مسجد النخيلة

مسجد النخيلة في بر ملاحة قرب حلة بني مزيد. وبالحلة قبر بارخ أمستاذ حزقيل، وقبر بوسف الريان، وقبر يوشع (ليس ابن نون)، وقبر عزرة (وليس ناقل التوراة) وقبر حزقيل المعروف بذي الكفل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مرقد ذي الكفل

وإزاء هذا الاختلاف في الروايات لا يمكننا الجزم بحقيقة هذه الشخصية، هذا فضلاً عن الجزم بأن هذا المدفون في قرية الكفل هو ذات الشخصية التي تتحدث عنها الروايات المتقدمة، فقد يكون من تشابه الأسماء أو الكنى أو الألقاب وهو ليس بعزيز.


تاريخ المرقد

لعل أولى الإشارات التاريخية إلى هذا القبر ما رواه نصر بن مزاحم المنقري في كتابه صفين قال: (ومرت جنازة على علي أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو في النخيلة فقال(عليه السلام): ما يقول الناس في هذا القبر وفي النخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله فقال الحسن بن علي(عليه السلام): يقولون هذا قبر هود النبي(عليه السلام) لما أن عصاه قومه جاء فمات هنا، قال(عليه السلام): كذبوا لأنا أعلم به منهم، هذا قبر يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بكر يعقوب..)(9).

ولا نعلم على وجد التحديد تأريخ بناء المرقد لكنه كان موجوداً في أيام المغول حيث أشارت بعض المصادر التاريخية إلى أن السيد تاج الدين الآوي كان (يقيم في قرية بر ملاحة (الكفل) وكان في أول أمره واعظاً في قريته واعتقد فيه السلطان خدابندا، وولاه نقابة نقباء الممالك بأسرها.. ثم أن تاج الدين نصب في صحن مشهد ذي الكفل منبراً وأقام فيه الجمعة والجماعة..)(10).

ويبدو أن مشهد ذي الكفل منذ بنائه وتشييده كانت التولية بيد المسلمين بل هم الذين قاموا ببنائه وإنشائه.

ويتحدث الشيخ حرز الدين عن مشاهداته للمرقد فيقول: (مرقده في بر ملاحة.. له حرم وأروقة سميكة البناء مرتفعة الدعائم، قديمة الإنشاء تظلل قبره قبة قديمة مخروطة الشكل، وكان رسم قبره شباكاً من الصفر الأصفر، والى جنبه حجرة مظلمة يزعمون أنها مقام الخضر(11).

أما اليوم فان الشباك لا وجود له ويوجد بدلاً عنه صندوق من خشب الصاج العادي مغطى بقطعة من القماش، وتعلو المرقد قبة عالية الارتفاع قد نقشت بالأزهار والورود لكن قد علاها الغبار حتى أصبحت تلكم النقوش صدأة فلم يعد تتميز الألوان فيها بشكل واضح.

يشكل مرقد ذي الكفل الضلع الشرقي للبناء، أما الأضلاع الثلاث الآخر فهي عبارة عن غرف قديمة البناء لا يستطيع الشخص الدخول إليها من أبوابها إلاّ بانحناءة بسيطة.

ويتوسط هذا المشهد ساحة واسعة تشمل على حديقة بسيطة وممرات، واليوم يقصد بعض أهالي الكفل هذا المشهد للصلاة فيه.


مسجد النخيلة

لم يبق لمسجد النخيلة اليوم من بناء تام فهو عبارة عن أطلال وآثار، فجدرانه الأربعة مهدمة مهجورة وباحته متروكة للنفايات، وبئره مردوم، فلم يبق منه شيء يستحق الذكر سوى هذه المئذنة الشاهقة الارتفاع الدالة على المسجد المنكوب.

ويحدثنا الشيخ حرز الدين عن مشاهداته للمسجد فيقول (وفي مسجد النخيلة محراب ـ مقام أدركناه ورأينا رسمه في العهد العثماني، المشهور انه الموضع الذي صلى فيه الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام) عند خروجه إلى صفين، وخرج إليها عندما بلغه قتل عامله على الأنبار، وعند خروجه إلى حرب الخوارج في (النهروان) ماراً ببلد الحلة.

والمعروف عند مشايخنا والمعمرين انه كان في المسجد منبر كبير عال من الصخر، وقد حفر اليهود إلى جنبه حفيرة واردوه فيها وسووا عليه التراب، ولا يزال موجوداً تحت الأرض وفي شرقي المسجد منارة قديمة فخمة البناء كانت قائمة في سنة 1310هـ نقش عليها كتيبة كوفية بخط عريض من الحجارة مستديرة على طول المنارة، الموجود منها في جانب الشرقي الشمالي (أحمد. محمد. علي.حسن. حسين) وعليها كتيبة أخرى مستديرة في رأس ثلثي المنارة بخط عربي في سطرين بينهما خط يطوق المنارة، وفي بعض جدران المسجد الشمالية تأريخ بنائه القائم ومن بناه، والموجود من اليوم هذا: (بنى هذا البرج المشيد أبو الفرج المنصور.. وقد أقام اليهود جداراً إلى جانب الكتيبة هذه في المسجد وضيعوها بين جدارين، والظاهر لا تزال الكتيبة موجودة لمن نقب عنها..)(12).

ويبدو من بعض المصادر التاريخية أن اليهود استطاعوا بمكرهم وخداعهم أن يضعوا أيديهم على مسجد النخيلة وان يبنوا (فيه مخازن وبيوتاً وغرفاً يأوي إليها الزائرون منهم في عيد رأس السنة وعيد الكفارة وغيرها من المواسم)(13).

كان هذا التصرف في المسجد من قبل اليهود مثاراً لغيرة المسلمين فكانت قصة منارة الكفل، التي أصبحت في ما بعد من المثل السائر بين الناس يستخدمونه للدلالة على التعجب ممن ينكر أمراً بيّناً واضحاً ويقولون كمنكر (منارة الكفل).

قصة منارة الكفل

ومنارة مسجد النخيلة ـ منارة الكفل ـ تحمل في طياتها عدة دلالات جديرة بالتأمل والاعتبار، أما تأريخ هذه القصة فهو في عهد السلطان العثماني عبد الحميد وفي سنة 1305هـ تحديداً.

ومنشأ الصراع اليهودي الإسلامي في مدينة الكفل يرجع إلى أن اليهود ـ يهود العراق ـ استطاعوا أن يشتروا أملاكاً وعقارات في المنطقة المحيطة بمرقد ذي الكفل ومنها السوق المؤدي إلى المرقد المسمى بسوق دانيال، وبسبب تفشي الرشوة بين الولاة العثمانيين في بغداد وغيرها وكذلك بين الإداريين المحليين لذلك استطاعوا أن يضعوا أيديهم على مسجد النخيلة وادعوا انه من المنشآت اليهودية، فوقع الخلاف بينهم وبين الحاج ذرب بن عباس وهو (السادن الرسمي لمرقد ذي الكفل)(14).

كان الشيخ علي بن الملا حمزة الملقب بالخيري كاتباً ونائباً على إدارة الأملاك والوقوف التي تحت تصرف وتوليه الحاج ذرب بن عباس وبنفس الوقت ممثلاً لبعض العلماء في النجف الأشرف.

نهض الحاج ذرب والشيخ علي لمقاومة الوجود اليهودي في مدينة الكفل ومنعهم من التجاوز على الأوقاف الإسلامية. فكانت قصة المنارة.

وخلاصة القصة كما يرويها المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي نقلاً عن الشيخ علي نفسه يقول:

(إن في سنة 1305هـ ادعى الحاج ذرب بن عباس بأن جامع ذي الكفل يعود للمسلمين بدليل وجود منبر ومحراب إسلامي ومنارة يؤذن عليها، وأن اليهود تملكوه، وبنوا فيه مخازن وبيوتاً يأوي إليها الزائرون.. فأنكر اليهود وجود ذلك كله، فندبت حكومة بغداد رجلا من موظفيها يكشف عن كنة الأمر، فجاء إلى قرية ذي الكفل، وجلس في ظل المنارة، وكتب تقريراً خلاصته (أن لا منارة هناك)، فكتب الحاج ذرب إلى الآستانة كراسة صغيرة بحث فيها عن المسجد وحدوده القديمة ومساحته وما فيه الآن من بنايات حديثة لليهود وتأريخ المنارة، وموضع المحراب والمنبر، ورفع ذلك إلى الباب العالي في عهد السلطان عبد الحميد فأوفدت من الآستانة لجنة لحل النزاع واستيضاح الحقيقة، ولكنها عند وصولها بغداد توصل إليها اليهود بالمال، ذلك بتوسط (صالح دانيال)، فأيدت التقرير الأول، ونفت وجود المنارة في الكفل من دون أن تصل إليها وبعثت في تأييد قرارها من أخذ صورة فوتوغرافية للقرية من إحدى جهاتها التي لا يظهر فيها شكل المنارة)(15).

أما صاحب المراقد فيقول: (الوفد التركي حل ضيفاً على بعض اليهود أياماً، فأغروهم بالمال والمغريات.. التي هي من عاداتهم إبرازها إذا عجزوا عن التوصل لحل مشاكلهم.. لذا أنكر الوفد العثماني أن في المنطقة أثراً إسلامياً، ولم تكن هناك منارة ولا مسجد النخيلة)(16).

لقد أصبحت قصة إنكار منارة مسجد النخيلة ـ منارة الكفل ـ من المثل السائر بين الناس ولعل أروع ما قيل فيها هو ما نظمه الحجة الكبير المرحوم السيد رضا الهندي. قال رحمه الله

المصدر وإستطلاع