة بن أبي معيط، أخي عثمان بن عفان لأمه.ثمّ قامت نائلة في مسجد رسول اللهr فاستقبلت القبلة بوجهها، ووجهت إحدى نسوتها تستنهض الناس حتى إذا اجتمعوا قامت فحمدت الله وأثنت وصلت على رسول الله، ثمّ قالت: «عثمان ذو النورين قُتل مظلوماً بينكم بعد الاعتذار، وإنْ أعطاكم العتبى معاشر المؤمنة وأهل الملة. لا تستنكروا مقامي ولا تستكثروا كلامي فإني حرّى عبرى، رزئت جليلاً وتذوقت ثكلاً من عثمان بن عفان؛ ثالث الأركان من أصحاب رسول اللهr…، فأقام يمدكم بالرأي ويمنعكم بالأدنى، يصفح عن مسيئكم في إساءته، ويقبل من محسنكم بإحسانه، ويكافيكم بماله، ضعيف الانتصار منكم… فاستلنتم عريكته حين منحكم محبته… فحين فقدتم سطوته وأمنتم بطشه ورأيتم أن الطرق قد انشعبت لكم والسبل قد اتصلت بكم ظننتم أن الله يصلح عمل المفسدين، فعدوتم عدوة الأعداء، وشددتم شدة السفهاء على النقي التقي الخفيف بكتاب الله عزّ وجلّ لساناً، الثقيل عند الله ميزاناً، فسفكتم دمه وانتهكتم حرمه واستحللتم منه الحرم الأربع: حرمة الإسلام وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام…» ثمّ انصرفت باكية مسترجعة، وتفرق الناس مع انصرافها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خطابها إلى معاوية

كما أرسلت نائلة إلى معاوية في الشام كتاباً تصف فيه ما جرى، وبعثت معه قميص عثمان وعليه الدم، وقيل بعثته مع النعمان بن بشير أو عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، فلما وصل الكتاب قرأ معاوية ما فيه، وطيّف بالقميص في أجناد الشام. ومما جاء في الكتاب:

«من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد:

فإني أذكركم بالله الذي أنعم عليكم وعلّمكم الإسلام وهداكم من الضلالة وأنقذكم من الكفر ونصركم على العدو وأسبغ النعمة، وأنشدكم بالله، وأذكركم حقه وحقّ خليفته الذي لم تنصروه، وبعزمة الله عليكم، فإنه عزّ وجلّ يقول: ]وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[ (الحجرات 9)، وإنّ أمير المؤمنين بُغِي عليه، ولو لم يكن له عليكم إلا حق الولاية، ثمّ أُتِي بما أُتي، لحق على كل مسلم يرجو أيام الله أن ينصره، لقدمه في الإسلام، وحسن بلائه،وأنه أجاب داعي الله، وصدّق كتابه، والله أعلم.

وإني أقصّ عليكم خبره، لأني كنت مشاهدة أمره كله، حتى أُفضي إليه:…، وقد أرسلت إليكم بثوبه وعليه الدم، وإنه والله لئن كان أثِم مَن قتَلَه، لما يَسْلم من خَذَلَه. فانظروا أين أنتم من الله عزّ وجلّ، فإنّا نشكي ما مسنا إليه، ونستنصر وليه وصالح عباده، ورحمة الله على عثمان، ولعن الله من قتله، وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة، وشفى منهم الصدور».

يقال خطبها بعد مقتل عثمان قوم من قريش فلم تجبهم، وخرجت إلى الشام فخطبها معاوية فدعت بمرآة وأخذت فهراً فدقت ثنيتيها وأرسلتهما له وقالت: « ذات عروسٍ ترى»، ولم تجبه أيضاً.

روت نائلة عن السيدة عائشة رضي الله عنها، وروى عنها النعمان بن بشير وأم هلال بنت وكيع.


المصادر

  • مها المبارك. "نائلة بنت الفرافصة". الموسوعة العربية.

انظر أيضاً

للاستزادة

  • أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، شرحه وكتب هوامشه: عبد أعلى مهنا(دار الكتب العلمية، بيروت 1992م).
  • ابن عساكر، تاريخ دمشق، قسم تراجم النساء، تحقيق: سكينة الشهابي (مطبوعات المجمع العلمي العربي، دمشق).