كتاب التشوف

كتاب التشوف
العنوان الأصلي التشوف إلى رجال التصوف
المؤلف أبي يعقوب يوسف بن يحيى التادلي ابن الزيات
اللغة العربية
الناشر
معرفة المصادر ابحث
التقديم
نوع الطباعة ورقي غلاف كرتوني

كتاب التشوف يحكي الكتاب إلي معرفة رجال التصوف و هو لابن الزيات، الذي ألفه عام (617هـ/1220م)، و من أهم المصادر التراثية المغربية التي استطاعت الكشف عن مناقب كثير من الصلحاء والأولياء في المغرب. ويعتبر يوسف بن يحيى التادلي أول من أرخ للتصوف ورجاله بالمغرب.

وقد ضم هذا المؤلف بين دفتيه أخبار ما يربو عن سبعة وسبعين ومائتين من أبرز رجالات العلم والولاية والكرامات بالمغرب، وأكثرهم من صلحاء الجنوب، وذلك إلى حدود سنة (517هـ/1123م). كما احتوى هذا المؤلف نصا آخر للتادلي، خصصه لأخبار أبي العباس السبتي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الكتاب يمثل رصيدا تاريخيا مهما

يشتمل هذا المؤلف إلى جانب تلك التراجم والأخبار، على مادة تاريخية في غاية الأهمية والدقة، تخص الجانب الاجتماعي والفكري والسياسي من تاريخ المغرب، سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار الظرفية الزمنية الدقيقة التي ألف فيها هذا المصنف. وقد مثلت الفترة الزمنية الممتدة ما بين القرن الخامس والقرن السابع للهجرة منعطفا حاسما في التاريخ الثقافي بالمغرب الأقصى. وبعبارة أدق، يمكن القول بأن مادة هذا الكتاب تضعنا أمام رصيد تاريخي مغر يفسر لنا الاهتمام المتزايد بالكتاب من قبل الباحثين في تاريخ المغرب خاصة، لا من زاوية التاريخ الديني فحسب، على حد تعبير "أدولف فور"، بل حتى من منظور التاريخ الكلي، اجتماعيا وثقافيا. ثم إن المادة العلمية التراثية المبثوثة في ثنايا هذا المؤلف، وإن لم يكن القصد من ورائها التأريخ لعلم التصوف، حيث إن المؤلف قد أشار في مقدمة كتابه إلى أنه قد جرد الكتاب من علوم التصوف واقتصر على إيراد أخبار الرجال؛ فإنها مع ذلك تكشف بطريقة أو بأخرى جانبا مهما من تاريخ التصوف بالمغرب.

  • - اهتمام الباحثين بتحقيق نصوص الكتاب

نظرا للأهمية العلمية التي تميز بها كتاب التشوف، اهتم كثير من الباحثين، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وعلى مختلف مشاربهم، بتحقيق نصوص هذا الكتاب وإخراجها للوجود. حيث لقي هذا الكتاب عناية خاصة في حياة المؤلف وبعد مماته، تجلت هذه العناية في عدة وجوه لعل أبرزها:

  • - روايته بالسند في فهارس كبار الأعلام
  • - اختصاره كما فعل أحمد بن علوان المصري (ت 787هـ) وأحمد بن عبد الله السملالي (ت1093هـ)، أو نظم رجاله كما فعل أحمد بن عبد القادر التستاوتي سنة (1127).
  • - كثرة النقل عنه من الذين كتبوا في التراجم والمناقب سواء أشاروا إليه أو لم يشيروا، منهم على سبيل المثال صاحب جذوة الاقتباس وصاحب سلوة الأنفاس وصاحب الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام.
  • - التأليف على غراره في أخبار الصلحاء أفرادا وجماعات، والنسج على منواله في سرد تلك الأخبار وكأنه رسم نموذج هذه الكتابة وحدد معالم تلك الصورة. (1)

إلا أن هذا الاهتمام الكبير الذي حظي به هذا المصنف، سواء من حيث غزارة نسخه الموجودة في مختلف الخزانات الخاصة والعامة أو من حيث كثرة نساخه، جعلت هذه المادة التراثية تتعرض لكثير من التصحيف والمغالطات سيما ما تعلق منه بأسماء الأشخاص والأماكن.


النسخة التي بين أيدينا

كانت أول طبعة لكتاب "التشوف إلى رجال التصوف" لابن الزيات سنة 1958 قد صدرت ضمن مطبوعات معهد الأبحاث العليا المغربية (الجزء الثاني عشر). وهذه الطبعة كان قد اعتنى بتصحيحها ونشرها "أدولف فور" الذي كان إذ ذاك أستاذا بمعهد الأبحاث العليا المغربية. وفي السنوات الأخيرة اعتنت كلية الآداب بالرباط بنشر طبعة ثانية من كتاب التشوف، ضمن سلسة نشر كتب التراث وإخراجها، في سنة 1997، في 544 صفحة من القطع المتوسط، وقام بتحقيقها الأستاذ أحمد التوفيق، وهي النسخة التي بين أيدينا. لقد استجمع المحقق وهو بصدد تحقيقه لكتاب التشوف مجموعة من النسخ غير التي اعتمدها فور المحقق السابق لهذا الكتاب، فاستدرك بهذه النسخ عددا من الكلمات والجمل التي لا توجد في طبعة فور. لذلك سعى المحقق جاهدا إلى إبطال كثير من القراءات في الحواشي التي لم تثبت صحتها أو نسبتها. أما تصحيح رسم الأعلام أو قراءتها فقد اعتمد فيه المحقق لغة المواطن الأصلية للمترجمين، ولا سيما القاموس الذي وضعه شارل دوفوكو للغة التوارك التي حافظت على كثير مما اندثر في المغرب الأقصى من الدلالات الصنهاجية. كما أورد تعريفات مقتضبة لا يختنق بها النص لعدد من الأعلام، قصده من ذلك –كما أكد في مقدمة تحقيقه- تقريب القارئ من السياق المحسوس التاريخي والجغرافي للأخبار الواردة في الكتاب... أضف إلى ذلك أن المحقق قد وضع خريطة تبين، ولو بصفة تقريبية في بعض الأحيان، مواقع القبائل والأماكن المذكورة ومواقع الرباطات ومدافن المترجمين. كما ألحق الأستاذ أحمد التوفيق بهذه الطبعة ترجمة أبي العباس السبتي، وهي ليست من كتاب التشوف، لأن المؤلف قد وضعها تأليفا خاصا. ونسخها متوفرة بكيفية مستقلة أو ملحقة بالتشوف في مجلد واحد بمعظم المخطوطات المشار إليها. هذه النسخة التي اعتمد في إخراجها على نسختين هما: 1- نسخة ملحقة بنسخة التشوف في الخزانة الملكية .. 2- نسخة ملحقة بنسخة التشوف الأميرية بالخزانة العامة وفي الأخير وضع المحقق لكل من التشوف وترجمة أبي العباس السبتي فهارس للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقوافي والكتب وأعلام الأشخاص والجماعات والأمكنة والتراجم.(2)

التشوف ومشروع بعث رجالات التصوف بالجنوب

إن قصد ابن الزيات من تأليفه لهذا الكتاب هو "إعلام كثير ممن خفي عنهم من كان بحضرة مراكش من الصالحين ومن قدمها من أكابر الفضلاء". وهو ما قرره في مقدمة كتابه بقوله: "ولما خفي عن كثير علم من كان بحضرة مراكش من الصالحين ومن قدمها من أكابر الفضلاء، رأيت أن أفرغ لذلك وقتا أجمع فيه طائفة أدون أخبارهم وأضيف إلى ذلك من كان من أعمالها وما اتصل بها من أهل هذه العدوة الدنيا. وربما ذكرت من قدم مراكش وما اتصل بها وإن كان من غيرها، إذا كان مماته بها. وذكرت من هو من أهل هذه العدوة وإن كان مماته بغيرها. وتحريت في نقل ذلك عن أهل الثقة والأمانة والخير والصلاح والمستورين ما استطعت. وربما ذكرت بإسنادي ما نقلته من ذلك. وربما سمعت الخبر من عدة طرق بألفاظ كثيرة. فاعتمدت على أصحها سندا وأقربها إلى الصواب لفظا. ونبهت، عند ذكر كل رجل ذكرته، على مقامه المعلوم له. وإن كان مشتملا على أضراب من أفاضل العلماء والفقهاء والزهاد والورعين وغير ذلك من ضروب أهل الفضل؛ فإن اسم الصوفي يصدق على جميعهم بوضع هذا الاسم عند المحققين..."(3) وربما كانت القضية المركزية التي كان يتمحور حولها هذا المؤلف هي رصد الواقع العمراني لمدينة مراكش خلال النصف الثاني من القرن السادس الهجري، وما واكب ذلك من تناقضات وتباينات. سيما ما شهدته البلاد في هذه الفترة من هزائم وتراجعات إن على المستوى السياسي أو العسكري كان أبرزها هزيمة عقاب.. هذا الواقع المرير كان يشعر الكثيرين سيما مع بداية القرن السابع بأن "رجال الفضل والصلاح" قد ولى زمنهم، وبتعبير المؤلف " وبالجملة فقد قل الصالحون المخلصون في هذا الأوان..." لذا وقع اهتمام المؤلف ببعث هذا الجيل من الفضلاء والأولياء والصالحين، وذلك بالتعريف بهم وبأحوالهم وأخبارهم.

أصل الرواة المصدر الوحيد لمادة كتاب التشوف

يضم كتاب "التشوف" تراجم عدد من الرجال الذين تنتهي إليهم معظم الأسانيد الصوفية في المغرب الأقصى.. وقبل أن يذكر المؤلف مختلف الأعلام المترجم لهم خصص مقدمة أو مدخلا لهذا المصنف ضمها سبعة أبواب اعتبرها لازمة: الباب الأول: في صفة الأولياء الباب الثاني: في حفظ قلوبهم وترك النكير عليهم الباب الثالث: في محبتهم الباب الرابع: في زيارتهم ومجالستهم الباب الخامس: في حسن الثناء ووضع القبول لهم في الأرض الباب السادس: في إثبات أحوالهم الباب السابع: في إثبات كراماتهم ويشتمل على فصول.. وقد شرع في تصنيف هذا الكتاب كما ذكر في مقدمة الكتاب- "شهر شعبان المبارك من سنة سبع عشرة وستمائة، ولم أتعرض فيه لأحد من الأحياء، وأكبر من في وقتنا هذا، ممن هو حي الشيخ الصالح الصوفي أبو محمد صالح بن ينصارن بن غفيان الدكالي ثم الماجري نزيل رباط آسفي. وهو إلى الآن لا يفتر عن الاجتهاد والمحافظة على المواصلة والأوراد من كلامه: الفقير ليس له نهاية إلا الموت...: (4) إن المادة الغزيرة والفريدة التي أودعها التادلي في مصنفه تومئ إلى أن هذا العمل قد تطلب منه جهدا جهيدا ووقتا طويلا ليجمع أخبار مائتين وتسعة وسبعين من الرجال والنساء من بينهم تسعة عشر من المجاهيل، ومن مختلف مناطق المغرب الأقصى من أغمات ومراكش وأعمالها ودكالة وركراكة وتادلة وهسكورة وسجلماسة وفاس ومكناس وسلا وسبتة ودرعة وسوس الأقصى وتلمسان وبجاية وغيرها. وأول من ترجم لهم من الأولياء هو محمد بن سعدون القروي (ت 485)، وآخرهم أبو علي عمر بن علي (ت616). قال ابن الزيات: " واخترت أن أبتدئ وأختم بمن اسمه محمد تبركا باسم نبينا صلى الله عليه وسلم. والله سبحانه المسؤول والمأمول في المعونة على ما فيه رضاه والعصمة من الزلل في القول والعمل وان يجعل أعمالنا وأقوالنا خالصة لوجهه الكريم. إنه سميع مجيب وهو حسبي ونعم الوكيل."(5) ومما يستخلص من مختلف تلك التراجم أن هناك رجالا -سيما بعض الأندلسيين- ترجم لهم وهم كانوا مشهورين من طريق غير طريق ابن الزيات، ورجالا انفرد في الإخبار عنهم ورواية أحوالهم، ورجالا لم يعرفوا ويشتهروا إلا من طريقه، حيث أصبحت تلك التراجم عمدة لمن جاء بعد التادلي. وهؤلاء الذين نقل ابن الزيات أخبارهم بالسند عبر جيل أو جيلين أو ثلاثة أجيال، عاشوا ما بين القرنين الخامس والسادس الهجريين. لذا يمكن القول بأن أصل الرواة هو المصدر الوحيد لمادة كتاب التشوف، فقد أخذ هذه الأخبار عما يربو عن خمسين من الرواة بلفظ "سمعت فلانا" و"حدثني فلان" وربما قال: "كتب إلي بذلك فلان"، ويقل في هؤلاء الرواة من نجد له ذكرا في كتب التراجم. ويظهر بالاستقراء أن المؤلف قد نوع من مصادر استقائه لأخبار هؤلاء، فمنهم من كان على صلة مباشرة بالتادلي وباشرهم عن قرب. وجلس إليهم وراقب أحوالهم بنفسه. كما يظهر بالاستقراء أيضا أنه أكثر من الرواية عن أشخاص معينين في أخبار مناطق معينة، كأخبار سجلماسة عن محمد بن أبي القاسم، وأخبار سبتة عن أحمد بن إبراهيم الأزدي، وأخبار تادلة عن عبد الله بن موسى، وأخبار دكالة عن داود بن عبد الخالق الخ. وقد روى بعض مخبريه عن طبقة أخرى من الرواة بالنسبة للجيلين الأولين من المترجمين.(6)

خاتمة

إن قراءة متأنية لكتاب التشوف تكشف أن ابن الزيات لم يكن ذلك المؤلف الذي اقتصر ظاهر عمله على سرد الأحداث، وأخبار الرجال، وذكر كراماتهم وولاياتهم، بل كان واعيا بكنه ما يكتب، ومدركا لخصوصية المادة التي يجمعها. وكأي مؤلف علمي، لم يسلم كتاب التشوف من بعض الثغرات والانتقادات، خاصة منها مؤاخذة البعض له لعدم إدراجه لترجمات كثير من الزهاد والصالحين، خصوصا في المنطقة التي اهتم بها وفي المدة الزمنية التي تناولها، حيث لم يدرج مثلا- ترجمة القاضي عياض والسهيلي وغيرهما رغم منحاهما الزهدي. فكانت هذه النقطة مما يؤاخذ على هذا الكتاب.. ثم جاء بعد التادلي عبد الحق البادسي، فأرخ لرجالات شمال المغرب، وأسماه "المقصد الشريف، والمنزع اللطيف، في التعريف بصلحاء الريف"، مستدركا بذلك جانبا مهما مما لم يذكره التادلي. ويبقى كتاب التشوف كتابا جليل الفائدة، وله أثر نفسي إيماني لمن قصد الاطلاع عليه، وهو المقصود الأسمى لهذا المصنف، فالمؤلف عندما برر في المقدمة ذكره لجملة من المجهولين والمجهولات قال: "إذ المقصود إيراد عجائب أخبارهم لعل الله أن ينفع بهم".

الهوامش

هو يوسف بن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمان التادلي، المعروف بابن الزيات، كان شيخا وفقيها وقاضيا وأديبا. تذكر المصادر انه صحب أبا العباس السبتي، ولقي أبا محمد عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري وأبا عمرو عثمان بن عبد الله الفاسي المعروف بالسلالقي أو السلالجي.. أخذ العلم عن شيوخ كبار من أمثال أبي موسى عيسى بن عبد العزيز القزولي الذي كان قطبا في علوم العربية، وأبي القاسم أحمد بن بقي الأموي... وغيرهما، وقد اكسبه التتلمذ على يد هؤلاء الكبار مكانة علمية كبيرة، ومتانة في اللغة العربية، الجانب الذي يبرز بشكل جلي في كتابه "التشوف". ويعد كتاباه التشوف وأخبار أبي العباس السبتي من أبرز تآليفه في التصوف، وإن كانت تنسب إليه تآليف أخرى في صلحاء المغرب لم تثبت نسبتها إليه. توفي التادلي بركراكة سنة 627هـ وقيل سنة 628هـ.[1]

المصادر