ياسين التهامي

الشيخ ياسين التهامي (6 ديسمبر 1949) منشد صوفي مصري.

هو المنشد الديني الصعيدي المعروف ، ولد في قرية الحواتكة بمركز منفلوط بمحافظة أسيوط بالصعيد في السادس من ديسمبر عام 1949م . ولد الشيخ ياسين في 6 / 12 / 1949 م ببلدة الحواتكة – مركز منفلوط – محافظة أسيوط .

والحواتكة هي إحدى قرى مركز منفلوط الكبيرة , يجمع أهلها رباط الاتحاد والتعاون , وإن اختلفت وجهات نظرهم يعمل أهلها بالزراعة والصناعة . ولدى طائفة منهم وعي سياسي وثقافي .

وقد قال عنها علي باشا مبارك – في الخطط التوفيقية - :

قرية كبيرة من مديرية أسيوط بقسم منفلوط , على الشاطئ الغربي للنيل في شرقي الإبراهيمية في جنوب منفلوط بأقل من ساعة , وأبنيتها من أحسن الأبنية الريفية , وفيها قصور مشيدة وبها نخيل وأشجار وجنات , وأطيانها جيدة المحصول ..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة وتأثيرها على شخصية الشيخ

نشأ الشيخ في بيت ديني وعائلة ينتسب أهلها إلى التدين , وأهم هذه العائلة هو والد الشيخ , الذي كان من أولياء الله الصالحين ومن الزهاد والعابدين بشهادة كل من رآه

وكان لهذا الجو الديني تأثير عميق في نفس شيخنا , فقد نشأ وتربى في جو يسوده التدين وحب وذكر الله , وذلك من خلال ليالي الذكر التي كان يقيمها والده في المناسبات الإسلامية , مثل المولد النبوي الشريف وغيرها من المناسبات الدينية .

ومن هنا دفع به والده إلى أن يتلقى تعليمه بالمعاهد الأزهرية حتى وصل إلى السنة الثانية في المرحلة الثانوية الأزهرية , وكان ذلك عام 1970 م . ثم انقطع عن الدراسة لظروف خاصة .

وخلال هذه الفترة من عمر الشيخ كان مولعا بالشعر الصوفي , والذي كان يسمعه من والده وممن يحضرون ليالي الذكر التي كان يقيمها والده , ثم ظل لمدة عامين متأملا ومنقطعا لقراءة أشعار المتصوفة الكبار من أمثال : سيدي عمر بن الفارض، وسيدي الحلاج، وسيدي السهروردي، وسيدي محيي الدين بن عربي، وغيرهم من أقطاب الصوفية الكبار الذين كان لهم الفضل وكان لهم أكبر الأثر في تكوين شخصيته في هذه الفترة السنية التي يبنى فيها عقل الإنسان وتتشكل فيها شخصيته .

مما لا شك فيه أن الشيخ ياسين التهامي يعد ظاهرة فريدة في عالم الغناء والطرب وفي عالم الإنشاد الديني خاصة , وذلك ما صرحت به الصحافة الأسبانية حيث أطلقت عليه ( ياسين العظيم ظاهرة الشرق ) وقريب من هذا مقال نشر بمجلة نصف الدنيا المصرية عنوانه ( ظاهرة في مصر اسمها ياسين التهامي ) .

والمتأمل في قصة حياة هذا الرجل يجد فيها موافقات متعددة وأوجه شبه كثيرة بينه وبين العملاقة سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم , فكلاهما قد حقق معادلة صعبة في عالم الفن والغناء فمن السهل أن يصل الإنسان إلى الشهرة والنجاح , أما الصعب هو أن يحافظ الإنسان على هذا النجاح وأن يقدر على صنع أرضية ثابتة يجتمع عليها المثقفون وعامة الناس والأميون وأن يقدم فنا تتفق عليه كل الأذواق هذه المعادلة الصعبة لم تتحقق في عالم الغناء بكل أجناسه إلا مع أم كلثوم , ثم جاء ياسين التهامي من قلب الصعيد بصوت دافئ ينقل أشعار المتصوفة العظام (الحلاج وابن الفارض والسهروردي ورابعة العدوية والجيلي ) جاء بصوته الذي يجمع بين وهج حرارة الصعيد وألق شعراء لم يجد الزمان بمثلهم يصدح بصوت العشق والهوى ويغرد للأرواح العطشى للرحيل خلف صبابة الحب الإلهي .

ويمكن أن نرصد بعض أوجه الشبه بين الظاهرتين ( أم كلثوم وياسين التهامي) وذلك من عدة نواحي :

1 – عند ظهور السيدة أم كلثوم وانطلاقها في عالم الغناء في مطالع العشرينات من القرن الماضي كانت هناك على الساحة ملكة متوجة للغناء هي سلطانة الطرب ( منيرة المهدية )

ومن الموافقات الطريفة أن يكون ظهور الشيخ ياسين وبدايته في مجال الإنشاد الديني في وجود عملاق في هذا الفن له جمهوره العريض وله محبوه في كل مكان من أرض مصر ؛ هذا العملاق هو الشيخ أحمد التوني , وهو ابن قرية الحواتكة أيضا وله دوره ومدرسته في فن الإنشاد الديني , وهو – كما وصف في كتاب الهلال عدد ديسمبر 1995 - " أحد أعلام الإنشاد وصاحب الصوت الدافئ الأجش الذي يذكرنا بصوت الشيخ زكريا أحمد " .

ولكن الشيخ ياسين في ظل وجود الشيخ أحمد التوني نجده يسلك مسلكا متفردا بعيدا عن أسلوب الشيخ التوني , ويصبح بهذا الأسلوب صاحب مدرسة أخرى هي إحدى مدرستين للإنشاد الديني في مصر .

2 – وجه الشبه الثاني بين التهامي وأم كلثوم هو ارتقاء كل منهما بالفن الذي التحق به .

فأم كلثوم عند ظهورها كانت تنتشر موجة من الأغاني الهابطة الركيكة التي لا ترقى إلى المستوى الذوقي المطلوب , حتى الأغاني التي اشتهرت بها سلطانة الطرب ( منيرة المهدية ) كانت خالية من الكلمة الهادفة وإنما كانت تغني كلاما عندما تسمعه يطربك صوتها الجميل ولكن دون حس ينقله إليك ولا شعور يبثه فيك ولا يمكن أن يكون له وقع لديك , فقد كانت تغني لتطرب أذنك وحاستك المادية فقط , كما كانت ( السلطانة ) عامية النطق والإشارة عامية المفاهيم .


نشأته

نشأ في جو ديني في عائلة محافظة و هكذا كان جو القرية العام ، و كان معظم أهلها من المنتسبين للطرق الصوفية ، و كان والده الشيخ تهامي حسنين من الصالحين . حفظ القران و جوده ، مما ساعده على تقويم لسانه و تعريبه على الوجه الأمثل . تلقى تعليمه بالمعاهد الأزهرية حتى السنة الثانية الثانوية ثم انقطع لظروف خاصة .

حياة صوفية

عاش الشيخ ياسين في جو معطر بالذكر و النفحات الصوفية و تعرف خلال هذه الفترة على عمالقة الشعر الصوفي أمثال عمر بن الفارض و منصور الحلاج و محيي الدين ين عربي و غيرهم ، و كان لهذا أكبر الأثر في ولوجه باب الشعر الصوفي منشداً فيما بعد .

بزغ نجم الشيخ ياسين التهامي منذ منتصف السبعينيات كمنشد ديني متمكن منافساً بذلك الشيخ أحمد التوني سيد هذا الفن ءانئذ ، و استطاع الشيخ ياسين التربع على عرش الإنشاد لمدة تقترب من ثلاثين عاماً و حتى الان . و استطاع الشيخ ياسين الإرتقاء بالإنشاد الديني الشعبي من الأسلوب الدارج و الكلمات العامية إلى تطعيمه بأرقى و أجمل ألوان الشعر الصوفي الفصيح لعمالقة الشعراء ، كما يتمتع الشيخ ياسين بمعرفة موسيقية عالية ، و تنقل مرن و سلس جداً بين المقامات .

الإنشاد " الدينى عند المسلمين والمسيحيين في مصر فن

له تقدير خاص لأنه مرتبط بالدين ، فالترانيم الكنسية تشبه قصائد المديح في آل بيت الرسول نقصد أنها تحتل نفس المكانة وتؤدى نفس الغرض ، بل إن الألحان التى يتغنى بها المرنمون الأقباط تكاد تكون هى نفسها الألحان التى يقدمها المنشدون خصوصاً في محافظات الدلتا بسبب وجود مقام السيد أحمد البدوى وفى الصعيد "منشدون " مشهورون منهم الشيخ أحمد بن برين أو أحمد التونى والرجل كان ضريراً يعيش في أسوان لكن أثره أمتد في جميع محافظات جنوب الصعيد وكل قصائده تدور حول كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء أما عن قدراته الصوتيه فهى قدرات عالية مميزة فصوته يمتلك عذوبة خاصة قادرة على مخاطبة الوجدان واختراقه بسهولة لأحداث المتعة وتحقيق حالة الصفاء الروحى وله تلاميذ منهم محمد العجوز الذى تحول من الإنشاد الدينى إلى الغناء العادى وفشلت تجربته فشلاً ذريعاً وفى أسوان أيضاً ظهرت أسماء عديدة غير "برين"


وفى أسيوط عاش الشيخ أحمد التوني وهو من كبار المنشدين الصوفيين وكذلك الشيخ أحمد سمور الذى ظهر في الأربيعينات وبعده تسلم ابنه الشيخ محمد الراية منه وواصل مسيرة والده حتى نهاية الثمانينات واختلفت الآلات الموسيقية التى استخدمها هؤلاء المنشدون فهمنهم من اكتفى بالآلات الإيقاعية ومنهم من اعتمد على الناى والنقارة والصفارة .

لكن الشيخ ياسين التهامى تلميد الشيخ التونى تألق وحقق شعبية جارفة مستفيدا بظهور شركات الكاسيت وانتشار أجهزة التسجيل في فترة سفر المصريين إلى دول الخليج في السبعينات فكانت الفرصة كبيرة أمام هذه الملايين للتعبير عن نفسها واختيار الشيخ الذى يعبر عنها ويقدم لها اللون الذى تحبه وتفهمه وينتمى الشيخ ياسين إلى قرية الحواتكة بأسيوط وكان أبوه من رجال الطرق الصوفيه المهمين ودرس الشيخ دراسة أزهرية وتخصص في غناء قصائد القطب الصوفى الأشهر عمر بن الفارض .

ورغم أن هذه القصائد مكتوبة باللغة العربية الفصحى إلا أن الصعايدة يستمتعون بها وانتشر أسلوب الشيخ على مستوى الجمهورية وأصبح له مقلدون وتلاميذ وأصبح حضوره في ليالى الإسكندرية والمحلة والقاهرة وطنطا لا يقل عن حضوره في ليالى سوهاج وأسيوط وقنا ولا يوجد مولد لأحد الأولياء في أى مدينة صغيرة أو كبيرة إلا شارك فيه ياسين التهامى بإحياء الليلة الختامية حتى إن فاروق حسنى وزير الثقافة دعاه للغناء ضمن برامج وزارة الثقافة في مصر وفى العواصم الأوروبية والمثقفون وجدوا في ياسين صوتاً وإحساساً لم يجدوه في مطرب أو منشد قبله واتسعت دائرة جماهيره بين المثقفين .

وأهم ما يميز التهامى إحساسه بالقصائد وهو إحساس عال نشأ لديه بحكم نشأته في بيئة صوفيه متعلمة كما أنه أثناء إنشاده يقدم حالة فنية متكاملة فيه الصوت والكلمة واللحن والآداء المسرحى والزى الشعبى المتمثل في العمامة التى تميز منطقتى شمال سوهاج وأسيوط كلها كما أن ملامحه العربية الصريحة ينتمى إلى أولاد حاتك أو الحواتك التى أصبحت على لسان العامة الحواتكة ووسامته جعلته زعيماً بالشكل والموضوع فهو شيخ ابن شيخ يتغنى بكلام الأطهار والمصريون المسلمون يعشقون آل البيت عشقاً ربما يتفوق على عشق الشيعة رغم أن مذهبهم الدينى هو المذهب السنى .

إنشاد البوح والشجن

للإنشاد الديني دولة وسلطنة، والمنشد الصوفي ياسين التهامي هو أحد أشهر أركان هذه الدولة التي تمتد باتساع العالم العربي والإسلامي، تنسب إليه رسالة ماجستير في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عن الشعر الصوفي، الفضل في إحياء هذا الشعر وجعله على ألسنة العامة.

فقبل التهامي كانت قصائد المتصوفة من خواص الخواص؛ مكانها بطون الكتب أو حلقات الذكر ومجالس شيوخ الطرق؛ فجاء ياسين بإنشاده في الموالد والميادين والحفلات ليجعله على ألسنة العوام في القرى والنجوع والأرياف أشبه بالأهازيج والفلكلور الشعبي، فتسمع مثلا حمال أمتعة أتعبه كثرة العمل يبرر لك عجزه عن رفع بعض المتاع قائلا: "ما حيلتي والعجز غاية قوتي"!، وقد تشكر آخر على خدمة أسداها إليك فيرد عليك: العفو.. الشكر لله ثم يردف: "لم أفعل شيئًا..." "أنا قلم والاقتداء أصابع"! وربما عبّر لك ثالث عن قلقه حيالك قائلا: "قلبي يحدثني بأنك متلفي"! ثم لا يلبث أن يردف مؤكدًا أنه يداعبك فقط فيقول: "روحي فداك عرفت أم لم تعرف".

والجميع يرددون هذه الكلمات وغيرها المقتطعة من عيون الشعر الصوفي كثيرا، ودون إدراك لمعانيها الحقيقية غالبا بعفوية وبفصاحة لا تنم عنها بساطتهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية المتواضعة، بل إن بعضهم يكاد يحفظ قصائد بأكملها لأقطاب المتصوفة يعجز عنها كبار المثقفين، وذلك من كثرة ما رددها وراء الشيخ ياسين في الموالد والحفلات، أو لكثرة ما سمعها من أشرطة الكاسيت التي تحتوي إنشاده الديني والتي تجاوزت المائة وخمسين!

وياسين التهامي المولود في 7 ديسمبر سنة 1949 بقرية الحواتكة بمحافظة أسيوط بصعيد مصر.. ابن لبيئة دينية عرفت بالتصوف والعناية بالنشيد الصوفي، وقد حفظ القرآن الكريم صغيرًا لكنه لم يكمل دراسته الثانوية بالأزهر الشريف، وبدأ حياته بالإنشاد الديني في الموالد والحفلات الدينية بقرى ونجوع الصعيد حتى سطع نجمه في منتصف السبعينيات ليصبح نجم الإنشاد الديني الأول في مصر، خاصة لدى أهل الصعيد الذين أصبح ملبس وهيئة ياسين "موضة" شبابهم، الذين أصبحوا يعلقون صوره وألبوماته مثلما يعلق شباب المدن صور "عبد الحليم حافظ".. وامتدت شهرة ياسين خارج مصر والعالم العربي؛ فأحيا حفلات في لندن وباريس وفي ألمانيا وهولندا وأسبانيا وفنلندا وغيرها من العواصم والدول الأجنبية، خاصة في مهرجانات الموسيقى الروحية.

موسيقى الشجن

وياسين التهامي رغم ارتجاله، ورغم أنه لم يحصل على دراسات أكاديمية أو علمية يمكن اعتباره أفضل منشد عربي في علاقته مع الموسيقى وتوظيفه لها في الإنشاد؛ فهو يتعامل مع المقامات الموسيقية بحساسية نادرة، يتنقل فيها، ويزاوج بينها بمهارة لم يعرفها المنشدون الدينيون، وربما لا يوازيه في هذه الموهبة سوى المطرب العملاق صباح فخري.

وقد أبدع ياسين بهذه الموهبة لونًا جديدًا في الإنشاد الديني لم يكن موجودًا من قبل، يزاوج فيه بين إيقاعات النغم الشرقي الأصيل والنغم الشعبي، وأدخل فيه الآلات الموسيقية على اختلاف أنواعها، ونوّع من المقامات الموسيقية المتعارف عليها؛ فطوّر بذلك في الإنشاد الديني، وميزه عن أنواع مختلفة قد تتداخل معه؛ مثل الابتهال الديني الذي قدمه كبار المنشدين من أمثال النقشبندي ونصر الدين طوبار وطه الفشني، ليس على مستوى الكلمة فقط.. بل وكذلك اللحن وشكل الأداء؛ فقد ظل الابتهال أقرب للدعاء والمناجاة، ولا يرتبط فيه المبتهل بإيقاع بعينه.. بل هو حر في أغلب الأحيان، وتصاحبه دائمًا بطانة تردد خلفه من دون موسيقى غالبا.

بينما طور ياسين لونا من الإنشاد يعتمد على إدخال المقامات الشرقية -بما فيها المقامات المهجورة- على القصائد الدينية والتنويع بينها، وكذلك الآلات الموسيقية على اختلافها من كمان وناي وقانون وأكورديون... ومزج بين إيقاعات النغم الصعيدي وإيقاعات النغم الشرقي الأصيل، كما اختلف أيضا في طريقة الأداء التي تعتمد أساسا على العلاقة مع الجمهور وتقوم على التفاعل والتأثير المتبادل، خاصة أنه يقدم في الميادين والموالد والشوارع مباشرة إلى الجمهور.

رغم جمال موسيقاه تبدو وكأنها تسير على غير قاعدة، وأحيانا متشابهة في أغلب ما ينشده؛ فإن هذا يصدق فقط على الاستهلال، أما فيما بعد الاستهلال تكون أكثر انتظاما، ولكل قصيدة موسيقاها الخاصة بها، حتى إن بدت للوهلة الأولى متشابهة، وفي معظم الأحيان تفرض القصيدة المقام الموسيقي الخاص بها، والذي قد يتغير في القصيدة الواحدة. فهناك قصائد تغير مقامها ولحنها الآن من مرحلة عمرية لأخرى ومن مكان لآخر، وكثيرا ما يدخل تغييرًا ليس على المقام الموسيقي فقط بل وعلى كلمات وأبيات القصيدة نفسها.

صوت إنساني فضفاض

ويمتلك ياسين التهامي طاقة ومساحة صوتية هائلة أغرت باحثًا أمريكيًا مثل "مايكل فروشكوف" بتخصيص دراسة كاملة عن أدائه الصوتي، ودفعت المستشرق الألماني "كولن" إلى أن يفرد له قسما مستقلا في كتابه عن الموسيقى الشرقية؛ باعتباره مرتجلا لنغم صوفي جديد من دون تعليم أو دراسة أكاديمية.

وصوت ياسين هو ما أتاح له إنشاد أصعب القصائد بمقامات لم يؤدِّ عليها إلا كبار الفنانين، من أمثال ناظم الغزالي وأم كلثوم و صباح فخري ؛ وهو أقرب إلى البوح الذي يخوض في مساحات واسعة في النفس الإنسانية تجعله يؤثر في ذاته دون معرفة معنى الكلمات أو حتى اللغة العربية نفسها؛ فهو صوت إنساني بامتياز يحسه كل من يسمعه حتى ولو لم يكن يفهمه.

لذلك كان أول ما وصفته به هيئة الإذاعة البريطانية في حلقة خاصة أنه "صاحب صوت إنساني فضفاض يستوعب أي إنسان على اختلاف لغته وموسيقاه"، وبعد أن أحيا ليلة كاملة في مهرجان الموسيقى الروحية الذي تستضيفه العاصمة البريطانية لندن كل عام، علق بعض الحضور بأن "صوته وألحانه تفتح في النفوس طرقًا من النور والإيمان"، واختصر مقدم الحفل ليلتها كلمته قائلا: "ياسين شيء مختلف لا نستطيع تقديمه؛ لذا فمن الأفضل أن نتركه يقدم نفسه من خلال غنائه وموسيقاه وشكل أدائه الذي يشبه البوح".

ويبلغ الصوت قمته وطاقته في التأثير حين يتكامل مع شكل أدائه المميز الذي يتفرد به، حتى إن باحثة بريطانية تدير مركزا للعلاج النفسي في لندن قدمت لمصر لإعداد دراسة سيكولوجية عن إنشاد ياسين كطريقة للعلاج النفسي، تسعى لتطبيقها في مركزها الخاص للعلاج النفسي في لندن.. وحين قابلتها (جوانا) في ليلة مولد العارف بالله عمر بن الفارض وهي تستمع لياسين كانت المفاجأة أنها لا تعرف من اللغة العربية شيئًا.. سألتها: وهل تفهمين ما ينشده ياسين أو يقصده؟ فردت: لا.. ولا أحتاج فهمه؛ لأني أشعر به، وهذا يكفي!!

إنشاد ضد الاستهلاكية

طريقة ياسين في الإنشاد فريدة ولها خصوصيتها؛ إذ تعتمد على التواصل المستمر بينه وبين فريق اللحن والجمهور وطبيعة وأجواء الزمان والمكان.. أو استحضار ما يسميه "الحالة"؛ حيث التفاعل المستمر، وتبادل المشاعر والأحاسيس مع الجمهور وانفعالاته؛ لذلك فهو لا يقوم بالإنشاد -مثلا- داخل أستوديو، وإنما في الموالد واللقاءات المفتوحة مع الجمهور؛ لأن التسجيل في الأستوديو -برأيه- أقرب إلى الغناء "الاستهلاكي" الذي يُعد مسبقًا للجمهور!

وهو -أيضا- لا يقوم بأي بروفة للحن أو لكلمات ما ينشده من قصائد.. بل يأتي عفوًا ومن تلقاء نفسه أو حسب ما يسميه "الحالة"؛ فهو يرتقي المسرح، ويحاول أن يختار من قصائد الصوفية ألْيقَها بالمقام. لكن الذي يحدث غالبا أن "الحالة" هي التي تلهمه اختيار القصيدة وكذا اللحن، وهما متغيران بحسب ""الحالة".

ويبدو ذلك واضحا من تغير لحن وكلمات القصيدة الواحدة؛ فكثيرا ما أنشد القصيدة الواحدة على أكثر من لحن أو مقام، وربما أنشد على المقام الواحد أكثر من قصيدة، وربما غيّر في القصيدة الواحدة والمقام الواحد بحسب الحالة التي ينشد فيها، والتي يخلقها الزمان والمكان والحدث والناس من حوله أو حالته الشخصية أيضًا التي تتدخل في ذلك.. لذلك مرات تأتي القصيدة ترقص طربًا، ومرات أخرى تأتي هي نفسها تقطر حزنًا كالنشيد الجنائزي.

عشق الكلمة

ولأنه ولد وتربى في أجواء التصوف، وشب على حلقات الذكر.. جاء معظم إنشاد ياسين من قصائد وأشعار المتصوفة التي تربطه بها علاقة عشق ووجد، وممن أنشد لهم ياسين التهامي عبد القادر الجيلاني وعبد الكريم الجيلي والحلاج ومحيي الدين بن عربي وأبو معين الغوث وعمر بن الفارض الذي أنشد تائيته الشهيرة (537 بيتا) على مراحل عمره الفني المختلفة الذي قارب الثلاثين عاما... وغيرهم من أقطاب الصوفية أو أصحاب الطلة والروح -بتعبير دراويش الصوفية-، وهو ما يناسب الإنشاد الديني في الموالد وحلقات الذكر. ولهذا يكثر في إنشاد ياسين المعاني والمصطلحات الصوفية التي يرفضها الفقهاء وعلماء الدين، ويرون فيها أنها تدعو إلى وحدة الوجود أو تقديس الأولياء وأهل البيت والاستغاثة بهم وطلب العون منهم والمدد.

ولا يخرج ياسين عن عيون الشعر الصوفي إلا نادرًا، وإذا ما أنشد لغير المتصوفة فلشعراء لهم نفس الروح والمشاعر والعاطفة القوية؛ مثل الأمير عبد الله الفيصل وعبد الله البردوني وعلي عبد العزيز وأحمد شوقي وعلية الجعار والأخطل الصغير (بشارة الخوري)، وطاهر أبو فاشا، وإيليا أبي ماضي.. ومن القدماء المتنبي وأبو فراس الحمداني ورابعة العدوية، ولعنترة بن شداد من الجاهليين أيضا؛ فالمبدأ عنده هو روح القصيدة وليس شخص صاحبها.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جمهور الكلمة وليس المطرب!

والمفارقة أن القصائد التي ينشدها ياسين على مستوى عال جدًا من حيث معانيها وأفكارها وما فيها من روح وفلسفة، ورغم ذلك يتجاوب معها الجمهور الكبير الذي يتكون معظمه من غير المثقفين بل ومن الأميين.

وجمهور ياسين ذو تركيبة فريدة، تماما مثل شكل وطريقة إنشاده؛ فهو يضم شرائح متنوعة ومتناقضة تشمل كل درجات السلم الاجتماعي والثقافي، بداية من جمهور الموالد والطرق الصوفية وهم القطاع الأكبر، انتهاء بشريحة من أبناء النخبة الباحثين عن الروحانيات أو الغرائبية أو الجذور في مواجهة تيار العولمة المكتسح حتى لأغانينا، ولكن القاسم المشترك بينه هو الإحساس العميق بالكلمة، والإحساس بالشيء نصف فهمه، أما النصف الآخر للفهم فيأتي من المشاركة في الغناء كجزء من "الحالة"؛ لذلك كان لياسين جمهور كبير في حفلاته بالبلاد الأجنبية من خلال مهرجانات الموسيقى الروحية، ورغم أن الغالبية العظمى من حضورها كانوا أجانب لا يعرفون العربية، فضلا عن فهم معاني الشعر الصوفي.. فإنه كان هناك تركيز وإنصات؛ فهم لا يبحثون في معنى ما ينشده بقدر ما يحسونه ويشعرونه!

وعلاقة ياسين بجمهوره التفاعلية هي التي تصنع خصوصيته، أو ما يسميه بالحالة التي يشاركه فيها الجمهور بالإنشاد أقرب إلى جلسات العلاج النفسي أو رحلات السمو الروحاني؛ لذلك يخشى المطربون من الغناء معه أو بعده؛ لأن طريقته تجذب الجمهور وترهقه، وتسيطر عليه تماما طوال عدة ساعات تحول دون إمكانية تواصله مع من يأتي للإنشاد أو الطرب بعده، ولهذا السبب دائمًا ما ينشد منفردًا أو في نهاية الحفلات.


المصادر :

http://www.yassintohamy.com/vb/index.php http://eltohamy.moontada.net/ http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1184649203744&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout