أفكار مقاتلة وخيول بلا فرسان!

حول المؤلف

مساهمات حديثة أخرى

اجعل هذه الصفحة أفضل بتحريرها.
Mustafa ElsamanShafei
0

ليس اقوى فى حركه التاريخ من قوه الافكار التى جاء اوانها تلك التى تمثل البدايه والدافع والامل لكل انصارها فى الحاضر ودرب الهدايه وموعظه الخلاص لكل متقصيها فى المستقبل . غير أن هذه القوه الدافعه تحتاج لخيال يدرك وصياغه تستوعب ووسائل تنفذ وتنجز عندها تتحقق المطالب وندرك الاهداف والمارب .

الا ان الشر كل الشر يكمن فى فكره جاء اوانها وتعامى عنها اصحابها او تهاون فى طلبها رجالها او قصرت عن ادراكها احلام اتباعها عندئذ تتحول الفكره من فعل ايجاد الى فعل فوضى وتصبح جاذبيه مظهرها عاملا للهدم ولا اظن على كثره الامثله فى عالمنا المعاصر مثالا اظهر قياسا فيما جرى ويجرى على الساحه الدوليه من تلك التظاهرات العارمه التى اندلعت ضد نظام حكم الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك واجبرته على اخلاء مقعده الرئاسى وان لم تأت بجديد فى نظامه . فالثوره المصريه التى ضربت امواجها شواطئ الدوله والمجتمع شتاء العام 2011 على كثره ما صاحبها من انواء ورعود لا احسبها اتت بما هو اهم واجدر فى الطرح والبحث من مناقشه قضيه التغيير .

إن العالم الذى يتابع الازمه المصريه مذ ذاك الحين وحتى الان يذكر جيدا وربما ايضا تحضره التفاصيل لقصه اخرى مشابهه جرت قبل عقود في اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية السابق. فالاتحاد السوفينى والذى كان قد وصل الى طريق مسدود مطلع ثمانينيات القرن الماضى كانت قضيته الاكبر والتى شغلت الجميع فيه انذاك هى قضيه التغيير وبدا حينها ان ميخائيل جورباتشوف هو الرجل الذى وقع عليه القول لقياده هذا التغيير .

كانت ضرورات التغيير جليه مبهره يدركها الجميع داخل الاتحاد السوفيتى وخارجه وكان جورباتشوف كغيره يحسها ويدركها الا انه ومما يثير الاستغراب والعجب ان رجلا كان قد سبقه الى موقع الزعامه والرئاسه هو يورى اندروبوف كان اكثر وضوحا فى رؤيته لهذه القضيه ومتطلباتها وكان رأيه ان الاتحاد السوفيتى يحتاج الى عمليه اعاده بناء اقتصادى تشمل بين ما تشمل انتقال التكنولوجيا المتقدمه الى قطاعات الانتاج المدنى فى الصناعه والخدمات كحالها فى مجال التصنيع العسكرى كذلك اطلاق عمليه اصلاح سياسى شامل تنهى تدريجيا سيطره الحزب الشيوعي وتسلطه على المجال العام وتفتح الطريق امام تعدديه حقيقيه وصولا الى الديمقراطيه .

كان الرئيس الرفيق يرى المسأله صعبه ولكنها ممكنه كما انها ضروريه ازاء مطالب ازمان مغايره . مات اندروبوف ولحقت به افكاره وخلفه فى الرئاسه تشيرنينكو لكنه ولسوء الحظ كان قد جاء الى الحكم بلا اى تصورات ثم ما لبس ان مات هو الاخر وجاء الدور على جورباتشوف .

حين دلف ميخاييل الى مكتبه الرئاسى كانت الاوضاع العامه سياسيا واقتصاديا على مشارف الانهيار فاطلق حينها خطابه السياسى الجديد وكان مرتكزا على امرين اولهما سياسة الجلاسنوست (حريه التعبير) وثانيهما سياسة البيريسترويكا (اعاده البناء) وكان ذلك معقولا كبدايه الا ان الخطاب كان كبيرا والعمل كان قليلا وكانت النهايه حتميه سقط جورباتشوف بين الركام وتسلم زمام الامور من بعده رجلا سكيرا وفاسدا هو بوريس يلتسين كان المشهد عبثيا وبائسا إلى أقصى حد.

ربما لا اذكر الان ما يخولنى الادعاء بأنه كانت ليلتسين ثمه من انجازات اللهم الا مسأله اختياره خليفته والذى لم يكن سوى فلاديمير بوتين. فالرئيس الشاب حينها خطا الى الكرملين مع تصاعد ازمه احتلال فصيل من المتطرفين الشيشان أراضى فى جمهوريه داجستان المجاوره والتى كانت فرصه ذهبيه له لتثبيت اركان حكمه واظهار قدرته فى مواجهه المواقف الصعبه والتأكيد على هيبه الدوله وقدرتها على الرد .

بوتين الذى خرج منتصرا من حملته العسكريه في الشيشان استثمر أرصدته منها فى معاركه الاخرى لاحقا مع من سموا وقتها الاوليجاركيون (طواغيت المال) والذين استولوا من خلال صفقات فساد فاضحه على ثروات هائله من مقدرات الشعب الروسى ومن موارده وكذلك مع اساطين الاعلام الجديد والذين حاولوا من خلال امتلاكهم لحصص مهمه من اسهم وسائل الميديا الكبرى الى الضغط على السلطه الجديده وابتزازها علنا لدفعها للرضوخ لمطالبهم .

بوتين هذا الذى منع انزلاق روسيا الى المجهول وحاول جاهدا ايقاف النزيف وضمد بعض الجراح واتى كغيره كثيرا من الاخطاء اوضح بجلاء ان الافكار الناضج قوامها الحال اوانها حين تصادف الفارس الحقيقى يمكنها ان تصل الى الكثير . اذا عرضنا ما تمر به مصر منذ اربع سنوات خلت على ما استعرضناه من خبره سابقه لدوله كبرى قريبه كانت ولا تزال من مشاكلنا واوضاعنا وواقعنا المعاش يمكننا الخروج بعديد خلاصات اهمها ان السلطه الحاكمه تمارس سياساتها خلال عده مسارات باستقصاء مسلكها ومالات نتائجها يمكن الحكم على النظام بمجمله من خلالها فبين الرئيس الذى خطا الى مكتبه الرئاسى فى ظرف ملتبس وواقع متشابك ومتشعب من الازمه السياسيه التى كان احد تجلياتها خوضه انتخابات الرئاسه على غير برنامج معلن واضح المعالم والازمه الاقتصاديه والتى تسوء كثيرا فى بلد تتعاظم نسب الفقر بين سكانه عظم ثرواته وامكاناته وقضايا الانتقال والتحول الديمقراطى فيه والتى شهدت رده كبرى على جميع المستويات والتى كان اخرها صدور القانون المعيب لتقسيم الدوائر الانتخابيه والممهد للانتخابات التشريعيه المزمع اجراؤها فى الربيع المقبل حسب اخر تحديث وبما يبدو تنمرا وحرب على التجربه الحزبيه الوليده -على كثره اخطائها- بدلا من تطويرها وما يمر به الاقليم والعالم من حروب ونزاعات وقلاقل استغرقت الجميع يقف الرئيس منفردا فى مواجهه الجميع يقصر به خياله عن ادراك الحقيقه التى تقول باستحاله الجلوس على مقعدين فى وقت واحد ان تكون مع الثوره ومع اعدائها ان تمجد الثوار وان تضعهم بالسجون ان تمدحهم وتقصيهم وتقرب حفنه من المرتزقه وغلمان القصور من رجال من رحل ان يكثر حديثك عن الفقراء بينما بطانتك وحاشيتك من الاوليجاركيون وطواغيت المال من هذا كله وكثير غيره يمكننا استجلاء المسار واستشراف النهايات ومحط الرحال .

ربما يجدر بي الان ان اعلن عن شئ اعتنقته طويلا ولا ازال ان الرجال هم يختارون اقدارهم وليست الاقدار هى التى ترسم لهم ملامح الطرق والاحوال ومنه ما مر بنا سريعا خلال سنى الثوره الفائته حين ارد بعضهم ادوارا هم اختارها على غيرها من مبارك الذى أبى إلا أن يكون بريجينيف وركوده العظيم الذى اطاح به الاعصار وعمر سليمان الذى أراه قد حاول كأندروبوف إلى أن قطع أمله ما قطع من سبقه للمشير طنطاوي يحذى حذو تشيرنينكو فلا جديد يذكر ولا قديم يعاد، وصولا إلى عبد الفتاح السيسي الذى وبمحض ارادته وصريح اختياره عليه ان يقرر أى الادوار يريد ويطلب؟ فإما بوتين أو جورباتشوف!

<comments />