جار الله الحميد

قاص وأديب سعودي بارز، نشأ في منطقة حائل شمال السعودية، ويعتبر من ابرز أدباء نهاية السبعينيات والثمانينيات الميلادية. أصدر عدة مجموعات قصصية من أهمها "أحزان عشبة برية". رأس الشؤون الثقافية في جمعية الثقافة والفنون بحائل، إلا أنه من المثقفين الناقمين على المؤسسات الثقافية الحكومية، فلجأ للعزلة من أكثر من عقد ونصف من الزمان، عدا مشاركته في بعض المنتديات الثقافية على الإنترنت ومشاركاته الصحفية. يعتبر الحميد من أقدر الأسماء السعودية وأعظمها في مجال القصة القصيرة وهو أحد عرابيها في السعودية بشكلها الحديث.

اقرأ نصاً ذا علاقة في

جارالله الحميد


__________________________________________________________________________________________ جار الله الحميد

ليثق القارئ الكريم في أنني - ككاتب - أملك الحق ولكنني لا أملك الاختيار، ولو عمل القارئ (كاتباً) - لا سمح الله - لرأى بنصف عين أن الصحف التي اعتبرها أمير الشعراء (آية هذا الزمان ) ما هي إلا ورق يلمع. وأحرف تسطع. وأصابع تُلسَع! ، ولا تصدقّن أيها السيد القارئ رسائل القراء التي تشيد بصحفها وتمنحها ألقاباً أولمبية، لتأثر كتابها بالثورة الرياضية التي أدخلت الكرة بيوتاً لم يتخيل أحد أنه سيدخلها غير الغبار والغنم السائبة. إنني ليس بالضرورة صاحب هذه الحكمة التي (تُشترَى بالذهب)! ولكن خطاي شاهدة عليّ يوم الدين! أفأقفز على الحقائق؟ عيب! ثم إن الرقيب الذي في الصحيفة ينطوي على هدف نبيل وعادل، ولكنهما (نعتان) لكلمة هدف المجرورة باللام والصفة تتبع الموصوف! ولكنني لا أخلو من (حنق) صغير! إنه الحنق الذي يهد صدر الكاتب حين يشعر أن بعض الكلام لا داعي لقوله، لأن الكاتب مواطن يحفظ عن ظهر قلب قائمة المسموح والممنوع، والذي ليس مسموحاً ولا ممنوعاً والممكن بنسبة50 في المئة والممكن 20 في المئة والذي (يمشي! لن يأخذوا بالهم منه) والذي يمزق بصمت الحملان حتى لا يسأل غريب ما ( ماذا تمزق من أوراق يا ولدي؟) ومنذ السين الأول يصاب بعض المخلوقات بالشيخوخة! فهل أكتب لكم عن الورد، الورد الأحمر الذي يزين مدخل قصري؟ أم عن الحب الذي يرفرف كالحمام على رؤوس بني ثقافة فلا يحسدون ولا يظلمون ولا يغارون ولا يتآمرون ولا...! لا أمزح. ولا أعرّض بأحد، فقط إنني رجل لا حدود لأطماعه التوسعية، فقد قمت مراراً (باجتياح) صفحات ثقافية مستخدماً أسلحة محرمة كالسيسيولوجيا والتحليل النفسي والهرمنيوطيقيا، ظناً مني بأنني جئت بما لم يجئ به (حالأوائل)! واكتشفت أن بضاعتي من الهامش لا من (المتن) وان أهم فضية للكاتب تكريس المتن! ومحو الهوامش ففي التفاصيل (تكمن الشياطين) - عمرو موسى تعليقاً على أزمات لبنان - قلت لنفسي «يا دار! لم يدخلك شر». هناك في الحراك الثقافي من يغريك بمتابعته، ومن هؤلاء الزميلة هدى الدغفق التي بدأنا بها، ما أحاول أن يكون سلسلة عن إبداع الأنثى السعودية، الذي نمارس معه واحداً من اثنين: فإما نمنح كاتبته زاوية مؤطرة لكي نذكره بالحبس! وإما نمسح التوقيع ونذيله بأختامنا السلطانية، وهي جريمة معلومات لم ينزل فيها نص واضح!

قولوا: ياربّ!

  • هذه المقالة كتبها الحميد قبل يومين من تعرضه لحادثة سير.

الحياة - 11/11/08// القصة السعودية جارالله الحميد لـ «المجلة»:أحرفي حالت بيني وبين رغـيفي بعد أن أحرقت أناملي طلال الطريفي 27/12/2007

  • لكل مرحلة أدبية أبطالها، ولكل فنٍ عرَّابه، وحين ترد القصة القصيرة في السعودية؛ يتبادر إلى الأذهان اسمٌ لا يمكن له أن يغيب؛ جارالله الحميد، الذي عزف على أحزان عشبته البرية، وصاغ لها ملحمة؛ حُق للعشبة أن تماري بها، ونقل آهاته بصوتها.. كما تراقص بقلمه بين وجوه أولها مريم، وأسس لقصة ستبقى في أذهان الكثيرين، ولم ينس رائحة المدن، إذ رسخ صورة إبداعية من صوره. أيضاً ظلال رجال هاربين. جارالله يعد حالة خاصة في عالم الأدب، بفكره وإبداعه، بعنفوانه وصخبه، برفضه وقبوله.. فقلمه يحمل سحراً خاصاً، وشخصية تؤكد أنه بطل مشهده، ومحارب من طراز مختلف.وفي حوار مع الحميد أبى إلا أن يُعمل رغبته فيه، إذ تجاهل أسئلة عدة، وأجاب عن ما وافق هواه، ومن يعرفه عن قرب؛ يعلم أنه صعب المراس، حيث يود أن تكون صورته التي يطل بها حسب رغبته، مشاكساً في ذلك الصحافي، الذي يود أن يستأسد في أسئلته ليخرج بمادة صحافية ملتهبة.وعلى الرغم من أن جارالله أبى إلا أن يجيب عما يريد؛ إلا أن نكهته المشاكسة ظلت ملازمة لحواره، إذ صب جام غضبه على بعض رؤساء التحرير في الصحف، والجميل أنه لم يرهقنا في ذكر أسمائهم، حتى لا يجعلنا في حرج من إيرادها إن حذفناه. وبتواضع رفض أن يسلم رايته لأحد، على اعتبار أنه ليس الوحيد في مجاله، وأصر على أن هنالك من يشاركونه إبداعه.وبتهكم قذف جارالله مؤلفة (بنات الرياض) بتصريح يؤكد أنها لم تكتب روايتها، ودلل على ذلك أنها لن تكتبها إلا إن كانت تملك نفس المرأة العجوز، ملمحاً بأن العذوبة لا يمكن أن تصل إلى نَفَس كالذي في روايتها.. وعلى غير ما توقعناه؛ استنكر أن يقدم نصاً حائلياً، باعتبار حائل مصدر إلهامه الذي يجزم به من يلحظ إبداعه، وذكر أنها جزء من الوطن، فهي كغيرها من المدن، ويبدو أنه نسي أن الحديث عن الجزء يعطي صورة عن الكل، فالذي يكتب عن الرياض وجدة، كمن يكتب عن غيرها، ولكن يبدو أن حائل ليست موعودة منه بإنتاج أدبي.

وأصر ضيفنا، بكل كبرياء؛ على أنه بطل مشهده الحالي.. فإلى تفاصيل الحوار الذي أجراه طلال الطريفي :

  • لكل فنٍ أدبي عرابه، وإن كان للقصة القصيرة عرَّابٌ في السعودية؛ فجارالله الحميد عرابها. هذا على رأي الكثيرين، ولكن لماذا هذا الجفاء بينك وبين بعض المؤسسات الثقافية، على اعتبار مكانتك الأدبية؟

- دعني الآن أشهد (من هذه الزاوية المريرة بالنسبة لي ولأي كاتب مغيب!)؛ أن حرية التعبير في بلادنا مرتفعة السقوف إلى حد جيد. ولكن المشكلة أن هنالك من لا يزالون يعيشون غيبوبة الإمبراطورية المطلقة. أيام كان رئيس التحرير يقرأ المطبوعة حرفاً حرفاً ليجد ما يشطبه فيرتاح ضميره. ألم يقم بواجبه؟! أنا لست في حال جفاء فقط مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تدير قطاع الثقافة في البلد. بل إني في حالة صمود وتصدي لما يريدونه في المؤسسات تلك. إنني أكتب وأجد بدائل، ولكنهم حفظوا كم اسماً وصاروا يضعون العصا الحمراء في وجهها. ثق أنني ماض ٍ في مهمتي دون النظر لهؤلاء. لتسأل نفسك فقط هل كان كبار الكتاب في العالم كله هم نتاج تدليل مؤسسات الثقافة الرسمية؟! عندما تقول: لا! أقول: نعم!. أتعلم ما هي مشكلتي؟ هي أنني وفيّ لمجتمعي ووطني بشدة، ولكن المجتمع فيه (حاجة غلط).

راية القصة

  • إلى من سيسلم جارالله الحميد راية القصة القصيرة من بعده ليناضل ويكمل مسيرة الإبداع؟

- السؤال متشعب وطويل، ومن الصعب الإجابة عن كل زاوية فيه على حدة. فأنت تسألني مثلاً: لمن أسلم الراية بعدي؟ وأنا أطمئنك أنني لست وحدي الذي يحملها، إن معي كوكبة من الزملاء والزميلات إن كان قد جرى تناسيهم، فالتاريخ لا يؤمن بمسألة التغافل. لذلك سأسلمها لعبده خال، ليسلمها بدوره عبد الله حكم، ليسلمها بدوره .. إلخ. ونقعد كلنا. ثلاثون أو أربعون قاصاً من خيرة الكتاب العرب، ينبتون من ملح أرضنا فنتعامل معهم بصلف وكبرياء، فنحن أكبر منهم، غداً نموت كلنا بلا استثناء. هل تظن أن تاريخنا كأناس سيمحى؟ كلا، نعم هنالك كتاب يبعثون على الغثيان، سيئون لدرجة أنك تتأكد أن ما يدعى بـ (المثقف) هو أكثر الناس قابلية لخداع الآخرين، ولو لعب دور الجاسوس، هناك في (جسد الثقافة) طواويس صدقت مراياها وراحت تنقنق هنا وهناك، بكل حقد لا يمكن أن ينطوي عليه إنسان سوي! ولكن هؤلاء يتبخرون مع حرارة الحوار الثقافي والإبداعي الجاد. يتطايرون كزوابع صغيرة تافهة!

الروائيون الجُدد

  • نَشط السعوديون أخيراً في تأليف الرواية، وغالب هذه الروايات انتُقد من كتاب عدة، على اعتبار ما تضمنته هذه الروايات من إبراز زوايا وخفايا مجتمعية. وسبق أن انتقاداتك عبر أحد المطبوعات للروائيين الجُدد، رأى البعض أن فيها نوعا من القسوة، خصوصاً أنك ذكرت أن رؤيتك اعتمادٌ على ما يقوله النقاد. فهل اطلعت على كثير من هذه الروايات، وهل تعتقد أنك حين تطلع عليها سيتغير حكمك؟

- أنت تقول إنني عرفت بموقفي المضاد من كتابة الرواية! فمن قال لك هذا؟ ومن أنا لكي أصدر مرسوماً بمنع كتابة الرواية؟ أنا قلت فقط إن أكثر الروايات التي (طهبلوا ) لها: لا روايات ولا ديايلو! ماعدا كتابات الأستاذ عبده خال، ورواية لفهد العتيق، وطبعاً الرواية الأعذب للكاتبة الأعذب رجا الصانع (بنات الرياض)، المكتوبة بحكمة عجوز ماكرة، وأنتم ترون رجاء. بالله هل ستصبح عجوزاً؟

  • لا يزال الكثيرون ينتظرون رائعة حائلية من جارالله الحميد، إذ إن حائل الإرث والعمق التاريخي والأدبي، تستحق أن تكتب عنها ملحمة أدبية، وليس أقدر على ذلك من العرَّاب الحائلي.

- لتسمح لي أخي أن ألفت نظرك إلى أنني من المؤمنين (بوطني حبيبي.. الوطن الأكبر)! فأنا لا أرى (حائل) رغم أن رائحة ترابها كالشذى عندي، بمعزل عن الرياض وعن أبها وجدة والخفجي وعرعر، إنه وطن يا صديق. له ملحمة واحدة، إنه الوطن الذي خرج بزمن قياسي من عهد الاسترقاق والرعي إلى عصر تدفق المعلومات والسفر بـ (الجامبوجيت)، وصارت الصحراء الرهيبة مشاريع زراعية، وكان البدوي والقروي وابن المدينة شركاء في الحوار. العامل يصنع ما يحتاج إليه البناء من أدوات، والفلاح يزرع ما يبيعه له السمسار جيداً. الآن علينا ألا نبتعد وأن لا نتنازل، وألا نفرط في قيمة اسمها: وطن واحد عظيم نفتديه بأرواحنا، ونمهده لأن يكون محضن وباعث الوحدة العربية. من دون هذه الهوية نمارس النكوص، ونمارس خيانة الوطن! نحن أبناء أمة عظيمة. كل الأمم تمر بها دهور هزائم وانحطاط، وظلمة وموات، لكنها تنهض فتشق عنان السماء. هذا تاريخ وسياسة وسوسيولوجيا وفلسفة وعقيدة.

سياسة وأدب

  • نلحظ أن موقعك على شبكة الإنترنت يحوي كتابات سياسية باسم جارالله، فهل تجد في السياسة وطنا لقلمك؟

- بالنسبة إلى موقعي على الإنترنت هو هدية من الشاعر والناقد الجميل والعذب عبد الكريم العودة، فله الشكر. أما كتاباتي السياسية فقد تزامنت مع العدوان على العراق، الذي له موقف لا يؤجله ولا يضمره ولا يقوله في الظلام. وإن كنت أحسب أن المثقف ينبغي أن يكون محيطاً بالسياسة وعلم النفس والاجتماع، وملماً بمفردات الحدث المعاش اليومي والمهمش، فما عادت الكتابة تلك التي تكتب في سويعات الأصيل على مرأى من الغسق! ولا ذلك الوحي الذي يزور فجراً، يقول ألبرتو مورافيا (الوحي؟ نعم. أنتظره قليلاً، فإن لم ينزل أمسكته من أذنه وأنزلته أنا). أنا كائن معذب بالفن والسياسة والحب، والحروف تحرق أصابعي. أشمها الآن، أحب الشوارع غير المذوقة، أحب حركة الناس، أكره الجمود، أريد أن أشتغل كلياً بالكتابة والتاريخ لها والتوثيق لسيرتي، كطائر استراح، والآن صار من واجب الآخرين سماعه.

بطولة

  • يقال إن الأديب يصل إلى مرحلة يسأم فيها الكتابة واللغة، حتى الكلام، فما هي أعراض هذه الحال، إن كنت قد مررت بها؟

- الكتابة مزاج!.. ومن قال غير هذا فهو غير صادق.. هي مزاج من ناحية أنك تخطط لمشروع كتابي، في الطريق تخطط، في السكون والحركة تخطط، لكن عندما يناديك الفراش في ليلة باردة، أنا سأرمي مخططاتي وأندس تحته، ولا أداوم يومين؛ لكنه مرات: ينزعك من وسط جميل وغني وعميق؛ لتذهب ممعناً في الوحدة، محني الظهر تكتب وتكتب.. وتكتب.. ما أجمل كلمة (ت ك ت ب)! أليس كذلك؟

  • هل تعتقد أنك بطلٌ لمرحلتك التي صارعت فيها طويلاً، وإن كان ثمة بطولة، فمتى سيؤمن بها الناس من حولك؟

- لا أكتمك القول إنني أشعر الآن بأنني بطل المشهد الحالي. البطولة والتاريخ والعلم كلها مصادفات، فبطولتي فيها نوع من تحدي الذات، فالذات مسمومة بالخوف وجبانة، والوعي درع الروح، والتحكم في الوعي هو سيف المثقف. فقد جعلوني بطلا، تقصداً؟ ربما؛ لكن لا تنس أنني شريك في تحويلي إلى بطل، وأنني ناتج العملية، أي (الكل)! ولكن: لا تبتغوني لكم بطلاً إنني رجل حرضته المنايا على نفسه صار السيف بيني وبين رغيفي

http://www.al-majalla.com/ListQadaya.asp?NewsID=83