بالخمر وبالحزن فؤادي

بالخمر وبالحزن فؤادي وتعرف أيضاً بأسم نعم مولاي تراب، وهي قصيدة كتبها مظفر النواب في فترة اقامته بدمشق، ورغم ان معظم قصائد مظفر النواب لا تشمل موضوع واحد فقط انما تضم الغزل والنقد السياسي والوجد والحنين.. الخ، الا ان السمة الرئيسية لهذه القصيدة هو نقدها الحاد لأجهزة الأمن العربية، كما انها لا تخلو من الشتائم والتشبيهات التي تعتبر سوقية، وتسرد القصيدة علاقة الشاعر مع مخبر يراقبه، كما انها لا تخلو من صور اجماعية تعبر عن الواقع المزري المُعاش كما ان للقصيدة عدة قراءات تختلف بشكل بسيط عن بعضها البعض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نص القصيدة

عَـسلُ الوردِ [1]

يخامـر ريقـك

آنـاءَ الـليـل

وثـوبـك عـن زرَّيـن

من الماس يـشفُّ

وصمتـُكِ لِئلاء

أهتـَزُّ كمـا يـهتـزان

أحدُّ مـن الشفـرة طبعـي

ورقـيـقٌ مـاءُ

أوسخُ طينٍ ينبتُ فـُلَّاً

إن لـقيَ الحـبَّ

وأطيب طين لا يُنبت

حين لهذا الطين يـُساءُ

تـجري الـغربـةُ فيَّ

فـهل تسمحُ سيدتي

أنسابُ إلى جانبـها

لـيس عـليَّ سوى

حـزن الليـل رداء

الـشارع موبوءٌ

بمراقبةِ المخلوقات

المسكونة بالوَحشَة مِثلي

دورياتُ الإخصاءِ

تجوبُ الوطنَ المـمتدَّ

مِـنَ الدم إلى الدم

ما يـفتحُ مـخلوقٌ فمـهُ

حتى يُـخصى فَمَهُ

آخر ما وصل العلم العربي له

وتفنَّنت الصُحفُ الرقطاءُ

تـقبضُ من كلِّ جهاتِ النفطِ

وتكتبُ ما برميلُ النفـطِ يشاءُ

ماذا يـنفعُ أيُّ شراعٍ

البحر تـَلوَّثَ

والبرُّ تلوَّثَ

والميناءُ

ما زِلتُ على طاولةِ الأمس

ولستُ أعي إلّا ثـَمَليَ بالعالم

فالبعضُ بغير دمِ العالم

لا يَسكَر

منذُ سنين هذي طاولتي

يـقـرأُني مَن يرغب

حسب ثقافته في العشق

ومَن يُخطىء لا أستـاءُ

وأغادرُ

أسحبُ في وجعٍ

قدميَّ المُتعَبتين

وأستطلعُ بالسُكرِ الشارعَ

تعرفني الجدران

وشارات عبور الطرقات

وأفتحُ أزرارَ قميصي للريح

تُوَجـِهُني الأنواء

مَن هذا الغائرُ

في زاوية الشارع؟

عيناه كجرذِ الطاعون

أَأنتَ؟

أما زِلتَ تراقبني؟

مسكينٌ تَسعلُ

من كل مكان

وتراقبني

راقِب يا سيدُ راقِب

هلْ أُنزلُ سحَّابَ التاريخ

لتـعـرفَ صِدقَ مواطنتي

لـكنَّ البرد شنيع

وسعالك لا ينفـكّ

وأطـلَقت الصفـارات

وأُطفـِئَت الأضـواء

العربُ الأعرابُ

من البحر إلى البحر

بخير

وسجون ممتعة إسرائيلُ ترشُّ علينا

ماءَ الوردِ

وأنت تراقبني

مبسوطٌ لا شَكَّ

أنا والله كذلك

أكتب ما شِئتَ

بما شِئتَ لِمن شِئتَ

ولكن وجهـكَ للحائط

أرجوكَ

ليس لشيءٍ

تشكيـلةُ وجهـك لا تـعـجبني

عـفـوكَ لا أقـصِد

جـرحكَ في شيء

هـل ظلَّ هنالك ما يـُجرَح؟

ولكن خطأٌ في خطأٍ وجهك

يا رب لماذا الأخطاء؟

أنت مُـصرٌّ يا سيد تُزعِجني

هل آذيتك؟

هل جرَّحتُ مرتبك الشهري؟

إذا كنـت بـهذا التقـريـرِ

تُـوفـِر خبزاً لعيـالك

سوف يشُبُّونَ حراماً

أو كنـتَ تريـدُ شـراءَ حذاء

بدلاً ممّا أنت تهرأتَ

فأنت وتـقريركَ والـراتبُ

يا دوبُ حذاءُ

رؤساء الحانة ناموا

سامِحني أنصَرِف الآن

فؤادي مملوءٌ

بالخمر وبالحزن

وبي شوق أتمرّغ

كالمُهـر البريِّ

بـرمل بـلادي

أستَنشِق رائـحةَ البطيـخِ

سامحني إن كنت أسأتُ

فما قصدي والله

ولكن نطفَ القلبُ

وأعشق أن ألقاك غداً

في الحانة إنساناً

تَقدِر يا سيد

إن أنت تشاء

والآن أغادر

والحارة كالعمر ترافقني

أتلذذ بالمطر الفضي

وعُمق فراغ الشارع

أحتَكُّ بأبواب الناس

كـقـطٍ فَـقَدَ المأوى

وأُصَفـِّر خَـشية أن يستيقـظ

فـيَّ الأمس ويـرتـاب

مولاي

لقد نـام مـلوك الأرض

وغُلِّقَت الأبواب

وما زالتْ بعض مطاعمُ

آخر ساعاتِ الليل

هنا وهناك

وفي حاويةِ الزبلِ

وبين الأوساخِ كتابُ

أحنو وأمدُّ يدي

يـمدُّ يديـهِ إليّ

ونبكي مما أهـملـنا الأحـباب

أسمـعُ طفـلاً يثغـو

في الـمهـد

وأسمعـه يـغـفـو

يا ربُّ

يـشبُّ له وطن

فأنا عشتُ بلا وطنٍ

في حاويـة الغربةِ

سيدتي نرجع للعشق

جميع الشرفـاء

في هـذي الأمة أغراب

شباككِ ما زالَ

بِزُخرفـهِ الشـاميّ يُـزقـزقُ

إنْ مرَّ حزينٌ

آخرَ ساعاتِ الليل

وقالَ مساءَ الخير

يقول له الشباكُ

صباح الخير

لقد طلعَ الفجر

وبغداد الآن

تقوم من النوم

بلا ثوبٍ تَمسحُ

بالطَـلعِ مفـاتـنها

تدخـل عنـد الله

وتخرج بالشمسِ

وبالشاي البصري

الموجَعِ بالنعناع

شباكـكِ سيدتي في الشام

وشباكي بغداد

وبين الإثنين

من التاريخ إلى المستقبلِ

حبٌّ وعتاب

صادَفَنـي السيدُ ثانيةً

يا اللهُ أليسَ ينام؟

أمكتوبٌ في الشامِ عَلَيَّ

وفي بغداد؟

ولا يفـتأ

فـي كل المـدن العربية

يكتب فيَّ

بَعـَصتُ حكومات الذل ويـغـتاب

وتبسَّم صبـحُ الله

أسيرُ على غيرِ هدى

أغـمضُ عيـنيَّ عليَّ

ولم ألـقَ سوى العودة

للحانة ثانيةً

فالوحدةُ قاتلةٌ

والقلبُ يبابُ

ووجدت السيد

قد نسيَ التقريرَ

على طاولة الخمر

مَسَحتُ حذائيَ

بالتقريـر البائـسِ

فاحتـجَّ حـذائـي

وَسَّخَـهُ التـقريـر

وعاودني

أني أسمع نوم الطفل

دخيلك يا الله

يشب له وطن

فأنا عشت بلا وطن

وتُقيِّض لي

بين النهرين تـراباً

أرقد فيه قريرَ العينِ


مرئيات

تسجيل القصيدة بصوت الشاعر مظفر النواب.

المصادر

الكلمات الدالة: