منيپوس

منيپوس، بريشة ڤلازكويز

منيپـّوس الكلبي (باليونانية: Μένιππος؛ إنگليزية: Menippus؛ القرن 3 ق.م.) من گدارا كان فيلسوفاً وأديباً سورياً هلنستياً من أتباع الفلسفة الكلبية Cynicism، ومؤسس نوع أدبي جديد يجمع بين الجد والهزل حمل اسمه وعُرف بـ«الهجاء المنيبي». ولد في مدينة گدارا Gadara (حالياً أم قيس في شمالي الأردن) ذات الثقافة الإغريقية التي أنجبت عدداً من الشعراء اللامعين في العصر الهلنستي، وعاش في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد. لايُعرف عن وقائع حياته سوى بعض المعلومات القليلة، مع أن ديوجنس لائرتيوس Diogenes Laertius خصه بسيرة في تاريخ الفلاسفة. يُروى أنه كان في البداية عبداً رقيقاً في مدينة سينوپه Sinope (التركية حالياً) موطن الفيلسوف الكلبي الشهير ديوجنس Diogenes، ثم صار غنياً عن طريق التجارة فاشترى حريته وأصبح من مواطني مدينة طيبة Thebai اليونانية. تتلمذ على يد الفيلسوف الكلبي متروكليس Metrokles وتلقى مبادئ الفلسفة الكلبية، التي كان أول من نقل أفكارها على الصعيد الأدبي فأتاح لها الانتشار الجماهيري.

ألَّف منيبوس ثلاثة عشر كتاباً في الهجائيات يمتزج فيها الشعر بالنثر، وفيها يسخر بأسلوب وإطار خيالي من المدارس الفلسفية ونقائض الناس ومثالبهم بأسلوب ذكي فَكِه. ومع أن كتاباته فُقدت كلها، إلا أنها كانت نماذج احتذاها الأدباء الإغريق والرومان وتعرّفها العالم عن طريقهم. فهو يسخر في كتابه المسمى «أركِسيلاوس» Arkesilaos من الحياة الرغيدة التي يعيشها فلاسفة الأكاديمية. كما يهزأ في بحثه عن ولادة إپيقور Epikyros من تقديس الفرد في حديقة الأبيقوريين. وفي مؤلفه المسمى «نِكويا» Nekyia، أي «عيد الموتى»، الذي سار فيه على خطى هومر Homeros في الأوديسة، يهاجم حماقة التصورات المتوارثة من العالم الآخر، وقد تركت هذه الهزلية بصمات واضحة لدى لقيانوس Lukianos الذي صورها بأسلوب أتيكي ساخر. وفي مؤلفه المسمى «دياثيكاي» Diathekai، الذي يضم وصايا مختلفة يُقصد بها الهزل، أسس لنوع أدبي سار على نهجه الشاعر الفرنسي ڤيون Villon وكذلك الشاعر الألماني هاينريش هاينه H.Heine. أما كتابه الموسوم «إبيستولاي» Epistolai، أي الرسائل، فلعله كان أصل الأشعار التي تدور حول مآثر الأبطال الأسطوريين، التي وصل فيها الشاعر الروماني اوڤيد Ovidius إلى قمة هذا الفن في ديوانه الشعري «رسائل الأبطال». ومن مؤلفاته أيضاً «أعمال ديوجنِس» و«الوليمة» وغيرها.

طرق منيبوس أساليب مبتكرة غير معهودة في تقديم الأفكار الفلسفية فترك صيغة الحوار المعروفة منذ سقراط Sokrates وأفلاطون Platon لقناعته بأنه لن يصل بوساطتها إلى قلوب مستمعيه، وعبر عن أفكاره بالأسلوب الساتيري satirical الذي يجمع بين النثر والشعر منتقداً المؤسسات والأفكار والقناعات السائدة في عصره بطرق مبتكرة، مثل النزول إلى العالم السفلي والمزاد والوليمة من أجل الوصول إلى أقوى تأثير ممكن.

كان تأثير منيپوس الأدبي عميقاً وبعيد المدى. وأول من تأثر به ابن مدينته الأم الشاعر ملياگروس Meleagros الگداري، ولقيانوس السميساطي الذي سار على نهجه في استخدام الأسلوب الساخر، وتحمل إحدى كتاباته عنوان «منيبوس الطائر» Ikaro menippos، وكذلك بحثه الموسوم «سفرة إلى الجحيم» Nekomen المستوحى من مؤلف منيبوس.

وجد منيبوس عند الرومان معجبين ومقلدين كُثر، وقد طوروا بتأثيره فنهم الأدبي المعروف باسم ساتورا Satura، حتى إن أديبهم الكبير ڤارو Varro سمّى أحد مؤلفاته باسمه Satura Menippoeae أي «هجائيات منيبية»، التي بُعثت من جديد في فرنسا القرن السادس عشر وبالاسم ذاته. كما استخدم الشاعر هوراس (هوراتيوس) Horatius بعض السمات المقتبسة منه في ديوان «الهجائيات». وقلده الفيلسوف سنيكا Seneca في أحد مؤلفاته الشهيرة Apocolocyntosis التي هجا فيها الامبراطور كلاوديوس هجاء مراً واصفاً إياه بالغباء، وتعد من أفضل الأمثلة على فن الهجاء المنيبي. كما تأثر الشاعر پترونيوس Petronius بأسلوب منيبوس الساخر ونقده الاجتماعي في فصل «وليمة تريملخيو» من روايته الشهيرة «ساتيريكون» Satyricon.

ليس ثمة مؤلف آخر في العصر الهلنستي كان له ذلك التأثير القوي في الأدب والأدباء في العصور التالية مثل منيبوس. ومن الجدير بالذكر أن أعظم شعراء الفكاهة والهجاء والنقد الاجتماعي عند الإغريق كانوا من أصل سوري وهم على التوالي منيبوس وملياگروس ولقيانوس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

  • محمد الزين. "منيبوس الكلبي". الموسوعة العربية.


وصلات خارجية


الكلمات الدالة: