الأرض البكر حرثناها

الأرض البكر حرثناها
الأرض البكر حرثناها.jpg
المؤلفميخائيل شولوخوڤ
العنوان الأصليПоднятая целина
البلد الاتحاد السوڤيتي
اللغةالروسية
نـُشـِر1932و 1959

الأرض البكر حرثناها Поднятая целина هي ثاني أهم رواية من ميخائيل شولوخوڤ، لا يقل شهرة عن «الدون الهادئ»، كما لا يقل ستالينية عن أي عمل صدر في الاتحاد السوفيتي في ذلك الحين. العمل الذي نعنيه هنا رواية «الأرض حرثناها» التي إن كانت تحمل موضوعاً واحداً متكاملاً، فإنها في الحقيقة كتبت على مرحلتين يفرِّق بينهما 28 سنة، وفي جزءين حين يحمل الجزء الذي صدر سنة 1932 عنوان «جذور الغد» فيما يحمل الجزء الثاني الصادر سنة 1960 عنوان «حصاد على نهر الدون». واللافت أن كثراً من النقاد يتعاطفون مع هذا العمل، إذ يرون فيه وصفاً حياً وحيوياً لعمليات تحويل المزارعين إلى جماعات تعاونية في إطار إصلاح زراعي معمم، حلَّ في ذلك الحين محل الإقطاعيات واستغلال الأثرياء للفقراء. ولعل جزءاً أساسياً من التعاطف نابع من أن شولوخوف كان يعرف الكثير حول ذلك الموضوع، وكان يعيشه في كل جوارحه. ومن المعروف، في هذا السياق أن ميخائيل شولوخوف تمكن عامي 1932-1933، وأيام المجاعة الشهيرة من إنقاذ حياة الألوف من الفلاحين البائسين لمجرد أنه أقنع ستالين، وكان صديقاً له، بأن يرسل بذوراً إلى منطقة الدون العليا. ويربط هذا الواقع الذي لا مراء في صحته برضى ستالين عن الجزء الأول من «الأرض حرثناها».

على عكس ما هو ماثل في «الدون الهادئ» حيث ثمة تشابك في الشخصيات وتركيبية واضحة في الأحداث، تتسم رواية «الأرض حرثناها» ببساطة تركيبية، فالمكان الذي تدور فيه الأحداث واحد: إنه قرية اوكرانية صغيرة تشكل نوعاً من عالم صغير، بدوره، ولكن من الواضح هنا أن هذه القرية ترمز إلى الحياة الفلاحية الروسية بأسرها، علماً أن كل شخصيات «جذور الغد» قوزاقية، باستثناء الشخصية المحورية (البطل) وهي شخصية دافيدوف وهو واحد من خمسة وعشرين ألف شخص كان الحزب أرسلهم إلى الأرياف كي يحضوا الفلاحين على الدخول في منظومة الكولخوزات. ومنذ البداية يبدو لنا واضحاً كم ان دافيدوف هذا يقوم بمهمته بكل تفان وإخلاص، يساعده في ذلك سكرتير خلية الحزب الشيوعي في القرية ناغولنوف ورئيس مجلس السوفيات المحلي رازمتنوف. وهؤلاء الثلاثة، يصورهم لنا الكاتب، منذ البداية متحمسين وأصحاب إيمان أعمى في أن الثورة الكونية آتية لا محال. وهم ما عليهم سوى أداء دورهم والانتظار. غير أنهم سرعان ما يبدأون في الإحباط، حين يكتشفون كم أن عملهم عسير. فإذا كان صغار الفلاحين يقدمون على الانخراط في العمل الجماعي بحماس وبساطة، فإن الفلاحين المتوسطين يترددون فهم ليس من السهل عليهم وضع ما يملكون في خدمة الجماعة. بل انهم يفضلون قتل ما يملكون من قطيع على تسليمه إلى الدولة. أما الكولاك وهم الفلاحون الأثرياء من المالكين، فإنهم يرسلون منفيين إلى الشمال بعد ان تصادر أملاكهم. ولنلاحظ هنا، مع النقاد، أن المشاهد التي يصف فيها شولوخوف مصادرة أملاك هؤلاء الكولاك ونفيهم هي من أقسى المشاهد، إلى درجة ان امتلاءها بالحس الفجائعي جعل شولوخوف يبدو وكأنه متعاطف مع هذه الطبقة أكثر من تعاطفه مع الطبقات الأخرى.

المهم أن هذا الوضع المزري يبدو غير كاف إلى درجة أن الأحداث تتوالى في شكل أكثر فجائعية. إذ ذات يوم، يصل متمردان من «البيض» إلى القرية ومهمتهما تحريك السكان وتأليبهم ضد الحزب. ويتمكنان من هذا حين ينشران شائعات مفادها أن الدولة تصادر البذور لحرمان السكان منها وتصديرها إلى الخارج. أمام ديماغوجية مثل هذا القول، ينتفض السكان وقد صدقوا أكاذيب أعداء الثورة، ويهجمون على دافيدوف على شكل تظاهرات نسائية غاضبة. أما فلاحو القوزاق فإنهم يهجمون على المستودعات الرسمية وينهبون ما فيها. وهنا تتدخل فرق الميليشيا الحزبية التي تصل إلى القرية وتضع حداً لكل تلك الفوضى.

لقد كانت لافتة حقاً رواية شولوخوف هذه في ذلك الحين... إلى درجة أن «موضوعيته» في وصف الأحداث، كما في وصف سذاجة الحزبيين الأول، وفَّرت له سمعة طيبة في العالم كله. أما هو فإنه استشهد بالنهاية الإيجابية كي ينفي عن نفسه أي نزعة عداء للسلطة. من الناحية السياسية بدا دفاعه عن نفسه مقنعاً... ومع هذا فإنه توقف عملياً عن كتابة الروايات الكبيرة، حتى كانت آخر سنوات الخمسين، ووصول خروتشيف إلى السلطة. ذلك أن هذا الأخير قرَّبه واصطحبه معه في رحلة غربية كشفت له، كم أن الناس هناك يقدرون «جذور الغد» فتحمس، وما إن عاد من رحلته حتى كتب للرواية جزءها الثاني. والطريف انه إذا كان قد بدا ذا نزعة إنسانية وحس موضوعي في وصفه حياة الفلاحين وردود فعلهم في الجزء الأول، فإنه في الجزء الثاني حيث استعاد ضبط الأحداث من حيث كان قد توقف في «جذور الغد» بدا أكثر امتثالية وحتى... ستالينية. ومن هنا جرى ذلك القول بأن ميخائيل شولوخوف كان خروتشيفياً مع ستالين، وستالينياً مع خروتشيف. ذلك اننا في الجزء الثاني، نجدنا أمام تواصل للأحداث يضع في الواجهة، للحظة، بعض الضباط «البيض» لكنهم هنا يبدون فاقدين أي مدعاة للتعاطف معهم، مجرد آلات قتل وتخريب فيما المزارعون جميعاً انضموا إلى الدولة وحزبها وثورتهما. ولقد كانت نهاية هذا الجزء لافتة حين يكتشف دافيدوف ومعاونه مكان اختباء «البيض» فيتوجهان إلى القبض عليهم، لكن الضباط يقتلون المسؤولَين بدم بارد وبطريقة مثيرة للاشمئزاز.

رواية «الأرض حرثناها» لميخائيل شولوخوف (1905 - 1984) حُوّلت إلى فيلم سينمائي أكثر من مرة في الاتحاد السوفياتي، ورأى فيها النقاد، حتى خارج إطار أبعادها الايديولوجية والسياسية، عملاً مبنياً في شكل مميز من الناحية الفنية، بل أكثر تميزاً من «الدون الهادئ» التي تبقى، على أي حال أشهر أعمال شولوخوف الذي أنهى حياته الأدبية برواية عنوانها «مصير إنسان» لم ترق أبداً إلى مستوى أعماله الكبرى.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش