عثمان محرم

عثمان محرم باشا

عثمان محرم باشا (22 يناير 1881 - نوفمبر 1958) شيخ المهندسين في مصر والبلاد العربية. شغل منصب وزير الأشغال العمومية في 14 وزارة قبل ثورة 1952.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

ولد "عثمان محرم" بالقاهرة في 22 يناير 1881. حصل على دبلوم المهندسخانة في عام 1902م وكان الثاني في ترتيب الدبلوم. التحق بوزارة الأشغال في 5 أغسطس عام 1902م بوظيفة معاون تفتيش ري. ثم نقل مهندسا لمركز المحلة من أول نوفمبر عام 1902م ، مهندسا لمركز السنبلاوين من أول مارس عام 1904. نقل رئيسا لهندسة قسم الري بوزارة الأوقاف في 6 أغسطس عام 199م. عاد إلى وزارة الأشغال في 16 يناير عام 1914م. كان واحدا من ثلاثة فقط من المهندسين المصريين الذين وقفوا في صف واحد مع مساعدي مديري الأعمال الإنجليز. رقي إلى مدير عام في 10 يونيو ، وإلى مفتش ري الفيوم في أول إبريل عام 1922. إنتدب مديرا لمكتب وزير الأشـغال في المدة من 5 فبراير إلى 23 مايو عام 1924. عين وكيلا لوزارة الأشغال في 24 مايو عام 1924. وفي 25 نوفمبر عام 1924 وزيرا للأشغال في وزارة "أحمد زيوار" لمدة 8 أايام فقط ، وإستقال من الوزارة كما قلنا في بداية الدراسة وبدأت مرحلة الوزارات. ومرت الأيام في نوفمبر عام 1958 دخل مستشفى مورو لإجراء عملية جراحية .. وبعد شفائه رحل إلى رحاب الله.

والذي حدث هو أن سلطة 23 يوليو عام 1952 بدأت حركة واسعة في السنوات الاولى منها لتشغيل زعماء الأحزاب وفعاليتها. وتربك خطوات غير الموالين لها ، وتغير وتبدل في صفوف المسئولين والسابقين على يوم الأربعاء 23 يوليو عام 1952م. شكلت محكمة بإسم "محكمة الثورة" ومحكمة بإسم "محكمة الشعب" والذي لا يقدم لمحاكمة إلى هاتين المحكمتين يقدمونه إلى ما أسموه "محكمة الغدر" والباقين الذي لا تنطبق عليهم مواصفات الإتهام أمام محكمة الثورة ومحكمة الشعب ومحكمة الغدر سلطوا عليهم ماعرف ب"حركة التطهير" ونعطي مثالا لسوء القصد في حركة التطهير هذه أن وزير المعارف الأسبق "إسماعيل القباني" قرر إحالة الكاتب الكبير "توفيق الحكيم" مدير دار الكتب إلى المعاش بناء على مذكرة كيدية من بعض العاملين بدار الكتب. وطبعا أوقفت السلطة الجديدة تنفيذ هذا القرار لأن "توفيق الحكيم" إسمه له وزنه في مصر وخارج مصر وفصله يضير بسمعة النظام الجديد. وعلى غرار هذا تم تقديم "الهندس عثمان محرم" إلى محكمة الغدر. وتعزيزا لهذا الموقف طلبوا شهادة بعد فحص إقرارات الذمة المالية فجاءت الشهادة التي أشرنا التي تبرئ ساحة "عثمان محرم وحرمه" ، فضلا عما عرفه عنه من نزاهة وجدية وطنية. وإنسانية وعدم التفرقة بين الناس على أساس الحزبية أو على أساس آخر.


عثمان محرم للجميع:

لم يكن "المهندس عثامن محرم" في عمله العام يميز بين فرد وآخر من مواطنيه. ولم يكن بفرق بين أرض وأرض. أو إقليم وإقليم ، إذ كان يعتبر الأرضي الزراعية كلها لخدمة الناس جميعا مع إختلاف ملاكها ، وكان ينظر إلى الإنتاج على أنه هو مجموع الثروة القومية . . وأمثلة بارزة على تأصل هذه الفكرة في تصرفاته وأعماله في الخدمة علامة:

  • كان "عبد المجيد ابراهيم صالح" وأخوه "عبد الحميد ابراهيم صالح" هما أول من رخص لهما "عثمان محرم" في الري الصيفي من ترعة النوبارية. ولا يربطه بهما من علاقة قرابة أو نسب أو حزبية. فهما من الصعيد – محافظة أسيوط ويمتان بصلة القرابة لأسرة "محمود سليمان باشا" والد "محمد محمود باشا" زعيم الأحرار الدستوريين".
  • في الوقت نفسه رفض "عثمان محرم" الترخيص ل"يس سراج الدين" في الري بنفس المنطقة ومعروف أنه شقيق "فؤاد سراج الدين باشا" ومن الرجال البارزين في الوفد.
  • تقدم "مصطفى مرعي" إلى "عثمان محرم" في 24 يناير عام 1950م بطلب خاص بكوبري أمام بلده. فنظر إلى الطلب نظرة الوزير الذي يعتبر نفسه خادما لجميع مواطنيه لا يعرف منهم نصيرا أو معارضا ، فأعطى التعليمات بإقامة الكوبري أمام بلد "مصطفى مرعي".
  • تقدم "يوسف الريدي" من أهلي المعصرة بطلب خاص بإنشاء كوبري على الترعة الإبراهيمية حتى يتيسر للأهالي للوصل إلى أراضيهم بالبر الغربي ، فواق على إدراج الميزانية اللازمة لإقامة الكوبري بميزانية العام المقبل.

كان "عثمان محرم" يعد نفسه خادما للجميع لا يرفض لأحد طلبا متى إقتنع بأحقيته ووجده متمشيا مع السياسة العامة والمشروعات المدروسة.

الإنسان والنقابة:

في عام 1927م توفي أحد مفتشي الري وعلم بعض المهندسين بأن ليس في داره ثمن الكفن. ولم يكن المهندس مثبتا فليس له معاش. ولم يكن لدى زوجته وأولاده السبعة ما يسد رمقهم لآخر الشهر. وعلم المهندس عثمان محـرم بالأمر وكان وزيرا للأشغال في وزارة عبد الخالق ثروت باشا الثانية (26 إبريل عام 1927 – 16 مارس عام 1928م). ولم تكد جنازة المهندس المتوفى تصل إلى المدافن حتى كان "المهندس عثمان محرم" قد أصدر منشورا إكتتب له المهندسون مبلغ 4500 جنيه إشترت به أسرة المهندس المتوفى عقارا تعيش عليه. وكان لهذا الموقف أثران على تفكير عثمان محرم:

  • الأول: الإهتمام بمشروع للإسكان الشعبي.
  • الثاني: إيجاد حل دائم كريم يواجه به المهندسون وأسرهم مأسي الزمن.

وقد شهد "المهندس أحمد عبده الشرباصي" وزير الأشغال الأسبق بدور "شيخ المهندسين عثمان محرم" في الإسكان الشعبي قبل 23 يوليو عام 1952. كان "أحمد عبده الشرباصي" في شبابه يختلف في الميول الحزبية عن "عثمان محرم". وعندما توفي "عثمان محرم" كان "أحمد عبده الشرباصي" وزيرا للأشغال ، فلم يتردد في رثاء "عثمــان محرم" والإشادة به. وذهب إليه البعض وسألوه كيف وهو وزير في ثورة حاكمت عثمان محرم أن يرثيه .. وكيف وهو من أعضاء الأحرار الدستورين أن يشيد ويرثي واحدا من قادة الوفد .. فسجل "الشرباصي " أن "عثمان محرم" هو الذي بدأ مشروعات "الإسكان الشعبي" قبل أن تعرفه وزارات 23 يوليو! وعام 1943م تكررت مسألة وفاة أحد المهندسين وكان رصيده في البنك 16 مليما ، فصرف "عثمان محرم" لأسرته مبلغا كافيا. وكلف بعض المهندسين بوضع مشروع لنقابة المهندسين. وإحتضنت وزارة الوفد هذا المشروع. وصدرت مجلة المهندسين لتكون صوتا لهذه النقابة.

ويبدو أن "المهندس عثمان محرم" وهو الذي أنشأ نقابة للمهندسين وكان من الأوائل الذين إنضموا إليها وأخذ رقم عضوية (6) وأصبح نقيبا للمهندسين ، يبدو أنه لم يتقدم عند بلوغه لسن المعاش للنقابة لتصرف له المعاش المستحق من النقابة. ولد عام 1881م أي أنه بلغ سن المعاش عام 1941م. ولم يتقدم أيضا أحد من ذويه للتمتع بهذا المعاش حتى لا يزاحم أو يزاحموا المستحقين من ذوي الدخل المحدود. وهذه صفة تكشف عن شعور إنسانسي مكتفيا ، بالوزرات الكثيرة التي شغلها وبرتبة الباشوية التي حصل عليها عام 1924. على أية حال فقد ترك للمهندسين نقابة نشطة قوية وضلع قواعدها عام 1943م ، ووافقت عليها حكومة الوفد وعقدت جميعتها العمومية لأول مرة عام 1946م.

كرامة المهندس:

كان "عثمان محرم" نقيبا للمهندسين ما قبل 23 يوليو عام 1952م ، وكان من الذين يعتزون بالمهنة والمحافظة على كرامة المهندس. حدث أن تقدم سكرتير النقابة بشكوى ضد "أحمد عبود باشا" على إعتبار أن "عبود باشا" إنتحل لقب "مهندس" حيث لا يحق له لأنه ليس عضوا بالنقابة ولم يتقدم بمستنداته لدراستها وإعطائه حق العضوية إذا إستوفيت شروط حصوله على هذه العضوية. طلبت النيابة "عبود باشا" للتحقيق معه فإتصل بعثمان محرم باشا وكان وقتها نقيبا للمهندسين . ماذا كان موقف النقيب؟ لم يسحب طلب التحقيق مع عبود باشا ولم يوجه اللوم لسكرتير النقابة الحريص على قواعد المهنة وقال لعبود باشا .. أحمد الأمرين: الأول: أن يتبرع لنقابة بملغ عشرة آلاف جنيه لدعم صندوق المعاشات. الثاني: أن يتقدم للنقابة بمؤهلاته ومستنداته للتحقيق من إمكانية منحه عضوية النقابة من عدمه. سارع عبود باشا بالتبرع لنقابة المهندسين بمبلغ عشرة آلاف جنيه وقامت النقابة بسحب البلاغ المقدم ضد عبود باشا.

وكان "عثمان محرم" دائما في صف المهندسين. حدث أن طالب مهندسو الري بما يسمى بدل تفتيش وساندت النقابة مطالب المهندسين. وكان عثمان محرم وزيرا للأشغال ونقيبا للمهندسين في نفس الوقت. فطلب عثمان محرم من مهندسي الري الإضراب عن العمل حتى يستجاب لمطالبهم. هكذا كان إعتزازه بمنصبه كنقيب وإنتصاره للمهندسين قبل إنتماؤه الحزبي ومركزه السياسي كوزير في الحكومة. ودعا وهو نقيب للمهندسين لتكريم المهندسين الذي بذلوا جهدا ملحوظا في الحقل الهندسي ، ودعا إلى إقامة تماثيل لكل من "محمد شفيق باشا" و"محمود باشا سامي" و"ابراهيم عثمان" وفاء لذكراهم وتقديرا لجهودهم.

ماذا ترك لمصر؟

بإرتياح كبير يمكن القوم إن "عثمان محرم" كان مؤسسة هندسية كبرى أنجز العديد من الأعمال والمشروعات لا يسعنا في هذه المساحة المتاحة سوى أن نقدم أمثلة منها:

  • التعلية الثانية لخزان أسوان التي أسهمت في توسيع الرقعة الزراعية منذ عام 1933م. وضع مشروع "خزان وادي الريان" الكائن بالجنوب الغربي لمديرية الفيوم. وكلما كان يتولى وزارة الأشغال يتخذ خطوات إلى الأمام في هذا المشروع وينام العمل في الوزارت التالية له. وفي وزارة الوفد عام 1950 وصل بالمشروع إلى صورته النهائية. وإهتم بإنشاء خزان تانا على بحيرة تانا بالحبشة. المهم كانت له فكرة رئيسية هي أن تكون خزاناتنا بقدر الإمكان داخل حدود بلادنا لمنع التحكم في رقابنا وفي مصادر حياتنا.
  • وكما إهتم بالخزانات إهتم بالقناطر وهي التي تتحكم في المناسيب وترفع المياه أمامها لتغذية الرياحات والترع الرئيسية التي تأخذ من أمام تلك القناطر للتوزيع على الأراضي التي تتوسع في زراعتها. والأمثلة كثيرة .. قناطر نجع حمادي ومحمد علي وأسيوط وإسنا وفارسكور وذلك طوال ولايته لوزارة الأشغال.
  • سياسة الصرف.. كان له في سياسة الصرف برنامج كامل واضح. وهو أول من وضع أساسا متينا لمحطات الصرف الكهربائية ، وأول من فكر ونفذ فكرة المصارف المغطاة والصرف العميق من محطات طلمبات الصرف. وفي عهد حكومة الوفد 50 و1951 أقام خمس محطات كهربائية للصرف بمديرتي الشرقية والدقهلية.
  • وإهتم بتوليد الكهرباء في مصر .. الكهرباء من مساقط بحر المنزلة بالفيوم. محطة توليد القوى في منطقة السلطاني بالفيوم. وتوليد الكهرباء من مساقط مياه أسوان لإستخراج الحديد والأسمنت. وإنجازه العمل بمحطة كهرباء شمال القاهرة وتفويتها.
  • الكباري .. أخذوا عليه إكثاره في الكباري! وهل كانت الكباري سوى عنصر مهم في المواصلات؟ . لقد أقام منها عددا لا يحصى على المجاري المائية .. أقام كوبريين على النيل .. أحدهما عند شربين والثاني عند المنصورة. وأقام كباري عديدة على الترع والمصارف الرئيسية ، فضلا عن الترع والمصارف الفرعية.
  • أسهم في تعمير مدينة القاهرة. عام 1926، إعتمد توسيع أول وأقدم شارع في القاهرة هو شارع الخليج المصري. وسع شارع الهرم الموصل لأقدم أثر فرعوني. إخلاء الأراضي حول مسجد أحمد بن طولون لإظهاره وإبرازه. كان وراء إقامة تمثال نهضة مصر وتمثالي سعد زغلول في القاهرة والإسكندرية وضريح مصطفى كامل وضريح سعد زغلول. وأتم العمل في نفق السبتية عام 1942م.

الوزارات:

  • وزيرا للأشغال لمدة ثمانية أيام لا غير في وزارة "أحمد زيوار" من 24 نوفمبر – 2 ديسمبر 1924م.
  • وزارة الإئتلاف الوفدي الأولى برئاسة عدلي يكن من 7 يونيو 26-21 إبريل 1927م.
  • وزارة الإئتلاف الثانية برئاسة عبد الخالق ثروت من 26 إبريل عام 1927م – 16 مارس عام 1928م.

كان وزيرا للأشغال في الوزارات السابقة وكذلك في الوزارت التالية:

  • وزارة النحاس باشا الثانية (أول يناير 30-19 ينويو عام 1930م).
  • وزارة النحاس باشا الثالثة (10 مايو 36-31 يوليو عام 1937م).
  • وزارة النحاس باشا الرابعة (3 أغسطس 37 – 30 ديسمبر عام 1937م).
  • وزارة النحاس باشا الخامسة (6 فبراير 42- 26 مايو عام 1924م).
  • الوقاية المدنية بالنيابة (من أول إبريل عام 1924م).
  • وزارة النحاس باشا السادسة (27 يوليو 42 – 8 أكتوبر عام 1944م).
  • وزارة حسين سري باشا الثالثة (26 يوليو عام 1949- 3 نوفمبر عام 1949م).
  • وزارة النحاس باشا السابعة (12 يناير 50 – 27 يناير عام 1952م).
  • الرئاسة النيايبة (9 يوليو عام 1950م).
  • الأوقاف بالنيابة (12 يوليو عام 1951م).
  • الأوقاف بالنيابة (18 يوليو 51 – 24 سبتمبر عام 1951م).

ذكراه

الأسانيد

  • لمعي المطيعي: موسوعة هذا الرجل من مصر.
  • مجلة المهندسين: عدد أكتوبر 1979.
  • د. وحيد رأفت المحامي: مذكرة الدفاع أمام محكمة الغدر.
  • لمعي المطيعي: "موسوعة هذا الرجل من مصر"، القاهرة: دار الشروق، 2005.