جامع الخطيري

جامع الخطيريّ ببولاق هذا الجامع موضعه الآن بناحية بولاق خارج القاهرة كان موضعه قديمًا مغمورًا بماء النيل إلى نحو سنة سبعمائة فلما انحسر ماء النيل عن ساحل المقس صار ما قدّام المقس رمالًا لا يعلوها ماء النيل إلاّ أيام الزيادة ثم صارت بحيث لا يعلوها الماء البتة فزرع موضع هذا الجامع بعد سنة سبعمائة وصار منتزهًا يجتمع عنده الناس ثم بنى هناك شرف الدين بن زنبور ساقية وعمر بجوارها رجل يُعرف بالحاج محمد بن عز الفرّاش دارًا تشرف على النيل وتردّد إليها فلما مات أخذها شخص يُقال له تاج الدين بن الأزرق ناظر الجهات وسكنها فعُرفت بدار الفاسقين لكثرة ما يجري فيها من أنواع المحرّمات فاتفق أن النشو ناظر الخاص قبض على ابن الأزرق وصادره فباع هذه الدار في جملة ما باعه من موجوده فاشتراها منه الأمير عز الدين أيدمر الخطيري وهدمها وبنى مكانها هذا الجامع وسماه جامع التوبة وبالغ في عمارته وتأنق في رخامه فجاء من أجلّ جوامع مصر وأحسنها وعمل له منبرًا من رخام في غاية الحسن وركب فيه عدّة شبابيك من حديد تشرف على النيل الأعظم وجعل فيه خزانة كتب جليلة نفيسة ورتب فيه درسًا للفقهاء الشافعية ووقف عليه عدّة أوقاف منها‏:‏ دار العظيمة التي هي في الدرب الأصفر تجاه خانقاه بيبرس وكان جملة ما أنفق في هذا الجامع أربعمائة ألف درهم نقرة وكملت عمارته في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وأقيمت به الجمعة في يوم الجمعة عشري جمادى الآخرة فلما خلص ابن الأزرق من المصادرة حضر إلى الأمير الخطيريّ وادّعى أنه باع داره وهو مكره فدفع إليه ثمنها مرّة ثانية ثم إن البحر قوي على هذا الجامع وهدمه فأعاد بناءه بجملة كثيرة من المال ورمى قدام زريبته ألف مركب مملوءة بالحجارة ثم انهدم بعد موته وأعيدت زريبته‏.‏

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ايدمر الخطيري

الأمير عز الدين مملوك شرف الدين أوحد بن الخطيريّ الأمير مسعود بن خطير انتقل إلى الملك الناصر محمد بن قلاون فرقاه حتى صار أحد أمراء الألوف بعدما حبسه بعد مجيئه من الكرك إلى مصر مدّة ثم أطلقه وعظم مقداره إلى أن بقي يجلس رأس الميسرة ومعه أمرة مائة وعشرين فارسًا وكان لا يمكنه السلطان من المبيت في داره بالقاهرة فينزل إليها بكرة ويطلع إلى القلعة بعد العصر كذا أبدًا فكانوا يرون ذلك تعظيمًا له وكان منوّر الشيبة كريمًا يحب التزوّج الكثير والفخر بحيث أنه لما زوّج السلطان ابنته بالأمير قوصون ضرب دينارين وزنهما أربعمائة مثقال ذهبًا وعشرة آلاف درهم فضةً برسم نقوط امرأته في العرس إذا طلعت إلى زفاف ابنة السلطان على قوصون وقيل له مرّة هذا السكَّر الذي يعمل في الطعام ما يضرّ إن يعمل غير مكرّر فقال لا يُعمل إلاّ مكرّرًا فإنه يبقى في نفسي أنه غير مكرّر وكان لا يلبس قباء مطرّزًا ولا مصقولًا ولايدع أحدًا عنده يلبس ذلك وكان يخرج الزكاة وانشأ بجانب هذا الجامع ربعًا كبيرًا تنافس الناس في سكناه ولم يزل على حاله حتى مات يوم الثلاثاء مستهلّ شهر رجب سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ودفن بتربته خارج باب النصر.


بعد وفاة بانيه

ولم يزل هذا الجامع مجمعًا يقصده سائر الناس للتنزه فيه على النيل ويرغب كل أحد في السكنى بجواره وبلغت الأماكن التي بجواره من الأسواق والدور الغاية في العمارة حتى صار ذلك الخط أعمر أخطاط مصر وأحسنها فلما كانت سنة ست وثمانمائة انحسر ماء النيل عما تجاه جامع الخطيريّ وصار رملة لا يعلوها الماء إلاّ في أيام الزيادة وتكاثر الرمل تحت شبابيك الجامع وقربت من الأرض بعدما كان الماء تحته لا يكاد يدرك قراره وهو الاَن عامر إلاّ أن الاجتماعات التي كانت فيه قبل انحسار النيل عما قبالته قلت واتضع حال ما يجاوره من السوق والدور وللّه عاقبة الأمور‏.‏

الكلمات الدالة: