تشى گـِڤارا

(تم التحويل من Ernesto "Che" Guevara)
تشه گـِڤارا
Che Guevara
June 14, 1928 – October 9, 1967
GuerrilleroHeroico.jpg
"Guerrillero Heroico"
Che Guevara at the La Coubre memorial service.

Taken by Alberto Korda on March 5, 1960.

تاريخ الميلاد: 14 يونيو 1928[1]
محل الميلاد: روزاريو, الأرجنتين
تاريخ الوفاة: أكتوبر 9, 1967(1967-10-09) (aged 39)
محل الوفاة: لا هيگـِرا, بوليڤيا
الهيئات الرئيسية: 26th of July Movement, United Party of the Cuban Socialist Revolution,[2] National Liberation Army (Bolivia)
الديانة: None[3]

إرنستو گـِڤارا دِ لا سيرنا ( Ernesto Guevara de la Serna ) -(عاش 14 مايو 1928 - 9 أكتوبر 1967) - ثوري كوبي أرجينتيني المولد، كان رفيق فيديل كاسترو. يعتبر شخصية ثورية فذّة في نظر الكثيرين. وهو شخصية يسارية محبوبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

گـِڤارا في زيه العسكري الأخضر المميز، 2 يونيو، 1959.

درس الطب في جامعة بوينس أيريس و تخرج عام 1953، وكانت رئتيه مصابة بالربو ، و بسبب ذلك لم يلتحق بالتجنيد العسكري . قام بجولة حول أمريكا الجنوبية مع أحد أصدقائه على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الطب و كونت نلك الرحلة شخصيته و إحساسه بوحده أميركا الجنوبية و بالظلم الكبير من الدول الإمبريالية للمزارع البسيط الاميريكي .

توجه بعدها إلى جواتيمالا ، حيث كان رئيسها يقود حكومة يسارية شعبية ، كانت من خلال تعديلات ، وعلى وجه الخصوص تعديلات في شؤون الارض والزراعة ، تتجه نحو ثورية إشتراكية. وكانت الإطاحة بالحكومة الغواتيمالية عام 1954 بانقلاب عسكري مدعوم من قبل وكالة الإستخبارات الأمريكية ،

وفي عام 1955 قابل "هيلدا" المناضلة اليسارية من "بيرون" في منفاها في جواتيمالا، فتزوجها وأنجب منها طفلته الأولى، و هيلدا هي التي جعلته يقرأ للمرة الأولى بعض الكلاسيكيات الماركسية، إضافة إلى لينين و تروتسكي و ماو.

سافر للمكسيك بعد أن حذرته السفارة الأرجنتينية من أنه مطلوب من قبل المخابرات الأمريكية ، التقى هناك راؤول كاسترو المنفي مع أصدقائه يجهزون للثورة و ينتظرون خروج فيديل كاسترو من سجنه في كوبا ، ما ان خرج فيديل كاسترو من سجنه و تم نفيه إلى المكسيك حتى قرر غيفارا الإنظمام للثورة الكوبية فقد نظر إليه فيديل كاسترو كطبيب هم في أمس الحاجة إليه

نص كتاب احلامي لا تعرف حدودا لارنستو تشي جيفارا انقر على الصورة للمطالعة

الثورة الكوبية

في 1959 اكتسح رجال حرب العصابات، برئاسة فيدل كاسترو، هافانا واسقطوا الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا . هذا برغم تسليح حكومة الولايات المتحدة وتمويلها لباتيستا ولعملاء الـ CIA داخل جيش عصابات كاسترو.

دخل الثوار كوبا على ظهر زورق ولم يكن معهم سوى ثمانين رجلا لم يبق منهم سوى 10 رجال فقط، بينهم كاسترو وأخوه "راؤول" وجيفارا، ولكن هذا الهجوم الفاشل أكسبهم مؤيدين كثيرين خاصة في المناطق الريفية.

وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين و خسروا نصف عددهم في معركة مع الجيش كان خطاب كاسترو الذي سبب إضراب شامل و خطة غيفارا للنزول من جبال سييرا باتجاه العاصمة الكوبية حتى دخل العاصمة هافانا في يناير 1959 على رأس ثلاث مائة مقاتل إلى هافانا ليبدأ عهد جديد في حياة كوب منتصرين بعد أن أطاحوا بحكم الديكتاتور "باتيستا"، وفي تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب "تشي" الارجنتيني، وتزوج من زوجته الثانية "إليدا مارش"، وأنجب منها أربعة أبناء بعد أن طلّق زوجته الأولى.


برز تشي غيفارا كقائد و مقاتل شرس جدا لا يهاب الموت و سريع البديهة يحسن التصرف في الأزمات لم يعد غيفارا مجرد طبيب بل أصبح قائدا برتبة عقيد و شريك فيديل كاسترو في قيادة الثورة أشرف كاسترو على استراتيجية المعارك و قاد غيفارا و خطط للمعارك عرف كاسترو بخطاباته التي صنعت له للثورة شعبيتها لكن كان غيفارا خلف أدلجة الخطاب و إعادة رسم ايديولوجيا الثورة على الأساس الماركسي اللينيني

جيفارا وزيراً

صدر قانون يعطي الجنسية و المواطنية الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة عقيد و لا توجد هذه المواصفات سوى في غيفارا الذي عيين مديرا للمصرف المركزي و أشرف على تصفية خصوم الثورة و بناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن وجهها الشيوعي و ما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور و بخاصة الجيش قامت الحكومة الشيوعية التي كان فيها غيفارا وزيراً للصناعة مثل كوبا في الخارج و تحدث باسمها في الأمم المتحدة زار الإتحاد السوفيتي و الصين إختلف مع السوفييت على إثر سحب صورايخهم من كوبا بعد أن وقعت الولايات المتحدة معاهدة عدم إعتداء مع كوبا.

تولى بعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة –وعلى رأسها فيدل كاسترو- على التوالي، وأحيانا في نفس الوقت مناصب:

- سفير منتدب إلى الهيئات الدولية الكبرى.

- منظم الميليشيا.

- رئيس البنك المركزي.

- مسئول التخطيط.

- وزير الصناعة.

ومن مواقعه تلك قام الـ"تشي" بالتصدي بكل قوة لتدخلات الولايات المتحدة ؛ فقرر تأميم جميع مصالح الدولة بالاتفاق مع كاسترو؛ فشددت الولايات المتحدة الحصار، وهو ما جعل كوبا تتجه تدريجيا نحو الاتحاد السوفيتي وقتها. كما أعلن عن مساندته حركات التحرير في كل من: تشيلي، وفيتنام، والجزائر.

مع عبد الناصر

گـِڤارا في المنوفية، مصر، فبراير 1965.

عندما دخل فيدل كاسترو على رأس رجاله الظافرين هافانا، وقد امتشقوا بنادقهم وأحزمة رصاصهم مطلقين لحاهم الكثيفة مال الرئيس عبد الناصر إلى اعتبارهم. جماعة من المغامرين على الطريقة السينمائية التي كان يقوم بأدوارها إيرول فلين وأمثاله من أبطال أفلام المغامرات المثيرة ، ولينس ثوارا حقيقيين وربما ساعد على هذا الانطباع أن الممثل ايرول فلين نفسه كان مع الموكب الغريب الذي  دخل كاسترو به إلى هافانا.

ولم يول عبد الناصر حركة كاسترو الكثير من الاهتمام لأن الزعيم الكوبي كان يلقى كثيرا من التأييد الأمريكى في ذلك الحين . ومع أن عبد الناصر كان يرى أن أمريكا اللاتينية كانت ناضجة للثورة، فلم يكن يعتقد أنه يمكن أن ينجح أى تغيير هناك دون موافقة أمريكا . فقد كان شديد الإحساس واليقظة للطريقة التى قلبت بها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نظام الرئيس أربينيز في جواتيمالا، وكان إحساسه هذا من العمق بحيث لم يكن يساوره أى شك في حقيقة بطش الولايات المتحدة وسلطانها على تلك المنطقة.
 
وقد كان شكه في تأييد أمريكا لحركة كاسترو، وارتيابه في نزعة كاسترو المسرحية- فضلا عن انهماكه في أحداث الشرق الأوسط- هو الذى دفع عبد الناصر إلى العزوف عن التورط مع كاسترو وأتباعه أصحاب الذقون الطويلة والأحذية الثقيلة.
 
ولم يكن هناك أى اتصال حقيقى بين الحركتين حتى يونيو ( حزيران) 1959 عندما وصل تشى جيفارا إلى القاهرة في زيارة لمدة خمسة عشر يوما لدراسة تجربة الإصلاح الزراعى في مصر .
 
وكانت هذه هى أول مرة يلتقى فيها عبد الناصر وتشى جيفارا.
 
في هذا اللقاء الأول، روى تشى لعبد الناصر إنه عندما كان كاسترو يجابه المصاعب  والنكسات-وهو يقود حرب العصابات في قمم التلال الكوبية في سنة 1956 -- كان يستمد كثيرا من الشجاعة من الطريقة التى صمدت بها مصر للعدوان الثلاثي البريطاني- الفرنسى- الإسرائيلى .  وقال إن عبد الناصر كان مصدر قوة روحية وأدبية لرجاله.
 
على أنه عندما بدأ الرجلان يتطرقان إلى موضوع الإصلاح الزراعى، بدا الاختلاف بينهما واضحا على الفور . إذ كان أول سؤال وجهه تشى جيفارا هو:
 
" كم من اللاجئين المصريين أجبروا على مغادرة البلاد؟ "
 
وعندما رد عليه عبد الناصر بأن عددهم لم يكن كبيرا وأنهم كانوا في معظمهم من " المصريين البيض " أى من فثة أصحاب الجنسيات الأجنبية الذين تمصروا بحكم إقامتهم في مصر، لم يسعد هذا الجواب جيفارا، فقال معلقا:
 
 
" هذا يعنى أنه لم يحدث شيء كثير في ثورتكم . إننى أقيس عمق التحول الاجتماعى بعدد الأشخاص الذين يمسهم ويؤثر فيهم بحيث يبدأون في الإحساس بأنهم لم يعد لهم مكان في المجتمع الجديد. "
 
وهنا شرح له عبد الناصر أن ما يفعله هو، تصفية امتيازات طبقة معينة وليس تصفية أفراد تلك الطبقة". وأضاف أنه يريد أن يفتت سلطة الإقطاعيين لكنه لا يريد أن يحرم أفراد هذه الطبقة الإقطاعية من أن يصبحوا أعضاء نافعين في المجتمع الجديد إذا شاءوا .
 
ولكن جيفارا أصر على وجهة نظره ولم تتمخض زيارته للقاهرة عن شئ يذكر. فقد كان الرئيس عبد الناصر حتى ذلك الوقت لا يولى الكوبيين وسياساتهم الكثير من الاهتمام .
 
----------------------
 
وفى السنة التالية استقبل عبد الناصر ضيفا كوبيا آخر هو راءول كاسترو- شقيق فيدل- الذى جاء على رأس وفد كوبي للاشتراك في احتفالات ذكرى الثورة . وقد أعد خطابا لهذه المناسبة يلقيه في الاسكندرية بمناسبة ذكرى خلع الملك فاروق عن العرش . وكان الخطاب بالغ العنف في هجومه على الولايات المتحدة، ذلك أن العلاقات بين كوبا الجديدة كانت قد ساءت وأخذت الولايات المتحدة تهييء مقدمات الغزو في معركة خليج الخنازير التى وقعت فيما بعد.
 
واستفسر أحد رجال التشريفات من كاسترو عما سيقوله في خطابه ولما أطلعه كاسترو على الخطاب هاله ما فيه من عنف في العداء لأمريكا فرجاه أن يخفف شيئا من لهجته.
 
وانفرد كاسترو بنفسه في المدرج وحاول أن يحذف أعنف مقاطع الخطاب وشعر باكتئاب شديد من ذلك. لكنه ازداد انزعاجا عندما قال له رئيس التشريفات إن النصف المنقح لا يزال بالغ العنف !
 
وفى النهاية حذف راءول كاسترو ما يقرب من ثلثى الخطاب وشعر برغبة في الامتناع تماما عن الكلام في الاحتفال غير أنه كان وعد بالكلام واتخذت كل الترتيبات لذلك فأحس بأنه لابد وأن يمضى في الأمر إلى نهايته. ولكنه شعر بالخيبة و بأن خطابه كان فاترا بلا نبض ولا روح ولا حيوية .
 
ثم ألقى الرئيس عبد الناصر خطبة حمل فيها على الولايات المتحدة حملة أكثر عنفا بكثير مما كان كاسترو ينويه في النص الأول لخطابه. من هنا فقد أسقط في يد الزائر الكوبي وكان من الطبيعى أن يشعر بالحيرة والغضب معا !
 
وعندما خرج عبد الناصر وكاسترو في  سيارة واحدة من مدرج الاحتفال لتناول العشاء، لزم كاسترو الصمت طوال الطريق برغم حماسة الجماهير الى كانت تهتف لهما وتحييهما. وعندما وصلا إلى بيت الرئيس قال كاسترو : " إننى آسف فربما ليس لى أن أثير الموضوع أصلا . لكننى لا أفهم شيئا على الإطلاق إليك خطابى...
 
كان الخطاب مكتوبا بالأسبانية، ولاحظ الرئيس فورا أن نصفه مشطوب. واستأنف كاسترو قائلا:
 
" إن ما يحيرني هو أنك كنت في حملتك على الأمريكيين أقسى وأشد مما كنت أنويه عشرات المرات..."
 
ودهش الرئيس وسأل كاسترو عمن قام بدور الرقيب على خطابه، وبدأ يتحرى فورا عن الأمر بالتليفون، حتى اهتدى إلى المسئول الذى راقب خطاب كاسترو، وقد قال ذلك الرجل-  سيء الحظ- إنه شعر بأن عليه أن يسأل كاسترو تخفيف لهجة خطابه لأنه كان مقرراً أن يحضر السفير الأمريكى الاحتفال ..!
 
وهنا التفت عبد الناصر إلى كاسترو قائلا : " هكذا يعاني الثوريون من البيروقراطيين " .
 
ورد كاسترو قائلا إنه لو لم يهاجم الرئيس الأمريكيين في خطابه ولو لم يسأل عن سبب مراقبة خطابه لكان قد عاد ليخبر أخاه أن المصريين ليسوا ثوريين .

التقى عبد الناصر بفيدل كاسترو للمرة الأولى في نيويورك بعد ذلك بثلائة أشهر عندما حضر الإثنان " دورة خروشوف " في الأمم المتحدة . وفى ذلك اللقاء كرر فيدل كاسترو ما كان قاله جيفارا عن الشجاعة التي استمدوها في 1956 من الطريقة التي صمدت بها مصر في وجه بريطانيا وفرنسا وإ سرائيل في معركة السويس . وكيف خرجت ورأسها مرفوعة في عنان السماء. وطلب من الرئيس عبد الناصر أن يلخص له التجربة المصرية وقت السويس وأبدى إعجابا صادقا به.
 
وقد أعطى الرئيس عبد الناصر تأييده لكاسترو في نيويورك حيث دبر الأمريكيون حملة ضده تستهدف إجباره على مغادرة الولايات المتحدة. وكان قد حجز لنفسه ولأعضاء وفده في فندق شلبورن حيث تعمدت إدارة الفندق إهانته إذ طلبت من الكوبيين تقديم بعض الضمانات المالية ثم امتلأت الصحف الأمريكية بالقصص الفاضحة التي تزعم أن غرف المندوبين الكوبيين امتلأت بريش الدواجن التى زعموا أن هؤلاء كانوا يذبحونها في غرفهم ويلتهمونها !
 
وانتقل كاسترو إلى الإقامة في هارلم- حى الزنوج- وذهب عبد الناصر لزيارته في ذلك الحى الزنجي المعزول لإبلاغه رغبته في أن يقترح نقل الأمم المتحدة إلى بلد آخر إذا جعل الأمريكيون من المستحيل على كاسترو أن يشترك في دورة الجمعية العمومية تلك.

وحمل كاسترو لعبد الناصر هدية كانت عبارة عن صندوق خشبى موشى بجلد التمساح. وعندما فتحه عبد الناصرقال : " ظننت أنه صند وق سيجار "، فاعتنر كاسترو قائلا : ".لم أكن أعرف أنك تدخن السيجار، لكننى سأتحقق من أن تصلك كمية من السيجار، ولربما أخطأت في إهدائك صندوقا موشى بجلد التمساح لأن النيل عندكم يعج بالتماسيح ".
 
أجابه عبد الناصر: " نعم... عندنا" وتطلع إلى سقف الغرفة قبل أن يضيف " أربعة منها بالضبط ! "
وتطلع إليه كاسترو مشدوها : " كيف تيسر لك أن تحصيها "؟ فأجابه الرئيس لأنها جميعا في حديقة الحيوان " !
 
وسأله كاسترو إذا كان سيستمع إلى خطابه الرئيسي الذى ينوى أن يلقيه في جلسة بعد الظهر في الأمم المتحدة، فرد عبد الناصر بأنه على قدر ما كان يود ذلك ، فلن يكون في وسعه أن يحضره لأن موعده مع الرئيس أيزنهاور كان قد حدد في نفس الموعد المقرر الذى كان كاسترو يتحدث فيه.
 
واكتأب كاسترو للغاية واعتقد بأن الأمريكيين تعمدوا تحديد الموعد بهذه الطريقة حتى يعرقلوا أى تقارب بينه وبين عبد الناصر. ولكن حتى إذا كان ذلك صحيحا فالواقع أن الأمريكيين لم ينجحوا في غرضهم إذ قام بين الرجلين إعجاب متبادل تزايد على مر الأيام .
 
وحث الرئيس عبد الناصر كاسترو- في اجتماعاتهما في نيويورك- على أمرين :
 
أولهما : أن لايعلق اهتماما أكثر مما يجب على القاعدة البحرية الأمريكية في " جوانتانامو " في كوبا، وأن لايسمح لنفسه بأن يساق إلى نزاع عسكرى بسبب تلك القاعدة .
 
وثانيهما: أهمية وجود قاعدة للثورة . كالوحدة العربية مثلا بالنسبة للثورة المصرية.
وأوضح الرئيس لكاسترو كيف أن فكرة الوحدة العربية قد أعطت النضال المصرى عمقا عظيما وأمدت الثورة بالعمق الاستراتيجى والادبي والسياسي .
 
وسأل كاسترو إذا كانت ثمة قاعدة أو أسس للوحدة في أمريكا اللاتينية.
 
ورد كاسترو بأن هناك بعض الأسس : الدين، واللغة - باستثناء البرازيل بلغتها البرتغالية- والاضطهاد الذى يؤلف القاسم المشترك الأعظم بين جميع دول أمريكا اللاتينية. ولكن لم يقم بعد أى عامل توحيدى في قوة فكرة الوحدة العربية.
 
---------------------
 
عاد جيفارا إلى القاهرة في فبراير (شباط) 1965 ومكث في المنطقة العربية حتى نهاية مارس (آذار). وفى ذلك الحين كان عبد الناصر قد نبذ تماما شكوكه الأولية في الكوبيين وأخذ يعجب بهم لاندفاعهم في تأييد مصر وقت السويس وفى صراعهم من أجل الحفاظ على ثورتهم .
 
وكان عبد الناصر يرى في كفاحهم ضد الولايات المتحدة في معركة خليج الخنازير وأزمة الصواريخ الروسية، صراع سمك السردين مع الحوت . وكان اعجابه كله لسمك السردين .
 
استقبل عبد الناصرجيفارا في اليوم الثاني من زيارته وشعر على الفور بأن جيفارا يعاني الحزن من ضيق شخصى وكرب عميق .  وحاول عبد الناصر أن يحثه على الكلام : كيف تسير الأحوال في كوبا ؟ هل كل شيء على ما يرام بينه وبين كاسترو؟ "
 
لكن جيفارا  ظل منطويا على نفسه ، ولم يفتح قلبه أو " يفضفض " بالكلام عن مشكلته.
 
وفى ذلك الاجتماع أبلغ عبد الناصر أنه ذاهب إلى تانزانيا حيث ألفت لجنة لمساعدة حركات  التحرير الأفريقية في دار السلام، ولكن عبد الناصر شعر  بأن جيفارا لا يتجه إلى تانزانيا بكل قلبه ...
 
وعاد جيفارا بعد عشرة أيام قضى بعضها في الكونجو وقال للرئيس : إن ماشاهده هناك أحزنه وحز في قلبه. وقال إنه قام بزيارة كتيبتين من الزنوج الكوبيين ألفتا وأرسلتا من  كوبا للقتال من أجل أنطوان  جيزنجا الرجل الذى حاول أن يرث زعامة لومومبا . ومضى يبلغ الرئيس " إنه يفكر في  الانضمام إلى الكفاح وفى تولى قيادة الكتيبتين .
 
 
ودهش عبد الناصر مما سمع... بينما استطرد جيفارا- الذى كان يرافقه في المقابلة السفير الكوبي في تانزانيا السنيور ريفالتا الزعيم السابق لنقابة عمال السيجار في كوبا-  يقول : " لقد أمضيت ليلتى كلها أذرع أرض غرفتى في فندق شبرد محاولا أن أقرر إذا كان يجب أن أقابلك وأخبرك بذلك بينما أمضى صديقي ريفالتا وقته يلف سيجارين لك ".
 
وكان ريفالتا يحمل دائما أوراق التبغ الكوبي معه ليلف السيجار حيثما أتيح له. وهكذا لف في ليلة تردد جيفارا سيجارين بالغى الطول للرئيس بينما كان جيفارا يحاول أن يقرر ما إذا كان له أن ينبىء الرئيس عبد الناصر بأنه ينوى أن يقاتل في الكونجو .
 
وما لبث جيفارا أن بدأ يتكلم ليوضح موقفه للرئيس :

إننى أرى أنه يجب أن نفعل المزيد من أجل الثورة في العالم . وقد فكرت في أنه يتعين على أن أتوجه إلى أفريقيا لأفعل شيئا ما. إن لى خبرتي وتجربتى في النشاطات الثورية وفي التنظيم الثورى وأعتقد أن الأسباب مهيأة في أفريقيا.

" وأعتقد أننى سأتوجه إلى الكونجو لأنها أكئر بقاع العالم تفجرا ، وأخال أننا نستطيع- بمساعدة الأفريقيين عبر لجنة تانزانيا وبواسطة الكتيبتين الكوبيتين- أن نؤذى الاستعماريين في قلب مصالحهم في كاتانجا " .

ورد عليه عبد الناصر قائلا : " إنك تدهشني ماذا حدث لكل ما كنت تفعله في كوبا ؟ هل تخاصمت مع كاسترو؟ لا أريد أن أتدخل لكنك إذا كنت تريد أن تصبح " طرزانا " ثانيا ، رجلا أبيض يقحم نفسه بين الزنوج ليقودهم ويحميهم ، فإن ذلك لن يفلح .

وضحك جيفارا من فكرة تحوله إلى " طرزان " . وانتهى الاجتماع الذى كان في الوقت نفسه بداية سلسلة من الحديث والحوار بين عبد الناصر وجيفارا . حوار بين مناضلين ثوريين كان رأيهما واجتهادهما في طريقة تحقيق الثورة تختلف بشكل جوهرى في معظم الأحيان .

كان عبد الناصر يحب جيفارا. وكان يشعر بميل عاطفى خاص نحو هذا الزعيم الكوبي ، وفي أثناء الحديث، بدأت تتجلى أسباب حزن جيفارا. فقد قال يبسط الوضع ، إنه يكن احتراما شديدا لكاسترو ويعتبره أخا ومعلما، ولكن قامت بينهما أشياء لم تكن كلها سوية . أولها أنه جعل راءول كاسترو  يعتنق الشيوعية بينما كان في المكسيك ولم يخبرفيدل بذلك . ثم أدخل راءول في عضوية الحزب الشيوعى وقرر معه أن يخفيا الأمر على فيدل. ولما عرف فيدل كاسترو بالأمر استشاط غضبا : غضب لما حدث كما غضب لأنه أخفى عنه.

كذلك عكر العلاقات بينهما أنه كانت له أحيانا- برغم أنه لا يشك مطلقا في الإخلاص الثورى لكاسترو- بعض التحفظات إزاء معتقدات كاسترو الاجتماعية أئناء كفاحهما المسلح في الجبال .

وعلى كل حال، فقد كان غضب كاسترو وشكوك جيفارا قد مضيا ، ومنح كاسترو رفيقه فرصته في أن يزاول حقه الثورى كاملا، فقد أعطاه- وهو الأرجنتينى- الجنسية الكوبية وجعله وزيرا للصناعة.

ولكن مصاعب ذلك المنصب كانت هائلة ووجد جيفارا أن الكثيرين أخذوا يهاجمونه بسبب افتقاره إلى النجاح بشكل جعله يشعر بأنه يفتح المجال لمهاجمة فيدل كاسترو شخصيا.

وقال جيفارا إنه يشعر بأنه يتخبط في أزمة . فقد كانت لديه أسئلة عديدة لا يستطيع أن يجد لها جوابا. وقال إن كوبا تواجه مشكلات هائلة. وليست هناك حلول سريعة. واعترف قائلا : " لقد تخبطنا- وربما كنت أنا المسئول عن هذه الأخطاء- فقد أممنا 98 في المائة من كل ما وجدناه ، أممنا حتى دكاكين الحلاقة، وبعد ذلك وجدنا أنه كان علينا أن نترك بعض الناس خارج نطاق التأميم " .

ومضى جيفارا يقول:

لقد تعودت أن أتحدث كثيرا عن التحول الاجتماعى . ومن ثم كلفت مهمة الإشراف على ذلك التحول ، وكان المشكل الأول الذى واجهته هو إيجاد الأشخاص الذين يمكنهم أن يديروا المؤسسات المؤممة ثم وجدناهم وظننا أنهم سيكونون ممثلين للثورة، فاكتشفنا أنهم لا ينتمون إلى الحزب الثورى  إنما إلى الحزب الإدارى .

فقد نسوا حماسهم الثورى في أحضان السكرتيرات الفاتنات وعلى مقاعد سياراتهم الفخمة وفى أجواء امتيازاتهم ومكاتبهم وبيوتهم المكيفة الهواء ، وأخذوا يغلقون أبواب مكاتبهم في وجوه الناس للحفاظ على الهواء المكيف بدلا من أن يفتحوها لاستقبال العمال.

لقد شعرت بأننا نعطى الانتهازية فرصتها. وقد وجدنا رجلا يحتفظ في مكتبه  بسبعة عشر جهاز تلفزيون .
 
أحسست بأنه ليس لدينا حزب، إننى شيوعى وقد قرأت القدر الكثير من الكتب الشيوعية وأصبحت معذبا مشتتا ببن الثورة والدولة. "
 
وكان جيفارا يتكلم بملء اندفاعه. كانت خيبة أمله واضحة وضوح حزنه وكربه وكان صدره مليئا بأسثلة تفتقرإلى جواب .
 
" من هو الشيوعى؟ ماهو دور الحزب؟ هل الشيوعى مجرد ملحد؟ هل يتعين على الشيوعى أن يعمل أكثر من الآخرين؟ لقد قلت ذات يوم إن على الشيوعى أن يكون آخر من يأكل وآخر من ينام وأول من يستيقظ . لكننى تبينت أن ما قلت هو وصف لعامل جيد وليس وصفا لشيوعى جيد.

من يسن القوانين؟ ما هى العلاقة بين الحزب والدولة؟ وبين الثورة الناس؟ حتى يومنا هذا ظلت هذه العلاقات تدار بانتقال الأفكار واستقرائها تلقائيا . لكن هذه الطريقة لم تعد كافية.
 
إننا شديدو التعاسة من كثير من الأشياء الى نراها حولنا ، إننا لسنا راضين عن الستالينية لكننا لا نقبل رد الفعل ضد الستالينية...

ثم إن هناك تناقضا في الشيوعية. فعندما كنت أفاوض الاتحاد السوفييتى أحيانا، وجدت أن الروس يريدون أن يشتروا موادنا الخام بسعر السوق السائد الذى يحدده الاستعماريون . على أننى لا أستطيع أن أقبل ذلك من دولة اشتراكية. ولقد ناقشت هذه الناحية مع الروس .. فقالوا إنهم مضطرون إلى أن يبيعوا في سوق تنافسية. وعند ذلك سألهم عن الفرق بينهم وبين الاستعماريين الذين يحددون الأسعار، فقالوا إنهم يفهمون جيدا وجهة نظرى وأنهم يدركون أن المواد الخام تجمع من عذاب واحتضار شعوب الدول المتخلفة ولكن ليس لديهم- على حد قولهم- من بديل . " إننا مضطرون إلى البيع في سوق تنافسية "
 
وبعد ذلك سألتهم عن السلع والمنتجات الجاهزة التى يبيعونها لنا وقلت لهم : إنكم تعتمدون في الإنتاج على  آلات التسميد الذاتي وبالتالى لا تدفعون أجورا مرتفعة في مقابل الإنتاج، أى أنكم تنتجون تلك السلع بتكلفة رخيصة  ومع ذلك تبيعون إياها بنفس أسعار السوق العالمبة أى أننا نواجه الانسحاق في كل حالة ، ولا نجد أملا لنا حتى معكم ! "
 
ومضى بعد ذلك يناقش دور كوبا  في أمريكا اللاتينية وقال إن الحركة الوحيدة التى قامت قبل الثورة الكوبية وكانت تستحق الاهتمام هى حركة بيرون في الأرجنتين وقال إن بيرون حقق بعض الأشياء المهمة في ميدان التصنيع لكنه أخفق كليا في فهم دور البروليتاريا وقد أخفقت حركته وفشلت بسبب افتقارها إلى عنصر النضال الشعبى .
 
واستطرد يقول : " وقد أخفقت كذلك لأن بيرون كان جبانا فلم يستطع أن يستجمع ما يكفي من الشجاعة لمواجهة الموت وعندما حان وقت إظهار الشجاعة آثر الهرب " .
 
وقال جيفارا: " إن نقطة التحول في حياة كل إنسان تحل في اللحظة التى يقرر فيها أن يواجه الموت . فإذا قرر أن يجابه الموت يكون بطلا سواء نجح أم أخفق . إن في وسع الإنسان أن يكون سياسيا صالحا أو رديئا ولكن إذا كان لا يستطيع أن يواجه الموت فإنه لن يكون أكئر من مجرد رجل سياسي "
 
تلك كانت العقيدة التى عاشها جيفارا ومات من أجلها.

تشه گڤارا في غزة، 1959.

واستمرت المناقشات ليال عدة في بيت الرئيس وكان من الأشياء التى رواها جيفارا للرئيس عبد الناصر أنهم كانوا قرروا البدء بالثورة في كوبا مع أن الأسباب لم تكن ملائمة لها، لأنهم شعروا بأن قرار إشعال الثورة نفسه يشكل عاملا ثوريا يجب أن يحسب حسابه.
 
وناقشه عبد الناصر في حججه تلك قائلا إنه يدرك أن قرار إشعال الثورة يمكن أن يكون في حد ذاته عاملا حتى لو كانت الشروط الموضوعية غير مكتملة بعد ، ولكن هناك متطلبات أساسية لا يمكن تجاهلها فإذا ما أهملت فإن القيام بالثورة يمكن أن يكون عملا يائسا.
 
وقال عبد الناصر لجيفارا:
 
" عليك- قبل كل شيء- أن تنسى كليا فكرة الذهاب إلى الكونجو هذه . انها لن تنجح وسوف يكتشف أمرك بسهولة لأنك رجل أبيض . وإذا رافقك آخرون من البيض فإنك ستعطى الاستعماريين فرصة أن يقولوا إنه ليس هناك فارق بينكم وبين الجنود المرتزقة .
 
إننى أعتقد بأن الثورة ظاهرة عالمية النطاق لا تفرق بين مختلف الألوان والأجناس ولكن هناك أشياء معينة يجب أن تدخل في الاعتبار، أن ما ينبغى علينا عمله هو أن نساعد الإفريقيين . ولنحاول في هذا أن نعطى كل شعب الحق في أن يفعل ما يعتبره صائبا .
 
 
لكنك إذا ذهبت إلى الكونجو مع الكتيبتين الكوبيتين وإذا أرسلت معك فيلقا مصريا فإن عملنا سيوصم بأنه تدخل أجنبى وسيؤذى أكثر مما يفيد " .
 
ومضى عبد الناصر يناقش مسألة القواعد اللازمة للثورة الناجحة ، قال : ربما كنت أختلف مع  وجهة النظر الماركسية الجامدة التى تقول إن الثورة لا يمكن أن تنشب الا حيث تكون هناك بروليتاريا متطورة- ولقد أثبت كل من لينين وماوتسى تونج عدم صحة هذه النظرية- لكننى أرى أنه لابد من أن تكون هناك على الأقل نواة من البورجوازية الصغيرة والعمال .
 
كما أن الأمر يتطلب توافر المقومات الأساسية لمرافق المواصلات. فالأفكار تحتاج إلى المواصلات مثلما يحتاج إليها الاقتصاد. وإذا كان الاقتصاد في حاجة إلى طرق ومطارات فإن الأفكار كذلك تحتاج إلى وسائل الانتقال وبالتالى لا يمكن أن تكون هناك ثورة جماهيرية عامة دون أن تتوفر المقومات الأساسية لمرافق الخدمات العامة .
 
لقد عانيت ذلك في اليمن واختبرته. فعندما بدأت الثورة هناك، وجدتنى أهب لمساعدتها. ومع أننى تلقيت من التقارير ما يفيد أن الو!قع هناك غير صالح للثورة فقد قلت مئلك إن مجرد أن الثورة قامت فإن ذلك يؤلف عنصرا وضعيا في حد ذاته وبالتالي تجب مساعدتها .
 
على أننى ما لبثت أن اكتشفت أولا أنه لا يمكن مساعدة الثورة من الخارج ، وثانيا أن ذلك سيقتضى وقتا طويلا وكثيرا من العذاب. ووجدت أننا بينما نستطيع أن نسارع في العملية التاريخية للثورة فإننا لا نستطيع أن نقفز متخطين العملية الطبيعية العضوية التى تخلق قوى الثورة .

في ذلك الحين كان الرئيس عبد الناصر يخوض حملة لتجديد فترة رئاسته للجمهورية العربية المتحدة ، فكان يجول في المدن والأرياف ملقيا الخطب ومجتمعا إلى الجماهير .  وهكذا أبلغ جيفارا بعد جلسة مناقشة طويلة بينهما أنه لن يسعه أن يقابله في اليوم التالى لأنه سيكون خارج القاهرة  لافتتاح  العمل في أحد المصانع .
 
وحول هذا الأعتذار دفة الحديث من جديد إلى الصناعة فقال جيفارا إن بناء المصنع وإدارته يؤلفان عبئا عسيرا. وأعرب عن رأيه في أن أكثر ناحية مجزية من الثورة تكمن في النشاط السياسي وسط الجماهير، وأن تصريف شئون المصانع هو عمل يبعث على الملل والقنوط .
 
ورد عبد الناصر بأن عملية الحماسة المطلقة تأتي في المرحلة الرومانسية من الثورة وأن يوم إندلاع الثورة هو يوم تحقيق أهداف الرومانسية - إنه ليلة الزفاف . ولكن عليك بعد الزفاف  أن تجعل الزواج ناجحا . عليك  أن تكسب مالا وأن تبنى بيتا وتنجب أطفالا. وهذ هو المقصود بالثورة . وهذا ما تعنيه الثورة. إنها تعنى معاناة العبء العسير الكامن في بناء المصانع واستصلاح الأراضي وتحويل الحماسة المطلقة إلى حماسة لخطة محددة وهدف بذاته.
 
قال جيفارا وهو يفتر عن ابتسامة : " لقد حطمت أنا زواجين ... "
 
وراح الرئيس عبد الناصر يشدد عليه مرة أخرى بشأن نظريته في استكمال أسباب نجاح الثورة فقال :
 
إننا إذا اكتفينا برومانسية الثورة دون أن تتوافر لدينا التطورات اللازمة لها. فإن ذلك سيكون كارثة ولن تكون هناك ثورة ما لم نقم بكل تلك المهمات المملة والتى تبعث على العجز كما تقول ".
 
واستطرد يخاطب جيفارا : " أعرف أنك كنت طبيبا... إذن فشأنك في ذلك شأن جراح مدد مريضا على مائدة العمليات وبنجه وشق بطنه ثم رفض أن يمضى قدما في إجراء العملية. لا يجوز بل ولا يمكن أن ثفعل ذلك " .
 
ورد جيفارا وقد بدت عليه كل علامات الأسى وخيبة الأمل :
 
" ولكن ليس الثوريون هم الذين يقومون بمهمة تصريف الأعمال بعد الثورة . إنما هم الفنيون والبيروقراطيون الذين هم ضد الثورة .
 
أتعرف أننى أعتقد بأن هناك قانونا أساسيا وحيدا في الاشتراكية لم يكتشفه أحد بعد . لقد درست ماركس ولينين وتابعت جميع تجاربهما وأنا مقتنع بأن ما من أحد قد عثر بعد على ذلك القانون الأساسى . في برهة من الزمن ظنت أنه التخطيط لأن الانسان استطاع للمرة الأولى من خلال التخطيط أن يصب مستقبله في قالب جديد وأن يعيد تشكيل ذلك المستقبل، لكننى ما لبثت أن وجدت أننا عندما نصل إلى التخطيط فإننا نجابه الفنيين والييروقراطيين وهؤلاء يعملون ضد الثورة ويناهضونها " .
 
وهنا سأله الرئيس إذا كان يود أن يرافقه إلى افتتاح المصنع الجديد حيث سيكون في وسعهما أن يشاهدا بعض النتائج العملية للئورة المصرية. ورد جيفارا بالإيجاب وانطلقا معاً في اليوم التالى .

لقى عبد الناصر استقبالا عارما فقد اندفعت قرى بأسرها بقضها وقضيضها لتحية موكبه وحاول الناس إيقاف سيارته بإلقاء أنفسهم أمامها. وفى ذلك المصنع تجمعت الألوف المؤلفة تهتف لعبد الناصر.
 
ودب الانفعال الشديد في جيفارا فقال : هذا ما أريده . هذا هو الغليان الثورى ".
 
وقال عبد الناصر:
 
" حسنا... لكنك لا تستطيع أن تحصل على هذا... " وأشار إلى الجمهور " دون ذاك " ثم أشار إلى المصنع. وقال: " لن تستطيع إدراك النجاح ما لم تنشىء ذلك المصنع " .

استولى ذلك كله على لب جيفارا حتى أنه وقف في أحد الاجتماعات وقال بأعلى صوته مخاطبا الرئيس :
 
" حبذا لو أستطيع أن أصوت لك " .

وقام الضيف الكوبي كذلك بزيارة للسد العالى وأعجب كل الإعجاب بما شاهده- شأنه في ذلك شأن كل من توجه إلى زيارة السد- وقد اتخذ الرئيس عبد الناصر من السد العالى مثلا يدعم به حجته حول الحاجة إلى بناء الثورة وقال في هذا الصدد: " لقد خضنا معركة من أجل السد العالى . كانت هناك رومانسية الثورة بأسرها والرومانسية الكاملة لمعركة كبرى ضد ثلاث دول . لقد تعرضت السويس للغزو بسبب السد العالى. ولكن كان علينا- بعد انتهاء القتال- أن نعكف على المهمة الحقيقية. وقد اعتاد دالاس أن يقول لنا إننا سنلعن اليوم، الذى فكرنا فيه في بناء السد بسبب التضحيات التى سيفرضها على الشعب المصرى . ولكن هذه هى الثورة. إن هذه التضحيات هى الثورة . الثورة هى العمل يوما بعد يوم لحفر الأسس الصخرية وبناء الأنفاق وتركيب الآلات فهذا ما يغير المجتمع . إن قمة الفاعلية الثورية هى تجنيد الناس للقبول بالتضحيات اللازمة للبناء على الدوام .
 
و في المرة التالية التى التقيا فيها قال جيفارا لعبد الناصر :
 
" لعلنا نستطيع أن نجد سبيلا. ربما استطعنا تسييس البيروقراطيين و الفنيين . وقد تصبح الثورة في مأمن إذا  استطعنا ذلك ".
 
وظل يعود طوال حواره مع عبد الناصر إلى موضوعه الشخصى ... مشكلة توافر الأسئلة وانعدام الأجوبة والحلول . وظل عبد الناصر بدوره يحاول حمله على الإفصاح عن مشكلاته على أمل أن تنبثق- في النقاش- بعض الإجابات والحلول .
 
و سأله عبد الناصر ذات يوم : " ماذا يشغلك؟ " فهز جيفارا رأسه وأجاب : " في الحقيقة أشعر بأننى لست أهلا للقيام بما أقوم به وأنا أبحث عن مكان آخر أذهب إليه . لقد فكرت في الذهاب إلى الكونجو لكننى بعد أن رأيت ما يجرى هناك وجدتنى أميل إلى التسليم بوجهة نظرك بأن ذهابي إلى الكونجو قد يكون ضارا .
لقد فكرت في الذهاب إلى فيتنام . فأنا أكثر إعجابا وتأثرا بما يجرى هناك منى بما يجرى في أى مكان آخر. ذلك أنه إنجاز خارق أن يكون هؤلاء الناس قد استطاعوا أن يحاربوا اليابانيين والفرنسيين والأمريكيين بشكل متواصل. إن ما فعلوه بالأمريكيين بسيط وخارق الذكاء. فقد أجبروهم على القتال في أمكنة وظروف تخالف أسلوبهم في الحياة ... " .
 
وقال جيفارا إنه كان راغبا أشد الرغبة في الذهاب إلى فيتنام . لكنه لم يفعل لأن وجوده هناك قد يسبب لكوبا قدرا كبيرا من المصاعب. واستدرك قائلا : ولكن ربما يكون في وسعنا أن نخلق فيتنام أخرى ... " ما أشد حاجتنا إلى عدد من تلك الفيتنامات ! " .
 
والواقع أن جيفارا كثيراً ما عاد إلى ترديد موضوع خلق فيتنامات أخريات. وكان يقول : " أريد أن أفعل شيئا يهز النظام العالمى لأننى لا أعتبر ما لدينا الآن سلاما . إنه ليس بسلام وليس علينا أن ندافع عنه ونصونه.. إن ما لدينا هو سلام بأى ثمن . سلام رتبته الحلول الوسط بين الدول الكبرى . وإذا ما قبلنا بالسلام بأى ثمن فإننا نكون قد قبلنا في الحقيقة حربا مستمرة، حتى ولو كانت هذه الحرب خفية ".
 
-----------------------
 
وسأل جيفارا الرئيس عبد الناصر عن ظاهرة الانقلابات العسكرية في أفريقيا وعما إذا كان من شأن مثل تلك الانقلابات أن تجهض العملية الثورية. وأجابه عبد الناصر بأنه يجرى- وفق تحليله- إجهاض العملية الثورية في أفريقيا على يد الاستعمار الجديد في غمرة من تحول الإمبرياليين من الاستعمار القديم إلى الاستعمار الجديد، مصطنعين في ذلك القلائل ، مدبرين الانقلابات ، سالبين شعارات الثورة ، خادعين الناس، مضلليهم على طول الخط .
 
وفي أخر اجتماع  بينهما أبلغ جيفارا الرئيس عبد الناصر أنه لايظن أنه سيبقى في كوبا . وقال إنه لم يقرر بعد أين سيذهب لكن الشيء الوحيد الذى ينتظره هو أن يقرر " أين يعثر على مكان يكافح فيه من أجل الثورة العالمية ويقبل تحدى الموت ".
 
وسأله عبد الناصر: " لماذا تتحدث دائماً عن الموت ؟ إنك شاب. إن علينا أن نموت من أجل الثورة إذا كان ذلك ضروريا، ولكن من الأفضل بكثير أن نعيش من أجلها "
 
لكن جيفارا كان أدرى بقدره .
 
ذلك أنه كان قد بلغ من خيبة الأمل  في حياته ومن خيبة الأمل في أحلامه ما جعل أمنية الموت تستبد به. لم يكن راغبا في إدارة المصانع والتعامل مع الفنيين والبيروقراطيين . كان يريد أن يقاتل ، كان يريد أن يواجه الموت في شجاعة وأن يقف وجهاً لوجه مع الموت ويحدق في نظره !
 
وقد تأثر عبد الناصر تأثرأ بالغاً بالرسالة التى وجهها جيفارا إلى كاسترو عندما ذهب إلى مغامرته الأخيرة في بوليفيا. فقد كانت تحتوى على الكثير مما تحدثنا عنه في حوارهما الطويل. وفي تلك الرسالة قال جيفارا:
 
" إما أن ينتصر الإنسان أو أن يموت. ولقد قضى الكثيرون من رفاقنا نحبهم في الطريق إلى النصر. أما الآن فقد أصبح كل شيء أقل دراماتيكية، إننى أشعربأننى أنجزت ذلك الجزء من عملى الذى كان يربطنى بالثورة الكوبية.
 
إن بلادا أخرى في هذا العالم تحتاج إلى جهودى . وبعد فإني أستطيع القيام بما لاتستطيعه أنت بسب مسئولياتك في قيادة كوبا. أجل لقد حان وقت الرحيل والاقتراق . وأريدك أن تعرف أننى أرحل بمزيج من الغبطة والألم . فإذا جاءت ساعتي تحت سماء أخرى فإنك والشعب الكوبي ستكونان في خاطري قبل أن ألفظ نفسي الأخير . النصر أو الثورة أو الموت ... "
 
وهكذا انطلق جيفارا يحمل الثورة إلى بوليفيا . لكنه وجد هناك ما كان عبد الناصر قد حذره منه. لم تكن هناك قاعدة ثورية. لقد جاء بالشرارة ولكن  البارود لم يكن جاهزا للتفجير بعد . وأخفق جيفارا . ثم تعرض للخيانة... ثم التقى بالموت ... وكان شجاعاً في لقائه مع الموت ... ولم يهرب وإنما ذهب

في فبراير 1965 زار القاهرة تشه گيڤارا، ومنها توجه إلى الكونغو في محاولة لمساعدة أنطوان گيزنگا خليفة لومومبا. وبعد زيارة للكونغو دامت 10 أيام عاد للقاهرة ليخبر الرئيس جمال عبد الناصر أنه قرر ارسال كتيبتين من الكوبيين الزنوج لمساعدة جيزنجا، وأنه يفكر في الانضمام للكفاح ووفي تولي قيادة الكتيبتين.[4]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

پاكستان

زار شه گـِڤارا پاكستان مرتين في عهد الديكتاتور أيوب خان، مرة في 1959، والثانية (حين أخِذت هذه الصورة) توقف في مطار كراتشي عام 1965. ولعل الزيارة الثانية كانت لطلب الإفراج عن الطلاب اليساريين.[5]


اختفائه

لكن عمره السياسي لم يطول فلم تعجبه الحياة السياسية فأختفى و نشرت مقالات كثيرة عن مقتله لكي يرد لعل رده يحدد مكانه لكنه لم يرد .

نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شائعات تدعي فيها اختفاء إرنستو تشي غيفارا في ظروف غامضة ومقتله على يد زميله في النضال القائد الكوبي فيديل كاسترو ما اضطر الزعيم الكوبي للكشف عن الغموض الذي اكتنف اختفائه من الجزيرة للشعب الكوبي فأدلى بخطابه الشهير الذي ورد بعض أجزائه ما يلي:

لدي هنا رسالة، كتبت بخط اليد، من الرفيق، إرنيستو جيفارا يقول فيها: أشعر أني أتممت ما لدي من واجبات، تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك، الذي أصبح شعبي. أتقدم رسميا باستقالتي من قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، وعن رتبة القائد، وعن جنسيتي الكوبية، لم يعد يربطني شيء قانوني بكوبا.

في أكتوبر 1965 أرسل برسالة إلى كاسترو تخلى فيها نهائيا عن مسؤولياته في قيادة الحزب، وعن منصبه كوزير، وعن رتبته كقائد، وعن وضعه ككوبي، إلا أنه أعلن عن أن هناك روابط طبيعة أخرى لا يمكن القضاء عليها بالأوراق الرسمية، كما عبر عن حبه العميق لكاسترو ولكوبا، وحنينه لأيام النضال المشترك.

أكدت هذه الرسالة إصراره على عدم العودة إلى كوبا بصفة رسمية، بل كثائر يبحث عن ملاذ آمن بين الحين والآخر. ثم أوقف مساعيه الثورية في الكونغو وأخذ الثائر فيه يبحث عن قضية عالمية أخرى

الكونغو

سعى جيفارا لإقامة مجموعات حرب عصابات في الكونغو، مع أن فكرته لم تلق صدى واسعا لدى بعض القادة، أصر جيفارا على موقفه، وتموه بملابس رجل أعمال ثري، لينطلق في رحلة طويلة سافر فيها من بلد إلى آخر ليواجه المصاعب تلو الأخرى.

ذهب "تشي" لأفريقيا مساندا للثورات التحررية، قائدا لـ 125 كوبيا، ولكن فشلت التجربة الأفريقية لأسباب عديدة، منها عدم تعاون رؤوس الثورة الأفارقة، واختلاف المناخ واللغة، وانتهى الأمر بالـ"تشي" في أحد المستشفيات في براغ للنقاهة، وزاره كاسترو بنفسه ليرجوه العودة.

و بقي في زائير (الكونغو الديمقراطي ) بجانب قائد ثورة الكونغو باتريس لومومبا يحارب لكن فجأة ظهر في بوليفيا قائدا لثورة جديدة لم يوثق هذه المرحلة سوى رسائله لفيديل كاسترو الذي لم ينقطع الإتصال معه حتى أيامه الأخيرة

بوليفيا

لم يكن مشروع "تشي" خلق حركة مسلحة بوليفية، بل التحضير لرص صفوف الحركات التحررية في أمريكا اللاتينية لمجابهة النزعة الأمريكية المستغلة لثروات دول القارة. منذ بداية عام1967 وجد جيفارا نفسه مع مقاتليه العشرين، وحيدا يواجه وحدات الجيش المدججة بالسلاح بقيادة السي أي إيه في براري بوليفيا الاستوائية. أراد جيفارا أن يمضي بعض الوقت في حشد القوى والعمل على تجنيد الفلاحين والهنود من حوله، ولكنه أجبر على خوض المعارك مبكرا.

وقد قام "تشي" بقيادة مجموعة من المحاربين لتحقيق هذه الأهداف، وقام أثناء تلك الفترة الواقعة بين7 نوفمبر 1966 و7 أكتوبر 1967 بكتابه يوميات المعركة.

اغتياله

ألقي القبض على اثنين من مراسلي الثوار، فاعترفوا تحت قسوة التعذيب أن جيفارا هو قائد الثوار. فبدأت حينها مطاردة لشخص واحد. بقيت السي أي على رأس جهود الجيش البوليفي طوال الحملة، فنتشر آلاف الجنود لتمشيط المناطق الوعرة بحثا عن أربعين رجلا ضعيفا وجائعا.قسم جيفارا قواته لتسريع تقدمها، ثم أمضوا بعد ذلك أربعة أشهر متفرقين عن بعضهم في الأدغال. إلى جانب ظروف الضعف والعزلة هذه، تعرض جيفارا إلى أزمات ربو حادة، ما شكل عامل ساهم في تسهيل مهمة البحث عنه ومطاردته.

في يوم 8 أكتوبر 1967 وفي أحد وديان بوليفيا الضيقة هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة جيفارا المكونة من 16 فردا، وقد ظل جيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة، تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل. وقد استمر "تشي" في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دُمّرت بندقيته (م-2) وضاع مخزن مسدسه وهو ما يفسر وقوعه في الأسر حيا. نُقل "تشي" إلى قرية "لاهيجيراس"، وبقي حيا لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه. وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف "ماريو تيران" تعليمات ضابطيه: "ميجيل أيوروا" و"أندريس سيلنيش" بإطلاق النار على "تشي".

دخل ماريو عليه مترددا فقال له "تشي": أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل، ولكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته.

وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزارا للثوار من كل أنحاء العالم.

وقد شبّت أزمة بعد عملية اغتياله وسميت بأزمة "كلمات جيفارا" أي مذكراته. وقد تم نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بخمسة أعوام وصار جيفارا رمز من رموز الثوار على الظلم. نشر فليكس رودريجيس، العميل السابق لجهاز المخابرات الأميركية (CIA) عن إعدام تشي جيفارا. وتمثل هذه الصور آخر لحظات حياة هذا الثوري الأرجنتيني قبل إعدامه بالرصاص ب"لا هيغويرا" في غابة "فالي غراندي" ببوليفيا، في 9 أكتوبر(تشرين الأول) من عام 1967. وتظهر الصور كيفية أسر تشي جيفارا، واستلقائه على الأرض، وعيناه شبه المغلقتان ووجهه المورم والأرض الملطخة بدمه بعد إعدامه. كما تنهي الصور كل الإشاعات حول مقتل تشي جيفارا أثناء معارك طاحنة مع الجيش البوليفي. وقبيل عدة شهور، كشف السيد فليكس رودريجيس النقاب عن أن أيدي تشي جيفارا بُترت من أجل التعرٌف على بصمات أيديه.

الرمز والاسطورة

"لا يهمنى متى واين سأموت، لكن يهمنى ان يبقى الثوار منتصبين، يملأون الارض ضجيجاً، كى لا ينام العالم بكل ثقله فوق اجساد البائسين والفقراء والمظلومين" وسيظل صدى هذه الكلمات يتردد، ويلهم المئات في مكان وزمان، ما دام الظلم والعنف يسود هذا العالم.

عام 1968، غضب شبان العالم وخرجوا إلى الشوارع معلنين انهم يستطيعون إنهاء الحروب وتغيير ملامح العالم. وقد تحول هذا الرجل الثائر بعد موته إلى شهيد لقضاياهم. أصبح يمثل أحلام ورغبات الملايين ممن يحملون صوره. علما أنه كان يمثل أيضا مجموعة من التناقضات، وكأن الموت حول ملامحه، ما بوحي بأنه لو منحه أعداؤه الحق في الحياة، لربما عجزت أسطورته عن احتلال هذا المدى العالمي الذي تنعم به اليوم.

"إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني. الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن لا يهمني اين و متى ساموت بقدر ما يهمني ان يبقى الوطن. الثوار يملأون العالم ضجيجاً كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء. إن الطريق مظلم وحالك فاذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق. لن يكون لدينا ما نحيا من أجله .. إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله."
—إرنستو تشه گـِڤارا

كره تشي اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه. ولأنه الوحيد الذي درس فعلا أعمال كارل ماركس بين قادة حرب العصابات المنتصرين في كوبا ، فانه كان يحتقر البيروقراطيين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا.

كشف آي اف ستون كيف انهمك تشي جيفارا في نقاش علني، أثناء مؤتمر في مدينة بونتي ديل استي بأورجواي مبكرا في 1961 - - وهو المولود في الأرجنتين حيث درس الطب هناك - - مع بعض شباب اليسار الجديد من نيويورك. أثناء تلك المناقشة، مر بهم اثنان من جهاز الحزب الشيوعي الأرجنتيني. لم يستطع جيفارا أن يمنع نفسه من الصياح بصوت عال، "هيي، لماذا انتم هنا، أمن اجل أن تبدءوا الثورة المضادة؟"

تشي، مثل كثيرون في الحركة الناشئة لليسار الجديد حول العالم، خاض تجربته الأولى مع بيروقراطية الحزب الشيوعي ومقت محاولاتهم لفرض بيروقراطيتهم على الحركات الثورية للسكان الأصليين.

وفعلا، الثورة في كوبا صنعت، على عكس المفاهيم المعاصرة للكثيرين في الولايات المتحدة اليوم، مستقلة وفي بعض الأحيان معارضة للحزب الشيوعي الكوبي. ولقد أخذ بناء مثل هذه العلاقة التي لم يكن من السهل صنعها عدة سنوات فقط بعد الثورة ونجحت في اخذ سلطة الدولة وتأسيسها دافعة إلى الاندماج بين القوى الثورية والحزب - - الاندماج الذي لم يضع نهاية لمشاكل جيفارا والثورة الكوبية نفسها.

احد المشاكل من هذا القبيل: اعتماد كوبا المتزايد على الاتحاد السوفيتي (في بعض الأوجه يماثل الاعتماد المتزايد لبعض المنظمات الراديكالية على منح المؤسسات في صورة أموال ولوازم لولبية أخرى). ، قررت الحكومة، أثناء احتياجها اليائس للنقد من اجل شراء لوازم شعبها الضرورية - - وبعد نقاش مرير - - قررت أن تضيع فرصة تنويع الزراعة في كوبا من اجل التوسع في محصولها النقدي الرئيسي، قصب السكر، الذي يتم تبادله أمام البترول السوفيتي، لتستهلك جزء من هذا لبترول وتعيد بيع الباقي في السوق العالمي. وبالتدريج فقدت كوبا، بالرغم من تحذيرات تشي (والآخرين)، القدرة على إطعام شعبها نفسه - - وهي المشكلة التي بلغت أبعادا مدمرة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.

وهي نفس الأزمات التي أحدقت بالاتحاد السوفيتي والدول التي كان معترفا بها كدول اشتراكية عندما سعوا وراء النموذج الصناعي للتنمية وحاولوا أن يدفعوا ثمنه بالإنتاج والتنافس في السوق العالمي. كان رد فعل تشي: لا تنتج من اجل السوق العالمي. ارفض تحليلات التكلفة/المنفعة ( cost/benefit) كمعيار لما ينبغي إنتاجه. آمن تشي، بان المجتمع الجديد حقيقة، عليه أن يجعل طموحه هو ما يحلم به شعبه من اجل المستقبل، وان يعمل على تنفيذه فورا، في كل أوان وزمان. وحتى تبلغ ذلك، على الثورات الشيوعية بشكل حقيقي أن ترفض معيار "الكفاءة"، وعليها أن ترعى المحاولات المجتمعية المحلية حتى تخلق مجتمعا أكثر إنسانية بدلا من ذلك.

أممية تشي وعلاقته بالماركسية

اصطدم احتقار تشي لكهنوت الماركسية الرسمي (بينما كان يعتبر نفسه ماركسيا)، واحتقاره للبيروقراطيين من كل لون، اصطدم بالنزعة الاقتصادية الميكانيكية المخدرة التي صارت عليها الماركسية. "الثورة"، عند تشي واليسار الجديد الذي يستلهم جيفارا، تقهقرت إلى خلفية الأجندة التاريخية.

أممية تشي وارتباطه المميز بالفقراء والمنبوذين في كل مكان، ورفضه الاعتراف بقداسة الحدود القومية في الحرب ضد إمبريالية الولايات المتحدة، ألهمت الحركات الراديكالية الجديدة في العالم كله. نادى تشي الراديكاليين لنحول أنفسنا إلى شيء جديد، أن نكون أناس اشتراكيون قبل الثورة، هذا إذا ما كان مقدرا لنا أن يكون لدينا أمل في أن نحقق فعلا الحياة التي نستحق أن نعيشها. نداؤه "بان نبدأ العيش بطريقة لها معنى الآن" تردد صداه عبر الجيل بأكمله، فاتحا ذراعيه ليصل بدرجة كبيرة من ناحية إلى وجودية سارتر، ومن ناحية أخرى ممتدا نحو ماركس. من خلال الحركة، ومن خلال انتزاع مباشرة الثورة عن طريق الاشتباك مع الظلم بكل أشكاله، في كل لحظة، ومن خلال وضع مثاليات المرء فورا في الممارسة العملية، صاغ تشي من التيارات الفلسفية المعاصرة الرئيسية موجة مد من التمرد.

حب تشي للناس أخذه أولا إلى الكونغو ثم إلى بوليفيا، حيث نظم فرقة من رجال حرب العصابات لتكون، كما كان يتعشم، عاملا مساعدا على الإلهام بالثورة.

الهامش

  1. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة birthdate
  2. ^ Partido Unido de la Revolución Socialista de Cuba, aka PURSC.
  3. ^ Hall 2004.
  4. ^ محمد حسنين هيكل. "عبد الناصر وشي جيفارا - الحلم والثورة". موقع سامي شرف. Retrieved 2010-05-24.
  5. ^ نديم باراتشا، ترجمة: محمد الصباغ (2015-03-17). "صور باكستان المنسية". زحمة، عن "سكرول إن".


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصلات خارجية