أبو الحسن الأصبهاني الباقولي

أبو الحسن، عليّ بن الحسين بن علي، (و.? - ت.1149م)، لُقّب بجامع العلوم لجَمْعِه بين عدّة من العلوم وإتقانه لها، وكان ضريراً، فعُرف بالضرير. واحدٌ من كبار علماء العربية في عصره، ومن رجال المدرسة النحوية البصرية المتأخرة، قال أبو الحسن البيهقي (ت 565هـ) في نعته: «هو في النحو والإعراب كعبةٌ لها أفاضلُ العصر سَدَنَةٌ، وللفضل فيه بعد خفائه أُسوةٌ حسنةٌ».

لم تذكر المصادر نشأته وطلبه العلم، ولا الأشياخ الذين نهل منهم، ولا التلاميذ الذين أخذوا عنه. على أن كتب الرجل أصدق مترجميه، وهي تنمُّ على علم جمّ في العربية وعلوم القرآن. أما علم العربية فقد علا فيه كعبه، وكان واسع الاطلاع على أمهات كتبه، غزير العلم، دقيق الفهم، بصيراً بمذاهب النُّحاة، عليماً بحججهم، مقتدراً على الاحتجاج لما يراه منها، وردِّ ما لا يرضاه. وأمَّا علوم القرآن فلم يكن فيها أقلّ من تلك. فهو مقرئ، مفسِّر، عالم بوجوه القراءات وعللها وإعرابها ومعانيها، عالم بالوقف والابتداء. وقد نُعت بـ«عماد المفسّرين». يشفع معرفةَ جامع العلوم الواسعةَ جودةُ التأليف وحسن الترتيب. وكان قد تصدر للتعليم والإفادة، فأملى كتبه على الناس، وكان يعاود النظر فيها. والناظر في كتبه يلحظ سليقة المُعلِّم واضحة، كغلبة النزعة الخطابية في كلامه، من ذلك قوله: «ولو أمكنني أن أسقيك دفعة واحدة ما هو حاضري لسقيتك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صفاته

تَقِفُنا مصنّفات جامع العلوم على رجل ذي قلب ذكي، وذهن وقّاد، يُزيّن ذلك قوة على الإحاطة فذّةٌ، وشخصية بارزة ساطعة. يدلّ على ذلك حفظه القرآن الكريم، وعلمه بوجوه قراءاته والاحتجاج لها وإعرابها. وتتبُّعه كلام أبي علي الفارسي خاصة، واقتداره على الاستدراك عليه، في كتابين لم يسلما من عاديات الزمن هما «كشف الحجة» و«الاستدراك على أبي علي». وبناؤه كتابه «الجواهر» هذا البناء الفريد، فقد قسمه إلى تسعين باباً عقد كلاً منها لظاهرة من ظواهر النحو أو القراءات أو الصرف أو البلاغة، ثم استقصى ما ورد من أمثلتها في القرآن، وحشاه بالتفسير واللغة، وبسط فيه كثيراً من دقائق علم العربية. وعنايتُه في كتبه بضم الأشباه إلى الأشباه والنظائر إلى النظائر وبالأصول والقواعد العامة. وكتابه «الجواهر» أدلُّها على ذلك.

كان جامع العلوم حادَّ الطبع، شديد العجب بنفسه والاعتداد بعلمه، يدلُّ على ذلك ما تجده في كلامه من صلف وثَلْب لبعض أهل العلم، ونزعة إلى الإغراب في باب أسماء الرجال. ولعل محنة العمى التي رُزِئَها كان لها أثر في ذلك، وإحساسه بالتفوق ضرب من التعويض. ومما يدل على عُجبه بنفسه قوله: «ينبغي أن تعرف حقي عليك وتشكرني على ما أمنحُكه من فوائد، وتدعو لي آناء ليلك ونهارك». ومن ثَلْبِه الناس قوله في أبي علي الفارسي: «ووقع لفارسهم هنا أيضاً سوءُ التأمل في التلاوة على ما هو عادته»، وقوله في أبي الفضل الرازي: «يا رازي مالك وكتاب الله». ومن إغرابه في ذكر الرجال اقتصاره على اسم الرجل دون المشهور فيه، كأن يذكر ابن جني بعثمان، وأبا عمرو بن العلاء بزبّان، وسيبويه بالحارثي، والفرزدق بهمّام.


أهم مؤلفاته

ألّف جامع العلوم في علوم العربية والقرآن بضعة عشر كتاباً ذكر بعضها مترجموه. ولم يصل منها فيما نعلم إلا ثلاثة كتب، وعدت العوادي على سائرها، فطواها الزمن فيما طوى من ذخائر، وهذه الثلاثة هي:

كتاب «الجواهر»، وهو الكتاب المطبوع باسم «إعراب القرآن» المنسوب إلى الزجَّاج، وقد صحح نسبة الكتاب إلى جامع العلوم أحمد راتب النفاخ باسطاً أدلته الدامغة في مقالتين نفيستين نشرهما في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق.

و«شرح اللُّمع»، وهو من أجلّ شروح «اللُّمع» لابن جني، منه نسخة يتيمة في دار الكتب الشعبية في بلغارية. و«كشف المشكلات وإيضاح المعضلات»، وهو كتاب مؤلف في نكت المعاني والإعراب وعلل القراءات المروية عن الأئمة السبعة. تناول فيه صاحبه جميع سور القرآن إلا سورة «الكافرون» على ترتيبها في المصحف، فكان يذكر الآية ومعناها إن كان مما اختلف فيه أهل التأويل، ويتكلم على إعرابها، ويذكر اختلاف النُّحاة، ويبسط ما يحتاج إلى ذلك إن كانت الآية مما اختلف النُّحاة في إعرابه، ويذكر ما أراد ذكره من وجوه القراءات السبع في الآية التي اختلف فيها القرَّاء في حرف منها، ويحتجُّ لها ويذكر عللها. وممَّا يزيد من أهمية هذا الكتاب أنه بناه على كتاب «الحجة» لأبي علي الفارسي في باب الاحتجاج، ولأنه جمع فيه ما تفرق من كلام أبي علي في كتبه المختلفة في الآي على نسقها في التنزيل، وأوعبه كثيراً من أقوال أئمة العربية والتفسير.

كان لمصنّفات جامع العلوم أثر كبير فيمن صنف بعده، فقد نقل عنه الطبرسي (ت548هـ) في «مجمع البيان» واستفاد منه أبو البركات ابن الأنباري (ت577هـ) الذي أغار على «كشف المشكلات» واجتاحه واستاق ما شاء منه في «البيان في غريب إعراب القرآن»، والعكبري (ت606هـ) في «التبيان»، والنسفي ( ت701هـ) في تفسيره وغيرهم.

المراجع

  • ياقوت الحموي، معجم الأدباء، جـ 13، طبعة مصورة (دار المستشرق، بيروت).
  • القفطي، إنباه الرواة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار الكتب المصرية 1950).
  • جامع العلوم الأصبهاني الباقولي، كشف المشكلات وإيضاح المعضلات، تحقيق محمد أحمد الدالي (مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق 1995).


المصادر