التحليل الطلعي

أنواع مختلفة من الطلع

طلع الرسوبيات pollen in sediments يدرس تاريخ الحياة النباتية على سطح الكرة الأرضية، ويحدد تسلسل زمرها الرئيسة.

تُعد الأبواغ وغبار حبات الطلع موادَّ نباتيةً جنسية شديدة المقاومة لعوامل التلف والتحلل، تطورت مع مرور الزمن، محافظة على صفاتها النوعية، متميزة بخفة الوزن، ومتانة الغلاف الخارجي exine المحيط بالخلية البوغية أو الطلعية، ومرونة الغلاف الداخلي السيلولوزي intine المحيط بالبروتوبلاسما التي تتفكك عند سقوط الأبواغ وحبوب الطلع فوق التربة أو في الماء، وتصبح الخلية الطلعية أو البوغية فارغة كليّاً أو جزئيّاً مكتسبة شكلاً كرويّاً أو شبه كروي، يتكون غلافها الخارجي من مادة سبوروبوللينين sporopollenin التي تشبه في تركيبها السيلولوز والكيتين، وتتمتع بمقاومة التحلل والفساد، صامدة في وجه أقوى الحموض والقلويات، قادرة على حفظ المستحاثة، الممثلة لبعض الأنماط الشكلية الطلعية palynomorph، والمُكَوَّنة في باكورة حقب الحياة الوسطى (الميزوزوي) early Mesozoic، أو في حقب ما قبل الكامبري Pre-Cambrian أو حقب فجر الحياة (بروتيروزوي) Proterozoic أي منذ ما يزيد على 570مليون سنة من الوقت الحاضر. يكون لون غلف المادة الطلعية المستحاثة بين الأصفر الباهت والبني الداكن. وتزداد درجة اللون شدة بتقدم عمر الرسوبيات الحاملة لها. فلون المادة الطلعية التي تعود الى حقب الحياة القديمة (الباليوزوي)Paleozoic يكون أدكن من المادة الطلعية التي تعود إلى حقب الحياة الوسطى، وهذه تكون أدكن من المادة الطلعية التي تعود إلى حقب الحياة الحديثة (السينوزوي) Cenozoic. أما طلع النباتات المعاصرة contemporary pollen فيكون أصفر باهتاً. وباختلاف تزيينات غلف حبوب الطلع والأبواغ النباتية بعضها عن بعض (راجع علم الطلع)، فإنه من الممكن دراستها وتصنيفها إلى أنواع وأجناس، الأمر الذي يمكِّن الباحث من تعُّرف تكوين الغطاء النباتي القديم الموافق لزمن تشكل الرسوبيات، وخصائص المناخ القديم، ومراقبة وتفسير التبدلات التي تطرأ عليها مع مرور الزمن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرسوبيات الملائمة للتحليل الطلعي

تشيرالدراسات المخبرية وتطبيقاتها الحقلية إلى أن أفضل العينات المناسبة للتحليل البالينولوجي Palynology (فرع من علم النبات يبحث في اللَّقْح والأبواغ)، هي تلك المأخوذة من تتابعات الخثّpeat sequences المستنقعية ورسوبات البحيرات والترب وطبقات الغضار بمختلف ألوانه، بينما تقل المادة الطلعية في الرمال، وفي الصخور التجمعية، وفي صخور البحيرات الملحية والصخور الأخرى الكيميائية المنشأ، ولا توجد إلاّ في الصخور الرسوبية، أما الصخور النارية والمتحولة فهي خالية من المادة الطلعية.


طريقة أخذ العينات

تؤخذ العينات المخصصة للتحليل البالينولوجي، في أحسن الشروط، من التكشفات أو من حفر الخثّ [ر]، أو من رسوبيات المستنقعات والبحيرات، بمسابر samplers خاصة بالبالينولوجيا مثل: سابرة هيللر Hiller، والسابرة الروسية Russian، وسابرة داشنوفسكي Dachnowski، وسابرة ليفينغستون Livingstone، أو تؤخذ العينات من المقاطع الجيولوجية أو من لبابات الحفر core، بمسافات يخضع تقديرها لاعتبارات عدة. وتكون المسافات أكبر كلما كانت المواقع ذات طبيعة رسوبية أو متشابهة السحنات الصخرية monotonous facies. وعامة، تراوح المسافة بين العينات في الرسوبيات البحيرية ما بين 10ـ30سم بحسب سَمْك التتابع الرسوبي، وقد تصبح عدة أمتار في الرسوبيات البحرية العميقة المتشابهة. ولابد من حماية العينات من التلوث بوضعها في علب صغيرة من البلاستيك أو أكياس من النايلون، وتغلق لمنع دخول الغبار العادي أو غبار الطلع المرافق للهواء الجوي. وتصحب كل عينة ببطاقة تسجل البيانات الضرورية الخاصة برقمها ونوعها وتاريخ جمعها ومكانها. ثم تخضع العينة للتحليل الطلعي في المختبرات المتخصصة مباشرة منعاً لتعفُّن المواد العضوية الموجودة في بعضها بسبب إغلاقها من جهة، واحتوائها على الرطوبة من جهة أخرى. تنظَّف الطبقات السطحية من العينات، للتأكد من أن العينة غير فاسدة عند أخذ العينات من المناطق المكشوفة، أو من الخُثّ المستنقعي أو غيرها.

طرائق تحليل الرسوبيات

تؤخذ عينات خفيفة الوزن (عدة غرامات) من الترب أو من الرسوبيات أو من الصخور الرسوبية بأنواعها، من أجل تحليل الرسوبات الحاملة للطلع المعاصر أو المستحاث. ثم تكسر العينات الصلبة كالحجر الكلسي والمارل وغيرها إلى كسرات fractions قطرها من 1 إلى 3مم، لتسهل معالجتها بالمواد الكيماوية المستخدمة في التحليل الطلعي. ويفضل إغناء enrichment العينات المدروسة إذا كانت فقيرة بالطلع أو الأبواغ باستخدام مواد وطرائق مختلفة تبعاً لطبيعة الرسوبيات وعمرها، وتعالج العينات الغنية بالطلع المأخوذة من تربة غضارية قليلة الكربونات تشكلت في حقب الحياة الحديثة بحمض كلور الماء HCl 10% لإزالة الكربونات. وتعالج عينات حقب الحياة القديمة والمتوسطة بحمض فلور الماء HF بتركيز 10ـ20% مع التسخين لإزالة السيليكات، وهي تفاعلات شديدة الخطورة. كما تستخدم ماءات البوتاسيومKOH 10% لتفكيك المواد العضوية وإزالتها. وتوزن العينات بدقة وتسجل الأوزان (1غ أو1سم3 من كل عينة). ويجري تفكيك السيلولوز باستخدام طريقة التفكيك بحمض الخل الثلجي glacial acetic acid في عملية تسمى: التحلل الخلي acetolysis. وقد يكون مناسباً تلوين المادة الطلعية بصبغة السفرانين لجعل الحبوب واضحة أثناء الدراسة المجهرية وعند التصوير الفوتوغرافي. وتستخدم السوائل الثقيلة الوزن مثل مزيج يود البوتاسيوم مع يود الكادميوم والبروموفورم وكلور الزنك أو بروم الزنك، لتطفو المادة الطلعية على سطحها بعد إجراء التثفيل لعدة دقائق بسرعة دوران ألف إلى ثلاثة آلاف دورة في الثانية.

طرائق تحديد طلع وأبواغ الرسوبيات

تدرس المادة الطلعية بالمجهر العادي بتكبير من مرتبة 400، ويزاد التكبير كلما دعت الحاجة، وقد يستخدم المجهر الماسح الإلكتروني من أجل الدراسات التفصيلية. وتحضر الشرائح المجهرية للدراسة في وسط من الغليسيرين عادة. وتستخدم أدوات التصوير العادي والرقمي المدمجة مع المجاهر الحديثة. وتستخدم الإضاءة العادية أو فوق البنفسجية. ولتمييز أجناس وأنواع حبوب الطلع والأبواغ بعضها عن بعض تتم دراسة الفروق الشكلية (المورفولوجية) بينها، مثل: شكل وحجم وتزيينات وعدد فتحات كل حبة ونوع تلك الفتحات، وعدد طبقات الغلاف وغلف الأبواغ وأشكالها وتزييناتها. وتستخدم التسمية اللاتينية الثنائية المستخدمة للنباتات المعاصرة مع ذكر اسم المؤلف لتسمية المادة الطلعية التي تعود إلى حقب الحياة الحديثة، أما بالنسبة للمادة الطلعية المستخلصة من توضعات حقب الحياة المتوسطة والقديمة فتستخدم تسمية اصطلاحية شكلية خاصة طَوَّرَها البالينولوجيون. وتستخدم، كمادة للمقارنة تساعد في التعرف على الأسماء اللاتينية الصحيحة للمادة الطلعية، الأطالس ومجموعات الشرائح المجهرية البوغية والطلعية النموذجية والمراجع المتخصصة التي تعرض أشكال المادة الطلعية ومع مثيلات analogue النطاقات والمخططات البالينولوجية من شتى البلدان، وتلك التي تدرس أصول التسمية والتصنيف النباتيين.

الطيوف والمخططات الطلعية

يسمي مجموع الأبواغ وحبوب الطلع التي كشف التحليل البالينولوجي وجودها في عينة واحدة طيفاً طلعياً pollen spectrum. أما المخطط الطلعي pollen diagram فهو مكوَّن من مجموعة الطيوف الطلعية المتسلسلة المأخوذة من تتابع من العينات في واحد من المواقع المدروسة، أو من لبابات الحفر أو الخُثِّ المستنقعي الخ. ويُعرَض المخطط الطلعي المادة الطلعية بيانياً،وله أشكال مختلفة يمكن مقارنة بعضها مع بعض على الرغم من اختلاف طرائق عرضها. وتبين المخططات الطلعية النسب المئوية لوجود الطلع والأبواغ في التوضُّعات الرسوبية، أي في العينات المتسلسلة من الأقدم إلى الأحدث، وتصنفها إلى طلع عريانات البذور، ومغلفات البذور، وأعشاب وأشجار وأبواغ وغير ذلك. كما تتضمن رصداً لنسب وجود المادة الطلعية للنباتات المهمة ذات الدلالات المناخية والنباتية. وتبين المخططات التبدلات التي طرأت على الغطاء النباتي والمناخ عبر الزمن، كما تتضمن النطاقات الطلعية والمناخية التي تم تحديدها.

نتائج التحاليل الطلعية للرسوبيات

الشكل (1) مخطط طلع الرسوبيات المتكونة بعد الجليدية الأخيرة التي ترجع إلى عشرة آلاف سنة خلت. يلاحظ في الطرف الأيمن من المخطط زيادة طلع النباتات العشبية مرتين: الأولى محصورة بين عام 10000 إلى 8800 ق.م.، والثانية بدأت عام 600 ق.م. واستمرت حتى اليوم.

يمكن تقسيم المخطط الطلعي الى نطاقات طلعية pollen zone (الشكل 1). تعكس التبدلات الرئيسة التي طرأت على الغطاء النباتي عبر الزمن في مكان الدراسة. ويمكن عندئذٍ مقارنة هذه النطاقات مع النطاقات المشابهة والمتزامنة معها القريبة والبعيدة، وتعرُّف على المجال الجغرافي الذي خضع للتبدلات النباتية والمناخية القديمة. وتعرفنا المخططات الطلعية على خصائص الغطاء النباتي والمناخ القديمين اللذين كانا مسيطرين في أثناء تشكل الرسوبيات المدروسة. ويتم عند حدوث تغيرات مهمة في المعطيات البالينولوجية تقسيم المخطط الطلعي إلى نطاقاتzones، وترسم الحدود عندها ما بين العينات وليس ضمن العينة الواحدة ويُعطى لكل نطاق رمز خاص يميزه ويسهل استخدامه في المقارنات.

تطبيقات التحليل الطلعي للرسوبيات

التطبيقات الستراتيغرافية: تدرس أعمار الصخور الرسوبية بالاعتماد على المادة الطلعية الموجودة فيها على هيئة مستحاثات نباتية، وتمكّننا مماثلة analogue المخططات الطلعية من ربط المقاطع الجيولوجية البعيدة والقريبة ذات العمر الواحد بعضها مع بعض. وبما أن تبدل الغطاء النباتي يخضع لتطور النباتات عبر الزمن، فإن ذلك التبدل يعبر عن السياق التطوري للعالم النباتي بشكل أساسي، وكذلك تخضع المستحاثات الحيوانية، كالمستحاثات النباتية، لمنطق التطور الطبيعي نفسه. وإذا ما استخدمت وسائل التأريخ المطلق باستخدام النظائر المشعة مثل الكربون 14واليورانيوم والراديوم والبوتاسيوم والأرغون وغيرها، فإن من الممكن، ليس تحديد عمر الصخور فقط؛ بل يمكن التوصل إلى إعادة تركيب الغطاء النباتي والمناخ القديمين بكل تعقيداتهما.

التحليل الطلعي للدور الرباعي

تحظى الدراسات البالينولوجية لرسوبيات الدور الرباعيquaternary period بأهمية كبرى، وذلك لكون الإنسان، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، يتعامل مع رسوبيات هذا الدور في بناء المدن والعمران الهندسي والصناعي وغير ذلك. كما عاصر الدور الرباعي تطور الإنسان بسلالاته وثقافاته المختلفة. يوضح الشكل (1)، كمثال على المخططات الطلعية للدور الرباعي، خصائص الغطاء النباتي في رسوبيات الجليدية الأخيرة وما بعدها في أوربا الوسطى والمحيطية.

التحليل الطلعي لحقبة ما قبل التاريخ والدراسات الأركيولوجية

يبين العديد من المخططات الطلعية أثر العامل الإنساني في تدهور البيئة. ومرد ذلك إلى الاحتطاب الجائر وقطع الغابات واستصلاح الأراضي بقصد الحصول على مساحات جديدة توظَّف في الزراعة، وبسبب الحرائق والحروب الحديثة وتدهور الترب والتصحُّر وغيرها. ويُظهرُ العديدُ من المخططات الطلعية تزايدَ هذه الظواهر خاصة في النصف الثاني من عصر الهولوسين Holocene أي منذ ما بين 5000 إلى 3000 سنة ق. م، أي بعد آخر العصور الجليدية الرباعية المعروف بجليدية الفورم Würm. إن معرفة تاريخ الغطاء النباتي ذات قيمة بالغة لتعرف الظروف النباتية والبيئية التي عاشت في كنفها الثقافات الإنسانية المتعاقبة قبل التاريخ وبعده.

دور التحليل الطلعي في تقدم العلوم البيولوجية

ساعد علم غبار الطلع في تطوير العلوم البيولوجية؛ كالتصنيف النباتي، ودراسة العلاقات التطورية التكوينية بين النباتات بمختلف درجاتها التصنيفية والتكوينية والجينية، وتحديد العلاقة بين الأنواع النباتية. وتعد الخصائص المورفولوجية للمادة الطلعية قرائن مهمة لدراسة علاقات القربى بين الأنواع وتحت الأنواع والضروب، ولفصل المتشابه منها شكلياً فقط بعضها عن بعض. كما أن تطور مسائل المعالجة الجينية للمادة النباتية، والتغلب على أمراض التحسس الطلعي Pollinosis، وتحسين عمليات التهجين والتكوين الوراثي للأنواع النباتية بالطفرات وغيرها، كلها ساعدت في تقدم العلوم البيولوجية. كما ساعد علم غبار طلع المستحاثات في تتبع تسلسل النباتات وانتشارها عبر المكان والزمان، وفهم علاقات قرابة الزمر بعضها مع بعض وطبيعتها.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • كمال محي الدين حسين. "الطلع في الرسوبيات". الموسوعة العربية.
الكلمات الدالة: