انجبنان
انجبنان بن محمذن ابن أحمد چهچ
نسبه ونشأته
هو العلامة المختار (المشتهر بأتشغ انجبنان) بن محمذن بن أحمد جهج بن يدمس. من قبيلة "أولاد اتشغ حيبلل" عاش في الحقبة الممتدة ما بين 1060 ـ 1160 هجرية تقريبا، قبره ببئر العجوز "تمغرت" بضع خطوات جنوب غرب ضريح ولي الله أحمد بزيد.
تلامذته
وقد تخرج على يده أولاده الستة الذين مارسوا القضاء في حياته , يقول عنه ابن عمه العلامة محمد الامجد ول عبد الودود ول سيدي عبد الله: ولانجبنان رهط لا يبارى ونيل العلـم منه ومن بنيه قضت معه من الابناء ست فما لأمين عندي من شبيه وتسلسل العلم في أحفادهم من أحمد شيخ بلا الشقروي وعبد الله إلى عبد الودود الذي يقول عنه الدكتور محمد المختار بن اباه: "تربى عبد الودود في بيت اشتهر بالعلم والتعليم، من جده انجبنان اتصلت حلقة تدريسه بحفيده الذي كان غاية في الذكاء والدقة في البحث". ومن أشهر تلامذة انجبنان: أتشغ الخطاط (آبيه) ـ آبيه علما ـ .. قرأ عليه اللغة والنحو والقراءات السبع، ومن أشهر مدرسة آبيه ابنه أحمد محمود الذي انتصب بعد وفاة أبيه آبيه للتعليم فتخرج على يده الكثير من العلماء مثل حامد بن أعمر شيخ محمد بن محمد سالم الغني عن التعريف. ومن تلامذة انجبنان: المختار بن بونه، يقال إنه درس عليه المتمات: التوحيد والمنطق واللغة العربية. ومن المعلوم أن فصيلة المختار بن بونه ـ ازلامطه ـ كان يجمعها وطن واحد بقبيلتي أولاد بوحمد وأولاد أتشغ حيبل، وكان الجميع يتعايش في تآلف وانسجام، إلى أن هاجرت ازلامطه من القبلة. وبحكم هذه الوشائج والتلاقح الثقافي كونت المجموعات الثلاثة نسيجا ثقافيا متكاملا، تلقى ابن بونه معرفته فيه من محمدا بن بو احمد وانجبنان والمختار بن احبيب الجكني، وقد عبر الشيخ محمد المامي عن هذا التلاحم في الدلفينية حيث قال: وقــد ثـــوى ألفغ الخطاط بينهــــــم والأخذ عن جلة الإسلام ميمــــــون وســار فينا بنــوه الغـر سيرتـــــــه في تبـع أورقت منه الأغاصـــــــين وشرطوا آية الغرب ابن بونـــه فلم ينكــر عليه ولا العمش الجـــواكيـن وليس يجهل من في المغربين ثوى شمسين أفقهمـا بـون وزيـــــــــدون وفيهــم الأحمـديـون الذين هــــــــم معــالـم الخيـر فينا والمعاديـــــــــن ولــم يـولف لانجبنـان فيـه علـــــى تجــديـده ألف هاـو ولا نـــــــــــون وأكد محمد محمود بن اتلاميد صلة ابن بونه بانجبنان في قصيدته المشهورة التي أعدها لإلقائها في المجمع العلمي الذي يقيمه أوسكار الثاني ملك السويد والنرويج عام 1306هـ على صاحبها أفضل الصلوات والتسليم ـ وذلك بأمر من السلطان العثماني عبد الحميد وطلب من ملك السويد والنرويج بواسطة سفيره لدى السلطان العثماني الكونت لاند برج، حيث يقول محمد محمود بن اتلاميد في معرض فخره باكتشافه لصرف عمر وقثم وكلاب وغيرهم من الأعلام : ولم يشعر المختار منشي احمراره لنفع عباد الله من نحوه الطـــــــــــــــم ولاشيخــه انجبنان من كان عنــده له فتح الرحمن في النحو في الحلــــم ولا ابن ابنه عبد الودود الذي غدا له نحوه إرثا صباحا بلا قســــــــــــم وتأكيدا لتلك الصلة يقول المختار بن بونه لما مر بالميمون قرب بوغبيرة في لبيرات (مقاطعة واد الناقة)، لما نزل عن راحلته ونبش بعصاه بقايا أخصاص بالية كان درس فيها النحو على شيخه انجبنان قائلا: تذكــرت أيـاما لنا ولياليــــــــا عذابا عذابا ذكرها حين تذكــــــر منازل بالميمون بعدي تغيرت لهــا منـــزل في القـلب لا يتغيــر ومن تلامذة انجبنان أيضا سيدي عبد الله بن رازكه، تأكد أنه كان يحضر دروسه القرآنية ويهتم بها اهتماما ملحوظا خاصة في باب التفسير والقراءات (وثيقة مكتوبة بذلك في مكتبة أهل البرا بالتاكلالت). يروى أنه مرة كان في حلقة من التلاميذ يقرأون كتابا عن متعلق حرف الجر من بسم الله الرحمن الرحيم، فقرأوا "...وكل قائل يضمِّن معنى الذي يريد" فلم يطمئن الشيخ لذلك، فقال ابن رازكه بديهة "يضمر" فاهتز انجبنان طربا لسرعة فهم ابن رازكه وقال : قرأها اللوذعي. ومن تلامذة انجبنان أيضا الصالح العالم متالي والد الشيخ محمذن فال بن متالي، وهو المختار بن أحمد بن أعمر بن أبيجه المتوفى أربع سنين بعد ميلاد ابنه لمرابط محمذن فال بن متالي، المولود حوالي 1206هـ, وقد أوصى قبل وفاته أن يسمى الإبن الذي سيولد له بعد وفاته انجبنان وأن يعق عنه ببقرة نص عليها بذاتها. ويروى عن لمرابط بن متالي أنه قال إن حظه من العلم لا يمثل إلا نسبة قليلة من علم أبيه الذي طغت عليه نزعة الزهد والورع والنسك.
مكانته العلمية
نبغ انجبنان فيما يسمى بعلوم الآلة والفقه والتفسير والقراءات العشر والقضاء وكثير من الفنون الأخرى مما لم يصل إلينا بالرواية واندرست مؤلفاته مثل: - شرح الفتاح ةالديلمي” الذين ذكرهما ابن عمه العلامة محمد عالي ول سيدي ول سعيد الالفغي (الملقب معي) في رسالته على الجيم والجيم المنعقدة”. ارتضته الناس في زمنه قاضيا وقضى أولاده الستة معه، فكان كلهم يكتب تسليم الحكم بعد حكمه ومن كلامه المروي عنه: “لا يشتكى نجاري ولا يتعقب قاض حكمي” فلربما كان يقصد بالنجار الأصل حيث نسبته القلقمية. وهو مجدد قرنه بشهادة الشيخ محمد المامي –رحمه الله- في قصيدته المعروفة بالدلفينية حيث احتج بسكوته عن زكاة مال الأتباع في زمن “السيبة”، بقوله: ولم يؤلف لانجبنان فيه على تجديده ألف هاو ولا نون لعب انجبنان دور المعلم الكبير والمؤلف ذي العطاء الكثير ـ كما يقول الاستاذ المؤرخ محمذن ولد باباه –حفظه الله- في مقدمة عن انجبنان على كتابه “أس الإسلام”، حيث يواصل: “كان يعيش في وسط بدوي متنقل بالطبع بحثا عن الكلإ ونقط الماء النادرة في لف ودوران دائمين تنكبا للصوص، وفي هذه الحالة يصعب على المحظرة أن تحتضن الكثير من الطلاب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، قل أن يجمع العالم الشنقيطي بين التعليم والتأليف، وإذا كان هناك استثناء في هذه القاعدة فهو انجبنان الذي تخرج على يده فطاحل العلماء وألف الكتب الجزيلة في شتى الفنون وكان مبدعا رائدا في المجالات التي تناولها. كان على مذهب أهل السنة والجماعة، حفظت له مواقف حاسمة من مشاكل علم الكلام الشائكة مثل كسب الأشعري وخلق الأفعال وغيرها في كتابه “كافي المعتنين من أمور الدين” الذي لم يوجد منه اليوم بين أيدينا غير نقول حفظت لنا بفضل مؤلَف ابن عمه العلامة الولي محمذن ولد محمد الأمين الملقب ابُّ في كتابه “مناهج الهداة في تعلق الصفات” يقول في مقدمة الكتاب: وربمـــا ملت إلى المنجوري أو السنــوسي الــزكي المشهــور أو الفــرائـد وكافي المعتنيـن واليوسي قطب السادة المحررين ويقول في الشرح: نظمته من متن كافي المعتنين عليكه فهو صحيح مستبين تصدى للتفسير وألف فيه “الإتقان في علوم القرآن” الذي يعتبر مفقودا كذلك، وموجود ذكره في رسالة كتبها أحمد محمود بن ابن عفان التندغي لخليله في الطلب الشيخ سيديا الكبير بن الهيبة الانتشائي الأبييري ، وهذه الرسالة محفوظة بمكتبة أهل الشيخ سيديا ذكرها هارون في كتاب الأخبار حيث يقول فيها إن محمد محمود بن أبن عفان التقى العالم الجليل سيدي بن انجبنان (الذي ذكره ابن جنكي في المدافن بقوله: وسيدي نجل العالم انجبنان بجنب ذات الغور باليمان عــــم لبيد من قد زانـــــــا مدفنه الغربي من بلشانا) يقول إن سيدي ابن انجبنان أراه مسألة الاحتباك في تفسير لجده انجبنان وأن أتشغ الخطاط (آبيه) تلميذ انجبنان. وقد أقر العلماء ما وصلنا من اجتهاداته مثل أحمد بن العاقل والشيخ محمذن فال بن متالي والشيخ محمد المامي، وسيدي عبد ال بن الفاظل، وكلهم جعله قدوة وحجة. أسس انجبنان محظرة إن لم نقل هي أصل المحاظر الموجودة على هذا الشكل الذي أدركنا اليوم في القبلة، فعلى كل حال كانت هي المنهج الجامع المانع في علوم اللغة والفقه وغيرها، … وقد مكث أربعين سنة عند بئر انزران في الصحراء الغربية جنوب المغرب يدرس ويؤلف ولم يصب بشيئ طيلة الفترة فارتحل مخافة أن يكون ذلك استدراجا حتى بلغ موضعا اصبحت له فيه جذعتين ميتتين فأقام فيه وحفر بئرا سميت بجدعات المسمى الآن افكيرين قرب أيرش وتنيير، ثم بعدها إلى التيكاتن وهو موضع قرية التوفيق الحالي، ينتجع حيه حتى الميمون قرب بوغبيرة، كما ذكرنا آنفا بموجب أبيات المختار ابن بونه. وبما أن الموريتانيين يولون اعتبارا كبيرا لعلوم الآلة، “فمن نظر في تأليفه الموجودة نسخة واحدة منه لدينا وهو شافي الغليل الجامع بين الخلاصة والتسهيل، ورأى سيره عبر معمعان آراء نحاة المشرق والمغرب بما في ذلك الأندلس (مثل ابن عصفور وابن خروف، وغيرهم…)، واختياراته وترجيحاته ضمن تلك الآراء، علم يقينا أنه لم يتناول النحو بعده إلا بإمداد منه في هذه الربوع التي سيطرت فيها طرة المختار بن بونه، أشهر تلامذته في علم النحو. فإذا كان انجبنان هو الأب الحقيقي لشيخ النحو بلا منازعة في موريتانيا، أي “الشيخ المختار ابن بونه” الذي ألف الاحمرار المعروف بالجامع للتسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة وهو شيخ بلا الشقروي من جهة الذي شيخه كذلك أحمد بن انجبنان كما ذكر الباحث محمذن ولد باباه , وقد ألف عبد الودود بن عبد ال بن أحمد بن انجبنان الآخذ عن بلا الشقروي كذلك في النحو إضافة إلى أنظامه العجيبة المثرية للطرة المعروفة ، تأليفه روض الحرون من طرة ابن بونه ـ كما ذكرنا آنفا ـ الذي وضعه على مقابل الأصح والأظهر عند الشيخ المختار بن بونه، وقد أخذ المشعل بعد عبد الودود تلميذه شيخ النحو الحسن بن زين الذي ألف الاحمرار على لامية الأفعال شيخ سيببويه دهره يحظيه بن عبد الودود، وقد اعتمد الموريتانيون طرة الحسن بن زين على حد السواء مع طرة ابن بونه، وكذلك تمليذ عبد الودود الثاني الذي ليس أقل شأنا في هذا المجال ألا وهو محمد عالي بن سيدي المعروف ب:معي، الذي ألف التنبيه على احمرار الشيخ المختار بن بونه وصدر عنهما كثير من المحاظر في المنطقة وغيرها في إكيدي والشمال الغربي حيث سيطر نهج هذه المحظرة التي تميزت عن مثيلاتها في التخصص في علوم العربية وحجم التأليف والعطاء الكبير فيها، وقد أثراها العلماء بعد هذا الجيل كابرا بعد كابرا فتشعبت الطرر وفاضت وأثريت بأنظام العلماء إلى اليوم، وليست أم الحواشي مرورا ب”امليويحه” إلا مظهرا من هذا المد والعطاء الذي شارك فيه كل علماء المحاظر اللاحقين تقريبا حتى أدركنا هذا النهج الذي جعل المحظرة الموريتانية جامعة متخصصة بهر خريجوها جامعات العالم الإسلامي من بلاد الحرمين مرورا بالجامع الأزهر وتركيا بالغا إشعاعها الغرب، وليس محمد محمود بن اتلاميد المذكور إلا مثالا من هذا العطاء الذي رد الجميل للعالم العربي والإسلامي وليس تحقيقه للقاموس المحيط للفيروزاباذي الذي لا يمكن أن يستفاد منه في العالم العربي والإسلامي إلا بواسطة هذا الشنقيطي الذي تخرج من نفس المحظرة بالسند المتصل بانجبنان بالوسائط بدءا من شيخه اجدود بن أكتوشني وحرمة ولد عبد الجليل والمختار بن بون.
مؤلفاته
ومن المؤسف أن يضيع عطاء هذا العالم المجتهد الذي عرف عنه أنه من المكثرين من التأليف فلم يبق من مؤلفاته سوى النزر القليل مثل نسخة من شافي الغليل الذي اشرنا له سابقا لا تزال مخطوطا , وكذلك كتابه في العقيدة المعروف أس الاسلام وهو مطبوع بتحقيق الاستاذ محمذن ول باباه وتحقيق آخر للقاضي : محمد عبد الرحمن ول محمد مفيد ول ابُّ –حفظهما الله-, ولهذا الكتاب أشار العلامة أحمد فال ول محمذن فال الموسوي اليعقوبي في ابيات يقول فيها: القلقشندي علمنا أن النبي من هاشم ومن قريش النخب وأنه لطيبة قد هاجــــــرا من مكة ومكة أم القرى مشترط لصحة الإيمان في مهرق التوحيد لانجبنان أما غير هذا من مؤلفاته مثل: كافي المعتنين و الديلمي والفتاح و الاتقان في تفسير القرآن و طرته على الالفية كلها وربما اكثر قد لعبت بها يد الزمان. لذا، فإن انجبنان المعلم الكبير، يحتاج الباحثون إلى التعميق في نفض الغبار عن متروكه المحظري العظيم. ومن احسن ما كتب عنه حتى الآن ان لم يكن المرجع المعتمد الوحيد ما كتبه الاستاذ الباحث : محمذن ولد باباه –حفظه الله- في كتابه الفغ المختار انجبنان حياته وآثاره العلمية, وهو كتاب نفيس ومرجع فريد.