ستون عاماً على الوحدة والمؤامرة مستمرة

حول المؤلف

مساهمات حديثة أخرى

اجعل هذه الصفحة أفضل بتحريرها.
Shafei

مُصوتون حديثون آخرون

إذا أعجبك المقال، صوّت له.
avatar
1
ستون عاماً على الوحدة والمؤامرة مستمرة

بقلم د. يحيى ركاب
2018

يحيى ركاب

الزمان: فجر السبت 11 يناير 1958، المكان: قيادة الأركان العامة في ساحة الأمويين، عددٌ من السيارات العسكرية غادرت مبنى الأركان على عجل , كلُّ سيارةٍ سلكت طريق، والوجهة واحدة، مطار المزة العسكري. الثانية فجراً أقلعت طائرةٌ تقل 14 ضابطاً من أرفع ضباط الجيش غادروا إلى القاهرة سراً دون علم رئيس الجمهورية ولا حتى رئيس الحكومة وبدون أذونات سفر , التفت أحد الضباط إلى زميلٍ له قائلاً " تخيل أن تسقط الطائرة بنا في البحر ، لن يعلم أحدٌ وقتها الهدف من سفرنا، سنموت جميعاً وسيبقى سرُّ سفرنا لُغزاً " أجاب الآخر " فال الله ولا فالك "، هدفهم كان الوحدة، ولا شيء غير الوحدة.

ففي الثاني والعشرين من شباط 1958 أفاق الوطن العربي على حدثٍ استثنائي , حدثٌ زعزع عروش النفط و ممالك التآمر , صَعق إسرائيل و مَن يقف خلفها مِن دولٍ استعمارية، سوريا ومصر أصبحتا دولةً واحدة ! للمرة الأولى أحسّت الشعوب العربية بأن هناك سبيلاً لقيام وحدةٍ كبرى تحطّم حدود الاستعمار وتكسر حاجز القطرية، جمهوريةٌ عربيةٌ متحدة لو كُتب لها البقاء لكانت حتماً توسعت رقعتها و امتدت لتشمل دولاً عربيةً أُخرى.

وفي العودة إلى سنوات ما قبل الوحدة نجد أن سوريا كانت تتعرض لحربٍ كونيةٍ مشابهةٍ لما تتعرض له اليوم , لكنها بقيت في ذلك الوقت حرباً باردة ولم تترجم لمعارك على الأرض.

ففي عام 1955 وبإيعازٍ من الولايات المتحدة، أسَّست بريطانيا حلف بغداد الذي كان هدفه المعلن إيقاف المد السوڤييتي في الشرق الأوسط وقدر سورياً الجغرافي أن تكون في قلب هذا الحلف مما جعل الدول الاستعمارية تعمل جاهدةً لضمها إلى الحلف، لكن دون جدوى.

حيث أخفقت مساعي نوري باشا السعيد رئيس وزراء العراق آنذاك والذي لعب دوراً ريادياً في تأسيس حلف بغداد بإقناع عدد من الدول العربية، وفي مقدمتها سوريا ومصر، بالانضمام إلى الحلف لقناعة هذه الدول الصحيحة بأن مصدر الخطر الحقيقي على المنطقة يتأتى من إسرائيل وحلفائها الذين يقفون وراء الحلف وليس من الاتحاد السوڤييتي ، الذي بدأ يصبح المزود الوحيد للدول العربية المواجهة لإسرائيل بالسلاح والعتاد، والذي أُقيم هذا الحلف واقعياً لمواجهته دون سواه.

مما دفع بالولايات المتحدة إلى إرسال خبير الانقلابات هيوارد ستون - الذي كان قد نجح في تنفيذ انقلاب في إيران و آخر في گواتيمالا- إلى سفارتها في دمشق بصفة سكرتير ثانٍ لتدبير انقلاب يقلب نظام الحكم الممانع لسياسة الأحلاف الاستعمارية، حيث وُضع تحت تصرفه مبلغ كبير من المال لشراء ذمم ضعاف النفوس من الضباط والسياسيين , لكن المخابرات السورية اكتشفت المؤامرة وأفشلتها وقدمت من ساهم بها إلى المحاكمة.

وفي عام 1957 ظهر مبدأ آيزنهاور والذي يهدف إلى حلول أمريكا لملء الفراغ الاستعماري بدلاً من إنجلترا وفرنسا. ووفقًا لهذا المبدأ اعتبرت الولايات المتحدة الشرق الأوسط مجالاً لنفوذها ومصالحها.

وفي نفس العام ظهرت بوادر أزمةٍ على الحدود السورية التركية بسبب الشكوك حول تنامي المد السوڤييتي في دمشق مما دفع العراق ولبنان و الأردن والدول المجاورة إلى النظر في دعم تدخل عسكري عربي أو غربي للإطاحة بالحكومة السورية , تركيا هي الدولة الوحيدة التي أخذت زمام المبادرة، حيث حشدت جيشها على الحدود الشمالية لسوريا خوفاً على أمنها القومي و مطامعها في الشمال السوري بسبب العلاقات المميزة وقتها بين سوريا والاتحاد السوڤييتي وجاء ذلك تزامناً مع اقتحام عددٍ من قطعات الأسطول الأمريكي السادس للمياه الإقليمية السورية، مما أثار حمية الشعب السوري الذي هب يدافع عن وطنه، فقامت قيادة الجيش السوري بتنظيم المقاومة الشعبية على كامل الأراضي السورية جاعلةً من سوريا ثكنة عسكرية كُبرى، ولم تنقشع تلك الأزمة إلا بعد تدخل رئيس الاتحاد السوڤييتي نيكيتا خروشوڤ وتهديده بإطلاق الصواريخ على تركيا إذا هاجمت سوريا.

أما المحيط العربي لسوريا كان مليئاً بالعمالة. فالأردن - الذي لا يخفى على أحد ولاء ملكها الحسين بن طلال المطلق لبريطانيا - أقام في منطقة المفرق القريبة من الحدود السورية قاعدة جوية كبرى لبريطانيا. وفي لبنان كان كميل شمعون القريب من حلف بغداد – دون أن يدخل فيه - الذي جلب قوات المارينز الأمريكية إلى وسط بيروت في أزمة عام 1958 بموجب ارتباطه مع الولايات المتحدة باتفاقية آيزنهاور، ومن خلفهم كانت مملكة آل سعود التي و على الرغم من اتفاقياتها مع الحكومات السورية المتعاقبة، إلا أنها لم تفوت فرصةً في تمويل أيّ عمل يسعى لضرب استقرار سوريا.

بينما مصر كانت الحليف الأقوى والوحيد لسوريا في المنطقة وكانت باكورة هذا التحالف توقيع ميثاق الدفاع المشترك بين البلدين عام 1955 و الذي استُخدم فعلياً على الأرض أثناء العدوان الثلاثي على مصر من خلال مساهمة الجيش السوري بفرقة عسكرية دخلت الأردن لدعم الجبهة المصرية من جهة خليج العقبة. فالقاهرة كانت تشكل بعداً استراتيجياً وقومياً لدمشق وعبد الناصر الذي تصدى للعدوان الثلاثي و حمل راية القومية العربية شكّل ظاهرةً في وقته.

كل هذا دفع قادة الجيش السوري والذين كانوا يشكلون يومها ما يسمى بمجلس القيادة العسكرية الأعلى للجيش و القوات المسلحة للذهاب إلى مصر عبد الناصر لفرض الوحدة خوفاً على سوريا و استقلالها الذي لم يمض عليه زمن بعيد . قامت الوحدة التي خلطت موازين القوى في الشرق الأوسط و جعلت الدول الاستعمارية في حالةٍ من التخبط و الخوف من ماردٍ أطبق يديه على إسرائيل، فتصدى العملاء لتلك الوحدة محاولين فصل عُراها منذ اللحظة الأولى لقيامها لكن إرادة الشعب السوري كانت أقوى. فعدنان مندريس رئيس وزراء تركيا وقتها أبرق إلى آيزنهاور فزعاً من نشوء دولة قوية على حدوده الجنوبية فيما الخارجية الأمريكية أرسلت للسعودية و العراق و الأردن و لبنان لتعطيهم أوامرها بحياكة مؤامرات تستهدف الوحدة الناشئة.

حيث حاول الملك سعود بن عبد العزيز دفع 12 مليون جنيه استرليني لضباط مجلس القيادة العسكرية السوري لكي يقوموا بانقلاب يضرب الوحدة أو على أقل تقدير ضرب طائرة عبد الناصر وهي متجهة إلى سوريا لإعلان الوحدة. كما أن ملك الأردن الحسين بن طلال جمع وزرائه عشية الانفصال وقال لهم إن معركتي اليوم مع عبد الناصر في سوريا، وبقي ووزرائه مجتمعين حتى سمعوا البلاغ الانفصالي الأول، فتناول الملك حسين سماعة الهاتف واتصل برئاسة الأركان السورية عارضاً خدماته على الانفصاليين، فكانت الأردن أول دولة عربية اعترفت بالانفصال ودعمته مادياً ومعنوياً وتبعتها في ذلك المملكة العربية السعودية .

الوفد العسكري السوري الذي جاء إلى القاهرة بالسر دون علم الحكومة السورية مطالباً بالوحدة الفورية. وقد فاوض عبد الناصر وعبد الحكيم عامر طيلة أيام 13-16 يناير ، وتكللت المهمة بالاتفاق العام على الوحدة ولإكمال المهمة وصل وزير الخارجية السوري صلاح البيطار، يوم 16 يناير للتوقيع بالحروف الأولى ميثاق الوحدة بين سوريا و مصر.
الصف الأمامي، من اليمين: المقدم بشير صادق، المقدم جادو عز الدين، اللواء عفيف البزري، جمال عبد الناصر، عبد الحكيم عامر، المقدم طعمة العودة الله، المقدم حسين حدة، المقدم ياسين فرجاني
الصف الأوسط، من اليمين: المقدم محمد النسر، المقدم جمال الصوفي، المقدم مصطفى حمدون، المقدم أحمد حنيدي، عقيد أ.ح عبد المحسن أبو النور
الصف الأعلى، من اليمين: المقدم نور الله حاج ابراهيم، المقدم أكرم الديري، المقدم عبد الغني قنوت، المقدم أمين الحافظ، محمد عبد الكريم، عميد أ.ح. حافظ إسماعيل.


سوريا التي كانت وستبقى هدفاً للاستعمار لما لها من موقع استراتيجي من الناحية العسكرية والاقتصادية، هي محور الأرض الذي يربط الشرق بالغرب ومن هذا المنطلق قال عنها عراب السياسة الخارجية الأمريكية في الخمسينيات جون فوستر دالاس " هنا يتقرر مصير الكون ".

وحين نقول أن التاريخ يعيد نفسه و مع قليل من البحث نجد أن هذه المقولة مستمرةٌ استمرار التاريخ، فما أشبه البارحة باليوم، ففي سوريا قلب العروبة النابض - كما قال عنها جمال عبد الناصر - كان شكري القوتلي المواطن العربي الأول الذي تنازل عن الرئاسة في سبيل الوحدة وفي مصر كان عبد الناصر الذي كسر شوكة الاستعمار و عملائه ,

أما اليوم، يقف الرئيس بشار الأسد وحده في وجه حربٍ كونيةٍ شرسة تُشنّ على سوريا منذ سبع سنوات متحدياً أمريكا و عملائها من أشباه الرجال، فالجيش السوري الذي فرض الوحدة في الخمسينيات هو نفسه الجيش الذي يخوض اليوم حرباً ضروساً بالنيابة عن كل شرفاء العالم في وجه الإرهاب ومموليه من أمراء النفط، وكما انتصر الجيش السوري في الوحدة سينتصر اليوم وسيدحر الإرهاب وستبقى سوريا محور الكون ومن تقرر مصير الكون.

<comments />