ابن رشيق القيرواني

أبو علي الحسن بن رشيق المعروف بالقيرواني (390-456 هـ، 999-1070م[1]) كان أحد الأفاضل البلغاء، له كتب عدة منها: كتاب العمدة في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه، وكتاب الأنموذج والرسائل الفائقة والنظم الجيد.

يقال أنه ولد بالمسيلة وتعلم فيها قليلا، ثم ارتحل إلى القيروان سنة 406 هـ. وقيل ولد بالمهدية سنة 390 هـ وأبوه مملوك رومي من موالي الأزد. وكان أبوه يعمل في المحمدية صائغا، فعلمه أبوه صنعته، وهناك تعلم ابن رشيق الأدب، وفيها قال الشعر، وأراد التزود منه وملاقاة أهله، فرحل إلى القيروان واشتهر بها ومدح صاحبها واتصل بخدمته، ولم يزل بها إلى أن هاجم العرب القيروان وقتلوا أهلها وأخربوها، فانتقل إلى جزيرة صقلية، واقام بمازر إلى أن توفي سنة 456 هـ[2].

وكان والده رشيق مملوكاً روميا لرجل من الأزد، يعمل في صياغة الذهب، وقد علَّم ابنه صنعته ولكن الابن كان يميل إلى الأدب مفضِّلاً أياه على صياغة الذهب. فقد بدأ في نظم الشعر قبل أن يبلغ الحلم، ثم غادر مدينته إلى القيروان عام 406هـ، وكانت القيروان في ذلك الوقت عاصمة لدولة بني زيري الصنهاجيين، وتعج بالعلماء والأدباء، فدرس ابن رشيق النحو والشعر واللغة والعروض والأدب والنقد والبلاغة على عدد من نوابغ عصره، من أمثال أبي عبد الله محمد بن جعفر القزاز وأبي محمد عبد العزيز بن أبي سهل الخشني الضرير وأبي إسحاق الحصري القيرواني.

مدح ابن رشيق حاكم القيروان المعز بن باديس بقصائد حازت إعجابه وكانت سببا في تقريبه له، ثم اتصل برئيس ديوان الإنشاء بالقيروان، أبي الحسن علي بن أبي الرجال الكاتب ومدحه. ألف له كتاب العمدة في محاسن الشعر ونقده وآدابه. وقد ولاه علي بن أبي الرجال شؤون الكتابة المتصـلة بالجيش. وبقي ابن رشيـق في القـيروان إلى أن زحفت عليها بعض القبائل العربية القادمة من المشرق فغادرها إلى مدينة المهدية، حيث أقام فترة في كنف أميرها تميم بن المعز، ولكنه مالبث أن ترك المهدية إلى جزيرة صقلية، حيث أقام بمدينة مازر إلى أن وافته منيته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أشعاره

سَأَلْتُ الأَرْضَ لِمْ كانَتْ مُصَلَّى      ولِمْ كانَتْ لنا طُهْراً وَطيبا
فَقالَتْ غَيْرَ ناطِقَة ٍلأنِّي حَوَيْتُ لِكُلِّ إِنْسانٍ حَبيبَا
..
وَإِنْ لَمْ تُعْجَبي بِبَياضِ شَعْرٍ فَلا تَسْتَغْرِبي بَلَقَ الغُرَابِ
تَعافينَ المَشِيب وَليسَ هَذَا وَلَكِنْ هَذِهِ شِيَة ُ الشَّبابِ
..
تُنازِعُني النَّفْسُ أَعْلى کالأمورِ وَلَيْسَ مِنَ العَجْزِ لا أَنْشَطُ
وَلَكِنْ بِمِقْدارِ قُرْبِ المكانِ تَكونُ سلامَة ُ مَنْ يَسْقُطُ
..
تُفَّاحَة ٌشَامِيَّة ٌمِنْ كَفِّ ظَبْيٍ أَكْحَلِ
ما خُلِقَتْ مُذْ خُلِقَتْ تِلْكَ لِغَيْرِ کالْقُبَلِ
كأَنَّما حُمْرَتُها حُمرة ُخَدٍّ خَجِلِ
..
في النّاسِ مَنْ لا يُرْتَجى نَفْعُهُ إِلاَّ إِذا مُسَّ بِأَضْرارِ
كالْعُودِ لا يُطْمَعُ في طِيبِهِ إلاَّ إِذا أُحْرِقَ بالنَّارِ
..
وَدَوحَة ِ نارنجٍ بُهِتنا بِحُسنِها وَقَدْ نُشِرَتْ أَغْصانُها لِلتَّأَوُّدِ
وَنارِنْجُها فَوْقَ کالغُصُونِ كَأَنَّهُ نُجومُ عَقيقٍ في سَماءِ زَبَرْجَدِ



وتضم الموسوعة العالمية للشعر العربي 135 مقطع من قصائده.[3]


قصيدة سقوط القيروان في يد بدو بني هلال

كَمْ كانَ فيها منْ كِرامٍ سادة ٍ      بِيضِ کلْوُجوهِ شَوامِخِ کلإِيمانِ
مُتَعاوِنينَ على الدِّيانة ِ والتُّقى لله في کلإِسْرارِ وَکلإِعْلانِ
وَمُهَذَّبٍ جَمِّ کلفَضائِلِ باذِلٍ لِنَوَالِهِ وَلِعرْضِهَ صَوَّانِ
وَأَئِمَّة ٍ جَمَعُوا العُلومَ وَهَذَّبُوا سُنَنَ الحَديثِ وَمُشكِلَ القُرآنِ
عُلَماءَ إِنْ سَاءَلْتَهُمْ كشَفُوا کلْعَمَى بِفَقاهة ٍ وَفَصاحَة ٍ وَبَيانِ
وَإِذا کلأمُورُ کسْتَبْهَمَتْ وَکسْتَغْلَقَتْ أَبْوابُها وَتَنازَعَ کلْخَصْمانِ
حَلُّوا غَوامضَ كُلَّ أَمرٍ مُشكِلٍ بِدليلِ حَقٍّ واضِحِ کلبُرْهانِ
هَجَروا کلمَضاجِعَ قانِتينَ لِرَبِّهِمْ طَلباً لِخَيْرِ مُعَرَّسٍ وَمغانِ
وَإذا دَجا اللَّيْاُ البَهيمُ رَأَيتَهُمْ مُتَبَتِّلينَ تَبَتُّلَ الرُّهبانِ
في جَنَّة ِ کلْفِرْدَوْسِ أَكْرَمِ مَنْزِلٍ بَيْنَ کلْحِسانِ کلْحُورِ وَکلْغِلْمانِ
تَجِرُوا بِها الفِردوسَ مِنْ أَرباحِهم نِعْمَ التِّجارَة ُ طاعَة ُ الرَّحْمَانِ
المُتَّقينَ کلله حَقَّ تُقاتِهِ وَالعارِفينَ مَكايدَ الشَّيطانِ
وَتَرى جَبابِرَة َ کلمُلوكِ لَدَيْهِمُ خُضُعَ الرِّقابِ نَواكِسَ کلأَذْقانِ
لا يَستَطيعُونَ الكلام مَهابَة ً إلاَّ إِشارَة َ أَعيُنٍ وَبَنانِ
خافُوا کلإِلهَ فَخافَهُمْ كُلُّ الْوَرَى حَتَّى ضِراءُ کلأُسْدِ في کلْغِيلانِ
تُنْسيكَ هَيْبَتُهُمْ شَماخَة َ كُلِّ ذي مُلْكِ وَهَيْبَة َ كُلِّ ذي سُلْطانِ
أَحْلامُهُمْ تَزِنُ کلْجِبالَ وَفَضْلُهُمْ كالشَّمْسِ لا تَخْفى بِكُلِّ مَكانِ
كانَتْ تُعَدُّ القَيرَوانُ بِهِمْ إذا عُدَّ المَنابِرُ زَهرَة َ البُلدانِ
وَزَهتْ على مِصْرٍ وَحقَّ لَها كَما تَزْهُو بِهِمْ وَغَدَتْ على بَغدانِ
حَسُنَتْ فَلما أَنْ تَكامَلَ حُسْنُها وَسَما إِليْها كُلُّ طَرفٍ رانِ
وَتَجَمَّعَتْ فيها الفضائلُ كُلُّها وَغَدَتْ مَحَلَّ کلأَمْنِ وکلإِيمانِ
نَظَرتْ لها الأَيَّامُ نَظْرَة َ كاشِحٍ تَرْنُو بِنَظْرَة ِ كاشِجٍ مِعْيانِ
حَتَّى إِذا الأَقدارُ حُمَّ وُقُوعُها وَدَنا کلقَضاءُ لِمُدَّة ٍ وَأوَانِ
أَهْدَتْ لَها فِتَناً كَلَيْلٍ مُظْلِمٍ وَأَرادَها كالنَّاطِحِ العِيدانِ
بِمَصائِبٍ مِنْ فادعٍ وأَشائِبٍ ممَّنْ تَجَمَّعَ مِنْ بَني دَهْمانِ
فَتَكوا بأمَّة ِ أَحْمَدٍ أتُراهُمُ أَمنُوا عِقابَ اللهِ في رَمَضانِ
نَقَضُوا کلعُهُودَ کلمُبْرَماتِ وَأَخْفَرُوا ذِممَ الإلهِ وَلَم يَفُوا بِضَمانِ
فاسْتَحْسنوا غَدْرَ کلْجِوارِ وَآثَرُوا سَبْيَ کلْحَريمِ وَكَشْفَة َ النِّسْوانِ
سامُوهُمُ سُوءَ العَذابِ وَأَظْهَروا مُتَعَسِّفينَ كَوَامِنَ الأّضْغانِ
وَالمُسلِمونَ مُقَسَّمونَ تَنالُهُمْ أَيْدِي کلعُصاة ِ بِذِلَّة ٍ وَهَوانٍ
ما بَيْنَ مُضْطَرٍّ وَبَيْنَ مُعَذَّبٍ وَمُقَتَّلٍ ظُلْماً وَآخَرَ عانِ
يَسْتَصْرِخُونَ فلا يُغاثُ صَريخُهُمْ حَتَّى إِذا سَئِمُوا مِنَ کلأرْنانِ
بادوا نُفُوسَهُمُ فَلَمَّا أَنْفَذُوا ما جَمَّعوا مِنْ صامتٍ وَصوانِ
وَکسْتَخْلَصوا مِنْ جَوْهَرٍ وَمَلابسٍ وَطرائِفٍ وَذَخائِرٍ وَأَوانِ
خَرَجُوا حُفاة ً عائِذينَ بِرَبِّهِمْ مِنْ خَوفِهِمْ وَمَصائبِ الأَلوانِ
هَرَبُوا بِكُلِّ وَليدَة ٍ وَفَطيمَة ٍ وَبِكُلِّ أَرْمَلَة ٍ وَكُلِّ حَصانِ
وَبِكُلِّ بكْرِ كالمَهاة ِ عَزيزَة ٍ تَسْبي العُقُولَ بِطَرْفِها الفَتَّانِ
خُودٍ مُبَتَّلَة ِ الوِشاحِ كأَنَّها قَمَرٌ يَلوحُ على قَضيبِ البان
وَالمَسجِدُ المَعْمُورُ جامِعُ عُقْبَة ٍ خَرِبُ المعاطِنِ مُظْلِمُ الأَرْكانِ
قَفْرٌ فَما تَغْشاهُ بَعْدُ جَماعَة ٌ لِصَلاة ِ خَمسٍ لا ولا لأَذانِ
بَيْتٌ بِهِ عُبِدَ الإلَهُ وبُطِّلَتْ بَعْدَ الغُلُوِّ عِبادَة ُ الأَوثانِ
بَيْتٌ بِوَحْي اللهِ كانَ بِناؤهُ نِعمَ البِنا وَالمُبْتَنى وَالباني
أَعْظِمْ بِتِلْكَ مُصيبَة ً ما تَنْجَلي حَسَراتُها أَوْ يَنْقَضي کلمَلَوانِ
لَو أَنَّ ثَهْلاناً أُصيبَ بعُشْرها لَتَدَكْدَكتْ مِنْها ذُرا ثَهلان
حزِنَت لها كُوَرُ العِراقِ بأَسْرِها وَقُرى الشآمِ وَمِصرُ والخُرسانِ
وَتَزَعْزَعَت لمصابها وَتَنَكَّدَتْ أَسَفاً بلادَ الهندِ والسِّندان
وَعَفا مِنَ کلأَقْطارِ بَعْدَ خَلائِها ما بَيْنَ أَنْدَلُسٍ إلى حُلْوانِ
وَأَرى النُّجومَ طَلَعْنَ غَيْرَ زَواهِرٍ في أُفْقِهِنَّ وأظْلَمَ القمرانِ
وَأَرى کلْجِبالَ الشُمَّ أَمْسَتْ خُشَّعا لِمُصابِها وَتَزَعْزَعَ الثَّقلانِ
وَالأَرضُ مِنْ وَلَع بها قَدْ أَصْبَحَتْ بَعْدَ القَرارِ شَديدَة َ المَيَلانِ
أَتَرى کللَّيالي بَعْدَ ما صَنَعَتْ بِنا تَقْضي لَنا بِتَواصُلٍ وَتَدانِ
وَتُعيدُ أَرْضَ کلْقَيْرَوانِ كَعَهْدِها فيما مَضى مِنْ سالِفِ کلأَزْمانِ
مِنْ بَعْدِ ما سَلَبَتْ نَضَائِرَ حُسْنِها الـ أَيَّامُ وَاخْتَلَفَتْ بها فئَتانِ
وَغَدَتْ كأَنْ لَمْ تَغْنَ قَطُّ وَلم تَكُنْ حَرَماً عَزيزَ النَّصْرِ غَيْرَ مُهانِ
أَمْسَتْ وَقَدْ لَعِبَ الزَّمانُ بأَهلِها وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ عُرا کلأَقْرانِ
فَتَفَرَّقُوا أَيْدي سَبا وَتَشَتَّتُوا بَعْدَ اجتِماعِهِمُ على الأَوطانِ
العمدة في محاسن الشعر وأدابه PDF
العمدة في محاسن الشعر وأدابه PDF

وكان ابن شرف وابن رشيق صاحب العمدة متقدمين عنده على سائر من في حضرته من الأفاضل والأدباء، فكان يقرب هذا تارة ويدني ذاك تارة، فتنافسا وتنافرا ثم تهاجيا، ولكن لم يتغير أحدهما على الآخر بما جرى بينهما من المناقصات، ولم يزل ابن شرف ملازماً لخدمة المعز إلى أن هاجم عرب الصعيد القيروان، واضطر المعز إلى الخروج منها إلى المهدية سنة سبع وأربعين وأربعمائة، فخرج ابن شرف وسائر الشعراء معه إليها واستقروا بها، فأقام ابن شرف مدة بالمهدية ملازماً خدمة المعز وابنه تمم، ثم خرج منها قاصداً صقلية ولحق به رفيقه ابن رشيق فاجتمعا بها ومكثا بها مدة، ثم استنهضه ابن شرف على دخول الأندلس، فتردد ابن رشيق وأنشد:

مما يزهدني في أرض أندلس ... أسماء مقتدر فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد

فأجابه ابن شرف على الفور:

إن ترمك الغربة في معشر ... قد جبل الطبع على بعضهم

فدارهم ما دمت في دارهم ... وأرضهم ما دمت في أرضهم

ثم شخص ابن شرف منفرداً إلى الأندلس، وتنقل في بلادها وسكن المرية بعد مقارعة أهوالٍ ومقاومة خطوب، وتردد على ملوك الطوائف كآل عباد وغيرهم، وتوفي بإشبيلية سنة ستين وأربعمائة، ومن شعره:

لك مجلس كملت دواعي لهونا ... فيه ولكن تحت ذاك حديث

غنى الذباب فظل يزمر حوله ... فيه البعوض ويرقص البرغوث

مصنفاته

ألف ابن رشيق كتباً كثيرة ضاع بعضها ووصل إلينا بعضها. وأشهر مؤلفاته كتاب العمدة في محاسن الشعر ونقده وآدابه الذي سبق ذكره. وهو يقع في جزءين. ويحتوي على خلاصة آراء النقاد الذين سبقوه في النقد الأدبي، كما يحتوي على موضوعات أدبية مهمة. وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات.

ومن كتبه المشهورة أيضًا كتاب قُرَاضَة الذهب في نقد أشعار العرب، وقد طبع أكثر من مرة، وله ديوان شعر جمعه الدكتور عبد الرحمن ياغي.

ومن بين كتبه التي لم تصل إلينا:

هوامش

  1. ^ M. Amari (1854). Storia dei musulmani di Sicilia.
  2. ^ موقع القيروان.اورگ
  3. ^ "ابن رشيق القيرواني الأزدي". الموسوعة العالمية للشعر العربي.

المصادر