نقاش:سقيفة بني ساعدة

اجتماع سقيفة بني ساعده وظهور الاتجاهات السياسية

الحكم مهمة المسلمين عندما أكمل الله دينه وأتم نعمته انتهت مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام وتوفاه الله , وعندئذ اكتشف المسلمون الفراغ الذي أحدثته وفاة الرسول الكريم , فلو كان من مهام الرسول عليه الصلاة والسلام تأسيس دولة , ولو كانت هذه الدولة دينية ما كان الله ليتوفاه والدولة لم تتأسس بعد . لكن الدولة مهمة المسلمين وليست مهمة الإسلام , فهي تتعلق بأمورهم التي هم فيها شورى . لقد كان وجود الرسول عليه الصلاة والسلام يحجب هذا الفراغ بسبب الارتباط في شخصه بين الرسالة والقيادة . وعندما توفي الرسول الكريم وجدت الجماعة الإسلامية نفسها , وأن صهرها الدين وأيقظ وعيها القومي كأمة , إلا أنها تفتقر إلى التنظيم السياسي الذي يحافظ على وحدتها ويدير شونها . ولهذا نجد أن الإسلام لم يتحدث عن السياسة أو يقدم رأيه فيها , وليس من قبيل الصدفة تجاهل القرآن لها , مقابل الدولة التي كانت رديفا لقوة السيطرة القهرية , فلقد وُلدت الدعوة الإسلامية عند العرب كحركة ثورية بالمعنى العميق للكلمة , وكان النبي قائداً وسياسياً وعسكرياً لهذه الحركة , أي كان يجمع في يده مهام الهداية والرعاية والحرب معا , بما كان يُمثله من وسيط بين السماء والأرض , أي كان حاملا ً للرسالة متلقياً للوحي , وكان بذلك المحور الذي تلتف من حوله الجماعة , فلا يوجد هنا أي اختلاط بين الدين والدولة . وهذا ما أراد الرسول غرسه في أذهان المسلمين , فأمر الدين قد بلّغهم إياه , وأمر الدنيا تركه لهم بعد أن وضع بعض النظم التي تساعدهم في أمر دنياهم كما جاءت واضحة في القرآن وهذا هو السبب الذي جعل المسلمين يقعون في صراع بمجرد وفاته .

اجتماع السقيفة ثمة إجماع على أن اجتماع السقيفة( 1 ) عقد يوم وفاة النبي الاثنين 12 ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة ( 9 يونيه سنة 632 م ) وقبل الانتهاء من تهيئته وتشييعه ودفنه . فبعد أن توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام اجتماع كبار الأنصار( 2 ) وكانوا هم الذين سارعوا إلى الاجتماع أولا في تلك السقيفة أوسهم وخزرجهم يريدون انتخاب خليفة لرسول الله , وكان في نيتهم أن يولوا سعد بن عباده ويكنى أبا ثابت وكان نقيب بنى سعادة والسيد المطاع في الخزرج أمر المسلمين بعد النبي الكريم . فجاءوا بسعد بن عباده وكان مريض بالحمى ليبايعوه , وطالبوا إليه أن يخطب فيهما . فقال لابنه أو لبعض بني عمه : ( إني لا أقدر لمرضي أن اسمع القوم كلهم كلامي , فتلق مني قولي فأسمعهم ) , فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه .

خطبة سعد بن عبادة قال سعد بعد أن حمد الله وأثنى عليه : ( يا معشر الأنصار , لكم سابقة في الدين , وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب . إن محمد عليه الصلاة و السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن , وخلع الأنداد والأوثان , فما آمن به من قومه إلا رجال قليل , ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله , ولا أن يعزوا دينه , ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به , حتى إذا أراد بكم الفضيلة , ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة , فرزقكم الإيمان به وبرسوله , والمنع له ولأصحابه , والإعزاز له ولدينه , والجهاد لأعدائه , فكنتم أشد الناس على عدوه حتى استقامة العرب لأمر الله طوعا وكرها , وأعطي البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض , ودانت بأسيافكم له العرب , وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبدوا بالأمر دون الناس , فانه لكم دون الناس ) .

هذه خطبة سعد بن عبادة مبينا ما للأنصار من الفضل والسبـق إلى حماية رسول الله عليه الصلاة والسلام , وأنه لا ينبغي أن ينازعهم في هذا الأمر أحد , ولا شك في أن هذه الخطبة قد حازت استحسان الأنصار , ولا سيما الخزرج , فأجابوه بأجمعهم : أصبت ووفقت . وحين تساءل بعض الأنصار عما يفعلون إذا رفض المهاجرون من قريش وقالوا نحن عشيرته وأولياؤه فماذا لهم ؟ فاقترحت طائفة من الأنصار أن تقول لهم : ( منا أمير ومنكم أمير , ولن نرضي بغير هذا الحل) , فقال سعد بن عباده لما سمعهما : ( هذا أول الوهن ) .

الدوافع لاجتماع السقيفة 1- تصور الأنصار بعد أن آووا ونصروا المسلمون وبذلوا للإسلام أنفسهم وأموالهم وكانوا بحق " أنصارا "

   كما سماهم  النبي عليه الصلاة والسلام واستندوا في ذلك إلى سابقتهم في الدين وما  نتج عنها من فضائل
   لم تتوفر لأية قبيلة عربية  وسابقة ليست لغيرهم . ولهم في تشييده يد مشهورة وذكر جميل . ما يطمعهم
   في أمارة  المسلمين كجزاء لتضحيتهم في سبيل الإسلام وكنتيجة لنجاحهم وتفوقهم على العرب في النصرة
   والإيواء .

2- أن الأنصار كانوا قد وتروا قريشا والعرب حيث انهم قتلوا صناديدهم واسروا رجالهم وجعجعوا بهم حتى

   دانت بأسيافهم العرب . فكانت الأنصار والحال هذه تتخوف هؤلاء الذين وترهم إذا خلصت الأمارة آلي
   أحد من قريش أن يأخذوهم بترتهم , وهم عندئذ المغلوبون على أمرهم , لا يملكون لأنفسهم قوة ولا
   دفاعا .

ما حدث في اجتماع السقيفة بلغ هذا الاجتماع عمر بن الخطاب( 1 )( 2 ) وما كان من خطبة سعد بن عبادة , فجاء إلى منزل رسول الله , وأرسل إلى أبى بكر الصديق( 3 ) أن يأتي أليه فأرسل إليه أبو بكر الصديق انه مشغول( 4 ) فأرسل إليه عمر بن الخطاب أنه قد حدث أمر ولا بد من حضوره . فآتي أليه أبو بكر الصديق , فقال عمر : ( أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولي هذا الأمر سعد بن عبادة , وأحسنهم مقالة من يقول منا أمير ومنكم أمير ) . فمضوا إلى السقيفة مسرعين ومعهما أبو عبيدة بن الجراح وعددا من المهاجرين وتنازعوا بين الذهاب , أو حسم الأمر بينهم دون الأنصار . ثم قرروا الذهاب . عنـدما قال عمر : والله لنأتينهم . حتى وصلوا ألي السقيفة وكان عمر يريد أن يتكلم بكلام هيأه في نفسه ليقوله في هذا الموقف فقال له أبو بكر : ( على رسلك ) , وكان أبو بكر رجلا وقورا فيه أناة , ثم تكلم بكل ما أراد عمر .

خطبة أبو بكر الصديق بدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( إن الله بعث محمد رسولا إلى خلقه , وشهيدا على أمته ليعبدوا الله ويوحدوه , وهم يعبدون من دونه آلهة شتى , ويزعمون أنها لهم عنده شافعة , ولهم نافعة وغنما هي من حجر منحوت , وخشب منجور . ثم قرأ (( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله )) يونس 18 (( وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) الزمر 3 . فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم , فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه , والأيمان به , والمواساة له , والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم , وتكذيبهم إياهم , وكل الناس لهم مخالف . زار عليهم , فلم يستوحشوا لقلة عددهم , وشنف الناس لهم وإجماع قومهم عليهم , فهم أول من عبد الله في الأرض , وآمن بالله والرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من عبده , ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم , أنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين , ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام . رضيكم اله أنصارا لدينه ولرسوله , وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم , فنحن الأمراء وأنتم الوزراء , لا تفاوتون بمشورة , ولا تقضي دونكم الأمور ) . فأبا بكر رضي الله عنه أعلنها صريحة من خلال خطبته : أولا : أنهم أصحاب الحق في تولي الأمور بعد الرسول لأنهم المهاجرين الأوائل وهم الذين تحملوا العذاب

      وصبروا معه على شدة الأذى وبالتالي من حقهم وحدهم تولي الأمور .

ثانيا : نجد أن أبا بكر الصديق رأى أن كل من ينازعهم هذا الأمر هو " ظالم " وهي صفة جعلت كثيراً من

      المسلمين يتراجع عن المطالبة بالحكم خوفاً من أن يكون ظالماً لا سيما أن توقيت إثارة هذه المطالب لم
      يكن مناسباً لان الأيام كانت مفعمة بالحزن والألم نتيجة وفاة الرسول وهذا الصراع الخفي الذي يكاد
      يعصف بالأمة الإسلامية المتمثل في اعتقاد أهل الرسول وعشيرته بأحقيتهم بهذا الأمر . 

فكان للمهاجرين رأي أخر حيث رأوا أنهم أحق بالخلافة , لأنهم أهل النبي وأصحابه وقد تركوا بلدهم وهاجروا معه . وبين هذا الرأي وذلك اشتد الجدال بينهما حتى كاد يفضي إلى النزاع . فبعد أن أتم أبو بكر الصديق خطابه قام الحباب بن المنذر( 1 ) فقـال :

خطبة الحباب بن المنذر ( يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم , ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم , أنتم آهل العز والثروة وأولوا العدة والمنعة والتجربة , ذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ولا تختلفوا فيفسد رأيكم , وينتقض عليكم أمركم أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير ) .

ورد عمر بن الخطاب على الحباب فقال :

خطبة عمر بن الخطاب ( هيهات لا يجتمع اثنان في قرن( 2 ) والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم فيهم , ولنا بذلك على من أبي من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين , من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته , ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم( 3 ) أو متورط في هلكة ) .

والغريب أن يصدر هذا الأمر من عمر بن الخطاب وهو أعدل الناس حيث اعتبر الدعوة الإسلامية سلطاناً أو إمارة وهم أحق بها لأنهم عشيرته وأولياؤه رغم أن الرسول عليه السلام لم يشر في أحاديثه إلى أنه سلطان أو أمير بل هو مبلغ لرسالة سماوية تنتهي بانتهاء اكتمال الدين . حيث قال تعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) المائدة 2 . وبالتالي فإننا نعتقد أن ما نسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر مشكوك فيه ويدعونا للنظر إلى تلك المقولات بعين الشك .

وبعد آن أتم كلامها قام الحباب بن المنذر ثانية فقال : ( يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تستمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد , وتولوا عليهم هذه الأمور , فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين ) . 


ثم قال : ( أنا جذُيلها( 1 ) المحك وعذيقها المرَجَّب أما والله إن شئتم لنعيدنَّها جَذَعة ) . لقد لج الحباب في الخصومة , واستعمل في خطبته ألفاظا شديدة وحرض الأنصار على إجلاء المهاجرين من المدينة إذا لم يولوهم الخلافة وتوعدهم بالشر لذلك , فكان أن احتدم الناقش بينها وبين عمر بن الخطاب , إذا قال له عمر محتدا :( إذن يقتلك الله ) . فرد الحباب على عمر فقال : ( بل إياك يقتلك ) . ثم قال أبوعبيدة :( يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزار فلا تكونوا أول من بدل وغير ) . وعندئذ قام بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس وهو من بنى زيد بن مالك من الخزراج ويكنى أبا النعمان فقال : ( يا معشر الأنصار آنا والله لئن كنا أولى فضيلة وجهاد وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضاء ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبغي به من الدنيا عرضا فإن الله ولى المنة علينا بذلك ألا إن محمدا من قريش وقومه أحق به وأولى وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم ) . فأراد أبو بكر الصديق بحكمته أن يضع حدا لهذا الخلاف خشية استحكامه فرشح للخلافة اثنين من المهاجرين قائلا : ( هذا عمر وهذا أبوعبيدة فأيهما شئتم فبايعوا ) . فقالا : ( لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك , فإنك أفضل المهاجرين وثاني أثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والسلام والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك , أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك نبايعك ) . فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه , فهو على ذلك أول من بايع أبا بكر الصديق . فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير سعد عققت عقاق ! أنفست على ابن عمك الإمارة ؟ فقال : لا والله , ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم . ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعوا إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض – وفيهم أسيد بن حضير( 2 ): ( والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة , لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا , فقوموا فبايعوا أبا بكر ) , فقاموا إليه فبايعوه ... فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة .

فقال أناس من أصحاب سعد : اتقوا سعدا لا تطأوه . فقال عمر بن الخطاب : اقتلوه قتله الله . ثم قام على رأسه فقال : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك . فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر بن الخطاب فقال : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة . فقال أبو بكر : مهلا يا عمر ! الرفق ها هنا أبلغ . فأعرض عنه عمر . وقال سعد : ( أما والله لو أن بي قوة أقوى بها على النهوض لأسمعت من في أقطارها وسككها زئيرا يحجرك وأصحابك , أما والله إذا لألفينك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع احملوني من هذا المكان ) . فحملوه فأدخلوه في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك , فقال سعد ( أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل , وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي , وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي , فلا أفعل . وأيم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي ) .

فلما علم أبو بكر الصديق بما قال سعد , قال عمر بن الخطاب لأبوبكر : لا تدعه حتى يبايع . فقال له بشير بن سعد : ( إنه قد لج وأبي , وليس بمبايعتكم حتى يقتل , وليس بمقتول حتى يقتل حتى يقتل معه ولده , وأهل بيته , وطائفة من عشيرته , فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد ) . فتركوه عملا برأي بشير , فقد تمت البيعة وماذا يفيد امتناعه , وليس له أنصار ولا أغلبية , لقد طمع في الخلافة , وظن أن قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق من حياتهم . إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه .

فكان سعد لا يصلي بصلاتهم , ولا يجتمع معهم , ولا يحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم , فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر بن الخطاب . 

فلما ولى عمر الخلافة , لقيه في بعض طرق المدينة , فقال له : إيه يا سعد ؟! فرد سعد : إيه يا عمر ؟! فقال له عمر : أنت صاحب المقالة ؟ قال سعد : نعم ! أنا ذلك ! وقد أفضى إليك هذا الأمر ! كان والله صاحبك أحب إلينا منك , وقد أصبحت والله كارها لجوارك ! فقال عمر : من كره جوار جار تحول عنه . فقال سعد : ما أنا مستسر بذلك , وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك . فلم يلبث قليلا حتى خرج إلى الشام في أول خلافة عمر وبعد فترة وجد مقتول ! وهناك رواية غير مؤكد لـ ( البلاذري ) تقول : إن سعد بن عبادة لم يبيع أبا بكر وخرج إلى الشام , فبعث عمر رجلا , وقال له : ادعه إلى البيعة واختل له , فإن أبي فاستعن بالله عليه ! فقدم الرجل الشام , فوجد سعدا في حائط بحوارين ( إحدى قري الشام ) , فدعاه إلى البيعة , فقال : لا أبايع قرشيا أبدا ! قال : فإني قاتلك ! قال : وإن قاتلتني ؟ قال : أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة ؟! قال : أما من البيعة فإني خارج ! . فرماه بسهم فقتله .

وفي ( تبصرة العوام ) , قيل انهم ( أرسلوا محمد بن مسلمة الأنصاري فرماه بسهم , وإن خالد بن الوليد كان في الشام يومذاك فأعانه على ذلك ) . آلا أن هذه الروايات تبقي ضعيفة وليس لها ما يسندها وهناك شك في أن الغرض منها هو المس بسيرة عمر بن الخطاب و بعض الصحابة الأولين لأسباب مذهبيه عديدة .

وسعد بن عبادة هو سعد بن عباده بن دُليم بن حارثة الخزرجي , يكنى أبا ثابت , صحابي من أهل المدينة , كان سيد الخزرج في الجاهلية والإسلام , وكان يلقب بالكامل لمعرفته بالكتابة والسباحة والرمي . شهد العقبة الثانية نقيباُ عن قومه وكان مشهوراُ بالكرم , حرص على أن يرسل إلى بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم الطعام مدة من الزمن , وكانت راية النبي عليه الصلاة والسلام يوم الفتح مع سعد بن عبادة , فمر بها أبو سفيان وقد أسلم , فقال له سعد : ( اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة , اليوم أذل الله قريشاً ) . فشكاه أبو سفيان إلى الرسول الكريم , فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : ( اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله قريشا )ً , وأخذ رسول الله اللواء من سعدٍ وأعطاه ابنه قيس بن سعد .

كلمـة أخيــرة ليس صحيحاً القول أن الصراع على السلطة كان صرعاً دينياً نابعا من الدين نفسه . لأن الوقائع التاريخية التي تُنبئنا بما جرى في سقيفة بني ساعدة تدّل على أن الصراع فيها كان صراعاً سياسياً حول من يتولى " السلطة أو الزعامة " بعد وفاة الرسول ومن هو أحق بها . وما انتهى إليه الاجتماع بمبايعة أبي بكر لم يستند إلى أي حجج دينية , ذلك أنه في خضم الجدال الذي دار في اجتماع سقيفة بنى ساعدة لم يذكر أحد من الحاضرين , أنصاراً ومهاجرين , وفيهم كبار صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام , آية واحدة تشير إلى التنظيم السياسي أو أسلوب الحكم , أو حتى أسلوب اختيار الحاكم لدعم موقفه , فالحجج التي تحتاجَّ بها المجتمعون هي حجج سياسية وقبلية والمكانة من الرسول الكريم والدور في نصرة الإسلام , واختيار أبو بكر كان حلاً وسطاً عملياً لا يستند إلى أي أسانيد دينية , فرغم ورعه لم يكن الأكثر ورعاً , ورغم علمه بالدين لم يكن الأكثر علما , ورغم دوره من نصرة الإسلام لم يكن الأعظم دوراً , ورغم صحبته للنبي عليه الصلاة والسلام فإنه لم يكن ينفرد بذلك . لقد كان المجتمعون في السقيفة ثلاث فئات : الأوس والخزرج والمهاجرين , ونظراَ لحذر الأوس من الخزرج , وهؤلاء من أولئك نظراً للعدوات القديمة , لم يكن من الممكن أن يختار " الخليفة " من بين الأوس ولا من بين الخزرج , عندئذ انحصر الاختيار في المهاجرين . وإذا أخذنا في الاعتبار حرج الظرف الذي تمر به جماعة ناشئة , لا زالت محاطة بالأعداء من خارجها , وبقايا النعرات القبلية من داخلها , فإن الحكمة اقتضت سرعة حسم الموضوع , فما أن اقترح عمر بن الخطاب أبي بكر الصديق حتى تم الاتفاق . إلا أن هذا الاجتماع , ما دار فيه , وما تمخض عنه يدل على عدم وجود إجماع كامل حول أسلوب الحكم , بل وحول فكرة الدولة نفسها , وهو الاختلاف الذي سوف يستمر في وجهات النظر بخصوص الخلافة والإمامة .

لقد تولى المهاجرين السلطة الفعلية في الوقت الذي ابتعد الأنصار عنها كثيراً دون أن يكون للتسوية التي طرحها أبو بكر في السقيفة " نحن الأمراء وأنتم الوزراء " أي نصيب من التنفيذ باستثناء مشاركة تمت لهم في عهد عمر بن الخطاب الذي قرب منهم جماعة على حساب قريش ومشاركة أكثر فعلية في عهد علي إذا اعتمد عليهم في إدارته وحروبه نتيجة موقفهم المؤيد له في تولي الأمور في السقيفة رغم أن هذا الأمر يشوبه الإبهام وذُكر فقط عند الطبري واليعقوبي .

Elsahaibani_2006@yahoo.com