بركات بن موسى

الزيني بركات بن موسى، قاضي مصري عاش في أوائل القرن العاشر الهجري، وكان محتسب القاهرة[1] في أواخر عهد المماليك، وبعد هزيمتهم على يد العثمانيون ظل الزيني بركات في منصبه.[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

بعد عزل وسجن محتسب القاهرة السابق علي بن أبي الجود، والذي كرهه الناس لمظالمه وكرهه الأمراء لاستعلائه عليهم، عُين الزيني بركات محتسباً للقاهرة حسب المرسوم السلطاني الذي وضعه السلطان قانصوه الغوري عام 912 هجرية، والذي جاء فيه: "لما فيه من فضل وعفة، وأمانة وعلو همة، وقوة وصرامة، ووفور هيبة، وعدم محاباة أهل الدنيا وأرباب الجاه، ومراعاة الدين، كما أنه لا يفرق في الحق بين الرفيع والحقير، لهذا أنعمنا عليه بلقب (الزيني) يقرن باسمه بقية عمره". إن منصب (والي الحسبة) لمن أخطر مناصب السلطنة المملوكية؛ فعلى من يتقلد هذا المنصب العظيم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن يتعرف على الأسعار ويغلظ على التجار في احتكارهم البضائع، كما أن عليه أن يعرف ماذا يتردد على ألسنة الناس وما يقولونه حتى لو كانوا في بيوتهم؛ لذلك يعاونه في مهمته (كبير بصاصي السلطنة). وجهاز البصاصين المملوكي يشبه في عمله الآن أجهزة المخابرات في دول العالم الثالث؛ فعليهم أن يجندوا الأعين والآذان في كل مهنة وطائفة لتنقل لهم آراء الناس واتجاهاتهم، كما أنه يعمل على تأديب المارقين عن السلطان، وأن يدسوا الإشاعات والأكاذيب بين الناس لخدمة مصالح السلطان والأمراء."[3]

وعندما عرض السلطان المنصب على الزيني بركات أما الأمراء، رفض الحسبة متعللاً بأنه لا يطيق أمور الحكم والحكام أو يبيت مظلوم يدعو عليه لأنه لم ينصفه ممن ظلمه. وقد استبشر الناس خيراً بهذا الموقف، وظنوا أن الرجل هو الأولى والأجدر بتولي المنصب؛ فدعاه الشيخ أبو السعود الجارحي إلى بيته ليوصيه بولاية الحسبة، وهو شيخ جليل يحترمه جميع الناس ولا يخشى في الحق لومة لائم، ويهابه السلطان نفسه. وهكذا بأمر السلطان ورغبة الشيخ أبي السعود وإلحاح الجماهير، قبل (الزيني بركات) منصب الحسبة، وعاهد الناس على المنبر أن بيته مفتوح لكل مظلوم وذي حاجة، وأنه سيدور في الأسواق بنفسه ليقتص من الظالم، وأنه لن يخشى إلا الله في أداء مهمته.

بعد توليه المنصب، قرر الزيني بركات إقامة جهاز بصاصين خاص به، غير جهاز البصاصين الذي يعهد به زكريا بن راضي؛ وذلك للاطلاع عن كثب على أحوال الرعية.

بدأ الزيني بركات برنامجاً إصلاحياً تمثل في تعليق الفوانيس لإضاءة الشوارع ليلاً، وفتح داره لتسلم المظالم، وإلغاء الضريبة، وتسعير البضائع، ورفع الاحتكار الحاصل على بعض السلع، إلى جانب إجراءات اقتصادية رادعة أخرى.

لكن زكريا بن راضي حاول مواجهة الزيني بالدسائس؛ فأوقع الفتن بين أميرين كي تضطرب الأمور وتسود الفوضى في الأسواق ويعجز الزيني عن مواجهتها، كما استطاع استثارة المشايخ للاعتراض على الفوانيس باعتبارها بدعة تفضح أسرار الناس وتمس حرمة النساء.

كما أن هناك حمل ثقيل على الزيني؛ إذ قام السلطان بتسليمه علي بن أبي الجود ليجبره على كشف ما خبأه من أموال، لكن شهوراً مضت ولم يبح ابن أبي الجود بسره.

قام الزيني بركات بحبس علي بن أبي الجود، وعذبه بوحشية ليجبره على الإعتراف بما خبأه من أموال، وبعد فشله في استخلاص المعلومات حول المال المخبوء، لجأ إلى نائبه زكريا بن راضي بعد أن ظل شهوراً يتجاهل رسائله، ويطالبه أن يبوح له بمكان المال وإلا سيخبر السلطان عن وقائع اختفاء غلامه المقرب، والذي قتله ابن راضي.

ثم بدأ التحالف الشيطاني بين الزيني وزكريا للتعاون في البصّ على الناس وتحديد نظام دقيق لمعرفة هوياتهم وحصرهم في قوائم، ووصل الأمر إلى درجة عقد اجتماع يضم كافة كبراء البصاصين في الممالك والإمبراطوريات العالمية لتبادل الخبرات المختلفة في التجسس والمراقبة. ثم تبدأ الحقائق المفزعة في الانكشاف؛ فالزيني رفض منصب الحسبة أمام السلطان ليرتفع قدره بين الناس ويكتسب الشعبية التي توطد عرش منصبه وتمنع أي أمير من قتله خوفاً من ثورة الجماهير، ثم إنه يقصّ ريش صغار التجار والمحتكرين كي يرضى الناس عنه، بينما يسكت عن الغيلان الكبيرة مثل برهان الدين بن سيد الناس، الذي استطاع أن يحتكر الفول وبرضا السلطان نفسه.

بدأ الزيني بجمع الإتاوات الخفية باسم السلطان وباسم الشيخ أبي السعود الذي لا يعلم من حقيقة الأمر شيئاً، وبفضل جبروت البصاصين تتكمم الألسنة، ثم يقبل الناس الظلم ويعتادونه؛ بل ويهللون لأي إشارة عدل طفيفة حتى لو أحسوا بزيفها، متجاهلين الواقع المظلم الكبير الذي يعيشون فيه.

وعندما سقطت الدولة المملوكية، وإحتل العثمانيون البلد، إختفي الزيني بركات أياماً قبل أن يظهر وقد ولاه الغزاة حسبة القاهرة كما كان العهد أيام المماليك. لقد كان الزيني يتصل بالعثمانيين منذ زمن، بينما كان يقوم بشنق وخوزقة أي تاجر أو طالب علم يُشتبه في اتصاله بهم ليوحي للسلطان أنه رقيب على أمن البلاد والعباد.


وصفه في الأدبيات الحديثة

وصفه أحد شخوص الرواية وهو رحالة إيطالي كان يزور القاهرة، قائلاً:

«عيناه خلقتا لتنفذا في ضباب البلاد الشمالية، في ظلامها، عبر صمتها المطبق. لا يرى الوجه والملامح، إنما ينفذ إلى قاع الجمجمة، إلى ضلوع الصدر، يكشف المخبأ من الآمال، حقيقة المشاعر، في ملامحه ذكاء براق، إغماضة عينيه فيها رقة وطيبة تدني الروح منه، في نفس الوقت تبعث الرهبة.»

وكانت شخصية الزيني بركات محور لرواية الأديب المصري جمال الغيطاني، التي نشرت لأول مرة في السبعينيات وأعيد نشرها أكثر من مرة. وتدور أحداث الرواية حول الظلم والذى يتماثل في الأزمنة المختلفة، والظلم في تاريخ السلطة وتحولاته، والإنسان الذى لا يعيش زمانه إلا خوفاً. [4] وذلك من خلال محاولة توحيد الحاضر والماضى وذلك من خلال شخصية الزيني بركات بطل الرواية.


انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "الزيني بركات ليس بطلاً بقلم:محمد محمود عوض الله". دنيا الرأي. 2008-05-15. Retrieved 2013-03-11.
  2. ^ ابن إياس الحنفي، بدائع الزهور في وقائع الدهور
  3. ^ "الزيني بركات.. ديكتاتور الحاضر يلبس عمامة الماضي!". boswtol.com. 2013-03-02. Retrieved 2013-03-11.
  4. ^ دار الشروق