يعقوب البرادعي

يعقوب البرادعي

يعقوب البرادعي Jacob Baradaeus (ت. 578) أسقف سوري، ولد في بلدة تلا على مسافة 58 كم من الرها في أواخر القرن الخامس، ومات في تل فرقة في مصر. عاش في دير بالقرب من الرُّها يدعى دير الشقوق. كان ورعاً، محباً للعبادة وزاهداً، فترهب في صباه. تتلمذ على يد الأسقف الأنطاكي سِڤيروس Severus ت(511ـ539)، فأتقن اللغات السريانية واليونانية، وتعمق في علم اللاهوت والفلسفة. لقب بالبرادعي لأنه كان يطوف بلاد الشام وآسيا الصغرى وفارس وبلاد أرمينيا وقبرص وهو متنكر بزي متسول، يلبس خرق البرادع.

اتجه البرادعي سنة 540 إلى القسطنطينية بهدف الدفاع أولاً عن العقيدة الأرثوذكسية وكنائسها المهددة بالزوال بسبب الاضطهادات الناجمة عن الخلاف العقائدي بين الخلقيدونيين والسريان الأرثوذكس؛ وثانياً للقاء الملكة ثيودورا زوجة الامبراطور جستنيان (يوستنيان) (527ـ565) التي كانت تتعاطف مع اللاخلقيدونيين لأصولها السريانية (منبج)، وتعمل ما بوسعها لإنقاذهم وحماية أساقفتهم المنفيين أو المسجونين في القسطنطينية. فتم برعايتها رسم يعقوب البرادعي مطراناً عاماً للسريان ـ على الرها وبلاد الشام وآسيا الصغرى (543م)ـ بوضع يد ثيودوسيوس Theodosius بطريرك الإسكندرية الذي كان منفياً في القسطنطينية لمعتقده الأرثوذكسي.

دأب البرادعي في مدة أسقفيته (543 ـ578) على نشر العقيدة الأرثوذكسية ودعمها معرضاً نفسه لشتى أنواع المخاطر، فصار يرسم قساوسة وأساقفة، ويضم الشيع المتفرقة، ويوفق بين المتخاصمين، ويهدي كثيرين من أتباع أفتيخي القسطنطيني Eutyches ت(378ـ454) إلى المعتقد القويم. وسرعان ما انتشرت تعاليمه رغبة في مناهضة سلطة الامبراطورية الرومانية والثقافة اليونانية. فاتسع تأثيره وانضم إليه سائر الجماعات المسيحية التي اعتنقت العقيدة المونوفيزيقية[ر] (أصحاب الطبيعة الواحدة) في بلاد سورية وما بين النهرين وبلاد فارس، فكان له العمل الحاسم في تنظيم المونوفيزية السورية كنيسة قومية مستقلة، لها مرتبتها الخاصة المنفصلة عن روما، تعدل عن اليونانية وتلجأ إلى لغتها السريانية وحدها لوضع قوانينها وصوغ شعائرها. وقد نسبت إليه تحت اسم الكنيسة اليعقوبية (أو المونوفيزية)، وأقامت علاقات مذهبية مع الكنيسة القبطية (والكنيسة الأرمنية). ودعيت رسمياً بالكنيسة السريانية الأرثوذكسية (مقرها دمشق)، وهي من طائفة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية اللاخلقيدونية. وسمي ذووها باليعاقبة أو السريان، وبهذا تمكن البرادعي من إحياء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وتجديد بطريركية أنطاكية للأرثوذكسيين بتكريس البطريركين سرجيوس وبولس الواحد تلو الآخر بعد وفاة (نياحة) سفيروس بطريرك أنطاكية. كما تمكن بمعاونة أساقفة الإسكندرية وبتفويض البطريرك الإسكندري من رسم سبعة وعشرين أسقفاً ومئات القساوسة والشمامسة وتثبيت أبناء الكنائس اللاخلقيدونية على الإيمان الأرثوذكسي الذي أقرته المجامع الأولى الثلاثة (نيقية 325ـ والقسطنطينية 381ـ وأفسس الأول 431)، ورفض قرارات مجمع خلقيدونية (451)؛ لذلك تعدّه جميع الكنائس اللاخلقيدونية قديساً وبطلاً حمى كنائسها في الفترات العصيبة من تاريخها.

والجدير بالذكر أن الخلقيدونيين هم من أطلقوا ـ في المجمع السابع (ق 8)ـ اسم اليعاقبة على أتباع كنيسة أنطاكية اللاخلقيدونيين (وأيضاً لقب مونوفيزيين) لإثبات أن البرادعي هو مؤسس هذه الكنيسة، علماً أن أتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية يرفضون هذه التسمية كلياً، ويؤكدون تمسكهم بمذهب القديس كيرلس St. Cyril of Alexandria بطريرك الإسكندرية (376ـ444) كما ورد حرفياً في مجمع إفسس الأول Ephesus ت(431): «أن الطبيعة الإنسانية للسيد المسيح قد تلاشت جوهرياً في الإلهية»، ويصرون على تسميتهم سرياناً بدعوى أن تاريخهم الكنسي بدأ مع تأسيس بطرس الرسول لكرسي أنطاكية سنة 37م، كما يرفضون نعت الكنيسة السريانية أيضاً بالمونوفيزية والأفتيخية.

وفي القرن الثامن عشر انضمت جماعات من اليعاقبة إلى سلطة كنيسة روما، وأسّست ما يدعى اليوم ببطريركية السريان الكاثوليك. يبلغ عدد اليعاقبة نصف مليون نسمة في الشرق الأوسط، معظمهم في سورية والعراق، وقليل منهم في تركيا ولبنان والأردن، ومليون نسمة في جنوب الهند، وهناك طوائف أرمنية تعتقد ما يعتقده اليعاقبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • سوسن بيطار. "يعقوب البرادعي". الموسوعة العربية.


انظر أيضاً

للاستزادة