نقاش:فقر

الفقر

العنود نايف المريخي

الفقر


الفقر ظاهرة اجتماعية اقتصادية حيث يتم استخدام الموارد المتاحة لمجتمع لإرضاء احتياجات القلة بينما الكثير لا يتم تلبية احتياجاتهم الأساسية، ويعرف الفقر بأنه حالة يفتقر فيها الفرد أو الأسرة الى الموارد المالية اللازمة لتحمل الحد الأدنى من مستوى المعيشة الأساسي. فالفقراء ليس لديهم دخل واف ويصارعون لتحمل تكاليف السكن والمرافق الصحية والتعليم وجميع الضروريات لبقائهم على قيد الحياة ولعيش حياة كريمة. لذلك، يمكن فهم الفقر ببساطة على أنه نقص في المال، أو على نطاق أوسع، عوائق أمام الحياة اليومية للإنسان.

وصفت منظمة البنك الدولي الفقر على أنه: "الفقر هو الجوع. الفقر هو نقص المأوى. الفقر هو عدم استطاعة زيارة الطبيب عند المرض. الفقر هو عدم القدرة على الوصول الى المدرسة وعدم معرفة القراءة. الفقر هو عدم وجود عمل، هو الخوف من المستقبل، هو العيش يوما بيوم.

للفقر وجوه عديدة، تتغير من مكان الى آخر وعبر الزمن، وقد تم وصفه بعدة طرق. في أغلب الأحيان، الفقر هو الوضع الذي يريد الناس العروب منه. لذا فإن الفقر هو دعوة للحراك والتغيير -للفقراء والاثرياء على حد سواء- دعوة لتغيير العالم حتى يكون لدى الكثير ما يكفي من الطعام، والمأوى المناسب، والحصول على التعليم والصحة، والحماية من العنف، وإبداء الرأي فيما يحدث في مجتمعاتهم."

غالبا ما ينظر المجتمع الى الفقر على أنه قضية فردية، معتقدا أنه نتيجة لقرارات سيئة اتخذها الفرد. أي أن الناس أنفسهم مسؤولون عن مستوى الدخل والاستقرار المالي للأسر. بينما الموضوع أكثر تعقيدا من ذلك بكثير لأن للفقر أسباب عدة ينتج منها، ومن أهمها عدم الكفاية في هيكلة اقتصاد البلد وتوزيع الموارد والثروات فيه، وعدة أسباب أخرى، مما يجعله مشكلة اجتماعية. ويؤدي الفشل في بناء نظام اقتصادي واجتماعي ناجح من شأنه أن يساعد المواطنين على الاستقرار المالي الى مجموعة من القضايا والمشاكل الاجتماعية المرتبطة بمستويات الجريمة في المجتمع، والتعليم، والرعاية الصحية، وغيرها من المشاكل. 

هناك العديد من الدراسات والمنشورات التي تبحث في أسباب الفقر. رويس (2019) حاول الشرح في كتابه عن كيفية فشل النظام الاقتصادي القائم في الولايات المتحدة الان وذلك لمنعه المواطنين من الوصول الى مستوى كافٍ ومناسب من الدخل والدعم الملي. فإن الفكرة الرئيسية التي توصل لها هي أن الهيكل الحالي لكيفية توزيع الموارد والدخل بين السكان لا يفيد الجزء الأكبر منه. القلة من الأفراد الأغنياء لا يزادون إلا بالثراء كل عام، بينما يكافح ويناضل الملايين للعثور على وظائف مستقرة تصل اجورها على الأقل للحد الأدنى للأجور. وبالنسبة لأسباب الفقر بشكل عالمي وأوسع فهناك العديد من النظريات والأسباب ونتحدث في كلن منها كالآتي:

1- عدم المساواة والتهمش الاجتماعي: يسهل بما فيه الكفاية فهم عدم المساواة كفكرة أو مفهوم. وهي عندما يكون لدى مجموعة ما من الناس عدد أقل من الحقوق والموارد بناء على جانب من جوانب هويتها مقارنة بمثيلاتها في المجتمع، فذلك يمثل عدم المساواة. ويمكن أن يستند هذا التهميش الى جوانب عدة مثل الطبقة الاجتماعية، أو المقدرة، أو العمر، أو الحالة الصحية، أو الحالة الاجتماعية، أو الأكثر شيوعاً والأكثر انتشاراً؛ على أساس الجنس. ومع ذلك، فإن الطريقة التي تعمل بها عدم المساواة كسبب من أسباب الفقر هي طريقة متعددة الأوجه الى حد ما. عندما يمنح الناس حقوقا أو أصولا أقل بناء على عرقهم أو انتمائهم القبلي، فهذا يعني أن لديهم فرصا أقل للمضي قدماً في الحياة. نرى هذا غالبا في عدم المساواة بين الجنسين والتفريق الطبقي. في هذه الحالة، المساواة ليست حتى نسبية فلا يهم أن يكون لدى شخص ما المزيد. ما يهم هو أن شخصاً آخر ليس لديه ما يكفي، ويصبح المجتمع المهمش أكثر عرضة للفقر.

2- الصراعات: يأتي الصراع على رأس قائمة مخاطر الفقر. فيمكن أن تؤدي الازمات واسعة النقاط والممتدة، مثل الحرب في سوريا التي استمرت لعشر سنوات، الى توقف اقتصاد كان مزدهر. مع استمرار القتال في سوريا فر الملايين من منازلهم وغالبا لم يكونوا يرتدون سوى الملابس التي على ظهورهم، وتم تدمير البنية التحتية العامة. قبل عام 2011، كان أقل من 10٪ من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. لكن بعد عشر سنوات من الصراع، يعيش الآن أكثر من 80٪ من السوريين تحت خط الفقر. فالصراع يساهم على الفقر بشكل كبير وبعدة طرق، ومنها: الضرر الذي يلحق بالبنية التحتية للبلد والمجتمع، والمؤسسات والإنتاج؛ تدمير الأصول؛ تفكك المجتمعات والشبكات الاجتماعية؛ النزوح القسري وزيادة البطالة والتضخم.

3- الجوع وسوء الأغذية: في اعتقاد الغالب أن الفقر هو مسبب الجوع وسوء التغذي وذلك صحيح، لكن يعد الجوع أيضا سبباً للفقر ومحافظ له. فهو مثل تأثير الدومينو، إذا لم يحصل الشخص على ما يكفيه من الطعام والغذاء، سوف يفتقر الى القوة والطاقة اللازمتان للعمل. أو سيضعف جهاز المناعة لديهم بسبب سوء التغذية ويجعلهم أكثر عرضة للإصابات بالأمراض التي تمنعهم من العمل وتتكرر الدورة. ويسوء ذلك بالنسبة للأطفال، فأول ثلاث سنوات من حياة الطفل أساسية لضمان صحته المستقبلية. فعندما يولد الطفل لأسرة منخفضة الدخل، اذا كانت الأم تعاني من سوء تغذية أثناء حملها ففي الغالب ينتقل ذلك الى الطفل، ويعاني من تكاليف سوء التغذية على مدى العمر.

4- أنظمة الرعاية الصحية السيئة: آثار الجوع والفقر وسوء التغذية يسيران جنباً الى جنب كما رأينا. فمثلا في البلدان ذات الرعاية الصحية السيئة، الأمراض سهلة الوقاية منها وسهلة العلاج قد تكون فتاكة وتستنزف موارد الاسرة كلها. فعندما تضطر الاسر لقطع مسافات والسفر لأماكن بعيدة للوصول الى رعاية صحية كفؤ أو لشراء الأدوية التي يكونون بحاجه لها، فكل ذلك يستنزف موارد وأصول عوائل تكون تحت خط الفقر من قبل تلك الأزمات الصحية وبعدها يسوء حال الاسرة من أسرة فقيرة الى معدمة. 5- تغير المناخ والاحتباس الحراري: يعمل التغير المناخي والكوارث الناتجة عنه كحلقة وصل مترابطة مع الفقر الأسباب الأخرى المذكورة في هذه المقالة، مثل الجوع والصراعات وعدم المساواة، سواء من خلال قلة المياه عند الجفاف أو تدمير المساكن والمدن عند الفيضانات وتساهم كل هذه الآثار في دورة الفقر وخلق اللاجئين. حيث قدرت إحدى التقارير الصادرة عن البنك الدولي أن لأزمة المناخ القدرة على دفع أكثر من مئة مليون شخص الى الفقر خلال العقد المقبل. ويعتمد العديد من أفقر سكان العالم على الزراعة والصيد لكسب العيش أو حتى للعيش عليها فقط. فعلى سبيل المثال، جمهورية ملاوي، زراعية بنسبة 80٪. وغالبا ما يكون لديهم من الغذاء والقمح ما يكفي للاستمرار في العيش والنجاة للموسم التالي، ولا توجد لديهم احتياطات كافية للرجوع عليها في حالة ضعف الحصاد او الكوارث والأزمات. لذلك عندما يسبب تغير المناخ بكوارث الطبيعية مثل الجفاف فإنه يترك الملايين من الأشخاص بلا غذاء وينشر الفقر بشكل أوسع مما يجعل التعافي من كارثة واحدة فقط أكثر صعوبة.

6- نقص التعليم: ليس كل شخص لم يحصل على تعليم يعيش في حالة فقر لكن معظم البالغين الذين يعيشون في فقر لم يتلقوا تعليماً جيدً. وفي الغالب عند تكوينهم لأسر وإنجاب أطفال ينتقل ذلك النقص التعليمي إليهم. هناك العديد من العوائق الذي تحول دون التعليم في جميع انحاء العالم منها عدم وجود تعليم مجاني كفء وصعوبة التنقل للوصول الى المدارس أو في بعض البلدان التمييز الثقافي ضد تعليم الفتيات ويؤدي كل ذلك الى عرقلة حياة الطفل في المستقبل. غالبا ما يشار الى التعليم على أنه عامل التعادل العظيم. هذا لأنه يفتح الباب لتغيير حياة الانسان من وظائف وموارد ومهارات أخرى تحتاجها الأسر للازدهار. فالفقر يهدد التعليم، لكن يمكن أيضا أن يساعد التعليم على إنهاء الفقر.


فكما رأينا هناك عوامل كثيرة مسببة للفقر وفي غالب الحين تعمل يدا بيد وفي حلقة مستمرة وتؤدي تلك العوامل الى آليات تأقلم سيئة تكون في غالب الحين مسببة للفقر، مثل إخراج الأطفال من المدارس للعمل أو حتى للزواج. فمن الممكن أن تساعد الاسرة تلك الآليات على تجاوز فترة أو موسم سيئ لكن في نهاية المطاف ماهي إلا عوامل تزيد من الفقر في الاسرة والمجتمعات.


المراجع: https://www.concernusa.org/story/climate-change-and-poverty/

https://borgenproject.org/tag/poverty-in-syria/

https://www2.gnb.ca/content/gnb/en/departments/esic/overview/content/what_is_poverty.html

https://www.interaction.org/blog/the-top-9-causes-of-global-poverty/