ثقافة عربية

تمثل الثقافة دوراً رئيسياً في تشكيل حياة الإنسان، وبناء المجتمع، إذ تعد وسيلة لنقل المعلومات حول الخبرات البشرية، وتجميعها، بالإضافة إلى تخزينها، كما تساهم في تشكيل الإنسان عند تعلمه اللغة، والقيم، بالإضافة إلى العادات والتقاليد. فلا تقدم ولا ارتقاء ولا نجاح لأيّ مجتمع من المجتمعات إلا من خلال سياسة ثقافية متنوعة ومتعددة تطال كل نواحي الحياة.. من اجتماعية وسياسية.. إعلامية وبيئية.. اقتصادية وتربوية.. ولعل أجمل ما يميز الثقافة أنها لا تخضع لعملية حسابية تعتمد على ربح أو خسارة. انفتاح ثقافات الشعوب على بعضها البعض سوى دليل على مدى اهتمام وحرص المجتمعات على الدور الذي يلعبه التمازج والتفاعل بين مختلف الثقافات في بناء وتنمية المجتمع والنهوض به.. علماً بأن التمازج الثقافي لا يُلغي قيمة وأهمية الجذور الثقافية لكل مجتمع كما لا يمكن أن يلهي التلاقح الثقافي عن الأصول والمبادئ الخاصة بكل مجتمع.. ورغم تعدد مكونات الثقافة فمن العسير أن نحدد أو نصف الإنسان أو حتى نحكم عليه بأنه شخص مثقف إذا ما أُخِذ في الاعتبار مكون التعليم والمعرفة. لا شك أن الثقافة هي أحد أركان بناء وتنمية المجتمعات إذ تشكل الركن المعنوي فيها لتشمل كافة الجوانب غير المادية والمتمثلة في القيم والأفكار والتقاليد والموروثات والأذواق وغيرها من الجوانب المختلفة التي يختص بها مجتمع معين عن غيره من المجتمعات لذلك فإن أي محاولة للفصل بين الثقافة وبناء وتنمية المجتمعات هي محاولة فاشلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما هي الثقافة

ولعل أفضل تأكيد على مدى احتياج المجتمعات إلى الثقافة وهي في طور البناء والتنمية.. هو تعدد التعريفات لمفهومي الثقافة والبناء والتنمية وسأكتفي في هذه المساحة بتعريف يبدو أنه أفضل تعريف أُعطي للثقافة وهو التعريف الذي جاء أثناء انعقاد مؤتمر اليونسكو للثقافة عام 1982 وهو (الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته ما يجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة في القدرة على النقد البناء المعتمد على المعرفة والإدراك والمقرون بالالتزام الأخلاقي.. ومن خلال الثقافة نهتدي إلى القيم ونمارس الاختيار وهي وسيلة الإنسان للتعبير والبحث عن مدلولات جديدة).


ما أهمية الثقافة؟

تعتبر الثقافة بالنسبة لأى دولة بمثابة الإطار النظري لمعتقدات الفرد والمجتمع الذي ينتمى إليه ويعيش فيه، وهى أيضاً ما نلاحظه في سلوكهم الأخلاقي والديني الذي يرتبط ارتباطاً كبيراً بالثقافة مما جعل الشاعر والناقد الإنجليزي الكبير «ت، س، إليوت» لا يفرق بين الثقافة والدين ويعتبرهما مسميين لشيء واحد وينضم إلى عنصري الثقافة والدين العنصر الاجتماعي والاقتصادي، إذ لا ينفصل النظري عن العملي، أو بعبارة أخرى كما يقول البعض لا ينفصل القول عن الفعل، وذلك بالنسبة لإدراكنا طبيعة الثقافة ومعناها لدى فرد ما في مجتمع ما، وحتى إذا انفصل القول عن الفعل أو تناقض النظر مع العمل فإن هذه تكون إحدى السمات الثقافية من سمات هذا الفرد أو هذا المجتمع الذي ينتمى إليه. فإن أهمية الثقافة تدور حول تشكيل الوجدان الفردي أو الوجدان الجماعي لمجتمع ما، وهي في الوقت نفسه ما تشكل الوجدان الدافع لسلوكهم على نحو معين، هي أيضاً التي تعمل على تشكيل الضمير الذاتي للفرد أو للمجتمع الذي ينتمي إليه، وإن هذا الوجدان وهذا الضمير هما ما يقومان بتوجيه بوصلة السلوك للفرد أو للمجتمع ويحاسب بهما الفرد أو المجتمع نفسه ويقوم الفرد والمجتمع من خلالهما بتقييم الأعمال والأفعال، ويعقد المقارنة بين هذه الأفعال الذاتية وبين أفعال الآخرين في ضوء مجموعة القيم الحاكمة التي يؤمن بها. ولا تنبع الثقافة من فراغ فإن الدارس والفاحص يجد أن لكل ثقافة تاريخها، ووعيها التاريخي المستقل، ويتحدد جوهر الثقافة وفقاً لعمقها التاريخي، وبالنسبة لقدرة الفرد أو الشعب صاحب هذه الثقافة في دفاعه عنها، والتمسك بها في وقت الشدائد والمحن، والأزمات، وبقدر ما في هذه الثقافة من قيم إيجابية مؤثرة وفاعلة بقدر ما تكون قادرة على تحديد ذاتها بتفاعلها مع الثقافات الأخرى، بحيث لا تستطيع أي ثقافة غازية أو مسيطرة محوها من الوجود أو إبدالها أو نسخ شخصيتها الذاتية.

الفرق بين الثقافات:

وكلما كانت الثقافة ذات تاريخ عميق، كان ذلك دليلاً على كونها ثقافة متفتحة قابلة في أي زمن للحوار مع الثقافات الأخرى، فلا فرق بين ثقافة وثقافة أخرى إلا بما تتضمنه كل ثقافة من عناصر إيجابية وقادرة على ابتكار آليات وقيم جديدة تقود أصحابها إلى التقدم الدائم من أجل تحقيق أكبر قدر من الأمان والاستقرار والرفاهية وسعادة الفرد. إن الثقافة المنفتحة على غيرها من الثقافات، هي الثقافة المتجددة القابلة للاستمرار بعكس الثقافة المتعصبة التي ينظر أصحابها إلى أنفسهم على اعتبار أنهم الأفضل، والأعلى قدرة وقوة، فإن هذا النوع من الثقافات نعتبرها ثقافة جامدة وناكرة لما أخذته من عناصر الثقافات الأخرى. إن الثقافة المتحضرة حقيقة هي تلك الثقافة التي يؤمن أفرادها بالتوازن بين مطالب الفرد ومطالب المجتمع فلا تكون ثقافة فردية أنانية تقوم على إعلاء شأن مطالب الفرد دون مراعاة مطالب الآخرين. إن الثقافة المتحضرة هي الثقافة التي يسعى المجتمع في ظلها إلى تحقيق العدالة بمعناها الشامل والواسع، ذلك المعنى الذي يبدأ بتحقيق العدالة داخل الفرد نفسه بالمعنى الأفلاطونى، وإلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل المجتمع بتحقيق المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات دون تمييز بين فرد وآخر أيا كان نوع هذا التمييز.

الثقافة جزء لا يتجزأ من الحضارة ما دامت تهتم بما ليس مادياً أو تقنياً كالآداب والفنون والتراث والعادات والتقاليد والأعراف وغير ذلك وفي ذات الوقت للثقافة علاقة تفاعلية مع التنمية والبناء المجتمعي.. فالثقافة اليوم جزء أساسي من التنمية الشاملة إذ لا يمكن لأي تخطيط مستقبلي في مجال التنمية أن ينجح في ظل غياب المقاربة الثقافية والتي أصبحت اليوم تسهم بشكل كبير وفعّال للرفع من مستوى الأفراد سياسياً واقتصادياً.. اجتماعياً وعلمياً وتربوياً.

الثقافة العربية

تُعتبر الثقافة العربيّة من أهمّ وأغنى الثقافات على صعيد العالم، ترسّخت جذور هذه الثقافة قبل الإسلام، وبزغت بشكلٍ مشرق تمثلّت في عددٍ كبيرٍ من الخُطَب والحِكَم والقصائد الشعريّة والأمثال؛ حيث تجلّت عبقريّة اللغة وكانت أهمّ صورة لحياة العرب قديماً ومرآةً تعكس بوضوح أفكارهم ومشاعرهم وعمق خيالهم. بعد ظهور الإسلام شرع العرب في نقل العلوم القديمة، ومن هنا كانت انطلاقتهم نحو آفاق الكون مبدعين ومستكشفين، هذا بالإضافة لغزارة عطائهم في مجال الأدب والفقه وكافة فنون القول. نصبت العديد من الفخاخ للإطاحة بالثقافة العربيّة عبر الأزمان، ومن أمثلتها السعي الدؤوب في محاولةٍ لإقصائها عن التعليم، بالإضافة لشتّى مجالات الحياة، أيضاً كانت هناك محاولات لإدخال عددٍ من المفاهيم المزيفة، بالإضافة لثقافة العولمة التي ظهرت وانتشرت لتزاحم الثقافة العربيّة والعديد من الثقافات الأخرى في العالم. للثقافة العربيّة مكونان رئيسيان هما:

  • • اللغة العربيّة.
  • • الإسلام.

ومن هنا توسّع مفهوم الثقافة العربيّة ليشمل كلمة الإسلام، وتُعتبر اللغة في المجمل وعاءً لجميع العلوم، وأداة الفهم والتعبير العادي والفني والعلمي، وهي تُعتبر أهمّ وسائل التأثير على العقل عن طريق الشعور بحكمتها وأدبها ونثرها وشعرها وأساطيرها وقصصها، بالإضافة لسائر أدواتها الفنيّة.

ماهي مميزات الثقافة العربية؟

تتسم وتتميز الثقافة العربية بالعديد من المميزات ومن تلك المميزات ما يلي:

  • • تتميز الثقافة بالعمومية والشمول فهي تشتمل على العديد من الميادين المعرفية والسلوكية.
  • • لديها قدرة عالية على التأقلم مع مختلف البيئات الاجتماعية سواء كان هذا التأقلم في المجتمع الواحد أو المجتمعات المجاورة.
  • • تتسم بأنها واسعة الانتشار وذلك عن طريق الإنسان الذي يمتلك أدوات التواصل مثل اللغة.
  • • احتفاظها بالقيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع.
  • • تمتلك دور كبير للقيام بعملية التعبير والتواصل وذلك لأنها تجمع بين اللغة والأفكار والانفعال والمشاعر.
  • • أكثر ما يميز الثقافة أنها موروثة وليست مكتسبة.
  • • تتميز بوجود جانبين هما المثالي الذي يرغب الإنسان في الوصول إليه والجانب الآخر الواقعي الذي يقوم الفرد بممارسته في حياته.

ما أهمية الثقافة العربية؟

الثقافة لها تأثير ودور واضح في المجتمع وذلك لما تقدمه من فوائد وأهمية كبيرة وتتمثل أهميتها في الآتي: تحقيق الانتماء: تعطي الثقافة للأشخاص شعور وإحساس بالانتماء للوطن والمجتمع وخاصًة إذا كان كافة الأفراد يتحدثون بنفس اللغة. فهم ومعرفة العادات والتقاليد: حيث تساعد الثقافة الأفراد في المجتمع على فهم ومعرفة جميع العادات والتقاليد الاجتماعية المختلفة والسائدة في المجتمع. تلعب كذلك دور واضح وكبير في فهم الأفراد لبعضهم البعض بالإضافة إلى التعرف على جميع الطرق التي يتواصلون بها مع بعض. الشعور بالأمان: الثقافة تساعد في شعور الأفراد بالأمان والاستقرار مما يُدعم فيهم الإحساس بالأمان والأمن والاستقرار. تشكيل المجتمع: يظهر دور الثقافة بشكل واضح في تنمية وبناء المجتمعات فهي تساعد في تحديد الكيفية والطريقة التي يتعامل بها الأفراد مع بعضهم. تحديد القيم: حيث تقوم الثقافة بتحديد العادات والأعراف والمبادئ والقيم المقبولة الصحيحة وكذلك الغير مقبولة.

ما أسباب تراجع الثقافة العربية؟

هناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى حدوث أزمة وتراجع الثقافة العربية ومن تلك الأسباب ما يلي:

  • • الارتباط بين الأيديولوجية والثقافة حيث يؤدي تلك الارتباط إلى خضوع الثقافة لِسلطة وسيادة الأيديولوجية وهذا يجعلها تنحرف عن دورها الأخلاقي وتعمل على تقييد الفكر والإبداع الإنساني.
  • • تؤثر كذلك الثقافة الغربية على الثقافة العربية حيث تمتلك قدرات عالية لنشر مبادئ ثقافتها وفرض عَاداتها وتقاليدها لأغراض اقتصادية وسياسية.
  • • الانتشار الواسع لِلأمية الثقافية وخاصًة بين من يحملون الشهادات الجامعية وكذلك التعليمية وينتج عن ذلك عدم الاهتمام ببناء الثقافات المتطورة والمنفتحة بالإضافة إلى الاهتمام بالتحصيل الدراسي فقط.
  • • الثقافة العربية تتكون من عناصر تعود للعصر القبلي وعصر الزراعة مما جعل تلك العناصر بما تحتويه من أعراف وعادات وتقاليد غير صالح لهذا الوقت وكذلك لا تتماشى مع التطور الصناعي والمعرفي.

المراجع