جون لو (اقتصادي)

(تم التحويل من John Law (economist))
جون لو
John Law
جون لو، رسم كاسيمير بالثازار.
جون لو، رسم كاسيمير بالثازار.
وُلِد(1671-04-21)21 أبريل 1671
إدنبره
اسكتلندا
توفي21 مارس 1729(1729-03-21) (aged 57)
البندقية
جمهورية البندقية
الوظيفةاقتصادي، مصرفي، مالي، مؤلف، مراقب مالي عام.

التوقيع

جون لو (عُمد 21 أبريل 1671- 21 مارس 1729)، هو اقتصادي اسكتلندي كان يعتقد بأن المال ليس إلا وسيلة للتبادل الذي لا يشكل ثروة في حد ذاته وأن الثروة الوطنية تعتمد على التجارة. عُين مراقب مالي عام لفرنسا في عهد فيليپ الثاني، دوق أورليان، وصي على الملك الشاب لويس الخامس عشر.

عام 1716 أسس لو بنك جنرال في فرنسا، بنك خاص، لكن ثلاثة أرباع رأسماله كان عبارة عن فواتير حكومية وأوراق نقدية مقبولة حكومياً، مما جعله بجدارة أول بنك مركزي في البلاد. كان مسئولاً عن فقاعة شركة مسيسيپي والانهيار الاقتصادي المدوي في فرنسا، والذي قورن بجنون التيوليپ في هولندا أوائل القرن السابع عشر.[1] كانت فقاعة مسيسيپي معاصرة لفقاعة شركة ساوث سي في إنگلترة.

كان لو مقامر ويتمتع بقدرة عالية على الحساب الذهني. اشتهر بفوزه في أوراق اللعب بحسابه الاحتمالات عقلياً. ابتكر أفكاراً اقتصادية مثل "نظرية ندرة القيمة" و"مذهب الفواتير الحقيقية". خلصت آراء لو إلى أن خلق المال سيحفز الاقتصاد، وأن الأوراق المالية أفضل من المعدنية، وأن الأسهم هي شكل متفوق من المال لأنها تسدد الأرباح.[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

النشأة

Money and trade considered, with a proposal for supplying the Nation with money', 1934

بداياته كإقتصادي

پورتريه لجون لو رسم ألكسيس سيمون بل.

خاب أمل الوصي، فيليپ الثاني، دوق أورليان، في تفادي الأزمة المالية الخانقة في فرنسا، استمع إلى رجل اسكتلندي ممتاز اقترح عليه نظاماً جديداً للمالية. واسم الرجل جون لو، وقد ولد لمصرفي من أدنبرة في 1671، ودرس علم المصارف في لندن، وشهد افتتاح بنك إنجلترا في 1694، واشترك في مبارزة بسبب الحب، وقتل غريمه، ثم فر إلى القارة يحمل على رأسه حكماً بالإعدام. وكان وسيماً، بشوشاً، مولعاً بالعلوم الرياضية، ضارب بنجاح في سوق النقد الأجنبي، وأعانته قدرته على حساب ارتباطات أوراق اللعب وتذكرها على كسب قوته في مختلف الأقطار. وقد راقب الطرق التي تعمل بها المصارف في أمستردام، وهامبورج، والبندقية، وجنوة. وفي أمستردام على الأخص أخذ بسحر نظام الائتمان، الذي أتاح للمصرف أن يصدر أوراقاً نقدية بأضعاف القيمة الذهبية لرصيده، بحيث شغل عشرة جولدنات بغطاء جولدن واحد، وبهذه الطريقة حفز الأنشطة الصناعية والتجارية، ويسرها، وضاعفها. ورأى هناك كيف يمكن، في مصرف يثق به رجال الأعمال، إجراء المعاملات بمجرد نقل الأرصدة المصرفية، دون عناء حمل الفضة أو الذهب أو مبادلتهما. وساءل نفسه: لم لا يمكن إنشاء مصرف قومي ونظام ائتمان كهذين في فرنسا؟ وراح يفكر في وضع "نظامه"-وهو الاسم الذي أطلق عليه بعد ذلك. [3]

وكان محور فكرته زيادة توظيف الناس والمواد بإصدار أوراق النقد، بضمان الحكومة، لمثلي قيمة الاحتياطيات القومية من الفضة والذهب والأرض، ويخفض معدل الفائدة ، تشجيعاً لرجال الأعمال على اقتراض المال للمشروعات والطرق الجديدة في الصناعة والتجارة. وبهذه الطريقة تخلق النقود الأعمال، وتزيد الأعمال من التوظيف والإنتاج، وتزداد الإيرادات والاحتياطيات القومية، ويتيسر إصدار المزيد من النقود، ويتصاعد الخير والنفع. ولو أمكن إقناع الشعب-عن طريق المدفوعات من الفوائد-بإيداع مدخراته في مصرف قومي بدلاً من اختزان المعدنين النفيسين، لأضيفت هذه المدخرات إلى الاحتياطيات، وأصدر المزيد من العملة، وهكذا يشغل المال العاطل، ويزداد رخاء البلاد.

وفي عام 1708 شرح لو أفكاره للحكومة الفرنسية، فرفضها لويس الرابع عشر. فلما أصبح فيليب أورليان وصياً، عرض لو أن ينقذ بنظامه هذا مالية فرنسا المفلسة. وتساءل: لم تنفرد فرنسا، وأسبانيا، والبرتغال، دون سائر دول أوربا الكبرى بخلوها إلى ذلك الحين من المصارف القومية؟ ولم تردت فرنسا في مهاوي الركود الاقتصادي برغم ما تميزت به تربتها من خصب وأهلها من ذكاء؟ ووافق فيليب على السماح له بأن يؤسس "مصرفاً عاماً" (1716) على أن يكون هذا مشروعاً أهلياً. وقبل المصرف الودائع، ودفع الفوائد، وأقرض القروض، وأصدر أوراق نقد-من فئات عشرة ومائة وألف فرنك-سرعان ما أصبحت وسيطاً مفضلاً في المبادلة بفضل قيمتها الثابتة، المربوطة بوزن ثابت من الفضة. وكانت هذه الأوراق النقدية أول نقود ورقية قانونية، وهكذا وضع مصرف لو، وفروعه الإقليمية، أول طرق الائتمان المنتظمة في فرنسا. وفي أبريل 1717 تقرر قبول أوراق المصرف سداداً للضرائب.

شركة الغرب

وفي سبتمبر تقدم لو إلى مرحلة من أفكاره أشد مغامرة. ذلك أنه حصل من الوصي على امتاز شركة جديدة سماها "شركة الغرب" لاستغلال حوض المسسبي بأكمله، وكان يومها خاضعاً لفرنسا. وباع للجمهور 200.000 سهم في شركة الغرب هذه سعر السهم منها 500 جنيه، وكان الثمن عالياً، ولكن يجوز دفع ثلاثة أرباعه سندات حكومية بقيمتها الاسمية، التي بلغت ثلاثة أمثال قيمتها الفعلية. وبادر الجمهور إلى شراء الأسهم كلها مغتبطاً بهذه الفرصة التي أتاحت له أن يستبدل بالأوراق المنخفضة القيمة أسهماً في مشروع يرجى من ورائه الربح. وأصدر لو-في تفاؤل متزايد-تعليماته لمصرفه بأن يشتري الاحتكار الملكي للتبغ، وجميع الشركات الفرنسية التي تشتغل بالتجارة الخارجية، ثم ضم هذه الشركات إلى شركة الغرب فألف منها "شركة جزر الهند" التي ستحتكر كل التجارة الخارجية. وبدا لبعض رجال الأعمال أن الاشتراكية في التجارة الخارجية نذير بالاشتراكية في الإنتاج والتوزيع الداخليين، فبدأت تختمر حركة معارضة للو. وفي 4 ديسمبر 1718 أعيد تأسيس مصرف لو باسم "المصرف الملكي"، واعترف بأوراقه أوراقاً نقدية قانونية، وأعطى الإشراف الكامل تقريباً على مالية الأمة. وأصدر لو إصداراً جديداً من الأسهم في شركة الهند بسعر السهم منها 550 جنيهاً. وسرعان ما تم الاكتتاب. وزاد توقع الناس للأرباح المرتفعة في تقديرهم لقيمة الأسهم، فتبادلوها بأسعار مطردة الزيادة في موجة مضاربة، حتى طلبت بسعر 5.000 جنيه، أي بتسعة أو عشرة أمثال قيمتها الاسمية. وتصادف أن مرت بباريس في 1718 الليدي ماري ورتلي مونتاجيو، فابتسمت لرؤية فرنسا تترك التصرف في حياتها الاقتصادية لرجل بريطاني. وسمح لو نفسه لخياله بأن يشطح متجاوزاً صواب حكمه. فلم يكتف المصرف الملكي الجديد بتسلم دار سك النقود وكل جبايات الضرائب، بل تلقى الدين القومي بإعطائه حصة في شركة جزر الهند نظير كل قيمة اسمية قدرها 5.000 جنيه في تعهدات الحكومة، وخيل إليه أن رأس المال العاطل سيصبح بهذه الطريقة عاملاً في مشروعاته المنوعة. ثم عرض قدرة المصرف على الوفاء بديونه لمزيد من الخطر بإعطائه منحة للوصي قدرها 2400 سهم.

وظلت ثقة الناس به كاملة برغم هذه المغامرات الطائشة، واشتدت حماستهم للشركة، وزايد المشترون بأسعار أعلى وأعلى على أسهمها. وزاد المزيفون هذه الضجة بإنزال شهادات أسهم مزيفة إلى السوق. وظل شارع كانكمبوا، الضيق القذر، الذي اختار "النظام" فيه مكانه، مدى عامين المركز المالي الرئيسي لباريس (أشبه بوول ستريت في نيويورك). وتجمع فيه المشترون والبائعون من جميع الطبقات، والدوقات والمومسات، والباريسيون والريفيون والأجانب، في أعداد مطردة وانفعال اشتد يوماً بعد يوم. ومات البعض تحت الأقدام وسط الزحام، أو داستهم مركبات النبلاء. وكان المريشال الشيخ "دفيلار" يمر بالمكان راكباً، فتوقف ليحاضر الجمع المحتشد عن جشعه المفرط. وكانت الأكشاك الصغيرة المقامة في هذا الزقاق تغل كل شهر إيجاراً أكثر مما تغله البيوت في عشرين عاماً. وشكا السكان من شدة الضجيج الذي لا يحتمل. ومع ذلك لم يتوقف المشترون عن المزايدة بأصوات مرتفعة، وكان سعر السهم يزداد كل يوم تقريباً، بل أحياناً كل ساعة، فبيع بعض الأسهم في نهاية عام 1719 بمبلغ 12.000 جنيه، وبلغت القيمة السوقية لكل الأسهم المعروضة آنئذ ثمانين ضعف قيمة كل الذهب والفضة المعروفين في فرنسا. وإذ كان المطلوب دفعه من ثمن السهم لا يتجاوز العشرة في المائة من قيمته الاسمية، فإن نقل الأسهم من مالك لآخر كان سريعاً، وحقق البعض ثروات في يوم واحد. فكسب مصرف 100 مليون جنيه، وخادم في فندق ثلاثين مليوناً. وسمع الناس لأول مرة كلمة "المليونير".

وكان لو رجل الساعة. ففي 1720 عين مراقباً عاماً للمالية. وكان أساطين النبلاء والنبيلات يذرعن حجرة انتظاره ملتمسين نصحه في شئون المال أو تأييده في دسائس البلاط. وقد كتب فولتير مستعيداً ذكرى ذلك العهد فقال "رأيته يعيني يخترق أبهاء الباليه-رويال ومن ورائه الأدواق والأشراف-ومارشيلات فرسا، وأساقفة الكنيسة". وقبلت إحدى الدوقات يده في تذلل.

بيد أنه لم يبد عليه أن انتصار أفكاره الظاهرة أفسده، أو أن استفحال سلطانه الشخصي أطغاه، والواقع أنه ربع للقيمة المفرطة التي أوصل جشع الجمهور أسهم الشركة إليها. ولم يستغل مركزه ليثرى. وقد صرح سان-سيمون، الذي كان يعارض هذا "النظام" بقوله:

"لم يكن في طبعه جشع ولا لؤم. فلقد كان رجلاً رقيقاً طيباً محترماً، لم تفسده زيادة الثقة وكثرة المال، ولم يكن في مسلكه، ولا في بطانته، ولا في مائدة طعامه، ولا في أثاثه، ما يصدم الناس. وقد احتمل بصبر وثبات عجيبين كل المضايقات التي سببتها عملياته، حتى إذا قارب النهاية.. .. أصبح سريع الغضب حاد الطبع".

ولكن بعض النبلاء لم يرضوا عنه لأنه أجنبي وبروتستنتي، ولاحظوا أنه هو وزوجته والإنجليزية لم يكونا متزوجين زواجاً شرعياً رغم ما بدا من إخلاصهما الواحد لصاحبه. ورغبة منه في التخفيف من هذا العداء، قبل المواطنة الفرنسية والمذهب الكاثوليكي الروماني.

واستعمل سلطانه مهمازاً يحفز به رضاء وطنه الثاني، فخفض الضرائب، وأنهى النظام السقيم الفاسد الذي كانت الوكالات الأهلية تتبعه في جميع الضرائب، وأظهر نحو جماهير الشعب عطفاً لم يعهد في رجال المال. وقسم ضياعاً كبيرة ملكاً للكنيسة أو النقابات ليزرعها الفلاحون، لا بل اقترح عقب تعيينه مراقباً عاماً إلزام الكنيسة ببيع جميع الأملاك التي اقتنتها بعد عام 1600-أعني نصف جميع ممتلكاتها الفرنسية(25)-وسبق طورجو بإلغائه الرسوم المفروضة على نقل الأغذية والسلع داخل فرنسا، ونظم بناء الطرق والكباري والقنوات أو ترميمها، واستقدم مهرة الصناع من الخارج ليؤسسوا صناعات جديدة، وشجع التوسع الصناعي بتخفيضه نسبة الفائدة على القروض، وزادت المشروعات الفرنسية ستين في المائة في مدى العامين (1719-20) اللذين بلغ فيهما قمة سلطته، وأحيا البحرية التجارية وضاعفها بالتوسع في التجارة مع آسيا وأفريقيا، وأمريكا، وكانت السفن الفرنسية التي تحمل التجارة الخارجية، تبلغ ست عشرة في مارس 1719، فأصبحت 300 في يونيو 1720، وعادت التجارة الخارجية الفرنسية في عهد لو إلى الأوج الذي أدركته تحت كولبير. وأقنع النبلاء الفرنسيين بتمويل إنتاج البن والتبغ في لويزيانا، ومول هو نفسه تطوير منطقة نهر أركنساس. وفي 1718 أسست نيو أورليانز، واتخذت لها اسماً من اسم أسرة الوصي.

على أن المشروع الأمريكي لم يكتب له التوفيق رغم جهود لو وفيليب المتعددة النواحي. فلقد كان شطر كبير من وادي المسسبي لا يزال برية لم تفتح، وعرض لو مهور العرائس و450 فداناً على الأسر المهاجرة إلى الوادي. فلما تبين أن الهجرة أقل إغراء من المضاربة، رحل المسجونون والمتشردون والبغايا في لويزيانا، ودفع الشبان والشابات (أمثال مانون ليسكو في رواية بروست) إلى هذه المغامرة بالحيلة أو القوة. وكان هؤلاء الضحايا يطعمون أسوأ الطعام حتى مات كثير منهم في الطريق. وأوقفت مراسيم مايو 1720 هذا الإكراه الهمجي. أما في المستعمرة ذاتها فإن التجهيز الرديء، والإدارة السيئة، والتمرد كلها عوقت النهوض بالاقتصاد، وجعلت أرباح "شركة المسسبي" (كما سماها الناس) أقل كثيراً مما افترضه المضاربون. واتضح أن آمال استخراج الذهب أو الأحجار الكريمة من أرض المستعمرة وهم في وهم، رغم أن لو نفسه راوده هذا الحلم.

ولا بد أن نبأ هذه الصعوبات قد وصل إلى فرنسا. وحكم أذكى المضاربين أن أسهم الشركة قد بلغت قمتها، أما غيرهم ممن لم يلقوا عن هؤلاء جشعاً وإن افتقروا إلى المعلومات أو الحكم الصائب، فقد حل بهم الخراب لأنهم تأخروا في بيع أسهمهم. وفي ديسمبر 1719 أصبح التهافت والتنافس على البيع أكثر مما كان على الشراء. ففي بحر شهر واحد باع الدوق بوربون أسهماً بعشرين مليون جنيه، وأمير كونديه بأربعة عشر مليوناً، وتطلب الأمر تخصيص ثلاث عربات لحمل الذهب الذي لم يجرؤ لو على الامتناع عن دفعه ثمناً لأوراقه النقدية وأسهم الشركة. وأفرغ مضارب بروسي ما يملكه منها، ثم مضي بثلاثين مليوناً من الجنيهات ذهباً. وصرف غير هؤلاء ثمن أسهمهم ليشتروا أرضاً أو بيوتاً أو حلياً أو أشياء أخرى مما تستند قيمته على أساس مكين من حاجة البشر وغرورهم. أما المليون الذين عاقبتهم غرفة العدالة فقد انتقموا لأنفسهم بصرف ثمن أوراقهم وإرسال الذهب خارج فرنسا. وحاول لو أن يقف تدفق الذهب من الخزانة، فحصل من الوصي على مراسيم تحرم على الشعب تملك المعادن النفيسة أو الاتجار فيها أو تصديرها، وتحتم تسليم كل الذهب والفضة مما تزيد قيمته على خمسمائة فرنك إلى المصرف الملكي. وخول لمندوبي المصرف أن يدخلوا البيوت ويفتشوا عن المعدن النفيس المخبوء، ومثل هذا العدوان على حرمة البيوت لم يجرؤ عليه أحد قط حتى لويس الرابع عشر. يقول سان-سيمون "لقد أخفى الكثيرون أموالهم في تكتم شديد حتى أنهم-بعد أن ماتوا دون الإفضاء بمكمن كنوزهم الصغيرة-ظلت هذه مدفونة وضاعت على ورثتهم".

حفر ساخر من برنار پيكار حول مختلف نواحي « نظام لو » وإفلاسه في 1720. (النص بالفرنسية وبالهولندية).

فلما واصل سعر الأسهم هبوطه حاول لو أن يدعمه بعرضه 9.000 جنيه (بأوراق النقد) ثمناً للسهم، ولكن الزيادة المطردة في أوراق النقد خفضت من قيمتها ورفعت من سعر البضائع. فلم يحل مايو 1720 حتى كانت الأسعار قد ارتفعت مائة في المائة، والأجور خمسة وسبعين في المائة بالمقارنة بسنة 1716، وفي يوليو كان زوج الجوارب الحريرية الطويلة يباع بأربعين جنيهاً. وبدأ الذعر من التضخم، فاندفع الناس إلى تغيير أوراق النقد وشهادات الأسهم والبضائع، فجمع دوق دلافورس المقادير الكبيرة من الشموع، وكدس المريشال ديستري كميات ضخمة من البن والكاكاو. ولكي يحد لو من هذا الهروب من النقود إلى السلع، أعلن (21 مايو) تخفيض 50% في القيمة الرسمية لأوراق النقد وأسهم الشركة. وكان هذا خطأً كبيراً-ربما كان السبب فيه ضغط الوصي المرتاع على لو، وكان هو ذاته يشعر بالضغط عليه من خصوم لو من النبلاء والكهنة(، وحاول فيليب تخفيف الأزمة برد كل أسهمه في الشركة إلى المصرف.

ومع ذلك استمرت موجة البيع. ففي يوليو اضطر المصرف إلى وقف الدفع على أية ورقة نقدية تزيد على عشرة فرنكات وحاصر حملة الأوراق المصرف. وطالبوا في صخب وضجيج برد قيمة أوراقهم ذهباً أو فضة. وفي باريس اشتد تزاحم القوم حتى ديست عشر نساء تحت الأقدام وسط الفوضى، وحملت بعد ذلك ثلاث من جثثهن في موكب غاضب تحت نوافذ الوصي. واعتبر الشعب لو مسئولاً عن جميع الصعوبات مع أن مضاربتهم المجنونة هي التي سببت انهيار "النظام". وحاول بعضهم القبض عليه وقتله، فلما فشلت المحاولات هشمت مركبته تهشيماً في فناء الباليه-رويال-وأعربت حوادث الشغب المتكررة عن شعور الشعب بأنه كان ضحية الخدع المالية، وبأن الطبقات العليا كسبت على حساب جمهرة الأمة. وشارك البرلمان في الحملات على لو، فنفى فيليب البرلمان إلى بونتواز (20 يوليو)، ودافع الشعب عن البرلمان.

وفي أغسطس هبطت أسهم شركة المسسبي إلى 2.000 جنيه بعد أن بلغت في أوج ارتفاعها 12.000 جنيه، أما الأوراق النقدية فهبطت إلى عشرة في المائة من قيمتها الأصلية. وفي أكتوبر تسرب نبأ-سري من فم إلى فم-بأن الوصي سحب من المصرف الملكي أبان ازدهاره أوراقاً بلغت قيمتها الاسمية ثلاث بلايين من الفرنكات، أنفق أكثرها على الهدايا السخية للأصدقاء والمحظيات وحوالي هذا التاريخ هرب أحد صيارفة المصرف إلى بروسيا حاملاً كمية ضخمة من الذهب. فهبطت أسهم شركة المسسبي إلى 200 جنيه. وفي ديسمبر ألغى الوصي المصرف، وطرد لو، وأعاد البرلمان. وفي الرابع عشر من أكتوبر غادر لو فرنسا مع ابنه. وكان قد وظف ثروته في شركة جزر الهند الخاسرة، وشارك مصير معظم حملة الأسهم، ولم يكن قد أودع مالاً في الخارج، فلم يأخذ الآن معه سوى ألفي جنيه وبعض الجواهر غير القيمة. وفي بروكسل تلقى من بطرس الأكبر دعوة بالحضور إلى روسيا والاضطلاع بشئون ماليتها، فرفض، واعتكف في البندقية، حيث لحقت به زوجته وابنته، وعاش مغموراً فقيراً، وهناك مات في 1729.

لقد كانت المبادئ التي أقام عليها مصرفه سليمة نظرياً، ولولا جشع المضاربين المفرط وإسراف الوصي لجعلت فرنسا قادرة على الوفاء بالتزاماتها ولحققت لها الرخاء. وحين فحصت حسابات لو الخاصة وجدت سليمة لا غبار عليها. وترك الاقتصاد الفرنسي مؤقتاً خرباً في ظاهر الأمر، فحملة الأسهم والأوراق النقدية يطالبون بدفع قيمتها والدفع مستحيل، وتداول النقود أصابه الشلل تقريباً، والصناعة محجمة، والتجارة الخارجية أصابها الركود، والأسعار فوق طاقة الشعب. ودعا الوصي أخوان "باريس" ليشيعوا شيئاً من النظام وسط هذه الفوضى. فطلبوا جميع أوراق النقد وعوضوا فئاتها المنوعة بحقوق على الدخل القومي، بخسارة على أصحابها تفاوتت من ستة عشر إلى خمسة وتسعين في المائة، أما الجمهور الذي استنفد سورة غضبه فقد أذعن لهذا الإفلاس العملي في صبر واحتمال.

على أن شيئاً بقي بعد هذا الانهيار. فالزراعة أفادت من ارتفاع قيمة محاصيلها وهبوط العملة. وأفاقت الصناعة سريعاً لأنها وجدت حافزاً من انخفاض الفائدة وارتفاع الأسعار، وظهرت المشاريع الجديدة في كل مكان. وانتفعت التجارة الداخلية من خفض الرسوم الداخلية، واستأنفت التجارة الخارجية توسعها فيما وراء البحار بعد انحسار الفوضى. وخرجت الطبقات الوسطى سليمة كبيرة-وسعيها وراء الكسب كالعهد بها طبيعي وضروري. وتضاعف عدد الماليين وازدادوا قوة على قوة. وكسب النبلاء لأنهم دفعوا ديونهم بعملة أرخص، ولكنهم ظهروا بمظهر مخز لأنهم أبدوا وسط حمى المضاربة شهوة ملحة للكسب لا تقل افتضاحاً عنها في أي طبقة. وظلت الوصاية ملوثة بالنكول عن التزاماتها المالية وبترفها الموصول وسط الخراب الشامل. وقال ناقد مجهول الاسم في معرض الشكوى من الحال "لا بد من انقضاء قرون حتى يمكن استئصال الشر الذي يسأل عنه لو، لأنه عود الناس الدعة والترف، وجعلهم غير قانعين بحالهم، ورفع ثمن الطعام والعمل اليدوي، وجعل جميع طبقات التجار تتطلع إلى أرباح باهظة" ولكن تلك الروح التجارية ذاتها حفزت اقتصاد فرنسا وفكرها، رغم هبوطها بالجو الأخلاقي للمجتمع الفرنسي. فما حل عام 1722 حتى انتعش الاقتصاد الفرنسي بقدر أتاح للوصي على العرش أن يعود، باطمئنان ضمير الحاكم، إلى أساليبه المعهودة من الحكم العطوف، والفجور الفاضح.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأفلام

فيلم الرسوم المتحركة القصير الصادر عن المجلس الكندي للفيلم الوطني لشارون وريتشارد كوندي والذي حمل عنوان جون لو وفقاعة المسيسيپي يعتبر تأويلاً فكاهياً. الفيلم من انتاج المجلس الكندي للفيلم الوطني وتم تصويره في استديو وينيپگ الذي أفتتح حديثاً. عُرض الفيلم في السينمات الكندية في سبتمبر 1979 وبيع إلى محطات بث دولية. حصل الفيلم على جائزة مهرجان تامپير السينمائي.[4]

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة nyfed
  2. ^ Federal Reserve Bank of Chicago, The Life and Times of Nicolas Dutot, November 2009
  3. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  4. ^ Ohayon, Albert. "John Law and the Mississippi Bubble: The Madness of Crowds". NFB.ca Blog. National Film Board of Canada. Retrieved 22 June 2011.

وصلات خارجية