معاهدة وتشالى

(تم التحويل من معاهدة أوتشيالي)
الفقرة 17 من المعاهدة

معاهدة وتشاله Treaty of Wuchale أو معاهدة اوتشيالي Trattato di Uccialli أبرمت في 2 مايو 1889 بين الملك منليك الثاني والكونت پييترو أنتونلي في مدينة وتشاله، إثيوبيا.

بعد أن أصبح منليك على رأس الحبشة جاء اليه صديقه أنتونلي الإيطالي في يناير عام 1889 ومعه هدية من همبورت ملك إيطاليا وهي عبارة عن خمسة آلاف بندقية و مليون خرطوشة، و تباحث معه في شأن إقامة معاهدة بين إيطاليا و الحبشة وتم الاتفاق، وأبرمت المعاهدة في 2 مايو 1889 باسم معاهدة أوتشيالي، وبمقتضاها منحت إيطاليا اعترافاً من الحبشة بسيادة الإيطاليين على إرتريا، ومنح إيطاليا حق التحدث مع كافة الدول باسم الحبشة، وذلك في المجالات الخارجية و معني ذلك بسط الحماية على الحبشة كما قال الإيطاليون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نص المعاهدة

حفظاً للسلم والأمن بين المملكة الإيطالية والمملكة الحبشية قرر جلالة الملك اومبرتو الأول ملك إيطاليا وجلالة منليك الثاني ملك الحبشة أن يبرما معاً معاهدة صداقة وتجارة.

وقد بعث جلالة ملك إيطاليا الكونت أنتونلي نائبا عنه و مندوبا فوق العادة الي جلالة منليك ملك الحبشة الذي تفاوض معه باسمه كملك ملوك الحبشة وقد اتفقا على المواد التالية:

مادة 1

سلام و صداقة دائمة. مادة 2 تعيين موظفي السلك الدبلوماسي والقنصلي.

مادة 3

تكوين لجنة خاصة من مندوبين إيطاليين وأحباش لتعيين الحدود بين مناطق نفوذهما يكون عملها في مجالات اعتبارية هي:

  1. – أعتبار النجاد العالية فقط الحدود بين إيطاليا والحبشة في شرق أفريقيا.
  2. – يدخل في نفوذ الإيطاليين قرى هالاي، و سوخيتا وأسمره أعتباراً من اقليم أفرانالي.
  3. – يدخل في نفوذ الإيطاليين أدي فناس و أوي جوهان في اتجاه قبيلة جدابورسي.
  4. – خط الحدود بين إيطاليا و البشة يسير في خط مستقيم شرقاً و غرباً من أدي جوهان.
مادة 4

تبقي منطقة ديروبلانيرن وملحقاتها ضمن ممتلكات الحبشة على ألا تكون قاعدة حربية في أي صورة.

مادة 5

الرسوم الجمركية التي تؤخذ على القوافل تكون مقدار 8% من القيمة المبينة.

مادة 6

حرية التجارة في الأسلحة والذخائر عن طريق ميناء مصوع للملك منليك فقط على أن يقدم طلباً بذلك، وعليه الختم الملكي، للسلطات الإيطالية. و أن تكون حركة القوافل المحملة بالأسلحة و الذخائر تحت الحماية الإيطالية حتي دخولها الأراضي الحبشية.

مادة 7

منع رجال القوات المسلحة من عبور الحدود بقصد ازعاج المواطنين مع كفالة حرية الانتقال.

مادة 8

حرية التجارة بين المواطنين في إيطاليا والحبشة.

مادة 9

الحرية الدينية للجميع.

مادة 10

حل النازعات و القضايا التي بين إيطاليين مقيمين في الحبشة يكون من اختصاص السلطات الإيطالية في مصوع أو يرحلون الي إيطاليا، كما تحل النازعات والقضايا التي بين إيطاليين وأحباش عن طريق السلطات الإيطالية في مصوع، أو عن طريق مندوبين إيطاليين وأحباش.

مادة 11

حمل الأشياء الخاصة بالإيطاليين الذين يموتون في الحبشة وكذلك الأحباش الذين يموتون في إيطاليا.

مادة 12

الإيطاليون المتهمون بجريمة ما يحاكمون أمام السلطات الإيطالية في مصوع و الأحباش المتهمون بجريمة ما أرتكب في جهة إيطالية يحاكمون أمام السلطات الحبشية. ( ملاحظة – تغيرت هذه المادة بمادة 11 و ذلك في المعاهدة الإضافية في أكتوبر 1889 ).

مادة 13

تسليم الخارجين على القانون.

مادة 14

لا يسمح بمرور قوافل العبيد في أراضي منليك ( منع تجارة الرقيق ).

مادة 15

المعاهدة لها صفة قانونية في كافة أنحاء الأمبراطورية.

مادة 16

لا يجوز تعديل المعاهدة قبل مضي خمس سنوات، على أن يخطر بذلك الجانب الآخر في خلال عام، و لا يجوز تغيير أو تعديل الأمتيازات الخاصة بالأراضي.

مادة 17

يوافق جلالة ملك ملوك الحبشة على أن يستعين بالحكومة الإيطالية في المفاوضات التي يدخل فيها مع الحكومات أو الدول الأخري.

مادة 18

في حالة إذا ما رغب منليك منح امتيازات خاصة لرعايا دولة ثالثة كإقامة غرف تجارية أو صناعية في الحبشة يكون من الأفضل استخدام الإيطاليين في حالة ما تمت كافة الشروط الأخري .


معاهدة إضافية بين الحبشة وإيطاليا

ولم يكتف منليك بهذه المعاهدة التي ربطت الحبشة بمصالح إيطاليا الاستعمارية في شرق أفريقيا بل وفي الحبشة نفسها، وإنما أرسل الرأس مكونين إلي إيطاليا للمفاوضة في معاهدة اضافية حصل بمقتضاها على قرض 40 ألف جنيه بضمان جمارك هرر، وقد أضاف الملك اومبرتو هدية من عنده لمنليك وهي عبارة عن 38 ألف غدارة و 28 مدفع ولم يدر ملك إيطاليا أن هذه الأسلحة ستصوب ضد الأيطاليين أنفسهم في يوم من الأيام.

وكانت إيطاليا تسعي أن تكون جمارك هرر ضامنة لسد القروض التي يتحصل عليها منليك من إيطاليا حتي إذا ما عجز منليك عن سداد الديون تكون هرر من حق الإيطاليين و بذلك يتحقق حلم إيطاليا في إيجاد مستعمرة إيطالية في هرر.

اشتراك الحبشة في مؤتمر بروكسل سنة 1890

نجحت الحكومة الإيطالية في الدعاية للحبشة وفي ضمها لمؤتمر بروكسل عام 1890 وبذلك صار للحبشة حق الحصول على الأسلحة النارية بالأضافة الي الوارد إليها من الهدايا التي يتنافس في تقديمها الدول الاستعمارية على سواحل الصومال. فسمحت بريطانيا للملك منليك أن يستورد أسلحة عبر ميناء زيلع الصومالي، كما بعثت الملكة فكتوريا برسالة الي منليك تشاركه العطف في الصعوبات التي يلاقيها في محاربة أعدائه و أن الاتفاقية الإنجليزية الفرنسية بشأن منع تسليح الحبشة أصبحت لاغية، وبذلك إزدادت الواردات من الأسلحة والمعدات الحربية على الحبشة بشكل مخيف، و الهدف الأساسي منها هو تدعيم الحركة التوسعية المسيحية التي يقودها منليك في شرق أفريقيا و الصومال و هذه الحركة التوسعية الصليبية فيها مكاسب لمسيحي أوروبا فوق كل اعتبار كما يقول أكثر المؤرخين الغربيين.

الخطاب الدوري الاستعماري لمنليك

وجدت إيطاليا أن منافسيها من فرنسيين وبريطانيين على الصومال قد أصبحوا أعداء صريحين لها، إذ بدأت المناورات الإنجليزية بصفة خاصة تثير الرأي العام الحبشي ضد الإيطاليين بل امتدت المناورات الي الصوماليين لتوجية موجة عدائهم من الحبشة الي إيطاليا، وقد ظهر هذا واضحاً حينما قامت بريطانيا بإرسال قوة تأديبية من خمسمائة جندي إنجليزي إلي قبائل العيسى الصوماليين الخاضعين للحماية الإيطالية مما أثار الصوماليين ضد الطليان لأنهم لا يقومون بواجبات الحماية ضد الغزو البريطاني و قدمت إيطاليا احتجاجاً ضد بريطانيا و كادت تنقطع العلاقات بين الدولتين مما دعا السفير البريطاني في روما الي أن يكتب لدولته في تهدئة السنيور كرايسبي وزير خارجية إيطاليا، وكرد فعل للمناورات البريطانية بعثت الحكومة الإيطالية بالسنيور أنتونلي صديق منليك الي الحبشة لإغراءه على إصدار خطاب دوري إلي كافة الدول الأوربية موضحاً فيه حدود الإمبراطورية الإثيوبية وذلك للحد من مطامع الفرنسييين و البريطانيين في شرق أفريقيا.

نص الخطاب الدوري لمنليك (عن النص الأمهري في أديس أبابا).

تحقيقاً للتعريف بحدود أثيوبيا فأننا نرسل هذا الخطاب الدوري الي أصدقائنا من ملوك أوروبا للعلم بحدود بلادنا.

نحيطكم علماً، يا صاحب الجلالة. فتلك هي حدود إثيوبيا. اعتباراً من آرافال الواقعة على البحر عند الحدود الإيطالية يسير الخط غرباً نحو سهل جيجر في أتجاه ماهيو و هالاي و ديجزا و هورا الي أويبارد و منها الي ملتقي نهري مارين و أراند. ومن هذه النقطة يمتد الخط جنوبا حتي يلتقي بنهري عطبرة و ستيت حيث تقع مدينة تومات و حيث تشغل الحدود مديرية غضارف إلى كاركوج على النيل الأزرق و من كاركوج يمتد الخط إلى ملتقي نهر السوباط بالنيل الأبيض و من هناك يسير خط الحدود على نهر السوباط متضمنة بذلك أقاليم أريورا و جالاس حتي بحيرة سميوري.

وفي اتجاه الشرق يدخل ضمن الحدود أقاليم بوران و جالاس و عروسي إلى حدود الصومال بما في ذلك أقليم الأوجادين.

وفي اتجاه الشمال تتضمن الحدود هابراواز و الجد أبورسي و عيسى صومال حتي أميوس ثم يمر الخط بأميوس ويشمل بحيرة عسقل فمديرية الإقطاعي القديم محمد أنفاري حتي مناجم ساحل البحر ليتصل مرة أخرى بأرافال.

سأحاول أن أعيد إقامة الحدود القديمة لأثيوبيا إذا و هبني الله حياة و قوة حتي تصل الي الخرطوم و حتي بحيرة نيانزا متضمنة بذلك كل قبائل الجالا. لقد ظلت أثيوبيا خلال أربعة عشر قرنا كجزيرة مسيحية في بحر من الوثنية. وإنني على ثقة بأن عناية الله سوف تحفظ أثيوبيا من التقسيم بين الدول الأخرى. لقد كان البحر هو نهاية حدود أثيوبيا فلما أعوزتها القوة و لم تلق أي عون من الدول المسيحية سقطت حدودنا على ساحل البحر في قبضة المسلمين. وفي الوقت الحاضر لا ننوي أن نستعيد حدودنا البحرية بالقوة و لكننا واثقون بأن القوى المسيحية تحرسها عناية الله فتنقذنا، وستعيد إلينا الخط الساحلي على البحر، أو على أي حال بعض نقط فيه. حرر في أديس أبابا في 14 مارس 1883

( 10 أبريل 1891 )

ملاحظات على الخطاب الدوري لمنليك

  1. – رغبة منليك في ضم ممتلكات صومالية منها أراضي قبائل هبر يونس و الجدابورسي و عيسى صومال و هي قبائل صومالية تعيش في الصومال الفرنسي و الصومال البريطاني و أراضي قبائل بوران و جالاس و عروسي و الأوجادين و هود وهرر وكلها شعوب وأراضي صومالية في غرب وجنوب غرب الصومال.
    وبغض النظر عن رغبة (منليك ) في مد ممتلكات أثيوبيا حتي الخرطوم شمالاً فإنه يعترف بأن أثيوبيا خلال 14 قرن كانت كجزيرة مسيحية بل إنها ( إثيوبيا ) ظلت كذلك حتي القرن التاسع عشر.
  2. – ادعي منليك أن البحر كان نهاية حدود أثيوبيا. ويقصد بذلك البحر الأحمر والبحار الصومالية على المحيط الهندي فليس هناك حدود أخري بحرية تحد الحبشة عن قرب إلا الحدود الصومالية والإرترية، ونحن قد عرفنا مما سبق ذكره أن أثيوبيا طوال التاريخ كانت حول الهضاب الشمالية ولم تصل الي البحر اطلاقاً إلا في القرن الحالي بمساعدة الغربيين.
  3. – يدعي منليك أن الحدود البحرية سقطت من يد الحبشة حينما وقعت في يد المسلمين في الوقت الذي لم تجد فيه الحبشة أي عون من الدول المسيحية. وقد سبق أن أوضحنا أن الصوماليين من الشعوب الأصلية في منطقة الصومال و أنها عناصر حامية خالصة، على حين الحبشة من عناصر مختلفة من حامية و زنجية، و أن الصوماليين أخذوا بالإسلام في عهد الرسول عليه السلام أو على الأقل في العشرين سنة الأولي التي تلت وفاة الرسول، بعكس ما ذهب إليه منليك من أن المسلمين استولوا على النطاق البحري أثناء طلب الأحباش بمساعدات من البرتغاليين و نصاري أوروبا ضد مسلمي الصومال.
    فالصوماليين مسلمون قبل أن تمتد الحبشة إلى الخارج في طلب مساعدات في حروبها الصليبية، كما أن هذه المساعدات كانت خلال القرن السادس عشر حينما ظهر الداعي الصومالي الكبير الأمام أحمد جري الذي انتصر على الأحباش، وقد حدث في عهده حالات كثيرة في التحول الي الإسلام حتي أصبح عدد المسلمين أكثر من الأحباش منذ القرن السادس عشر حتي اليوم رغم محاولات السلطات الحبشية إنكار هذه الحقيقة.
  4. – في خطاب منليك استعطاف للدول الأوروبية المسيحية لتدعيم المسيحية في الحبشة و مساعدتها في الوصول الي منافذ بحرية. (إننا واثقون أن القوى المسيحية تحرسها عناية الله التي ستنقذنا و ستعيد إلينا الخط الساحلي على البحر أو على أي حال بعض نقط فيه).

موقف إيطاليا و بريطانيا من الخطاب الدوري

الخطاب السابق من وضع الإيطاليين، وهدفهم تقديم منليك كبش فداء لمطامعهم الاستعمارية، و من خلفه يمكن لهم أن يحققوا أطماع إيطاليا لا في أثيوبيا بل في الصومال عن طريق إخلاء الصومال من الأوربيين لتحل إيطاليا محلهم تبعاً لمعاهدة أوتشيلي. ولكن خاب ظن الإيطاليين، إذ تطاول منليك على الإيطاليين أنفسهم وطردهم من البلاد بعد هزيمتهم في معركة عدوة. كان موقف بريطانيا من الخطاب الدوري الانتظار لمعرفة تطورات الأحداث، و في الوقت نفسه بعثت ملكة بريطانيا برسالة إلزام للملك منليك بتنفيذ البروتوكول الذي حدد مناطق النفوذ بخط يبدأ من البحر في منتصف مجري نهر جوبا حتي عرض 6 شمالاً مع بقاء كسمايو و الأراضي الملحقة به في الجهة اليمني للنهر في حوزة بريطانيا، ويسير الخط موازياً من خط عرض 6 شمالاً وخط طول 35 شرقاً حتي النيل الأزرق.

معاهدة أوتشيالي ، والعلاقات غير المباشرة بين مصر وإثيوبيا

من المعروف أن بريطانيا ساعدت ايطاليا على الاستيلاء على مصوع وحددت حدود مستعمرتها الشمالية عندما وافقت على أن تكون رأس قصار الحد الفاصل بين نفوذها في سواكن وهذه المستعمرة وضم ميناء زولا إليها والتي كان يرفرف عليها العلم المصري حتى أغسطس سنة 1888 (139). وكان هدف ايطاليا من وراء هذا التدعيم لمستعمرة ايطاليا (140)، أن تشغل أثيوبيا عن تنفيذ ادعاءاتها في السودان، وهي ادعاءات قديمة تخول لها امتلاك الأراضي الواسعة على طول النيل الأزرق الخرطوم ومجرى النيل الأبيض وذلك تحقيقا لامبراطورية أثيوبيا القديمة (1412). ولتمنه هذه المستعمرة الايطالية المدعمة توسع الفرنسيين الموجودين في أوبوك نحو السودان وذلك عن طريق بسط نفوذها على أثيوبيا واتخاذها منطلقا للوصول إلى أعالي النيل. ومن هذا المنطلق عقدت بريطانيا مع فرنسا اتفاقا في فبراير سنة 1888، تعهدت فيه الدولتان بألا تسعيا عن حقهما في معارضة أية محاولة قد تقوم بها دولة أخرى للاستيلاء عليها ووضعها تحت حمايتها (142). وأخيرا تقف ايطاليا سدا دون ثورة المهدي في الشمال. وفي حالة ما اذا وقعت الحروب بين الأثيوبيين والايطاليين والمهديين وهو ما حدث فعلا، فانه بالتأكيد سيؤدي إلى تدهور موقفهم جميعا، فيسهل على بريطانيا ابتلاع كل المنطقة (143).

وبالرغم من ذلك كله فان معاهدة أوتشيالي الموقعة بين منليك وايطاليا قد أثارت بريطانيا ونبهتها إلى خطر التوسع الايطالي في هذه المنطقة. فطبقا للمادة (34) من اللائحة العامة لمؤتمر برلين المنعقد في 1884/1885 بتعيين مناطق النفوذ في أفريقيا، التي تنص على ضرورة ابلاغ الدول الأوروبية الأخرى بما تحققه أحداها من امتلاك أي جزء من أراضي أو سواحل أفريقية، فقد أبلغت ايطاليا المادة السابعة عشرة فقد من معاهدة أوتشيالي إلى جميع عواصم الدول الأوروبية وأمريكا تقريبا ومنها لندن، وهذه المادة كانت تتضمن اعترافا من منليك بحماية ايطاليا على بلاده وبذلك تكون حكومة ايطاليا قد أعلنت رسميا عندما أبلغت الحكومات الأوروبية فرض حمايتها على أثيوبيا (144). على أن مواد هذه المعاهدة لم تعلن بها أي دولة أخرى، وذلك ربما لأنها خاصة بها أو كمحاولة ايطالية لاخفاء مطامعها الحقيقية. على أن نسخة كاملة من هذه المعاهدة وصلت الى حكومة بريطانيا في نوفمبر سنة 1889 بطريقة غير رسمية. واتضح لها أن الايطاليين لا يحاولون فرض نفوذهم على أثيوبيا وتأمين مركزهم فيها، وانما يعملون على تنفيذ برنامج توسعي في السودان الشرقي، ويعرض الحالة الراهنة لحوض النيل للأخطار (145). فقد كانت المادة الثالثة تنص على تكوين لجنة خاصة من اثنين من الايطاليين ومثلهما من الأثيوبيين لتخطيط الحدود بين أملاك ايطاليا وأثيوبيا والتي تمتد من أرافالي شرقا إلى عدى يوحنا غربا مارة بقرى هالاي وساجانيني وأسمرة وعدى نيفاس، على أن تقع هذه القرى جميعا داخل أملاك ايطاليا (146). ويعني ذلك دخول المناطق الواقعة على الضفة اليمنى لنهر مأرب ومدينتي كيرين وأمسرة والطريق المؤدي إلى كسلا ووادي نهر النيل تحت سيطرة إيطاليا. ومع أن هذه المنطقة الصغيرة المساحة ولا تتناسب مع أطماع ايطاليا فانها تتماع بموقع جغرافي هام، فهي حلقة الاتصال بين الاقليم الساحلي ومنطقة كسلا ووادي نهر النيل. وبذلك يتضح أن ايطاليا كانت تطمع في منطقة أكبر منها، تتمثل في السودان وهي اذ رضيت بها الآن فهي خطوة إلى ما ترمي إليه بعد ذلك (147).

أثار هذا الاتجاه الذي بدأت ايطاليا تفكر فيه، بريطانيا التي كانت تحرص على أمن مصر وحوض النيل، وكان جميع الرحالة الانجليز، وعلى رأسهم سير صمويل بيكر، قد أشار إلى أن من يسيطر على أعالي النيل يستطيع أن يسيطر على مصر. لهذا السب كان رياض باشا ناظر النظار المصري يضغط على سيرايفيلين بارنج بضرورة استرجاع السودان لحاجة مصر الشديدة اليه. ولكن بارنج في ذلك الوقت لم يكن مقتنعا ونصح ساسيوري بشدة ألا يقبل اعادة فتح السودان، ووافق الأخير على ذلك. وكان وراء نصيحة بارنج هذه عجز مصر بسبب ميزانيتها المضطربة عن أن تتحمل نفقات اعادة فتح السودان، على أن ذلك لا يمنع من أنه كان هناك تفكير في أنه يجب أن يعود السودان إلى مصر، وأن سبب تأجيل ذلك هو أن المهديين لم يكن لديهم الامكانيات التي تجعلهم يحولون مجرى نهر النيل. كما أنه ليست هناك قوة أوروبية قد وصلت بعد إلى هذه المنطقة لترسل حملات التهديد إلى أعالي النيل ، بالاضافة إلى أنه ما زال ممكنا أن ترحل بريطانيا عن مصر. ولكن هذه العوامل كلها تغيرت في سنة 1889 فقد تأكد بقاء انجلترا في مصر، بل اصبحت مص تمثل بشكل متزايد مركزا ومحورا للأهمية الاستراتيجية لانجلترا في البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فان السيطرة على أعالي النيل من قبل أية قوة أجنبية أخرى قد يضعهم في موقف المساومة أو يؤدي إلى طردهم خارج مصر. وكان الايطاليون قد تقدموا من البحر الأحمر نحو السودان الشرقي، وبذلك كانوا يمثلون أول خطر من هذا النوع. وقد أدى ذلك الى قلق سالسبوري على كسلا وما قد تمثله كمدخل إلى السودان حيث أنها تسيطر على نهر العطبرة أحد روافد نهر النيل. مما دعاه الى استطلاع راي بارنج في هذا الموضوع في أغسطس سنة 1889 (148)، أي بعد عقد معاهدة أتشيالي في 2 مايو سنة 1889 (149).

وبالرغم من معارضة بارنج في التدخل في السودان فان معاهدة أوتشيالي التي وقعها منليك مع الايطاليين قد غيرت موقفه من هذه القضية، وذلك بسبب ما قد ينتج عنها من الأطماع الايطالية في السودان ونهر النيل وتاثير ذلك على مص (150). ويتضح هذا التغيير في رده على سالسبوري في 15 ديسمبر سنة 1889، فقد رأى بارنج أن الايطاليين يريدون الاستيلاء على كسلا، وأنه اذا لم تتفق الحكومتان البريطانية والايطالية على حدود المنطقة التي ستكون تحت حكم ايطاليا مباشرة فانها سوف تحاول بعد فترة وجيزة التوسع غربا، وهذا سيقودها حتما إلى وادي النيل، أما الى الخرطوم أو الى اية نقطة أخرى تجاورها، وبالتالي فانه من الضروري لصالح مصر تجنب حدوث مثل تلك الفاجعة، لأنه ليس من المبالغة القول بأن استقرار دولة متحضة في وادي النيل سوف يكون طامة كبرى على مصر بسبب امكانياتها الحضارية وما يمكن أن تفعله ويؤثر على الحياة في مصر نفسها. وأن ذلك لن يضر بمصر فقط بل بمصالح بريطانيا فيها، وانه لم يحدث مطلقا أنه أنكر ما ينكر اليوم أن التخلي عن السودان أمر يدعو إلى الأسف الشديد لأن هذه البلاد هي ملك بالطبيعة لمصر وأن الحكومة التي تحكم دلتا النيل يجب أن تحكم أيضا ضفاف النهر ان لم يكن إلى منابعه فعلى الأقل إلى مسافة بعدية على طول مجراه وأكد أحقية مصر في استرجاع السودان ومه أية دولة أخرى من الاستيلاء عليه. وكان سالسبوري يرى أنه من الصعب صد دولة أخرى عن دخول المنطقة المختلفة التي لم تستطع بريطانيا احتلالها بعد. ومع اعتراف بارنج في رسالته بقوة هذا الرأي ووجاهته فانه يذكر أن هذا لا ينطبق على مشكلة السودان لأنها لا تشبه غيرها لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الواقعية، وذلك لأن السودان جزء من الامبراطورية العثمانية ومصر تدفع جزية عنه للباب العالي (151).

ولم يكتف بارنج بذلك بل حث بريطانيا على اعادة فتح السودان حماية لمصالحها. وأنه يجب عليها أن تمحو العار الذي ارتكبته بارغام مصر على اخلاء السودان، ويحمل حكومته المسئولية التاريخية في ذلك وانها شجعت ايطاليا على ان تحتل نصف أراضيها بصفتها صديقة لها. مع أنها قد تظهر بعد ذلك ميولا عدائية وتحتل منابع النيل الذي تعتمد عليه مصر. وواضح أن بارنج كان لا يأمن نوايا ايطاليا ويحذر منها، وأنه لا يستطيع انتظار ما يمكن حدوثه نتيجة لذلك دون أن يأسف عليه. كذلك فقد رأى بارنج أنه من الضروري أن تطلب حكومة بريطانيا من ايطاليا التوسع صوب اثيوبيا أولا ولا يحاولوا الاستيلاء على كسلا، على ألا يؤثر نشاطهم في أثيوبيا على السياسة البريطانية في السودان. كذلك حذر الورد دوفرين سفير بريطانيا في روما من أن الايطاليين قد يحاولون الامتداد إلى النيل الأعلى والسودان (152). وهكذا يتضح مدى تأثير معاهدة أوتشيالي التي وقعها منليك مع الايطاليين في مصالح مصر في السودان وشرقه، فانه لو لم توقع هذه المعاهدة لما ظهرت مطامع ايطاليا ولما تحركت بريطانيا لتحافظ على مصالحها ومصالح مصر مع السودان.

ولقد انعكس ذلك على الأوضاع القائمة في ذلك الوقت في شرق السودان بسبب تزايد نشاط الايطاليين فيها، اذ بدأت تصل الى بارنج في مارس سنة 1890 تقارير من سواكن، التي احتفظت مصر بها هناك، ذكر فيها أنه من المتوقع أن تزحف القوات الايطالية على كسلا قريبا. وعلى ذلك فقد أرسل بارنج إلى سالسبوري رسالة في 13 مارس سنة 1890 يقول فيها" أن مسألة زحف تقوم به مصر على طوكر من الأهمية بمكان ولقد شغل ذهني هذا الموضوع فترة من الوقت وربما يجدر بي في تاريخ قريب أن أخطاب سيادتكم بصدده". ثم عاد في 27 مارس 1890 يقول "من الأكيد أنه اذا لم تتحرك الحكومة الصمرية فمن المحتمل جدا أن يتلقى الايطاليون دعوة لأن يفعلوا ذلك". وبالفعل فقد استجاب سولسبوري أخيرا لنداء بارنج واحتلك طوكر في فبراير سنة 1891 (153).

وكان شرق السودان بعد أن قررت سلطات الاحتلال البريطاني الاحتفاظ بسواكن كمركز في هذه المنطقة للوثوب منها على السودان بعد ذلك، والذي يسطير عليه المهديون، لذلك فقد كانت هناك مناوشات بين عثمان دقنة وحامية سواكن، وكان الأخير يريد الاستيلااء على سواكن بهدف تنمية تجارة الرقيق مع بلاد العرب. وبالرغم من أن حامية سواكن هزمت هذا القائد فانها لم تفكر في تعقبه والقضاء عليه لان مهمتها كانت مهمة دفاعية فقط. وكان مركز عثمان دقنة مدينة طوكر الواقعة في وسط دلتا خور بركة الغنية، ويعتمد المهديون عليها في تموين جيوشهم في السودان الشرقي والتي اذا خرجت من أيديهم اضطروا إلى التخلي عن هذه المنطقة بأجمعها. وقد ظل هذا الوضع قائما دون أن يطرأ عليه جديد حتى عقدت معاهدة أوتشيالي، وظهرت واضحة الأطماع الايطالية في شرق السودان وطلبوا الاستيلاء على كسلا ذات الموقع الهام في منتصف الطريق تقريبا بين الخرطوم ومصوع. وقد طلب بارنج ذلك بأن تستولي القوات المصرية في سواكن على مدينة طوكر، وأيده في ذلك هولد سميث محافظ سواكن وذكر أن الهجوم على طوكر والاستيلاء عليها يرغم عثمان دقنة على الانسحاب إلى العطبرة (154). وقد أيد قائد الجيش المصري سير فرانسيس جرافيل اقتراح بارنج بضرورة الاستيلاء على طوكر ، وعلى ذلك ركز الأخير في رسالته الى سولسبوري على أهمية احتلال هذه المدينة لحماية نهر النيل من تهديدات الايطاليين والتي – على حسب رسالة بارنج اليه في أبريل سنة 1890 – اقتربت من أسوار سواكن نفسها، ورأى أن وادي النيل جدير بالحماية من الايطاليين التي ستلتهم ربوع السودان الشرقي وتطوي تحت نفوذها القبائل النازلة بين سواكن وبربر (155)ز

ومع أن سولسبوري كان مستعدا لموافقة بارنج على رأيه بخصوص كسلا التي تشرف على رافد مهم من روافد النيل (العطبرة)، إلا أنه رفض التسليم له فيما أبداه بخصوص طوكر، وأبدى دهشته من اعتقاد السلطات العسكرية أن امتلاك المنطقة المحيطة بسواكن يمكن أن تحمي جناح الجيش المعسكر في وادي حلفا التي تبعد عنها بثلثمائة ميل. لذلك فقد اعتقد أنه ليس لطوكر شأن بوادي النيل، وأصر على عدم الشروع في أي نشاط عسكري على البحر الأحمر حتى تتوفر لحكومة مصر الأموال اللازمة لكي تزحف على بربر ثم على الخرطوم. أي أن استئناف العمليات العسكرية في شرق السودان مرهون بتقدمها نحو بربر والخرطوم – الطريق الشمالي – لأن الأولوية في نظره في استرداد السودان يجب أن تعطي لمحور وادي النيل (156)، على أنه لم تمض مدة طويلة على تحذير بارنج لسولسبوري حتى حدث أول اصطدام بين الايطاليين والمهديين وذلك في يولية سنة 1890، حيث استطاعوا انزال هزيمة منكرة بالمهديين في أجوردات (157)ز

وزاء تحذيرات بارنج من خطورة ازدياد النشاط الايطالية في شرق السودان على مصالح مصر وبريطانيا في وادي النيل وتجنبا للعمليات العسكرية مع ايطاليا في السودان، راح سولسبوري يفكر في تسوية الحدود بين المستعمرة الايطالية والسودان الشرقي سلميا مع ايطاليا. لذلك فقد تفاوض مع السفير الايطالي في لندن وأوضح له أن الحكومة المصرية لن تتخلى عن حقوقها في السيادة على السودان كذلك فان حكومة بريطانيا نفسها تعتبر وادي النيل ضرورة حيوية لمصر (158). وانتهت هذه المفاوضات بوضع تصور عام لمناطق النفوذ بين بريطانيا وايطاليا في شرق أفريقيا كانت طوكر في الجانب المصري. وقد تعرض هذا التصور للنقد الشديد من جانب السلطات البريطانية في مصر، لذلك قرر سولسبوري ازاء هذا أن يذهب بارنج إلى روما ليتفاوض مع رئيس الحكومة الايطالية نفسه فرنسيسكو كريسبني وأصدر تعليمته إلى بارنج بأن يصر على أن تكون جميع روافد نهر النيل ملكا لمصر كما كانت قبل قيام الثورة المهدية، وأنه في حالة عدم تمكنه من اقناع الايطاليين بذلك فمن الأفضل وقف المفاوضات وارسال مذكرة إلى حكومة ايطاليا توضح مطالب بريطانيا وأوضح أن الحكومة الانجليزية لن تخسر شيئا اذا ما تأنت في مسألة تخطيط الحدود بين المستعمرة الايطالية والسودان، لأن حكومة ايطاليا تنتهج سياسة يستحيل تنفيذها ماليا وأنها سرعان ما تتخلى عنها، وعندها لن تحرص على مسائل الحدود هذه. ولذلك فان الامور سوف تبقى على ما هي عليه الآن ما دام كريسبي يعتلي كرسي الحكم في ايطاليا ولكنه لن يستمر طويلا لكبر سنة (159).

على أن مفاوضات بارنج (169) مع كريسبي في روما فشلت بسبب طلب الايطاليين السماح لهم باحتلال كسلا ورفض بريطانيا لهذا الطلب وتمسك بارنج بحقوق السيادة المصرية على السودان وهي الحقوق التي تسمح لمصر باسترجاع أملاكها المفقودة، بينما كان كريسبي يرى أن مصر فقدت حقوقها على السودان بسبب الاخلاء الناجم عن قيام الثورة المهدية، وعلى هذا لم يعترف الجانب الايطالي بحق مصر في استرداد السودان (161). وبذلك فشلت محاولة ايطاليا الاستيلاء على كسلا بفشل هذه المفاوضات.

بدأ بارنج – بعد عودته إلى القاهرة من روما – بتسليم التقارير الواردة اليه من البحر الأحمر والتي توضح ازدياد النشاط الايطالي في هذه المنطقة. وعلى ذلك فقد عاد يلمح على رئيس الوزراء البريطاني بضرورة فتح طوكر، وأن فتحها سوف يقضي على تهديد المهديين لسواكن كما يساعد على محاربة تجارة الرقيق في البحر. وأخيرا وافق سولسبوري على ارسال حملة إلى طوكر استولت عليها في 19 فبراير سنة 1981. وقد استقبل شعب كوكر القوات المصرية العائدة اليها استقبالا حماسيا رائعا. وكان لفتح طوكر اثر كبير في اطمئنان حكومة بريطانيا ومصر التي استردت جزءا عزيزا عليها، كانت تتهدده أطماع ايطاليا في شرق السودان. وزاد من اطمئنان الدولتين (مصر وبريطانيا) سقوط وزار كريسبي التي كانت تحلم بتكوين امبراطورية ايطالية في شرق أفريقيا (162). وكانت الوزارة الايطالية التالية (وزارة دي روديني ) لا تميل إلى الاتجاه نحو الاستعمار لرغبتها في الاقتصاد في النفقات الحربية. وقد أدى ذلك إلى اهمالها مسألة الحماية على أثيوبيا التي تمسكت بها حكومة كريسبي التي سبق النص عليها في المادة 17 من معاهدة أوتشيالي. وكان معنى تخلي حكومة دي روديني عن هذه الحماية تخليها أيضا عن أطماعها في السودان الشرقي. وبالتالي يمكن لبريطنيا أن تتفاوض معها باطمئنان. وبالفعل تم ذلك وأسفرت المفاوضات عن توقيع اتفاقيتين أحدهما في 24 مارس سنة 1891 وتختص الأولى بتخطيط مناطق النفوذ بين البلدين في شرق أفريقيا. والثانية في 15 أبريل من نفس العام وتختص بمناطق النفوذ على ساحل البحر الأحمر الغربي من رأس قصار جنوبي سواكن حتى النيل الأزرق (163).

ولقد تحدد بموجب هذين الاتفاقيتين خط الحدود بين أملاك ايطاليا وأملاك مصر ونفوذ بريطانيا في المنطقة المحيطة بأثيوبيا، فاعترفت بريطانيا باثيوبيا (بما فيها تيجري وشواهرر) داخل منطقة النفوذ الايطالي. في مقابل اعتراف ايطاليا بالحقوق التي تتمتعت بها بريطانيا في أعالي النيل والسودان بما في ذلك كسلا، وقد سمحت المادة الثانية من اتفاق 15 أبريل سنة 1891 لحكومة ايطاليا باحتلال كسلا بصورة مؤقتة، وفي حالة الضرورة الحربية. واعترفت بريطانيا وايطاليا بأن احتلال الأخيرة لكسلا لا يلغي حقوق سيادة مصر عليها التي ستظل محفوظة لها حتى تستطيع استردادها. ما تعهدت ايطاليا في المادة الثالثة بأن تمتنع عن اقامة منشآت للري على نهر عطبرة قد تؤثر على كمية المياه الواردة لمصر. وقد أكدت هذه المادة اعتراف ايطاليا بمصالح مصر وبريطانيا في حوض نهر النيل والاشراف على موارده المائية وروافده. ولما كانت مص خاضعة لبريطانيا فان هذه المادة تعتعرف لها بأن وادي النيل وروافده داخل نفوذها (164).

وقد تمت هذه الاتفاقات بين ايطاليا وبريطانيا دون أن تعلم بها مصر – وعندما علمت الحكومة المصرية بها أرسل وزير خارجيتها نجران باشا رسالة إلى سردار الجيش المصري جرانفيل باشا يذكر فيها "أن هذين الاتفاقيتين قد تما دون عمل حكومة الخديوي، ولذلك فانه يحق للباب العالي صاحب السيادة الشرعية على السودان أن يتخذ الاجراءات المناسبة". كما ذكر أن "رغبة حكومة مصر في تحاشي المشاكل التي قد تحدث في هذه المنطقة (شرق السودان) بين الأشخاص الرسميين الذين لا يهتمون عادة الا بتنفيذ التعليمات الصادرة إليهم، فقد كلفت أن أرسل لك هذا البروتوكول مع رجائي إلى حاكم سواكن أن تقبلوا منه احترام خط الحدود المبين به لحين صدور أوامر أخرى". قد أرسل السردار فعلا صورة من هذا الاتفاق الى حكومة سواكن وأخطرها بأنه يجب أن يحترم خط الخدود الفاصل بين أملاك مصر في السودان وأملاك ايطاليا وذلك لحين صدور أوامر أخرى (169).

على أي حال فانه نتيجة لاطلاق يد ايطاليا في كسلا أخذت تتحين الفرص لتحقيق ذلك حتى تنشر وتدعم نفوذها السياسي في السودان الشرقي وأيضا طرد المهديين من كسلا التي كانوا يشنون منها هجماتهم على مستعمرة إريتريا (166). وقد استطاع الايطاليون أن يحققوا انتصارا كبيرا على المهديين في موقعة أجوردات في 21 ديسمبر سنة 1893 (167). وفي نفس الوقت عاد إلى الحكم مرة أخرى فرنسيسكو كريسبي في أواخر سنة 1893 وعادت معه تطلعاته التوسعية وأراد أن يستغل انتصار أجوردات هذا في مد نفوذ ايطاليا السياسية في السودان الشرقي حتى كسلا والعطبرة وذلك تنفيذا لاتفاق 15 أبريل سنة 1891 الذي أبرمته حكومة دي روديني مع بريطانيا (168). وعندما عرضت الحكومة الايطالية اقتراحها باحتلال كسلا على كرومر لمعرفة مدى استجابة بريطانيا، أجابها بأنه لن يلقى ترحيبا من جانب الحكومة البريطانية. ما أنه رفض فكرة اشتراك قوات مصرية مع القوات الايطالية في كسلا وبقاء القوات المصرية في المدينة للدفاع عنها وانسحاب القوات الايطالية منها عائدة إلى اريتريا بعد ذلك. وعلل بارنج هذا الرفض بأن الحكومة المصرية ليس لديها من الرجال والمال ما يمكنها من القيام بعملية حربية مثل اعادة احتلال كسلا على أنه ذكر لهم بأنه في استطاعتهم احتلال المدينة بصورة مؤقتة (169) وعلى ذلك فقد آلت حكومة روما على نفسها أن تحتل كسلا بمفردها واستطاع فعلا ن يحتلها برايتيري القائد الايطالي في 17 يولية سنة 1894 (170).

وقد سبب سقوط كسلا في أيدي الايطاليين قلقا شديدا للحكومة البريطانية ، لذلك رأت ايطاليا أن تهدئ مخاوف بريطانيا ازاء هذا الفتح، فأكدت لها أن الاحتلال الايطالي لكسلا لن يضر بأنه مسألة اقليمية بل يحفظ مصوع وسواكن من أي اعتداءات جديدة قد يشنها المهديون ويضع ايطاليا في الوقت الحاضر في مركز المشارك مع انجلترا في احتلال الأراضي المصرية نظرا للمصالح المشتركة بين البلدين ، أي أن ايطاليا تريد التحالف مع بريطانيا لاقتسام الأراضي المصرية، وربما قصدت ايطاليا المشاركة مع بريطانيا في عمليات الفتح المقبلة حتى توسع من أملاكلها في هذه المنطقة على حساب حقوق مصر المشروعة فيها. على أن بريطانيا فطنت لهذا ورفضته ضمنا عندما رغبت في الحصول على تأكيدات رسمية بالتزام ايطاليا باتفاق 15 أبريل سنة 1891 من حيث اعتبار احتلال كسلا غير متعارض مع حقوق السيادة المصرية عليها، وأنه من الممكن أن تستردها مصر من ايطاليا في الوقت المناسب. واصبح من المعتقد أن صدور هذه التأكيدات من جانب حكومة كريسبي سوف يكون له أطيب الأثر في القاهرة والأستانة. وفعلا قدم كريسبي رئيس وزراء ايطاليا تعهدا رسميا بالتزامه بما جاء في اتفاق 15 أبريل سنة 1891 ولم يكن هناك سبيل أمام بريطنيا بعد أن اعترفت ايطاليا بمصالحها ومصالح مصر في هذ المنطقة وكسلا الا أن تقر احتلال ايطاليا بهذه المدينة (171).

وهكذا تأثرت مصر ومصالحها في شرق السودان الى حد كبير بعقد منليك معاهدة أوتشيالي مع ايطاليا بسبب توسع الأخيرة على حساب حقوق مصر المسلوبة وبتأييد بريطانيا في شرق السودان في مقابل اعتراف ايطاليا بوصاية بريطانيا على مصر وعلى أملاكها السابقة وخصوصا وادي النيل وفي هذا تدعيم وتأكيد احتلالها لمصر. اذ الملاحظ أنه في كل المفاوضات التي تمت بين ايطاليا وبريطانيا لم يكن هناك تمثيل حقيقي لمصر أو للدولة العثمانية. بل كانت بريطانيا تتستر وراء مصالح مصر وأنها تعمل على صيانتها وكان الواقع أنها تحافظ على مصالحها هي وأنها اتخذتها ستارا تخفي وراهء ما كانت تأمل فيه وتريد تحقيقه وهو تأكيد احتلالها لمصر والاستيلاء فيما بعد على أملاكها في السودان. وكانت ايطاليا تتفاوض دائما مع بريطانيا سواء مع حكومتها مباشرة أو مع ممثليها سواء في روما أو معتمدها بمصر وربما أيدت بريطانيا ايطالي في تحركاتها هذه بعد عقد المعاهدة بهدف تدعيم سيطرتها على مصر دوليا. وأن المفاوضات بين بريطانيا وايطاليا انما تؤكد سيادة الأولى على مصر واعترافا من الثانية بهذا الاحتلال (172). وبذلك قضى تمام على حقوق الأستانة في مصر والسودان، وتستطيع القول أن منليك بعقده هذه المعاهدة قد ساهم دون أن يدري في تدعيم الاحتلال البريطانيا لمصر ضاربا محاولات فرنسا في اجلاء بريطانيا عن مصر، كما أكد وأظهر ادعاءات بريطانيا في المحافل الدولية بأنها تحمي مصالح مصر في السودان وذلك حتى تأتي الفرصة المناسبة للاستيلاء عليه وهكذا فاذا كانت معاهدة اوتشيالي قد دعمت حكم منليك في أثيوبيا فانها أضرت بمصر ومصالحها في السودان. وأدى إلى تدعيم الاحتلال البريطاني سواء في مصر أو في السودان بعد ذلك. وبذلك نستطيع أن تقول أن مصر وهي مسلوبة الارادة دعمت حكم منليك بصورة غير مباشرة على حساب مصالحها في السودان.

هذا من جهة تأثير المعاهدة في العلاقات بين مصر وايطاليا وانجلترا وأثيوبيا. على أن لهذه المعاهدة جهة تأثير أخرى، وهي العلاقات بين مصر وفرنسا وانجلترا وأثيوبيا، أي مدى تاثر فرنسا بمعاهدة أوتشيالي وما قامت به من محاولات مضادة لها، وانعكاس ذلك على مصر وبريطانيا ومصالحهما في السودان وما قامتا به ازاء محاولات فرنسا هذه.

وكانت فرنسا قد غضبت من بريطانيا عندما خدعتها واحتلت وحدها مصر في سنة 1882، لذلك عملت منذ ذلك التاريخ على اجلائها عن مصر. ولما تأكدت من أن سياسة انجلترا أصبحت قائمة على جعل وادي النيل منطقة نفوذ لها، بدأت تفكر في خطة تتحدى بها السياسة الانجليزية في مصر وتعرقل مشروعاتها (173). وبالطبع تاثرت مصر بهذا التنافس. وكانت فرنسا تعلم مساعدة وتأييد بريطانيا لايطاليا في احتلال مصوع وتوسعها في هذه المنطقة، وذلك لتراقب النشاط الفرنسي وتحد من توغل مستعمراتها في أوبوك إلى أعالي النيل والسودان. لذلك بدأت فرنسا تضع العراقيل أمام التوسع الايطالي في شرق أفريقيا وتتلمس الفص لذلك. وبالرغم من فشلها في محاولاتها هذه فانها استمرت في مراقبتها للنشاط الايطالي في أثيوبيا وأصبحت تشجع بعض أبنائها من التجار ولاسيما تجار الأسلحة على القيام بناشط تجاري كبير في مملكة شوا وممارسة كل أنواع النشاط الاقتصادي بها. وكان من أشهر هؤلاء التجار التاجر شفنو الذي كان يبيع السلاح لمنليك بأرخص الأسعار مما أدى إلى قيام صداقة وطيدة بين الاثنين كان لها أثر كبير في حصوله على امتياز احتكار تصدير الملح من بحيرة أسال. كما استغلت فرنسا نفوذ المهندس السويسري إلج لصالحها. وكان قد استطاع بفضل نشاطه الكبير في خدمة منليك أن ينال الحظوة لديه حتى أصبح من أصدقائه المقربين، وعندما اعتلى منليك عرش اثيوبيا أصبح مستشاره الخاص وساعد فرنسا على الاستفادة من مكانة إلج هذه أنه كان على علاقة سيئة بالكونت أنطوللي لذلك استفادت فرنسا من معارضة إلج لنفوذ ايطاليا في بلاط منليك (174).

وقد ساعد الفرنسيون كذلك جميع التجار الأجانب الذين شعروا بأن معاهدة أوتشيالي هذه ستصيبهم ايضا مع التجار الفرنسيين في مصالحهم الاقتصادية مما أدى إلى اتفاقهم على مهاجمة أنطوللي ومعاهدته المبرمة مع منليك والعمل على زعزعة مركز ايطاليا في هذه البلاد، كان ذلك بسبب الامتيازات الاقتصادية والتجارية التي حصل عليها رعايا ايطاليا مما جعل لهم مركزا متفوقا على سائر الأجانب الذين كانوا في اثيوبيا (1275). كما وقفت الحكومة الروسية بجانب فرنسا ضد ايطاليا، وذلك استمرارا للصراع الذي كان في أوروبا اذ كانت ايطاليا ضمن التحالف الثلاثي الذي عمله بسمارك ضد فرنسا وروسيا. لذلك رأت الدولتان (فرنسا وروسيا) الاتفاق على العمل على تقويض نفوذ ايطاليا كرد على تمسكها بعضويتها في هذا التحالف الثلاثي من ناحية ومحاولة لتحقيق أغراضها في أثيوبيا على تقليص النفوذ الايطالي من ناحية أخرى (176). بالاضافة إلى رغبة روسيا فرض سيادتها الدينية على أثيوبيا وهو ما حاولت القيام به في عهد يوحنا الرابع واستمرت في محاولاتها عن طريق التقرب إلى منليك والتحالف معه ضد الايطاليين لكي تحصل من وراء ذلك على موطئ قدم في شرق افريقيا (177).

ويلاحظ مما سبق أن محاولات فرنسا ومعها روسيا ضد ايطاليا في هذه المنطقة، كانت تبوء بالفشل بسبب نجاح أنطونللي في التأثير والسيطرة على منليك وزوجته طايطو، وأكد هذه السيطرة حاجة منليك إلى الدعم الايطالي له حتى يستطيع السيطرة على البلاد (178). ومع أن عقد هذه المعاهدة قصد منه تدعيم السيطرة الايطالية على أثيوبيا فانها كانت سببا في تدهور العلاقات الايطالية الأثيوبية وتدعيم العلاقات الفرنسية الأثيوبية وازدياد ونمو النفوذ الفرنسي في اثيبويا، مما أدى بعد ذلك إلى تهديد مصالح مصر وبريطانيا في السودان وأعالي النيل. وساعد على ذلك أن بريطانيا تركت مجال المنافسة في أثيوبيا لنفوذ الفرنسيين المتزايد في بلاط منليك وأثيوبيا ولم تحاول منافسة النفوذ الفرنسي المتزايد الا عندما شعرت بأن مصالحها ومصالح مصر مهددة، عندئذ بدأت في منافسة هذا النفوذ، كما سنرى فيما بعد.

وكانت فرنسا ومعها روسيا قد بدأتها تستغلان تدهور العلاقات بين ايطاليا ومنليك نتيجة ارسال منجاشا بعد أن خضع له رسالة من القائد الايطالي كان قد ارسلها له ابان خروجه عن طاعة منليك يرحب فيها بصداقة منجاشا لايطاليا. وكان هذا يعتبر مختلفا لشروط معاهدة أوتشيالي والتي نص فيها على أن تكون الصداقة هي رائد العلاقات بين الدولتين. وقد فسر منليك ارسال هذه السرالة من القائد الايطالي إلى منجاشا بأنها محاولة لتخطي سلطته في سبيل تثبيت حدود مستعمرة إريتريا عند نهر المأرب. وكذل ضرب منليك بهذا الراس التيجري. كما ضربوا به من قبل الامبراطور يوحنا. لذلك بدأ يطرأ تغير كبير على تفكير منليك تجاه الايطاليين فبدا يشك ويسئ الظن بهم، وقد استغلت فرنسا بداية هذا التدهور بين منليك وايطاليا وعملت على زيادة الهوة بين الطرفين (179)، بأن اخبرت منليك بالتفسير الايطالي للمادة 17 من معاهدة أوتشيالي (180).

ذلك أن منليك بعد أن ضمن تأييد ايطاليا له بعقده هذه المعاهدة انتهز ذلك بأن توج نفسه في نوفمبر سنة 1990 وأعلن نفسه امبراطورا لأثيوبيا (181)، وارسل بعد التتويج إلى دول أوروبا رسائل بهدف الحصول على اعترافها به امبراطورا على أثيوبيا (182). ولقد بعثت حكومتها بريطانيا وألمانيا ببرقيتين متشابهتين إلى منليك جاء فيهما أن ابلاغ امبراطور أثيوبيا بخبر تتويجه على عرش هذه البلاد كان يجب أني تم عن طريق ايطاليا لا بواسطته مباشرة. وقد أثار هذا الرد غضب منليك وانتهز الفرنسيون والروس هذه الفرصة فأطلعتاه على الترجمة الايطالية للمادة السابعة عشر من معاهدة أوتشيالي الخاصة بفرص الحماية على أثيوبيا (183).

وكما توقعت فرنسا وروسيا ثار الامبارطور وأرسل رسالتين إلى ملك ايطاليا يحتج في الأولى على الاهانة التي أنزلها به الايطاليون بهذه الترجمة الخاطئة للمادة 17 في معاهدة أوتشيالي وطلب منه بأن يأمر بتصحيح ذلك واعلان هذا الخطأ للدولة الصديقة التي بلغتها هذه المادة. وطلب في الثانية تخطيط الحدود بين أريتريا وتيجري بصورة تدخل الأراضي الواقعة شرقي نهر المأرب في نطاق أثيوبيا. وبالرغم من تحول منليك هذا عن صداقته للايطاليين، فانهم حاولو الحفاظ على صداقته معهم لما في ذلك من تقوية مركز مندوبيها في المؤتمرات الدولية عندما يكون لديهم معاهدة معترف فيها من امبراطور أثيوبيا بحماية ايطاليا لبلاده، وهذا كان يرفعها إلى مصاف الدول الكبرى مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا التي لها مستعمرات ومناطق نفوذ. كما أن وجود مستعمرات تابعة لها يحل مشكلاتها الداخلية التي كانت تهددها بأوخم العواقب (184). وبذلك نستطيع أن نقول بأن فرنسا قد نجحت في زعزعة سلطة ونفوذ ايطاليا في أثيوبيا ، وأبان ذلك كانت حكومة كريسبي قد سقطت وخلفتها حكومة دي روديني والتي كانت سياستها عدم الاهتمام بالمسائل الأفريقية (185). واستمرت فرنسا في تحريض منليك على تهديد حقوق مصر في السودان وأعالي النيل، وبالتالي تهديد الوجود الانجليزي في مصر، وذلك في اطار دفعه إلى أن يعيد حدود أثيوبيا القديمة (186).

وبالفعل، انتهز منليك فرصة تخلي ايطاليا عن أطماعها في شرق أفريقيا، وأرسل منشورا في 10 أبريل سنة 1891 إلى الحكومات الأوروبية، وحدد فيه حدوده الغربية بضم القضارف وكركوج على النيل الأزرق، ومن كركوج يمتد خط حدوده إلى ملتقى نهر السوباط بالنيل الأبيض، ومن هناك يسير خط الحدود موازيا للسوباط متضمنا أقاليم أريولا جالا حتى بحيرة سيموري. وذكر بأنه سيحاول أن يعيد الحدود القديمة لأثيوبيا حتى تصل إلى الخرطوم وبحيرة نيانزا، ودعام نليك القوى الأوروبية إلى أن تعيد إليه حدوده الساحلية أو بعبارة أخرى طرد ايطاليا من أريتريا، وفي نفس الوقت حذرهم من الاعتداء على بلاده (187). وكان معنى صدور هذا المنشور أن منليك قد أنهى من جانبه مبدأ الصداقة والتحالف مع ايطاليا (188). وقد تصاعدت الأحداث بين أثيوبيا وايطاليا واتسعت حدة الخلاف بينهما إلى حد أن منليك أرسل إلى جميع الدول الأوروبية منشورا في 27 فبراير سنة 1893 يلغي فيه معاهدة أوتشيالي المعقودة بينه وبين ايطاليا في 2 مايو سنة 1889 (189).

وبذلك خسرت ايطاليا نفوذها في أثيوبيا بفضل النشاط الفرنسي فيها، وأدى ذلك أيضا إلى فشل السياسة البريطانية في الاعتماد على ايطاليا ضد فرنسا واحتمال تسلل الأخيرة إلى السودان وأعالي النيل. وكان هذا مما دفع ايطاليا إلى أن توجه نشاطها التوسعي إلى شرق السودان (190). وهكذا نستطيع أن نقول أن السياسة الانجليزية التي اتبعتها، في الاعتماد على ايطاليا في الحفاظ على مصالح بريطانيا ومصر ، قد فشلت بل وأدت إلى تهديدها في شرق السودان على يد ايطاليا، وفرنسا في أعالي النيل والسودان. وقد استطاعت بريطانيا أن تضمن مصالحها في شرق السودان بأن أبعدت ايطاليا عن وادي النيل وذلك بأن عقدت معها اتفاقا في 5 مايو سنة 1894 (191) راعت فيه أن تكون منطقة نفوذ ايطاليا (هرر وأريتريا وأثيوبيا والصومال الايطالي) بعيدة عن وادي النيل بعض الشئ، كما تكون سدا مانعا للنفوذ الفرنسي الذي قد يتوغل من المستعمرة الفرنسية أوبوك مخترقا هرر فأثيوبيا في أعالي النيل والسودان، حيث يهدد بالتالي الوجود الإنجليزي في مصر اذا سيطرت على مناطق أعالي النيل هذه (192). أو بعبارة أخرى فان انجلترا ظلت تؤيد وتدعم ايطاليا ضد فرنسا وأطماعها ومشاريعها في هذه المنطقة (193)، وفي نفس الوقت حافظت على مصالحها ايضا معها، لأنها لم تجد بديلات غير ذلك فهي لا تستطيع أن تعادي ايطاليا خوفا من ارتمائها في أحضان فرنسا فتهدد مصالحها في أفريقيا ومستعمراتها في الشرق وفي التحالف الثلاثي في أوروبا. كما أنها لم تتصل بمنليك في هذه الفترة ربما لعدم امكانية الاتصال به أو اعتمادها على ايطاليا في ذلك، وربما اعتقدت أن هذا تعدي على اختصاص حليفتها ايطاليا، وهذا يتضح من رسالتها إلى منليك ردا على رسالته التي يخبرها فيها بتولي العرش، وكان أن أدى ذلك إلى ازدياد نفوذ فرنسا في اثيوبيا وتهديد مصالح مصر وبريطانيا في السودان وأعالي النيل وذلك لارتباط سياسة بريطانيا بايطاليا (194). حيث كانت بريطانيا تدرك من وراء الاتفاقيات مع ايطاليا أنه يجب على مصر دائما في سبيل الدفاع عن نفسها أن تكون في مركز تسيطر فيه على أثيوبيا سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة (195).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلغاء معاهدة أوتشيالي، والعلاقات غير المباشرة بين مصر وإثيوبيا

انتهزت فرنسا إلغاء منليك لمعاهدة أوتشيالي في فبراير سنة 1893 فبدأت تنفذ ما كانت تهدف إليه وهو الوصول إلى أعالي النيل والسودان وضم إقليم بحر الغزال إلى أملاكها في غرب أفريقيا معتبرة في ذلك أن هذه المناطق قد أصبحت مشاعا لأي دولة تسارع وتستولي عليها منذ أن احتلها مصر. وكانت فرنسا تبغي تهديد الاحتلال البريطاني في مصر عن طريق تهديده بقطع مياه نهر النيل بعد أن تسيطر على منابعه إلى جانب مزايا عديدة أهمها سبق البلجيكيين في الوصول إلى النيل الأعلى الذي كانوا يطمعون في امتلاكه (196). بالاضافة إلى أن هذا يحقق مشروعها الاستعماري التوسعي وهو الذي عرف بمشروع (من البحر الأحمر إ لى ساحل المحيط الأطلسي) أي عمل حزام من المناطق التي تحتلها فرنسا بعرض القارة الأفريقية من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، وكانت فرنسا تمتلك سواحل خليج تاجورة المطل على خليج عدن (مستعمرة الصومال الفرنسي) كما كانت تمتلك مناطق واسعة في أفريقيا الغربية. ولذلك بدأت منذ بداية الثمانينيات من القرن التاسع عشر وانطلاقا من معارضتها للاحتلال البريطاني لمصر في التخطيط لهذا المشروع حتى تستطيع تنفيذه وبالتالي تهديد بريطانيا في مصر، ولهذا السبب شجعت الحكومة البريطانية ايطاليا على النزول في مصوع سنة 1885 وساندتها على توسيع مستعمرتها اريتريا، بهدف الحد من التوسع الفرنسي ومنع اتصال فرنسا بحوض نهر النيل. هذا في الوقت الذي كانت بريطانيا فيه تفكر في ربط مستعمراتها الأفريقية طوليا أي من القاهرة شمالا إلى الكاب جنوبا، ثم بدأت في بداية العقد التاسع من القرن الماشي تعمل بكل جهدها على تحقيق مشروعها الاستعماري هذا. لذلك فقد عملت على دعم حكمها في مصر في هذا الفترة وابعاد فرنسا عن أعالي النيل وتشجيع إيطاليا على وضع الحماية على أثيوبيا وتوسيع مستعمرتها حتى تمنع فرنسا من تحقيق مشروعها الاستعماري (197).

ولقد بدأت فرنسا محاولاتها في تنفيذ الجزء الأول من مشروعها هذا بنشر نفوذها في أثيوبيا على أنقاض النفوذ الايطالي ، ثم دفع منليك إلى إصدار منشوره السابق الذي يمد حدوده إلى الخرطوم ويكلف مستشاره المهندس السويسري إيلج ذا الميول الفرنسية، بدراسة مشروع مد خط حديدي من جيبوتي إلى أديس أبابا والنيل الابيض مارا بمناطق هرر وأنطوطو وكافا، واستعان إيلج بصديقه شفنو التاجر الفرنسي في الحصول على وعد من الشركات الفرنسية بتمويل هذا المشروع. وبالفعل في 9 مارس سنة 1894 منح منليك شركة فرنسية امتياز مد الخط الحديدي من جيبوتي إلى هرر وادارته لمدة 99 عاما (198)، في الوقت الذي كانت فرنسا تعمل فيه من جهة الغرب في مستعمراتها الأفريقية لارسال حملة فرنسية بقيادة مونتي إلى أعالي النيل وكانت الحكومة الفرنسية قد قررت في مايو سنة 1893 أن تبدأ حملة مونتي خط سيرها من الأوبانجي العليا في الكونغو الفرنسي، ثم يتجه شرقا حتى يصل إلى فاشوده التي تسيطر على مجرى نهر النيل الأعلى وعلى ملتقى رافديه بحر الغزال ونهر السوباط (199).

وبالرغم من تحذير بريطانيا لفرنسيا من أن تؤدي هذه الحملة إلى صدام مسلح بين البلدين فان فرنسا استمرت في الاستعداد لهذه الحملة. على أن فرنسا أجلت ارسال هذه الحملة مؤقتا بسبب رغبتها في نجاح المفاوضات التي جرت بينها وبين انجلترا بهدف الوصول إلى اتفاق ودي، على أن هذه المفاوضات فشلت بسبب تمسك كل من الطرفين بموقفه. ففرنسا تريد الوصول إلى حوض النيل وبريطانيا تعارض ذلك. وقد أدى فشل هذه المفاوضات والشائعة التي راجت وقتها بأن بريطانيا قد تزحف على النيل من الجنوب من أوغندا التي كانت تحت الحماية البريطانية إلى أن عينت الحكومة الفرنسية ليونار في سبتمبر سنة 1894 مندوبا ساميا للأوبانجي العليا، وانعقد الأمل على أن يصل إلى النيل قبل وصول البريطانيين حتى يمكنها أن تحتل موقعا استراتيجيا في أعالي النيل تستطيع فرنسا به الضغط على بريطانيا لارغامها على الجلاء عن مصر (200)ز

وقد أثارت مشروعات فرنسا هذه ثائرة بريطانيا التي أعلنت أن وادي النيل كله يخضع لنفوذ انجلترا ومصر وأن حكومة فرنسا لا يمكنها أن تتجاهل هذه الحقوق بأي حال، وأن عملها هذا تعتبره بريطانيا اجراء عدائيا. وعلى ذلك فقد بدأت الحكومة البريطانية تعمل من أجل السيطرة على وادي النيل من أوغندا إلى فاشودة، وسألت معتمدها في مصر عما اذا كانت الحكومة المصرية قلقة بسبب تقدم الفرنسيين نحو النيل. وقد أكد كرومر أن حكومة مصر وشعبها بأسره يرغب في استرداد السودان خصوصا الخرطوم، وأنه نتيجة لمعارضته بسبب عدم تحمل ميزانية تكاليف حملة الاسترداد، يحجم الوزراء المصريين على الافصاح عن رغبتهم في استرداد السودان. على أن تهديد الفرنسيين في أعالي النيل قد خلق موقفا مغايرا اعترف به كرومر، وأكد أن الاحتلال البريطاني قد استقر في مصر وصار واجبا على بريطانيا الدفاع عن مصالح مصر الحيوية، وأن أي دولة متحضرة في أعالي النيل يمكنها التحكم في هذه المصالح لذلك فانه يجب على بريطانيا أن تقوم بعمل ايجابي ازاء هذه المسألة. وبذلك توقف الأمر عند معرفة متى وكيف يكون قرار العمل الايجابي تجاه السودان، وأن الوقت قد حان لانزال ضربة ساحقة بالمهديين واسترداد السودان. ووضع حد لصراع الدول الأوروبية وأثيوبيا على وادي النيل من منبعه حتى حدود مصر (201).

وقد تضافرت عوامل في الفترة التالية ساعدت الحكومة البريطانية على أن تحدد الوقت الذي ستقرر فيه متى وكيف تتحرك لاسترداد السودان، ذلك أن فرنسا قررت ارسال حملة بقيادة مارشان تمد بها نفوذها إلى نهر النيل، وأصدرت اليه الأوامر بأن يتجه إلى نهر النيل ويرفع العلم الفرنسي على فاشودة (202). كما أن نجاح منليك في هزيمة الايطاليين في موقعة عدوة كان أحد العوامل الهامة التي دفعت بريطانيا إلى العمل والتحرك من أجل استرداد السودان (203). وكانت ايطاليا قد انتهزت فرصة التنافس البريطاني الفرنسي وتوغلت داخل أثيوبيا بهدف اخضاعها لنفوذها (204)، على أن منليك استطاع أن يهزم الايطاليين في أمبالاجي في 7 ديسمبر سنة 1895 ثم في عدوة في أول مارس سنة 1896 ، وكانت الهزيمة الأخيرة قاسية أصابت النفوذ الايطالي في شرق أفريقيا بضربة قاصمة (205).

وكان وراء انتصار الاثيوبيين هذا الفرنسيون والروس الذين أمدوهم بالسلاح عبر هرر، بعد أن وجدوا في تقوية جيش منليك فرصة طيبة لتحقيق أغراضهم في هذه المنطقة، في الوقت الذي حرم فيه الانجليز والألمان بيع الأسلحة للاثيوبيين (206). كما أمدته روسيا بالسلاح والمستشارين الحربيين مثل الكابتن ليونتيف، وقد بدأ الأخير بمجرد وصوله إلى أثيوبيا بتعليم وتدريب الرؤوس الأثيوبيين على الاساليب الحربية الروسية التي استخدمت ضد نابليون الأول ويشير عليهم باستخدامها ضد الايطاليين، كما اشترك هذا الروسي مع زملائه الفرنسيين في تدريب قوات منليك على استخدام البنادق والمدافع الجبلية استعدادا لمواجهة الايطاليين (207). وعلى ذلك فقد أخذ منليك يستعد سرا لمواجهة الايطاليين منذ أن ألغى معاهدة أوتشيالي سنة 1893، فبدأ في مد الطرق وتعبيدها من شوا إلى شمال أثيوبيا بناء على مشورة مستشاره السويسري إيلج، وبنى مخازن الأسلحة في المراكز الحربية القوية ومدها بالأسلحة الوفيرة التي كانت تمده فرنسا بها (208).

وكانت هزيمة الايطاليين وما تعنيه لبريطانيا من انهيار سياستها التي كانت تعتمد على وجود ايطاليا قوية مدعمة ضد الأطماع الفرنسية، وزيادة النفوذ الفرنسي زيادة كبيرة في أثيوبيا، لدرجة أننا نستطيع القول أن فرنسا هزمت ايطاليا والسياسة الانجليزية في أثيوبيا، واصبح خطرها هائلا على السودان وعلى وجود بريطانيا في مصر. لذلك فقد كانت هزيمة ايطاليا على يد منليك عاملا هاما في بدء العد التنازلي لأن تسترجع مصر السودان، وساعد على ذلك السياسة التي اتبعها منليك في التقرب إلى المهديين في السودان بهدف اثارة المتاعب في وجه الايطاليين وما قد يترتب على تطور هذا السياسة في تدعيم قوة المهديين (209). مما قد يؤدي إلى امتداد نفوذ فرنسا وما قد يترتب عليه من سقوط السودان في دائرة النفوذ الفرنسي (210).

وكان منليك قد اتبع سياسة سلمية مع المهديين بعكس سلفه يوحنا الرابع، وقد تمت هذه السياسة ووصلت إلى حد المفاوضات بين البلدين لتدعيم العلاقات السلمية بينهما (211). ثم بدأ منليك يحرض المهديين ضد الايطاليين، وكان الأولون يتحرقون شوقا للانتقام من الآخيرين لهزيمتهم السابقة في أجوردات وكسلا. ولذلك رحب التعايشي بما عرضه عليه منليك، وقيل انه نتيجة لهذا التقارب بين أثيوبيا والسودان أن هناك اتفاقا على اليام بعمل مشترك بينهما ضد الايطاليين، ومع أنه من المتعذر اثبات ذلك فانه من الثابت أن هناك اتفاقا تاما بينهما على ضرورة تبادل المساعدة ضد القوى المعتدية الأوروبية (212).

ولقد اثار هذا التقارب بين السودان وأثيوبيا ، الشائعات التي صاحبته بأن هناك عملا مشتركا ضد الايطاليين والحكومة البريطانية، فأرسلت الأخيرة الى معتمدها في مصر تسأله عما اذا كان يمكن القيام بمظاهرة عسكرية في وادي حلفا لكي يحول أنظار المهديين عن كسلا حيث ذكرت الشائعات أن منليك والتعايشي سيهجمون معا عليها. على أن كرومر رفض القيام بذلك وذكر أنه من الصعب اقناع حكومة مصر بأن تتحمل نفقات عملية حربية لمساعدة ايطاليا فقط ولا تعود بأي فائدة على مصر. وأشار بأنه لابد من القيام بعمل حربي وذلك بالزحف على حلفا إلى سوارده أو دنقله، أو بالزحف على سواكن إلى العطبرة. على أن سلوسبوري رأى التريث حتى يظهر ما يدل على أن المهديين بدأوا بالفعل يزحفون على كسلا (213)، كما لم يهتم كثيرا بنداءات الايطاليين في أنهم سيخلون هذه المدينة، معللا ذلك بأنه لن يجني شيئا في الوقت الحاضر من احتلال كسلا وأنه وقت أن تصبح سيطرة مصر وبريطانيا محققة في السودان فان مشكلة كسلا يمكن حلها بسهولة، وإلى أن يحدث هذا تبقى هذه المدينة قليلة الأهمية (214). على أن هزيمة ايطاليا في عدوه في أول مارس سنة 1896 ووصول المهديين ومحاصرتهم كسلا وبدء المفاوضات الحربية بينهم وبين الحامية الايطالية في قلعة المدينة وخطورة هذا الموقف ، كل ذلك كان سببا في أن يسرع السفير الايطالي في لندن ويطلب من رئيس الوزراء البريطاني أن يأذن للجيش المصري بالقيام بعمليات حربية لتخفيف الضغط على الحامية الايطالية في كسلا. وزاء هذه التطورات الخطيرة التي حدثت في هذه المنطقة ونتج عنها تهديد مصالح مصر وبريطانيا في وادي النيل أسرعت حكومة بريطانيا وأرسلت برقية إلى كرومر بأن من مصالح مصر أن تحتل دنقلة وتتحمل نفقات العمليات الحربية المؤدية لذلك، وان هذا الاحتلال من شأنه أن يقضي على كل فكرة في مهاجمة مصر قد يشجع على وجودها لدى الداويش انتصار الأثيوبيين الأخير في عدوه، وعندما يتم احتلال دنقلة يحتفظ بها وليس هناك ما يدعو إلى اخلائها (215).

ويتضح من هذه البرقية مدى خطورة انتصار أثيوبيا المدعمة من فرنسا وروسيا على السياسة البريطانية وعلى مصالح مصر في السودان (216). ويؤكد ذلك البقية التي أرسلها سولسبوري في اليوم التالي لبرقيته السابقة يعلل سبب اتخاذه قرار الزحف واحتلال دنقلة بأنه الرغبة في مساعدة الايطاليين في كسلا ومنع المهديين من احراز انتصار قد تكون له آثار بعيدة المدى، والى جانب هذا أردنا أن نرمي عصفورين بحجر واحد وأن نستخدم الجهد الحربي نفسه لتأسيس سلطان الحكومة المصرية إلى مسافة أبعد على النيل، ولهذا قد فضلت حكومة بريطانيا هذا العمل بدلا من اقتراح كرومر بالزحف من سواكن لأن هذا الاقتراح ما كان ليمكن حينئذ من جني فوائد أخرى من هذه التحركات. وهكذا يتضح أن الهزيمة الايطالية وما تمثله قد أمدت الحكومة البريطانية بالفرصة المناسبة لبدء غزو السودان واسترداده (217)، أي أن ما قام به منليك من أنزال هزيمة منكرة بالايطاليين أجبر بريطانيا على تنفيذ ما كانت ترغبه مصر من عودة السودان إليها.


وهكذا فقد كان لكل هذه العوامل السابقة معا أن ساعدت حكومة بريطانيا على أن تحدد الوقت والأسلوب لاسترداد السودان وتأمين أعالي النيل لمصالحها ولأمن وسيادة مصر من خطر التقدم الفرنسي من الغرب والخطر الأثيوبي الفرنسي من الشرق، لذلك تقرر ارسال حملة لفتح دنقلة. وقد صدر قرار هذه الحملة بعد أيام قليلة من اصدار التعليمات النهائية لكل من ليونار ومارشان (218) وقد وافقت مصر على ارسال حملة لاحتلال دنقلة (219)، وتم فعلا استرداد دنقلة في سبتمبر سنة 1896 (220)، وباستردادها تأكدت ضرورة الاستمرار في الزحف للوصول إلى الخرطوم وذلك لعدة أسببا منتها النفقات القليلة التي تكلفتها الحملة ازاء الانتصارات الباهرة التي أحرزتها بسهولة وفي زمن قصير، كذلك أثبتت أنه من الممكن تحطيم قوة المهديين. وساد الاعتقاد بأن الجيش الزاحف لن يلقى مقاومة جدية من المهديين، ولأن الخوف من أن نيصل الفرنسيون إلى بحر الغزال وأقاليم النيل العليا كان لا يزال شديدا بل أخذ يتزايد منذ أن صار يخشى من وصولهم وبعثتهم برياسة الكابتن مارشان إلى أعالي النيل، لهذه الأسباب جميعهها كان لابد من استمرار الزحف لاستكمال استرداد السودان، ولذلك قررت بريطانيا من باب الاحتياط من ناحية أثيوبيا أن تنشأ معها علاقات طيبة لضمان وقوفها على الحياد – على الاقل – عند استنئاف الحرب الفاصلة للقضاء على المهديين ، فأوفدت بعثة إلى أثيوبيا برياسة سير رنل رود أحد رجال الوكالة البريطانية في القاهرة وأحد مساعدي كرومر (221).

الهامش

للاستزادة

  • Sven Rubenson, "Chapter V: Trials of Strength with Egypt and Italy" in The Survival of Ethiopian Independence (Hollywood: Tsehai, 2003).
  • Carlo Giglio, "Article 17 of the Treaty of Uccialli" in Journal of African History VI,2 (1965) pp 221-235 - Cambridge University Press

قالب:Italy-hist-stub قالب:Ethiopia-hist-stub