نقاش:عبد الحليم أبو غزالة

ضيف السماء أبو غزاله

ابْكِيْهِ يا شَهْرَ الكرامةِ والبطولةِ والبساله
ابكيه يا نصرَ العروبةِ واحْكِ فى الدنيا فِعَاله
وردِّدُوا فى موكبِ التأبينِ للذكرى مقاله
وابكيه يا ارضَ المعاركِ واذكري اليومَ رجاله
هيا احْكِ للنشْءِ صِبَاهُ واصْطِفَاهُ واعْتِزَالَه
وحدثوا الأجيال عن تاريخه واجْلُوا جلاله
وعلموا الأطفالَ عِزَّا مَنْ يكونُ أبو غزاله

يا سيدي لَوِّحْ لهم شَذَراً وأوْجِزْ فى المقاله
إنِّى ارتويْتُ مَحَبَّةً مِنْ أمَّتي حتى الثماله
إنى رأيتُ مقامَكُمْ فى الناس موفورَ الضآله
غادرتُكُمْ والليلُ يغمُرُكُمْ وقد عَزَمُوا انسداله
غادرتُكُمْ والحقُّ حُلْمٌ ليس فى يَدِكُمْ مَنَاله
عَسْفَا يسودُ الباطلُ الحقَّ وقد حَذِقَ انتحاله
فى جُوْقَةٍ للزيفِ تُتْقِنُ بالمقالاتِ افتعالَه
والعابثُ الرِّعْدِيدُ يفعل بالثوابتِ ما بدا له
كم توقِدُونَ لَظَىً على وطن تودون اشتعاله
كم مِنْ خَزَاياكم يُعَانِيهَا مُكَابِداً ابتذاله
فرَّقْتُمُ الجَمْعَ فَرِيدَ الصُّنْعِ تبغون اختزاله
أدخلتموه تناحُرَ الأعداءِ يَسْتَعْدِى سِجَالَه
وجعلتموه يلوذُ بالأعداءِ يَسْتَجْدِى احتلاله
وغَدَا بكلِّ بليةٍ حمقاءَ يَفْتَعِلُ انْشِغَالَه
وبها وكلِّ مَثِيلَةِ للفَتْكِ قَدْ حَبَكُوا اعتقاله
ولَكَمْ أمِلْتُ بِعَوْدَةٍ للنورِ مُوْقِنَاً انتشالَه
وبأنَّ سابِقَةََ الشُّمُوخِ تَعُودُ إِنْ ذَكَّى نِضَالَه
وأنَّهُ لا شيءَ يُعْطِيهِ سوى الثأرِ نَوَالَه
ليعودَ يومٌ ،واسألوا التاريخَ : مَنْ لَثَمُوا نِعَالَه
ويزولَ يومٌ هادَنَ البَغْىَ وأسْلَمَهُ اتِّكَالَه
ويُطِلَُ فجرُمحمدٍ ويُنَادِى مُنْشَرِحَاً ( بِلالَه)

يا سيدي لوِّحْ لهم شَذَراً وأوْجِزْ فى المقاله
قُلْ لهم لسْتُمْ من الأبطالِ، مِنْ تلك السُّلاله
قل لهم بِعْتُمْ ثَرَى وطنى ، رُبَاهُ ورِمَالَه
ماءَهُ الصافى ، حدائِقَهُ ، ذُرَاهُ وجبالَه
مِنْ شرقِهِ لغربِهِ وجنوبه حتى شمالَه
ما كان أعظَمَهُ ، وما أحلى نَدَاهُ ، وجَمَالَه
ما أجملَ العيش به ، سكناه ، ما أحلى خصالَه
والماءُ رقراقاً شفوفاً كانَ ينسابُ خِلالَه
كم كانَ يُمْتِعُنَا شَذَاهُ وكانَ يَمْنَحُنَا دلالَه
وكانت الرحمةُ فيه تَطُوفُ بين الناس هالَه
مَنْ ذا الذى راوَدَهُ حُلْمٌ سوى بالوُدِّ ناله
كنا نراه الأمَّ دِفْئَاً ، عّمَّةً وُدَّاً ، وخالَه
مَنْ ذا الذى فى ضِيقِهِ- إن ضاق يوما- ما دَعَا لَه
مَنْ ذا الذى يوماً تَمَلْمَلْ مِنْهُ أو شَدَّ رِحَالَه
مَنْ كان لا يشتاقُ سُكْنَاهُ ويستَحْلِى ظِلالَه
مَنْ كان لا يهوى مَحَاسِنَهُ ، صَفَاهُ ، واعْتِدَالَه
مَنْ كان لا يَحْمِلُ فى وجدانِهِ الحُبَّ رِسَالَه
أضْحَيْتَ يا وطنى غريبا لسْتُ أدرى ما جرى له
أصْبَحْتَ تَدْهَمُنَا بِهَمٍّ مِنْكَ ليس له قِبَالَه
أصْبَحْتَ تُورِثُنَا المَذَلَّةَ والمَهَانَةَ والبطاله
أصبحتَ تَحْسَبُنَا برغم بلوغِ أرقى العِلْمِ عاله
وجعلت واحِدَنَا يُعَانِى كارهاً حتى عِيَالَه
وجَعَلتَنَا نحيا ونفنى مُورِثِينَ بِلَى الكَلاله
وهناك من غذى كلابَهُ مِنْ دِمَانَا وبِغَالَه
وننامُ يُفْزِعُنَا إذا ما أطْلَقَ الباغى سُعَالَه
واليومَ نحيا بالوكالةِ ونموتُ على الوكاله
ونَبِيْتُ نَحْلُمُ بالمساواةِ وتحقيقِ العداله

يا سيدى قُلْ : مَنْ أتانى فى الأمَامِ مُشَيِّعَا
ماذا جرى ؟ كُنَّا بِحَوْمَاتِ الوغى صَفَّا ًمَعَا
ذُقْنَا حلاوةَ الانتصارِ ، معاً ذرفنا الأدمُعَا
وعلى الثرى مِنَّا دَمٌ رَفَعَ اللواءَ الأرْفَعَ
شهداؤنا بذلوا دَمَا ًرَفَضَ الخضوعَ مُمَانِعَا
خُضْنَا الوغى نحمى الحمى وأبَى الثرى أنْ يركع
ورباطُنَا قَسَمٌ بأنْ نفنى وأنْ لا نركعَ
وسعى الغريمُ بكلِّ حيلته واخفقَ ما سعى
وكم ادعى من فِرْيَةِ ومَحَا انتصاري ما ادَّعَى
كَمْ عَرْبَدَتْ نيرانُهُ وكَمْ استفزَّ وروَّعَ
وسَلِ المقابرَ ها هناكَ حَكَتْ كفاحاً رائعا
بحرُ البَقَرْ لم تَنْحَنِ ، وتصيحُ لن أتَزَعْزَعَ
أسْرَى انتكاسَتِنَا بِهِمْ رمْلُ الفَلاةِ تَضَوَّعَ
والغاصبون يصادرون ويأنفون تَرَفُّعَا
القاتلون يعربدون ويهزلون تَنَطُّعَا
والحَقُّ مأسورٌ يعانى اليومَ بَوْنَاً شاسِعا
والسيفُ مكسورٌ ينادى ربَّه مُتَضَرِّعَا
وكلَّ يومٍ مُقْبِلٍ نزدادُ فيه تَرَاجُعَا

نَبْكِى على أمجادِنَا وننوحُ حَقَّا ضَائِعا
وبرغم كُلِّ رُجُوعِنَا عُفْنَاهُ شَعْبَاً جائعا
يأتى على ميراثِهِ مستنزفاً أو بائعا
غَبْنَاً تَلَقَّنَ عَجْزَهُ يَلْقَى المَكَارِهَ خانعا
لا يستَطِيبُ سوى الدُّعَاءِ بلا حِرَاكٍ خاشِعا
والكونُ يلهثُ حولَه وتراه يَسْكُنُ قابعا
فقدَ الطموحَ ويرتضى سُكْنَى المقابِرِ قانعا
وإذا أتته مُلِمَّةُ أبدى جواباً مَائعا
فقد الرُّؤى ، فقد اليقينَ ، فلا يُبَادِرُ قاطعا
ولا يرى فى كُلِّ أمرٍ ما يُعَالِجُ ناجعا
خارتْ قُواهُ فلا يرى ما كان يوماً رادِعَا
مهما تَكَبَّدَ من دمارٍ يَعْتَرِيهِ مُرَوِّعَا
سَئِمَ النضالَ تراجُعَاً ، ترك الكفاحَ مُوَدِّعَا
صَرَفَ العيونَ تَمَنُّعَا هَرَبَا وأغْلَقَ مَسْمَعَا
ويَهِيمُ فى صَخَبِ الملاهي والجيوبِ تَسَكُّعَا
مُتَرَهِّلا يحيا كئيباً زاهداً مُتَضَعْضِعَا
بُنْيَانُ جَوْهَرِهِ تهاوى خائراً مُتَصَدِّعَا
تركَ الهوانَ ظلالَه بالوجْهِ وشْمِاً ساطعا
وجَثَا على أوْصَالِه متغلغلا وتَرَبَّعَ

يا سيدى قُلْ للذين يُشَيِّعُونَكَ أجْمَعَا
مَنْ سَنَّ بَيْعَ قَضِيَّتِي للغاصبين وشَرَّعَ ؟
هو ليس من هذا الثرى مهما تَجَاسَرَ وادَّعَى
هذا الثرى يَلِدُ الإباءَ مُحَصَّنَاً ومُمَانِعا
وبِحُضْنِهِ قد عاش شعبٌ كانَ صُلْبَاً مُبْدِعَا
حفِظَ الزمانُ صَنِيعَه لليومِ إرثاً رائعا
آثارُهُ رغم البِلَى جاءتْ كتاباً جامِعَا
طافتْ شعوبَ الأرضِ كُلَّ الأرضِ صِيْتَاً ذائعا
ما خَلَّفُوا إلا ثراءً وحَصَاداً نافعا
ما كان إلا ملهِمَاً أسْمَى المبادىءِ رافعا
مستنهِضَا هِمَمَ البُنَاةِ لكلِّ خيرٍ دَافِعا
وبِهِمْ سَمَا خُلُقُ الشُّعُوبِ مُجَدَّدَاً وتَرَعْرَعَ
ما أفْرَزَتْ إلا كريماً للخلائِقِ نافعا
ولَدَ الخلافة َ- مثلما شرع الإلهُ - وأرْضَعَ
وتَلاقَََحَتْ أمجادُهُمْ فاستَنْسَخَتْ مُتَفَرِّعَا
صمدت وما مِنْ جائرٍ إلا ولاقى المَصْرَعَ
كان الإباءُ علامةً ، كان التراحُمُ شائعا
كان الكتابُ منارةً ولكلِّ شىءٍ شارعا
كان الهُدَى جِسْمَ الحياةِ ، لحْمَهَا والأضْلُعَ
وضميرُنا الجمعىُّ قد رسم المثالَ وشجَّعَ
كان المُهَذِّبَ للنفوسِ وللمكارمِ صانِعَا
يَهْدِى إلى محرابِهِ من كان غِرَّاً يافعا
ويُعِيدُهُ لرياضِهِ الفيحاء غَضَّاً يانعا
وإذا هفا مما عفا يَرْمِيهِ وصْمَاً لاذِعَا
كان الضميرُ يَلُفُّنَا بالحُبِّ صَدْرَاً واسعا
ماذا دهاكم بِعْتُمُ الأمجادَ بيعا مُفْجِعَا
حتى لَكُمْ لا غيرِكُمْ سِنُّوهُ (فَصْلا سابعا)
وعدوُّكُمْ مما اشْتَرَاهُ استأسَدَ وتَضَبَّعَ
أضحتْ له أوطانُنَا إثْرَ المَذَلَّةِ مَرْتَعَا
أوَلَيسَ فيكم واحِدٌ قرأ الزمانَ مُطَالِعا؟!
هيا اتركوني واذهبوا أخْتَارُ منها مَضْجَعَا
سَيْنَاءُ هل تَرْضَيْنَنِي وَلِهَاً بِحُبِّكِ مُوْلَعَا
دُنْيَاهُ حُضْنُكِ فارِسَاً والآنَ بَلْ ومُذْ وَعَى ؟

د. محمد عبد المطلب جاد أستاذ سيكولوجيا الإبداع المساعد – جامعة طنطا