فرمان 28 يونيو 1891

فرمان 28 يونيو 1891، هو فرمان أصدره السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، يمنع استيطان اليهود، ويمنع تسللهم إلى فلسطين خشية اقامة حكومة فيها. وقد جاء هذا الفرمان في أعقاب محاولة الألماني پول فريدمان إنشاء أول مستوطنة لليهود، مستوطنة أرض مدين في مدين، شرق العقبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

كانت ضمن الأراضي التي اسندت إدارتها إلى ولاية مصر بحدودها القديمة - كما سبق الإشارة إليها بعض المراكز على الساحل الشرقي لخليج العقبة وهي الوجه وضبا والمويلح والعقبة بهدف تأمين طريق الحج البري بين مصر والحجاز.

وبعد افتتاح قناة السويس في 1869، أهمل الطريق البري، ونشط الطريق البحري، ولكن ظلت تلك المراكز في حوزة الادارة المصرية حتى 1892، وحيث التواجد المصري من خلال نقاط الحراسة، والمخافر لحراسة وتأمين الطريق، وقبلت الدولة العثمانية بالأمر الواقع رغم فرمان 1841 ولم تقدم احتجاجاً أو رافضاً أو فرماناً بتخلي مصر عن هذه المراكز، حتى نشبت أول أزمة بشأن شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة.[1]

تهيأت أحد أسباب أزمة فرمان 1892، ومنحتها فرصة استعادة واسترجاع تلك المراكز الحيوية على ساحل البحر الأحمر من مصر وضمها إلى ولاية الحجاز. بدأت أزمة فرمان 1892 من محاولات صهيونية مبكرة 1890 في شرق خليج العقبة على مقربة من فلسطين. زار مصر عام 1890 رجل يدعى بول فريدمان الذي اتصل بسلطات الاحتلال البريطاني في مصر وأبلغها نيته في استعمار بعض الأراضي في جزيرة العرب، لم تكترث سلطات الاحتلال، ورجال الحكومة المصرية بالمسألة كثيراً، وبالتالي لم يمانعوا أو يمنعوا الرجل من طلبه. وفي أواخر عام 1890 عاد الرجل ويرافقه نحو ثلاثين عائلة من اليهود المهاجرين، وفي بعض المراجع عشرون، واشترى أرضاً في جهة المويلح على ساحل البحر الاحمر وعلى مقربة من خليج العقبة.

كانت محاولة صهيونية مبكرة للاستيطان، وكانت محاولة يائسة وقد فشلت لعدة أسباب منها أن هذا الجماعة الإسرائيلية لم تحسن معاملة الأهالي، إضافة إلى تشكك الأهالي في نية هؤلاء الأوروبيين الأغراب تجاه أراضيهم، وقد سبق في عام 1882 أن انقضوا على بعثة بالمر الذي اتجه نحو سيناء وتوغل بها مما أثار شك وحفيظة الأهالي، فقد كانوا جواسيس أثناء الثورة العرابية، ومن ثم قتلوا أعضاء البعثة. ولاشك في أن هناك تشابهاً شديداً في سلوك ورد فعل البدو بين أهل شبه جزيرة سيناء وبين أهل الحجاز، حيث يرفضون الغربي، ويغارون على بلادهم. والأمر الثاني أن الدولة العثمانية تحظر بيع الأراضي للأجانب في شبه جزيرة العرب. أثار هذا الأمر الحكومة العثمانية على مستويين أولاً من والي الحجاز الذي أصدر أمره لأحد الضباط مع عدد من الجنود العثمانيين ليتولوا حراسة قلعة المويلح وما يليها من مراكز، حيث هي أراضي حجازية وليست مصرية، بل هي من أملاك الدولة العلية. وفي تلك الأثناء توجه بعض الجنود المصريين تحت قيادة ضابط إنجليزي بهدف طلب إخلاء الجنود العثمانيين؛ لأن تلك المراكز هي أراضي في عهدة الحكومة الصمرية. والمستوى الثاني في محادثات فض أزمة فريدمان، كانت بين الغازي مختار باشا والحكومة المصرية، وبين رستم باشا السفير العثماني بلندن - واللورد سالزبري. وانتهت تلك المحاولة اليائسة بالفشل، وأخفق مشروعه الوهمي بتأسيس مملكة إسرائيلية في أرض إسرائيل الأولى.

كانت تلك ارهاصات فكرية، ومحاولة استيطان مبكرة، لم يكتب لها النجاح، ولكنها تركت صداها على المحاولات المتكررة لاستيطان سيناء أو فلسطين في المستقبل، وقد تواءمت المطامع الاستعمارية في سيناء مع المطامع الصهيونية.

يتضح من هذه الحركة الإسرائيلية المبكرة أنها تهدف إلى التسلل إلى فلسطين لتحقيق حلمهم في فلسطين. فهل كان اختيار فريدمان وجماعته للمويلح هو الاستيلاء واستعمار مراكز حيوية على ساحل البحر الأحمر لاحياء مملكة سليمان القديمة، أم محاولة الاستيطان للمقايضة على فلسطين - الحلم النهائي - أم لسهولة الوثوب منها إلى فلسطين والتوسع في اتجاه شبه جزيرة سيناء؟

نبهت تلك المحاولات المبكرة للاستيطان الدولة العثمانية إلى ضرورة عدة أمور منها:

1- خطر اليهود وهدفهم النهائي هو تشكيل حكومة يهودية في فلسطين.

2- اعادة رسم خط الحدود الشرقية لمصر.

أدرك السلطان عبد الحميد خطر اليهود، حيث أن قبولهم أو قبول التسلل إلى الممالك العثمانية سيؤدي في المستقبل إلى تشكيل حكومة يهودية. ورفض فكرة قبول هؤلاء اليهود واعطائهم حقوق المواطنة، لأنها تؤدي إلى اثارة مسألة يهودية تطرح على الساحة الدولية. كان السلطان عبد الحميد بحسه السياسي والديني يدرك خطورة تسلل اليهود إلى أي من الممالك العثمانية لأن:

1- الممالك الشاهانية ليست أراضي خالية أو متروكة.

2- سيلحق اليهود الضرر بأهل البلاد كما فعلوا في البلاد التي طردوا منها.

3- سيتحول الأمر إلى مسألة يهودية تحظى بدعم أوروبي.

أصدر السلطان عبد الحميد (1876-1909) ثلاثة فرمانات متتالية عام 1891 لكي يمنع استيطان اليهود، ويمنع تسللهم إلى فلسطين خشية اقامة حكومة، وبذلك يتضح موقف السلطان عبد الحميد من دراسة وتحليل الفرمانات الثلاثة.


نص الفرمان

Cquote2.png إن قبول الذين طردوا من كل مكان في الممالك العثمانية سيؤدي في المستقبل إلى تشكيل حكومة يهودية، لذا فإن اجراء هذه المعاملات غير جائز وبخاصة أن الممالك الشاهانية ليست من قبيل الأراضي الخالية والمتروكة.

ولما كان من المفروض إرسال هؤلاء إلى أمريكا، لذا فلا يقبل هؤلاء ولا أمثالهم، بل يجب وضعهم في السفن فوراً لإرسالهم إلى امريكان. وينبغي أن يتخذ مجلس الوزراء العثماني قرارا قطعيا بخصوص تفاصيل هذا الأمر وعرضه علينا. إذا ما الداعي لقبول من طردهم الأوروبيون المتمدنون ولم يقبلوهم في ديارهم وفضلاً عن ذلك فإن هناك دسائس كثيرة، لذا فإن هذا الأمر غير جائز على الإطلاق.

وبناء على ذلك وحتى لا يبقى هناك أي مجال بعد الآن لأي معروضات أخرى في هذا الخصوص، تعاد هذه المذكرة للصدارة العظمى لاتخاذ قرار عام في هذا الموضوع.

Cquote1.png

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ ألفت أحمد الخشاب (2008). تاريخ تطور حدود مصر الشرقية. دار الشروق.