إستمرار اليرقية

Toy dogs often display an extreme level of neoteny, resembling not just infant, but fetal wolves.[1]

وضع كولمان J.Kollmann عام 1884، تعبير استمرار اليرقة neoteny، وبعني الأصل اللاتيني حرفياً «إطالة الفتوة». ومن المدهش حقاً أن لا يكتب عن هذه الظاهرة الشيء الكثير منذ عام 1930 مع الأهمية التطورية لهذه الظاهرة في حفظ النوع. ولعل سبب ذلك يرجع إلى بساطة الأصل الفيزيولوجي لاستمرار اليرقية. وقد أخذ تعبير استمرار اليرقية شكلين متعارضين: يعرف الشكل الأول باستمرار اليرقية الكلي أو الحقيقي، ويتميز بمقدرة المتعضية، وهي ماتزال في طور اليرقة، على التوالد، فيصبح الجسم محتفظاً ببنى فتية غير بالغة، في حين تصبح المناسل وأعضاء التوالد وظيفية شكلاً وبنية. أما الشكل الثاني فهو استمرار اليرقية الجزئي أو الكاذب، إذ يستمر جسم اليرقة بالنمو من دون أن يبلغ المقدرة على التوالد لأسباب بيئية معينة. ومع أن ظاهرة استمرار اليرقية لوحظت في عدد من الزمر الحيوانية، فإنها تنتشر انتشاراً واسعاً في الحشرات وفي الضفادع، ولاسيما الضفادع المذنبة. ومع تباعد هاتين الزمرتين تطورياً، فإن الآلية الكامنة وراء ظاهرة استمرار اليرقية هي واحدة في كلتيهما، وترجع أساساً إلى عوامل هرمونية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

استمرار اليرقية في الحشرات

لايحدث النضج الجنسي في الحشرات في العادة إلا بعد سلسلة من الانسلاخات، تتحول اليرقة بعدها إلى حشرة بالغة، مروراً بمراحل تتفاوت في عددها تفاوتاً كبيراً ضمن رتب هذا الصف وفصائله. ويسبق كل انسلاخ اصطناع كمية كبيرة نسبياً من هرمون الانسلاخ (الإكديسون ecdyson) المسؤول عن عمليتي النمو والتمايز. ويمكن إحداث استمرار اليرقية صنعياً بحقن اليرقة بهرمون النيوتينين neotenine، الذي يعاكس في تأثيره فعل الإكديسون، فلا يحدث انسلاخ، ويتوقف نمو أعضاء اليرقة وتمايزها.

ويصادف استمرار اليرقية في عدد من رتب الحشرات، ويتم بأشكال مختلفة جداً. ويذكر على سبيل المثال، أن استمرار اليرقية في متشابهات الأجنحة Homoptera لا يصيب سوى الإناث، ويكون عدد الانسلاخات اليرقية في الأنثى أقل مما يحدث في الذكر، وتحقق اليرقة الأنثى مقدرة على التوالد مبكرة جداً. أما في بعض فصائل غمديات الأجنحة Coleoptera، فإن الانسلاخ لايحدث في الحورية nymph مطلقاً.

وقد درست ظاهرة استمرار اليرقية دراسة مفصلة في متماثلات الأجنحة Isoptera (الأرضيات termites)، إذ تحدث بالمصادفة وتصيب الجنسين كليهما. فإذا فقدت المستعمرة الملك أو الملكة (وهما الحشرتان الوحيدتان الناضجتان جنسياً)، أوكليهما، فإنه ينشأ عندئذ ملك أو ملكة أو كلاهما أيضاً بظاهرة استمرار اليرقية. ويطلق عليهما عندئذ اسم ملك بديل أو ملكة بديلة. ويحدث هذا الاستبدال إثر انسلاخ استمراري يرقي neotenic واحد، يصيب إحدى اليرقات أو إحدى الحوريات التي كانت ستتحول إلى عاملة أو إلى جندي. وتنمو في هذه الحشرة المناسل وأعضاء التناسل، وتتمايز لتصبح وظيفية، في حين تبقى نسج الجسم الأخرى وأعضاؤه بحالة يرقية. ومع أن عدد الأفراد الذي ينضج جنسياً بظاهرة استمرار اليرقية يختلف من مستعمرة إلى أخرى، فإن حجم المستعمرة لا يؤثر في هذا العدد. ولنمط الحياة الاجتماعي في المستعمرة لدى الحشرات أثر بارز في فيزيولوجية الفرد. فقد فسَّر بعضهم ظاهرة استمرار اليرقية بوجود هرمونات مثل النيوتينين تحول دون الانسلاخ (أي تثبط اصطناع الإكديسون)، وتبقي المتعضية في الحالة اليرقية. ويبدو أن الحياة الاجتماعية في المستعمرة تنشط إفراز هذه الهرمونات اليرقية. ومهما يكن من أمر، فإن البنية العامة للمستعمرة تحدد مصير الأفراد لمصلحة المجموعة كلها. ويمكن، بناء على ذلك، النظر إلى ظاهرة استمرار اليرقية عند الحشرات على أنها أداة تنظيم بيولوجي اجتماعي، يعيد المستعمرة إلى حالة التوازن السوي في كل مرة يصيب هذا التوازن خلل ما.


استمرار اليرقية في الضفادع

من المعروف أن هذا الصف هو مرحلة انتقالية بين الفقاريات المائية وفقاريات اليابسة. فالتشكل الجنيني لهذه الزمرة يتم في الماء، حيث يتحول الجنين تدريجياً إلى يرقة خاصة يطلق عليها اسم الشرغوف، وهو لا يغادر الماء إلا بعد تحوله إلى ضفدع بالغ نتيجة مجموعة من الحادثات البيولوجية، يفقد فيها الشرغوف الذيل والغلاصم، وتتشكل لديه الأطراف، وتصبح الرئتان وظيفيتين، ويطلق على مجموعة هذه الحادثات اسم التحول الشكلي [ر] metamorphosis (يمكن موازنة التحول الشكلي من الناحية الوظيفية بعملية الانسلاخ الرئيسية التي تصيب يرقة الحشرات). ويحدث التحول الشكلي نتيجة فاعلية المهاد السفلي (الوطاء) hypothalamus، الذي يؤثر في الفص الأمامي للنخامة، فتفرز الهرمون المنشط للدرق. ويؤثر هذا الهرمون في الدرق، فتفرز هرمون التيروكسين، الذي يسبب التحول الشكلي (يمكن موازنة التيروكسين في الضفادع بهرمون الإكديسون في الحشرات).

ولم تلاحظ ظاهرة استمرار اليرقية الكلي إلا لدى الضفادع المذنّبة، إذ تصادف بشكلين مختلفين: استمرار اليرقية الإجباري obligatory neoteny، واستمرار اليرقية الاختياري facultatif neoteny. ففي استمرار اليرقية الإجباري، ومثاله الجنس «نيكتوروس Necturus»، الذي يعيش في أمريكة الشمالية، لا يحدث التحول الشكلي أبداً. أما في استمرار اليرقية الاختياري، ومثاله الأكسولوت Axolotl الذي يرجع أصله إلى مرتفعات المكسيك، فمع أن التحول الشكلي لا يحدث عادة إلا أنه يمكن التحريض على حدوثه بوضع الشرغوف في درجة حرارة مناسبة، أو بإعطائه جرعة معينة من التيروكسين.

ومن المعروف اليوم أن ضفدع الأكسولوت لا يخرج عن كونه يرقة الجنس «إمبستوما Ambystoma». تكوّن ظاهرة استمرار اليرقية في الضفادع مثالاً خلاباً للفصل بين ظاهرة النضج الجنسي وظاهرة النضج الجسمي، وكذلك للفصل بين عمليتي النمو والتمايز. ففي حين يستمر الجسم في النمو فقط، فإن النسج والأعضاء الجسمية لا تظهر عليها آثار التمايز البنيوي أو الوظيفي، بل تبقى بحالتها اليرقية، فيما عدا جهاز التناسل الذي يصبح وظيفياً. وتستطيع اليرقة الضخمة عندئذ أن تنجز عملية التوالد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هرمون التيروكسين لا يحدث التحول ما لم تكن النسج مؤهلة لتتأثر بهذا الهرمون. ففي ظاهرة استمرار اليرقية الإجباري لا يمكن إحداث التحول الشكلي بحقن التيروكسين، لأن الخلايا لا تمتلك أهلية التأثر المطلوبة، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى غياب مُسْتقبِلات هذا الهرمون. وعلى النقيض تماماً، فإن الأكسولوت، الذي يبدي ظاهرة استمرار اليرقية الاختياري، يعاني التحول على نحو سوي إذا ما أعطي جرعة من التيروكسين. ولقد وُجِدَ في الواقع أن استمرار اليرقية في الأكسولوت ينجم عن انقطاع وظيفي في السلسلة الممثّلة بالمهاد السفلي والفص الأمامي للنخامة والدرق.

وتجدر الإشارة هنا إلى ارتباط ظاهرة استمرار اليرقية الاختياري في الضفادع ببعض العوامل البيئية. إن مياه المرتفعات الجبلية الباردة التي يعيش فيها الأكسولوت مجردة أيضاً من اليود الضروري لاصطناع التيروكسين، ذلك لأن مياه البحر لم تغمر تلك المرتفعات. وفي الواقع، فإن نقل الأكسولوت إلى مياه السهول الدافئة يثير فيها ظاهرة التحول الشكلي على نحو سوي.

ولقد أمكن البرهان أيضاً على تأثير المناطق الجبلية المرتفعة والباردة في حالة الضفدع الأخضر، الذي يمكن إرجاء حدوث التحول الشكلي عنده طوال مدة وجوده في تلك البيئة. وهذا هو استمرار اليرقية الجزئي، إذ ينمو الجسم اليرقي من دون أن يحدث التمايز، ومن دون أن تتحقق المقدرة على التوالد. أما في المختبر، فيمكن إحداث ظاهرة استمرار اليرقية في الضفادع بطرائق مختلفة، منها مثلاً اسئصال الدرق، أو إعطاء المركبات المضادة للمهاد أو المضادة للدرق (يمكن موازنة تأثير هذه المركبات في الضفادع بتأثير هرمون النيوتينين في الحشرات). وهذه هي ظاهرة استمرار اليرقية التجريبي أو الصنعي. وخلاصة القول إن ظاهرة استمرار اليرقية، سواء أكانت في الحشرات أم في الضفادع، أم في أي زمرة حيوانية أخرى، توضِّحُ على نحو أخّاذ إمكان فصل تمايز الأصل المنشئ germen عن الجسم soma، كما تؤكد أن النضج الجنسي لا يشترط تمايز أعضاء الجسم الأخرى، وأن بقاء النوع واستمراره من الناحية التطورية، سواء فيما يتعلق بالفرد أم بالوحدة الاجتماعية ـ المستعمرة ـ يعتمد على نضج المناسل وتمايز أعضاء التناسل فقط.

مع أن الانتقال من مرحلة اليرقية إلى مرحلة البالغ يمثل القاعدة العامة في الزمر الحيوانية المختلفة، فإن هذا الانتقال غير أساسي لبقاء النوع. كما أن ظاهرة استمرار اليرقية توضح بجلاء إمكان فصل عملية النمو عن عملية التمايز في تشكل الفرد.

المراجع

  • -L.Bertin, “La vie des animaux”, Tome I et II )-Librairie Larousse, Paris 1950).
  • -P.Grasse, “Traite de zoologie”, Tome IX (masson et Cie, Paris 1949).

أنظر أيضاً

المصادر

  1. ^ Budiansky, Stephen (1999). The Covenant of the Wild: Why animals chose domestication. Yale University Press. ISBN 0300079931.

وصلات خارجية