مسلم بن قريش

شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن قريش العقيلي (توفي في يونيو 1085) كان من كبار العقيليين أمير الموصل وحلب قضى على بنى مرداس. في عهده بلغت الدولة العقيلية أوج سلطانها. حالف الفاطميين ضد السلاجقة. فقتله سليمان بن قتلمش عام 1085. خلفه أخوه إبراهيم الذي قضى عليه أمير دمشق السلجوقي تتش بن ألب أرسلان في معركة خارج الموصل في أبريل 1093. فانقرضت بموته سلالة العقيليين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إستيلاء مسلم بن قريش على حلب

وفي سنة اثنتيـن وسبعيـن سـار شـرف الدولـة مسلـم بن قريش صاحب الموصل إلى مدينة حلب فحاصرها ثم أفرج عنها فحاصرها تتش بن ألبارسلان وقد كان ملك الشام سنة إحـدى وسبعيـن قبلهـا فأقـام عليهـا أيامـا‏.‏ ثـم أفرج عنها وملك بزاغة والبيرة وبعث أهل حلب إلى مسلم بـن قريـش بـأن يمكنـوه مـن بلدهـم ورئيسهـا يومئـذ ابن الحسين العباسي فلما قرب منهم امتنعوا من ذلك فترصد لهـم بعـض التركمـان وهـو صاحـب حصـن بنواحيهـا‏.‏ وأقـام كذلـك أيامـا حتـى صادف ابن الحسين يتصيد في ضيعته فأسره وبعث به إلى مسلم بن قريش فأطلقه على أن يسلمـوا لـه البلـد فلمـا عـاد إلـى البلـد تـم لـه ذلـك وسلم له البلد فدخله سنة ثلاث وسبعين وحصر القلعة وإستنزل منها سابغًا ووثابًا ابني محمد بن مرداس وبعث إبنه إبراهيم وهو ابن عمة السلطان إلى السلطان يخبره بملك حلب وسأل أن يقدر عليه ضمانه فأجابه السلطان إلى ذلك وأقطع ابنه محمدأ مدينـة بالـس‏.‏ ثـم سـار مسلـم إلـى حـران وأخذهـا مـن بنـي وثـاب النميرييـن وأطاعـه صاحب الرها ونقش السكة باسمه‏.‏


حصار مسلم بن قريش دمشق وعصيان أهل حران عليه

وفي سنة ست وسبعين سار شرف الدولة إلى دمشق فحاصرها وصاحبها نتش فخرج فـي عسكـره وهـزم مسلـم بن قريش فارتحل عنها راجعًا إلى بلاده‏.‏ وقد كان إستمد أهل مصر فلـم يمـدوه‏.‏ وبلغـه الخبـر بـأن أهـل حران نقضوا الطاعة وأن ابن عطية وقاضيها ابن حلية عازمان علـى تسليـم البلـد للتـرك فبـادر إلى حران وصالح في طريقه ابن ملاعب صاحب حمص وأعطاه سليمة ورفسة وحاصر حران وخرب أسوارها واقتحمها عنوة وقتل القاضي وابنه‏.‏ كـان فخر الدولة أبو نصر محمد بن أحمد بن جهير من أهل الموصل واتصل بخدمة بني المقلد‏.‏ ثـم استوحش من قريش بن بدران واستجار ببعض رؤساء بني عقيل فأجاروه منه‏.‏ ومضي إلـى حلـب فاستـوزره معـز الدولـة أبـو ثمـال بـن صالح‏.‏ ثم فارقه إلى نصير الدولة بن مروان بديار بكر فاستوزره‏.‏ ولما عزل القائم وزيره أبا الفتح محمد بن منصور بن دارس إستدعاه للوزارة فتحيـل فـي المسيـر إلـى بغـداد وإتبعـه ابـن مـروان فلـم يدركـه‏.‏ ولمـا وصل إلى بغداد إستوزره القائم سنة أربع وخمسين وطغرلبك يومئذ هو السلطان المستبد على الخلفاء‏.‏ وإستمرت وزارتـه وتخللهـا العـزل في بعض المرات إلى أن مات القائم وولي المقتدي وصارت السلطنة إلى ملك شاه فعزله المقتدي سنة إحدى وسبعين بشكوى نظام الملك إلى الخليفة به وسؤاله عزله فعزله‏.‏ وسـار ابنـه عميـد الدولـة إلـى نظـام الملـك بأصفهان واستصلحه وشفع فيه إلى المقتدي فأعاد ابنه عميـد الدولـة‏.‏ ثـم عزله سنة ست وسبعين فبعث السلطان ملك شاه ونظام الملك إلى المقتدي بتخلية سبيل بني جهير إليه فوفدوا عليه بأصفهان ولقوا منه مبرة وتكرمة‏.‏ وعقد السلطان ملك شاه لفخر الدولة على ديار بكـر وبعـث معـه العساكـر وأمـره أن يأخـذ البلاد من ابن مروان وأن يخطب لنفسه بعد السلطان وينقش إسمه على السكة كذلك فسار لذلـك وتوسـط ديـار بكـر‏.‏ ثم أردفه السلطان سنة سبع وسبعين بالعساكر مع الأمير أرتق جد الملوك بماردين لهذا العهد وكان ابن مروان عندما أحس بمسير العساكر إليه بعث إلى شرف الدولة مسلم بن قريش يستنجده على أن يعطيه آمد من أعماله فجاء إلى آمد وفخر الدولة بنواحيها وقد أرتاب من إجتماع العرب على نصرة بن مروان ففتر عزمه عن لقائهم‏.‏ وسارت عساكر الترك الذين معه فصبحوا العرب في أحيائهم فانهزموا وغنموا أموالهم ومواشيهم ونجا شرف الدولة إلى آمد وحاصره فخر الدولة فيمن معه من العساكر‏.‏ وبعـث مسلـم بـن قريـش إلـى الأميـر أرتـق يغضـي عنـه فـي الخـروج مـن آمـد علـى مـال بذلـه لـه فأغضى لـه وخرج إلى الرقة وسار أحمد بن جهير إلى ميافارقين بلد إبن مروان لحصارها ففارقه بهاء الدولـة منصـور بـن مزيـد وإبنـه سيـف الدولـة صدقة إلى العراق وسار إبن جهير إلي خلاط وكان السلطـان ملـك شـاه لما بلغه إنحصار مسلم بن قريش بآمد بعث عميد الدولة أقسنقر جد الملك العادل محمود في عساكر الترك ولقيهم الأمير أرتق في طريقهم سائرأ إلى العراق فعاد معهم وجـاؤوا إلـى الموصـل فملكوهـا‏.‏ وسـار السلطـان فـي عساكـره إلـى بلاد مسلم بن قريش وإنتهى إلى البواريح وقد خلص مسلم بن قريش من الحصار بآمد ووصل إلى الرحبة وقد ملكت عليه الموصل وذهبت أمواله فراسل مؤيد الملك بن نظام الملك فتوسل به فتقبل وسيلته وأذن له في الوصـول إلـى السلطـان بعـد أن أعطاه من العهد ما رضي به‏.‏ وسار مسلم بن قريش من الرحبة فأحضره مؤيد الملك عند السلطان وقدم هدية فاخرة من الخيل وغيرها ومن جملتها فرسـه الذي نجا عليه وكان لا يجارى فوقع من السلطان موقعًا وصالحه وأقره على بلاده فرجع إلى الموصل وعاد السلطان إلى ما كان بسبيله‏.‏

مقتل مسلم بن قريش وولاية إبنه إبراهيم

قد قدمنا ذكر قطلمش قريب السلطان طغرلبك وكان سار إلى بلاد الروم فملكها واستولى على قونية واقصراي ومات فملك مكانه ابنه سليمان وسار إلى إنطاكية سنة سبع وسبعين وأربعمائة وأخذها من يد الروم كما نذكر في أخباره‏.‏ وكان لشرف الدولة مسلم بن قريش بأنطاكيه جزية يؤديها إليه صاحبا القردروس من زعماء الروم فلما ملكها سليمان بن قطلمش بعث إليه يطالبه بتلك الجزية ويخوفه معصية السلطان فأجابه بأني على طاعة السلطان وأمري فيها غير خفي وأما الجزية فكانت مضروبة على قوم كفار يعطونها عن رؤوسهم وقد أدال الله منهم بالمسلمين ولا جزية عليهم فسار شرف الدولة ونهب جهات إنطاكيـة‏.‏ وسـار سليمـان فنهب جهات حلب وشكت عليه الرعايا فرد عليهم‏.‏ ثم جمع شرف الدولة جمـوع العـرب وجموع التركمان مع أميرهم جق وسار إلى إنطاكية فسار سليمان للقائـه وإلتقيـا فـي أعمـال ولما إلتقوا مال الأمير جق بمن معه من التركمان إلى سليمان فاختل مصاف مسلم بن قريش وإنهزمـت العـرب عنـه وثبـت فقتل في أربعمائة من أصحابه وكان ملكه قد إتسع من نهر عيسى وجميع ما كان لأبيه وعمه قرواش من البلاد‏.‏ وكانت أعماله في غاية الخصب والأمن وكان حسـن السياسـة كثيـر العـدل‏.‏ ولما قتل مسلم إجتمع بنو عقيل وأخرجوا أخاه إبراهيم من محبسه بعـد أن مكـث فيـه سنيـن مقيـدًا حتـى أفسـد القيـد مشيته فأطلقوه وولوه على أنفسهم مكان أخيه مسلـم‏.‏ ولمـا قتـل مسلم سار سليمان بن قطلمش إلى إنطاكية وحاصرها شهرين فامتنعت عليه ورجع‏.‏ وفي سنة تسـع وسبعيـن بعدهـا بعـث عميـد العـراق عسكـرا إلـى الأنبـار فملكهـا مـن يـد بنـي عقيل‏.‏ وفيها أقطع السلطان ملك شاه مدينة الرحبة وأعمالها وحران وسروج والرقة والخابور لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وزوجه بأخته خاتون زليخه فتسلم جميع هذه البلاد وإمتنع محمد بن المشاطر من تسليم حران فأكرهه السلطان على تسليمها‏.‏

المصدر

  • تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»

المراجع