تكوين مصر (كتاب)

شفيق غربال من أساتذة التاريخ الكبار وكان شاغله شخصية مصر وتكوينها كان تلميذا نجيبا من تلاميذ المؤرخ الفيلسوف أرنولد توينبي، علي يديه تلقي العلم في انجلترا، وعنه اخذ نظريته الخاصة «بالتحدي والاستجابة»، أو انه تأثر بهذه النظرية، مما جعله يركز علي العنصر البشري في صنع التاريخ واحداثه.. فمصر ليست «هبة النيل»- كما تواتر قديما- وانما هي «هبة المصريين».

ويمكن فهم التاريخ المصري كله، ومن ثم الشخصية المصرية في اطارها العام، من خلال منهج او نظرية يضعها غربال في هذا الكتاب، هي »ملازمة الوقائع، مؤداها أن ثمة »نواة« تكونت في مصر واتخذت حجمها في مرحلة تاريخية معينة أو علي طول التاريخ.. هذه النواة تفاعلت مع الظروف الخارجية الطارئة، لتبرز الشخصية المصرية، وكان منشأ هذه النواة نظام اجتماعيا ثابتا يقوم علي ضبط النيل، وانسانية نمت في جو مصري خالص.

لقد كفلت هذه النواة وجود عنصر الاستمرار في التاريخ المصري.

ومع مقدم الاسكندر اهتز الانسجام في بنية المجتمع المصري مدي الف عام، اذ وفدت حضارة جديدة غريبة عن هذا المجتمع، هذه الحضارة هي الهيلينية، التي عاشت حتي الفتح العربي، وظهرت طبقات جديدة لها ثقافتها الخاصة، وانتقلت السلطة السياسية في مرحلة ما من الملك الاله في مصر الي الاله القيصر الغائب عن البلاد، فضلا عن ان المجتمع اصطنع لنفسه مسيحية خاصة وفنا ولغة قومية، فصلت بينه وبين حكامه.

ومع هذا فان الهلينية، برغم ما احدثته من اهتزاز في بنية المجتمع، الا اننها لم تستطع ان تغير البنيان الاساسي له، لأن الاغريق عاشوا منعزلين عن المصريين، ولم يحدثوا تأثيرا كبيرا، شأنهم في هذا شأن بني اسرائيل في مرحلة سابقة، كما ان المسيحية عندما وفدت الي مصر، فانها وجدت ارضا ممهدة أمامها، بفضل عقيدة الحب والبعث في الديانة القديمة ونتيجة لظلم الحكام، وحدت المسيحية المجتمع في قاعاته السفلي، بل ان مصر طبعت صورتها الخاصة للمسيحية، وهي القبطية، وانبتت شيئا جديدا في هذه الديانة وهو الديرية.

لقد بدأ الانسجام يعود الي التاريخ المصري مع المسيحية، واكتمل هذا الانسجام واتضح مع الاسلام.

أكسب الاسلام مصر طابعها الذي تعيشه اليوم، وعاد التماسك الي بنية المجتمع المصري وتاريخه، وكفلت الشريعة للعدالة والحق وجودا... واصبح للحضارة الاسلامية في مصر سمات معينة تعبر عن الاعتدال في طبيعة هذا البلد، أي أن مصر مصرت هذه الحضارة، بل انها وظفتها في خدمة الحضارة العالمية، فضلا عن أن مصر اسهمت اسهاما مباشرا في هذه الحضارة، وكانت لها اجتهاداتها الخاصة... ولا أدل علي تغلغل هذه الحضارة في كيان مصر، من انها عاشت بها اطول مما عاشت في اقطار اسلامية أخري.

لكنها مع هذا لم تفقد شخصيتها.

صدر الكتاب مؤخرا عن دار أخبار اليوم، قطاع الثقافة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش