متى المسكين

أبونا متى المسكين (1919-2006)

الأب متى المسكين (20 سبتمبر 1919 - 8 يونيو 2006) راهب قبطي مصري. ويطلق عليه "الـمُصلِح". رأس دير القديس مكاريوس في وادي النطرون. أخذ اعتراف البابا شنودة الثالث (في خمسينات القرن العشرين). كان الزعيم الروحي للأنبا بيشوي كامل من الإسكندرية. ولدى وفاة البابا كيرلس السادس, كان متى المسكين أحد المرشحين لخلافته، إلا أنه لم يبلغ تصفيات الثلاثة النهائيين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد عام 1919 بمدينة بنها, القليوبية , باسم يوسف اسكندر .

تخرج في كلية الصيدلة جامعة القاهرة عام 1944. اشتغل في المهنة حتى سنة 1948. كان يمتلك صيدلية في دمنهور. لكنه سمع صوت الرب وأطاعه. وباع كل ما يملك ووزعه على الفقراء ولم يحتفظ إلا بثمن التذكرة ذهاب.

ترهبن في دير بدير الانبا صموئيل العامر بجبل القلمون في الصعيد يوم 10 أغسطس 1948 وكان قد اختار هذا الدير لأنه كان أفقر دير وأبعد دير عن العمران وأكثرهم عزلة. كان يطوي الليالي في قراءة الكتاب المقدس بتعمق شديد وفي الصلاة والتسبيح حتى الصباح. وهناك بدأ يخط أولى صفحات أهم وأول كتبه وهو كتاب: ”حياة الصلاة الأرثوذكسية“ (الذي صدر عام 1952، ونُقِّح وزيد عام 1968، وترجم ونُشر بالفرنسية عام 1977، وبالإيطالية عام 1998، ثم بالإنجليزية ونُشر بواسطة دار نشر ٍSVS التابعة لمعهد سانت فلاديمير اللاهوتي بنيويورك عام 2002).

سرعان ما هزلت صحته بسبب فقر الدير الشديد، ولكنه أجبر على الانتقال إلى دير السريان ـ وادي النطرون للتوحد (سنة 1951). وهناك تقبَّل نعمة الكهنوت رغماً عنه. وانضم اليه 7 رهبان اخرين في عام 1960, و في عام 1964 زاد العدد الى 12 راهب .

عاش متوحداً في مغارة وسط الصخور بعيداً عن الدير، وبعد سنتين، كلف أن يصير أباً روحياً لرهبان الدير وعلى الأخص للشباب المتقدم للرهبنة حديثاً. وهكذا صار رائداً للنهضة الرهبانية في الكنيسة القبطية في هذا الجيل.

ثم ارسلوا لتعمير دير الانبا مقار ببرية شيهيت بتكليف من البابا كيرلس السادس و بدعوة من الانبا ميخائيل مطران اسيوط و رئيس الدير .

أرجع الرهبنة إلى حياتها الأولى وأحيا من جديد روح الآباء النساك الأوائل بحياته الروحية والنسكية على أعلى مستوى، بالإضافة إلى روح أبوة وتلمذة وتدبير لأول مرة في برية الأسقيط منذ عصر الآباء الأوائل، مما جمع الشباب المسيحي حوله. ومن هنا بدأت أول جماعة رهبانية في العصر الحديث متتلمذة على أب روحي واحد كما كانت الرهبنة في بدء تكوينها.

ظل يدبر هذه الجماعة الرهبانية الأولى وهو في مغارته بعيداً عن الدير. لمدة سنتين (1952-1954). وهناك أكمل أول كتاب له: ”حياة الصلاة الأرثوذكسية“. (الذي تم الانتهاء من الطباعة في يوم الأربعاء 7 أكتوبر 1953، ونُقِّح وزيد عام ، وتُرجم للإنجليزية ونُشر بواسطة دار نشر SVS التابعة لمعهد سانت فلاديمير اللاهوتي بنيويورك عام ، كما نُشربالفرنسية عام 1997 وبالإيطالية عام 1999م). في 1954 اختاره بابا الإسكندرية الأنبا يوساب الثاني (1946-1956) وكيلاً له في مدينة الإسكندرية (بعد أن رفع درجته الكهنوتية إلى إيغومانس "قمص") حيث مكث حوالي سنة وشهرين (مارس 54-مايو 55) هناك، ترك في شعبها أثراً روحياً عميقاً ما زال ظاهراً حتى اليوم في إكليروس وشعب الكنائس القبطية في الإسكندرية (حوالي 40 كنيسة).

إلا أنه في أوائل عام 1955 آثر العودة إلى مغارته بالدير ليكمل حياته الرهبانية في الوحدة والسكون، أُقيل (تلغراف من أنبا يوساب) وعاد إلى دير السريان. وآنذاك ازداد الإقبال على التتلمذ له في طريق الرهبنة.

في الجمعة 20 يوليو 1956 ترك دير السريان إلى ديره القديم (الأنبا صموئيل) طلباً لمزيد من الخلوة والهدوء. فتبعه تلاميذه الجدد إلى هناك.

ظل هناك 3 سنين رُشح خلالها للمرة الأولى ليكون بطريركاً. في عام 1960 (29 يناير 1960 - فجر سبت لعازر 9 أبريل 1960) عاد هو وتلاميذه إلى دير السريان استجابة لطلب البابا القبطي الجديد البابا كيرلس السادس (1959-1971)، لكنهم آثروا أن يرجعوا إلى حياة الوحدة والهدوء والكامل للحفاظ على روح الرهبنة الأولى. فذهبوا إلى صحراء وادي الريان 11 أغسطس 1960 (تبعد 50 كيلو عن أقرب قرية مأهولة بالسكان في محافظة الفيوم - في عمق الصحراء). وعاشوا هناك في كهوف محفورة في الجبال، حفروها بأيديهم، بحياة مشابهة تماماً وفي كل شيء لحياة آباء الرهبنة الأوائل أنطونيوس ومقاريوس. واستمروا هكذا 9 سنين. ازدادت جماعتهم الرهبانية بالرغم من انقطاع كل صلة بينهم وبين العالم. في هذه الفترة، ألَّف كتباً روحية كثيرة ما زال يقرأها حتى الآن الشباب المسيحي في مصر والشرق الأوسط ويتأثرون بها.

في سنة 1969 دعاه البابا كيرلس السادس مع جماعته الرهبانية (12 راهباً) للانتقال إلى دير أنبا مقار (منتصف المسافة من القاهرة والإسكندرية) بوادي النطرون (من القرن الرابع) الذي كانت الحياة الرهبانية فيه توشك أن تنطفئ وعهد إليه بمهمة تعمير الدير وإحياء الحياة الرهبانية في الدير من جديد. لم يكن فيه أكثر من خمسة رهبان (مسنين ومرضى) ومباني الدير توشك أن تتساقط. من هذا التاريخ بدأت النهضة العمرانية والنهضة الرهبانية الجديدة الملازمة لها. أصبح الآن (2006) في الدير حوالي 130 راهباً.

اتسعت مساحة الدير ستة أضعاف المساحة الأصلية بحيث تتسع لمائة وخمسين راهباً. أصبح الدير محجّاً للزائرين ليس من مصر وحدها بل ومن كل العالم. استمرت حركة التأليف الديني مستمرة وأصبح له أكثر من 180 كتاباً بخلاف ما ينشره من مقالات في مجلات وجرائد دورية (أكثر من 300 مقالة).

في عام 1988 بدأ في تأليف شروحاً لبعض أسفار العهد الجديد صدرت في 16 مجلد تتسم بالشرح الأكاديمي والتفسير الروحي واللاهوتي. ويتراوح حجم هذه التفسير ما بين 500 – 800 صفحة. وكان قد سبق أن ألَّف مجلداً ضخماً عن القديس أثناسيوس الرسولي سيرة حياته وجهاده ولاهوته (800 صفحة)، ومجلداً عن الرهبنة القبطية في عصر القديس أنبا مقار (800 صفحة)، ومجلداً عن سر الإفخارستيا (700 صفحة)، ومجلداً عن حياة القديس بولس الرسول ولاهوته.

بعض هذه الكتب والمقالات تُرجم إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية واليونانية والإسبانية والهولندية والبولندية (بلهجاتها). حياة الدير اليومية ليست مُقيَّدة بقوانين رهبانية صارمة، ولكنها قائمة على إلهام الروح للأب الروحي من جهة كل راهب وكل أحداث الحياة اليومية. حياة الرهبان معاً حياة شركة وفي الوقت نفسه حياة توحد. لأن القلاية التي يسكن فيها الراهب تجعله قادراً أن يؤدي عبادته بدون خروج منها. وظل حتى وهو على فراش المرض في سن السابعة والثمانين يكتب ويؤلف. وقد أصدر 4 أجزاء من أحدث كتاباته سلسلة بإسم ”مع المسيح“ في هيئة مقالات تأملية في الإنجيل لتعليم وتعزية الشعب المسيحي في مصر والعالم، ويجري حالياً ترجمتها إلى الإنجيليزية.


وفاته

«"الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت"»

انتقل إلى الأمجاد السماوية قدس الأب الروحي لدير القديس أنبا مقار القمص متى المسكين الراهب الناسك والعالم القبطي الكنسي الفاضل عن عمر يناهز السابعة والثمانين بعد مرض قصير الأجل. وكان قد نُقل إلى الدير (الساعة الواحدة صباح الخميس 8 يونية 2006) من المستشفى الذي قضى به حوالى 4 أسابيع، حيث وصل جثمانه الطاهر إلى الكنيسة الكبرى الساعة الخامسة فجراً بينما كان مجمع رهبان الدير مجتمعين كالمعتاد يومياً يرتلون التسبحة السنوية ويرفعون بخور باكر ويقدِّمون الذبيحة المقدسة. وبعد انتهاء صلاة القداس الإلهي صلَّى على الجثمان الطاهر إيغومانس الدير(أو الربيتة) والكهنة صلوات طقس الصلاة على المنتقلين. ثم تقدم الرهبان واحداً فواحداً وقبَّلوا الجسد الطاهر وتباركوا منه، ثم حملوا النعش على أكتافهم وزفُّوه بألحان وترانيم القيامة والصعود: المسيح قام من بين الأموات، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين أبيه في السموات. ثم داروا به حول الهيكل، فصحن الكنيسة، ثم خرجوا به خارج الدير حيث سُجِّي في المغارة التى أوصى بمكانها الأب قبل انتقاله بأربع سنوات.

والأب متى المسكين هو الأب الروحي لدير القديس أنبا مقار (من مايو 1969 – 8 يونية 2006 بناء على تكليف رسمي من قداسة البابا الراحل كيرلس السادس). وهو باعث النهضة في الحياة الرهبانية القبطية منذ تركه ممتلكاته ومهنته لانخراطه في سلك الرهبنة عام 1948 في أربعة أديرة : دير الأنبا صموئيل (1948 - 1951)، ثم دير السريان (1951-1956) ثم دير الأنبا صموئيل (1956 - 1959) ثم مغائر وادي الريان (1960 - 1969) وأخيراً في دير أنبا مقار. لقد حمل مسئولية تجديد الحياة النسكية مع الاحتفاظ بالأصالة الآبائية القديمة، وبالإضافة إلى ذلك حمل مشعل العلم والتنوير اللاهوتي والروحي في الكنيسة بنفس منهج الأصالة والرجوع إلى الجذور الإنجيلية والآبائية ولكن مع التقديم العصري المناسب لذهنية الحاضر. ولقد انتقل بالرهبنة من عصر احتضان بسطاء الفكر وغير الجادين في الحياة الدينية إلى الرهبنة المتفانية في العبادة وفي الوقت نفسه المتفاعلة مع الناس بتقديم القدوة الصامتة في الزهد في مشتهيات الأرض الزائلة مقابل خدمة الفقراء والمساكين وبؤساء الأرض الذين ليس أحد يذكرهم. فبأيدي الرهبان يزرعون ويعملون ليُقيتوا أنفسهم بالقليل ويُفرِّحوا قلب المساكين بالكثير. وهذه كانت أعز خدمة ختم بها حياته

انظر أيضاً

وصلات خارجية

صور